|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقاؤنا شرح لحديث من جوامع الكلم، وهو في المعاملات.
أعلى المرادات وأولى المطالب أن يصل الإنسان إلى دجة الإحسان،
فما الطريق إلى الإحسان؟
لابدَّ أن تتصور أن كل مرتبة من مراتب الدين (مُحسن مؤمن
متقي) لها طريق، وهذا الطريق بُيِّن بالنصوص في الكتاب والسُّنة، فالله عزّ وجلّ لم
يمدح المتقين والمحسنين والصابرين بدون أن يدلّهم على طريق التقوى والصبر والإحسان،
أحياناً الإنسان يسمع هذه الأسماء الممدوحة يقول يارب اجعلني من المتقين، لكن لابدَّ
أن تتعلم كيف تكون من المتقين، كيف تكون من المُحسنين.
ما هو الطريق للإحسان؟ جمع القلب في كل أحواله.بأن:
w يُخلي قلبه من الموانع التي تمنعه عن طريق
الله.
w ويحليه بما يجلب حياة القلب، ولا يجلب لقلبك
الحياة إلا الصلة بالله.
ما معنى طلب التخلية؟
أن أجمع قلبي على أني أريد دفع كل الموانع، وأجمع قلبي على
أني أريد كل الطرق التي توصلني لله عز وجل.
والتحلية ماذا تتطلب منا؟ ثلاثة مسائل:
1. الصدق في بذل الجهد. الصدق في إرادة الوصول إلى درجة
الإحسان، الصدق في إرادة تخلية القلب عن كل طريق يمنع عن الله، عندك حب لهذه
الشهوات لكن كن صادقاً في إرادة دفع هذا المحبوب لما هو أحب إليك، كن صادقاً في أن
يمتلئ قلبك تعلقاً به سبحانه وتعالى.
2. سؤال الله، ولا أعتمد على نفسي في مثل هذه المسألة . سؤال الله أن يطرد من قلبي المفسدات، وأن يُحلي
قلبي بالمُصلحات.
3. تعلم طرقها ووسائلها. ونحن في الحديث نقول: ((اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا
أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، وَأَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا))[1].
هذا الحديث الذي
أخذنا منه المفهوم السابق أني أطلب من الله عز وجل أن يؤتي نفسي تقواها ويزكيها،
فكن صادقاً، واطلب من الله هذا الأمر وتعلم الطريقة.
وفي الحديث: ((يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ أَصْلِحْ
لِي شَأْنِي كُلَّهُ , وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ))[2].
((أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ)) أي قلبي، فلو صلح القلب لصَلَح الشأن كله.
كيف أتعلم طرق التخلية والتخلية ووسائلها وموانعها؟
مصدري الكتاب والسُّنة، منها تتعلم طرق التخلية والتحلية.
·
حَكَى الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ، عَنْ أَبِي
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ إِمَامِ الْمَالِكِيَّةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّهُ قَالَ:
جِمَاعُ آدَابِ
الْخَيْرِ وَأَزِمَّتُهُ تَتَفَرَّعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ :
1.
الحديث الأول: قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ
لِيَصْمُتْ)) [3].
2.
الحديث الثاني: وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ
الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)) [4].
3.
الحديث الثالث: وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ : ((لَا تَغْضَبْ)) [5].
4.
الحديث الرابع: وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: ((الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ
لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) [6].
هذه الأربع أحاديث جماع آداب الخير وأزمته؛ فمن يلتزم بهذه الأربعة سيجد في قلبه من الخيرية ما لا
يجدها مع التشتت، اجمع قلبك على فهم هذه الأحاديث، تجد كل الخير.
نبدأ في شرح
حديث: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ
مَا لَا يَعْنِيهِ))
مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ: "مِنْ" هنا للتبعيض، أي مِن بعض إحسان المرء تركه
ما لا يعنيه.
يقول ابن رجب الحنبلي: "وَهَذَا الْحَدِيثُ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ مَا لَا يَعْنِي منْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ، فَإِذَا تَرَكَ
مَا لَا يَعْنِيهِ ، وَفَعَلَ مَا يَعْنِيهِ كُلَّهُ ، فَقَدْ كَمُلَ حُسْنُ إِسْلَامِهِ"[7].
درجة الإحسان كأنها شقين:
1.
ترك ما لا يعنيك.
2.
فعل ما يعنيك.
وَقَدْ
جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِفَضْلِ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَأَنَّهُ تُضَاعَفُ حَسَنَاتُهُ
، وَتُكَفَّرُ سَيِّئَاتُهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمُضَاعَفَةِ تَكُونُ
بِحَسَبِ حُسْنِ الْإِسْلَامِ
على أي أساس تُضاعف حسناته؟ على حسب درجة حسن إسلامه؛ معنى ذلك أن الناس في حسن الإسلام
متفاوتون.
فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ ،
فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ
ضِعْفٍ ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ))[8].
ما شرط المضاعفة هذه؟ حسن الإسلام.
كيف آتي بحسن
الإسلام؟ من الحديث بترك
ما لا يعني وفعل ما يعني.
إذن من أجل أن أكون أهل لهذا الحديث المضاعفة أن آتى
بحسن الإسلام.
ضد ترك ما لا يعني: الاشتغال بما لا يعني.
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
مِنْ عَلَامَةِ إِعْرَاضِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ: أَنْ يَجْعَلَ
شُغْلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ خِذْلَانٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فالإنشغال فيما لا يَعني من علامة الخذلان.
ما هو مقياس "لا يَعنِي"؟
لأن هذا المقياس
هو الذي فيه الخلاف، أحياناً الشخص يسأل أسئلة ويتصور أنها تعنيه، ويبحث عن مسائل
ويتفكر فيها ويتصور أنها تعنيه..
قَالَ
الْقَارِي -أحد شُراح الترمذي- فِي مَعْنَى تَرْكِهِ مَا لَا يَعْنِيهِ: أَيْ مَا لَا
يُهِمُّهُ وَلَا يَلِيقُ بِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا ، وَنَظَرًا وَفِكْرًا
1-ما لا يهمه .
2-وما لا يليق به .
كيف أتركها ؟
1.
قولاً: لا أتكلم فيها.
2.
فعلاً : لا أفعلها.
3.
نظراً وفكراً : لا أبحث وراءها أو أفكر فيها.
كل ما لا يعنيك ولا يليق بك لا تتكلم عنه، ولا تفعله ولا
تنظر إليه ولا تفكر فيه، هذا هو المطلوب.
وَقَالَ:
"وَحَقِيقَةُ مَا لَا يَعْنِيهِ: مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ضَرُورَةِ دِينِهِ
وَدُنْيَاهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ فِي مَرْضَاةِ مَوْلَاهُ، بِأَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ بِدُونِهِ
مُمْكِنًا، وَهُوَ فِي اسْتِقَامَةِ حَالِهِ بِغَيْرِهِ مُتَمَكِّنًا، وَذَلِكَ يَشْمَلُ
الْأَفْعَالَ الزَّائِدَةَ وَالْأَقْوَالَ الْفَاضِلَةَ"[9]
الفاضلة يعني من الزيادة.
مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ضَرُورَةِ
دِينِهِ وَدُنْيَاهُ: يعني
الأمر ضروري في دنياه هذه مشكلة، لأننا عندنا خلاف في ما هو ضروري في الدنيا.
وَلَا يَنْفَعُهُ فِي مَرْضَاةِ مَوْلَاهُ:
كيف لا ينفعه في مرضاة
مولاه؟
بِأَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ بِدُونِهِ
ممُمْكِنًا: بدون هذا
الموضوع الذي يفكر فيه.
وَهُوَ فِي اسْتِقَامَةِ حَالِهِ بِغَيْرِهِ
مُتَمَكِّنًا: يعني حاله
مستقيمة بدون ما يتكلم أو يفكر أو يفعل هذا الفعل.
وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْأَفْعَالَ الزَّائِدَةَ
وَالْأَقْوَالَ الْفَاضِلَةَ.
ما لا يعني هذا يكون:
·
قولاً
·
وفعلاً
·
وتفكيراً
·
ونظراً.
إذن اترك ما لا يعنيك في الأربعة هذه.
ما هو الذي لا يعنيني؟ الذي لا يهمني ولا يليق بي.
ما هو الشيء الذي لا يهمني؟ الشيء الذي ليس بضرورة في الدنيا، ولا ضرورة في أمر
الدين.
مقياس ضرورة في
أمر الدنيا وفي أمر الدين مقياسه مختلف، لو أتكلم عن مقياس الضرورة في البيوت من
جهة الأكل ومن جهة الفرش نتذكر حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَهُ فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ
وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ))[10].
ننظر لحالنا.. فراش للضيف ونحن لا نحب الضيوف ولا نريدهم! ولما يأتون نراهم ثقيلين علينا، ونأخذهم
استراحة في الخارج، انقلبت الموازين! .
لابد أن يتغير في عقولنا مقياس الضروري، لأن هذا الزمن
البسيط الذي لا نعتني به هو الذي يمنعنا من أن نصل إلى درجة الإحسان، نقول كيف ما
أقدر أجمع قلبي وقت الصلاة؟! ما يحسُن إسلامك إلَّا لما تترك ما لا يعنيك، ليس فقط
في الكلام بل وفي الفعل وفي النظر وفي التفكير.
هذه المواضيع
الاجتماعية التي تتصل بالحياة الأمثلة كثيرة، أنا أضع القاعدة وكل واحد يأتي بمَثَل
في ذهنه، لكن المهم أن تكون القاعدة تامة صح.
ما هو الشيء الذي لا يُعنيني ولا يليق بي؟ كل شيء ليس
بضروري لا في أمر الدنيا، ولا في أمر الدين.
مقياس غير الضروري: الشيء الذي لا ينفعك في مرضاة الله؛ يعني لو فكرت فيه ما
ينفعك في مرضاة الله، لو قلبت النظر فيه ما ينفعك في مرضاة الله، لو تكلمت فيه ما
ينفعك في مرضاة الله، لو فعلته ما ينفعك في مرضاة الله.
في الحياة أمور ما تنفعنا في مرضاة الله، ولا تنفعنا في
الدنيا، يعني أصبحت لا هي نافعة في الدنيا ولا في الدين، المقياس:
قَال: بِأَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ بِدُونِهِ مُمْكِنًا.
الشيء الذي يكون ضروري لك هو الذي لا تستطيع أن تعيش
بدونه، نرى مقياس ما لا تستطيع أن تعيش بدونه، نحن ابتُلينا اليوم بـ"الذوق
الرفيع"، لابد أن يخاف صاحبه على قلبه، لأن الذوق الرفيع بأن لا أقبل بأي شيء،
هذا بلاء منتشر بين النساء، ومن البلاءات المُعدية أيضًا.
وَهُوَ فِي اسْتِقَامَةِ حَالِهِ
بِغَيْرِهِ مُتَمَكِّنًا.
ممكن يكون حالته مستقيمة بغير هذا، فجد أن كثير من
النفوس متعلقة بتوافة الأمور، وتخطط للتوافه هذه بكل ما تملك من قدرة، بركات الأموال
زائلة بسبب أن التفاهات أصبح لها متخصصين.
ما لا ينفعك قولاً: أصبح الشخص يُأنِّق نفسه، يُأنِّق أكله، كم من حبات
الليمون ذهبت ضحية التأنق هي والطماطم وكل هؤلاء! وفي النهاية من يأكل هذا؟ يُرمي!،
ولا أحد يشعر بأي مشاعر ألم لما يحصل! ثم نقول لا توجد بركات! قوم تعاملوا بالتأنُّق
مع عطايا الله، ولا واعظ! هذا الذي يخيفك! .
واليوم الخبز الذي كان يُرمى بالأكياس، هو الذي ندفع ثمن
هذا البطر الذي كان، والله عز وجل حليم.
زمن الطفرة لازال آثارها قريباً، الطفرة لها 35-40 سنة، الله
عز وجل حليم علينا كل هذا الزمن ، جاءت طفرة البترول يقابلها الطفرة في المال والحالة
الاجتماعية يقابلها أكياس من الخبز تُرمى، بطولها بكُبرها، ثم نأتي نشتكي الخبز
فنا، وكل واحد يبحث على وزارة التجارة، والذي يبحث عن التجار، والذي يكلمني عن
مصانع القمح، وأين التوبة عن الفعل الذي قمنا به!!.
على كل حال مثل هذا الأمر، التنوّق في الملابس، التنوّق
في الطعام، التنوّق في فرش البيت، كل هذا مما لا يعنيك، تستقيم حياتك بدونه.
كل ما يؤثر على إسلامك لا يؤثر فقط على الصورة العامة
والبذخ ، أيضاً قلبك يتأثر بكثرة النظر والتفكير.
النظر إلى التأنُّق والتفكير فيه تأخذ منا زمن، لكن إحساسنا أننا في
النهاية سنكون في حفرة، لابد أن نبحث اليوم عن ما يُؤنسنا في قبرنا.. هذا هو
التفكير.
ليس المقصود بالزهن أن تترك الدنيا، بل أن تبقى الدنيا في
يدك، إذا جاء من عند الله خير وبركة، إذا ما جاءت ما نجري وراءها، أو ندور في الأسواق
حتى تفتر أعضاءنا! كل هذا سيؤثر على قلبك وإسلامك، حُسْنه يذهب.
ليس نقاشنا حول الزهد، بل حول "قلب العبد"، لا
تنشغل لا تفكر لا تتكلم لا تفعل ما لا يهمَّك ولا يليق بك.
شخص مُقبل على ربه، يعلم أن المُلك مُلك الله، والرزق من
عند الله، وأن العبد إذا كان عند ربه مذكوراً بوركت له الدنيا كلها، وإذا كان عند ربه
مبغوضًا غير محبوب مهما تأنَّق لأهل الأرض لا يساوي شيء إلَّا لما تتغير مقاييسنا
في ذهننا، يليق بك أن أتمنى أن أكون أهل الفرح يوم القيامة، من القوم الذين يلبسون
حريرا، ما يليق بي أني أكون مبهرجة غاية البهرجة، مع التنبيه أن النقاش ليس حول
الحرمة، إنما حول يليق ولا يليق.
كل ما زدت انكساراً وذلاً لربك، زدت إظهاراً لهذا الذل
على نفسك.
نهاية الموضوع لابد أن تفهم الذي لا يعنيك هو الذي لا
تحتاجه بضرورة في دينك ولا دنياك، ولا ينفعك في مرضاة الله عز وجل. كل هذا الكلام الذي مضى "فعلاً".
ما لا ينفعك قولاً: المواضيع التي تفتح بيني وبين الناس في الجلسات العامة
أو الخاصة، فيه كثير من المواضيع لا تعنيني، لا في مصلحة لي ولا مصلحة للشخص الذي
أمامي، بل في الغالب تكون وراءها مفاسد، فالأسئلة التي لا داعي لها، ابتداء
بالسؤال عن العمر أول المسألة للنساء، وانتهاء بالسؤال عن أحوال الزوج وأوضاعه..!
يعني لا نستحي إلَّا أن نقول كم راتبه؟! لكن كل بقية التفاصيل ممكن نسأل عنها.
هذه الأسئلة كلها مُنقصة لحُسن إسلام المرء؛ المشكلة ليست
في أنك تعديت على حقوق الأخرين فقط! بل إيمانك إسلامك ينقص أيضا.
هذا الدرس غالباً الناس يخرجون منه بمشاعر التعقيد، لا
بأس لابد أن ننشحن، هذا ليس كلامنا هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، عندك قلب
واحد، ولسان واحد، وبدن واحد، لو تكلمت فيما لا يعنيك ستنشغل عن الكلام فيما
يعنيك!، وإذا فكرت فيما لا يعنيك ستنشغل عن التفكير فيما يعنيك.
ما لا ينفعك تفكيرًا: قد يمر شخص جنب مدرسة أهلية، يقول تخيلي كم ممكن يكون
دخلهم! ويحسد، هذا آخر ما توصل إليه بعد فكر طويل وانشغال فيما لا يعنيه، ما عنده
شيء يفكر فيه، ما عنده قلب يهتم به، فمن كثرة بعده عن الإنشغال عن ما يعنيه وصل
لهذه الدرجة أنه ينشغل بتمام تمام ما لا يعنيه!. الانشغال بما لا يعنِي يورث بعد
ذلك أمراضاً!
مع كثرة الاحتكاك ببعض يصبح بيننا كلام، لازم أفكر قبل أن
أتكلم هل هذا الكلام الذي أتكلم به ينفعني في ديني؟ ينفعني في هذه الصحبة؟ أو ستكون
هذه الصحبة سبب لنقص الإسلام في قلبي؟!.
انتبهوا للعلاقات، الاحتكاكات هذه أكثر مواطن تسبب
انشغال بما لا يعني، فرق بين هذا وبين النُصح، تكلم الذي أمامك من أجل أن توعظه، تكون
مُستمع جيد من أجل أن تكون مُرسل جيد، لا من أجل أن تنشغل. انتبه وأنت تسمعهم
وتكلمهم تسألهم أسئلة ليس لها داعي إنما فقط لإشباع فضولك، حتى هذا مُنقص لحسن
إسلامك.
أنت في الحياة لمهمة غاية في الأهمية، لابد أن يدور عقلك
حولها.
الشخص المُبارك أينما جلس لا يسأل الناس عن تفاصيل
حياتهم، فقط يكلمهم بحيث يُرضِّيهم عن ربهم، كل الذي يحمل همَّه ويشغل باله أن يا
قوم اعلموا ما أعلمه عن الله {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ}[11] كل همَه أن الناس يحسنوا الظنّ بربّهم، يصبح يكلمهم عن
الله، يقول لهم أنتم خُلقتم في الدنيا من أجل أن تأتيكم البلاءات فتتعلقوا به وحده
سبحانه وتعالى، أنتم ما لكم إلَّا باب الله، ما يرفع عنكم ما بكم إلَّا الله، ما
يستحق أحد أن يُذل عند بابه إلَّا الله، لا أحد سيعطيك مرادك إلَّا الله، لا أحد سيهدي
ولدك إلَّا الله، لا أحد سيهدي زوجك إلَّا الله، بمعنى أن المبارك يدور حول جذب
القلوب عند باب الله، فيكون له أجر هذا الجذب إلى بابه سبحانه وتعالى، هذا الذي
انشغل بما يعنيه.
لكن الناس في هذا درجات، لا تتصور أن من أول وضع قدمك
على هذا الحديث لابدَّ أن نبلغ الدرجة العالية، أهم شيء أنه يبقى في قلبي أن تدخُّلي
فيما لا يَعنِيني سبب لنقص حُسن الإسلام، سبب للبُعد عن حُسن الإسلام.
العلاقة بين ترك ما لا يَعنِي والإحسان:
يقول: لابدَّ في قبول المحل -القلب- لما يوضع
فيه أن يفرغ من ضده، فقبول المحل لما يوضع فيه مشروطٌ بتفريغه من ضده وهذا كما أنه
في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات.
تشبيه: أي كأس فيه زيت وتريدين أن تضعي فيها ماء ماذا
تفعلين؟ لابدَّ من تفريغه، وبعد ما فرغت ونظفت تضعي الماء.
كذلك قلبك لابد أن يفرغ مما لا يعنيه من أجل أن يمتلئ
بما يعنيه.
فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبّة
،لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبّته موضع.
إذا كان القلب ممتلئا بالباطل بما لا يعنيني اعتقاداً
ومحبَّة، فلا مكان له ليمتلئ بالحق ومحبته.
كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع,
لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه, إلَّا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل. وكذلك الجوارح
إذا اشتغلت بغير الطاعةلم يمكن شغلها بالطاعة إلَّا إذا فرغها من ضدها.
المقصود أنك تُكلم قلب واحد جوارح واحدة لسان واحد، إذا
اشتغلت هذه بما لا يَعنيك لن تشتغل بما يُعنيك.
أحياناً الشخص يقول أنا الآن في هذا الزمن سأنشغل بما لا
يعنيني لكن بعد قليل سيأتي زمن أنشغل بما يعنيني، نقول الانشغال بما لا يعني مثل
العادات التي إذا اُكتسبت صعُبَ تغييرها، صعب أن تأتي في مواقف وتحول نفسك، ستجد نفسك
في كل مكان لا يلفت نظرك إلَّا الذي لا يعنيك، وهذا ابتلاء جزاءً لك، أنت شخص تتطبع
بطباع إذا عشت منشغلاً فيما لا يعنيك زمناً أصبح من عاداتك أن تبقى منشغلاً بما لا
يعنيك.
فكذلك القلب المشغول بمحبّة غير الله وإرادته,
والشوق إليه والأنس به, لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه إلا
بتفريغه من تعلّقه بغيره.
محبة غير الله نوع من الابتلاء في المحبة، ليس شرطاً أن
أتعلق بشخص، ممكن أتعلق بصفة لا يقبلها الله محبة لها.
فكذلك القلب المشغول بمحبّة غير الله وإرادته,
والشوق إليه والأنس به
يعني يفرح بأنه يأتيه هذا الشيء الذي لا يعنيه، مثل القوم
الذين أهم ما عندهم فرش بيوتهم أو أناقتهم، لما يملكون مثل هذا يدخل في قلبهم
الفرح المذموم.
إذن هذا القلب المشغول بهذه الطريقة لا يمكن شغله بمحبة
الله وإرادته، وحبه والشوق إلى لقائه إلَّا بتفريغه من التعلق بهذه الأشياء، بترك
الانشغال بما لا يعني.
على ماذا يقع ترك ما لا يعني؟
عقلي ولساني وجوارحي، على هذا يقع ترك ما لا يعنيني.
عقل العبد:
العبد عنده خواطر، عنده تصورات، عنده تخطيطات، خواطر
العبد فيها ما يعنيه وفيها ما لا يعنيه، يمر على خاطر العبد تصورات فيها ما يعنيه
وفيها ما لا يعنيه، هذا كله في عقله، يخطط لأمور ما له علاقة بها، ينشغل بأمور ما
له علاقة بها.
لاحظي الخواطر التي تمر عليك، الأسئلة التي تمر على
خاطرك وتهتم بها هل هو يعنيك أو لا يعنيك؟!
التصورات، يمرّ
عليك أحد وتأخذ عنه تصوّر، هذه التصورات التي تنطبع بها فيها ما لا يعنيك، لا تلتقط
تصور عن أحد إلَّا إذا كان يعنيك.
أحياناً التخطيطات طويلة المدى تخطط لأشياء ليس لك علاقة
بها، أضرب أمثلة على التخطيط:
يكون في الطريق بين جدة ومكة، ويرى أرض فاضية على اليمين
وعلى اليسار، يفكر لو بنوها، لو فعلوا، لو عملوا..!، بدل ما يتفكر في الله، بدل ما
يذكر الله.
هذه الأشياء التي لا نلامسها هي التي تُكون اعتقادات
العباد، ونحن لا نشعر، وفي النهاية يكون طول حياته فقط يفكر فيما لا يعنيه وكل هذه
بلاءات عليه! وفي الأخير يقول أنا أعمل كل شيء ممكن ولا أجد شيء في داخل القلب.
ثم يقول لا أجد نفسي أجمع قلبي في صلاتي! مفترض أنك طوال
الطريق تذكر الله، وتسأله أن يفتح عليك أن ييسر لك، ويبارك لك في مكانك،افعل كل
هذا من أجل أنك لما تصل الحرم تكون مباركا، وكيف تُصلي وكيف تدعي وأنت طول الطريق
مشغول بما لا يعنيك ومشتت، ثم فجأة تدخل الحرم وتتغير!
تجمع قلبك طول الطريق تجد قلبك في الأخير، تجمع قلبك طول
الحياة تجد قلبك عند لحظة الوفاة الخطيرة، حسن الخاتمة ما يأتي إلَّا ممن كان طول
حياته من أن تاب وأقبل على ربه وهو منشغل بهذه اللحظة التي ستأتي ولابدَّ، ولا
يعرف موعدها، ولا يعرف كيف يكون حاله، يبقى منشغل بحسن الخاتمة، الانشغال بحسن الخاتمة
بالتفكير يؤدي في النهاية أنك توفق لحسن الختام.
لسان العبد: نكتفي بهذا الحديث فيه، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ
مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ -يَعْنِي رَجُلًا-: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَوَلَا تَدْرِي فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا
لَا يَعْنِيهِ أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يَنْقُصُهُ))[12] .
يعني لو تدخل فيما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه لم يكن
مستحقاً للبشارة.
وفي الحديث أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: ((مَنْ يضَمِنَ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ومابين َرِجْلَيْهِ أضمنْ لَهُ الْجَنَّةَ))[13].
وفي حديث عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي في آخره:
فقال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا)) فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ
بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟))[14].
وفي حديث آخر: ((مَنْ كَفَّ لِسَانَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَوْرَتَهُ)).
ما هو الكلام الذي لا يعنيك؟
نقل صاحب تحفة الأحوذي عن بعض أهل العلم
قوله: وَحَدُّ مَا يَعْنِيكَ –في الكلام- أَنْ تَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا لَوْ سكَت عَنْهُ
لَمْ تَأْثَمْ وَلَمْ تَتَضَرَّرْ فِي حَالٍ وَلَا مَآلٍ.
كل شيء لو سكت عنه لن يحصل ضرر ولا إثم بسببه، إذن هو
مما لا يعنيك، اترك الكلام عنه.
مِثَالُهُ : أَنْ تَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ فَتَحْكِيَ
مَعَهُمْ أَسْفَارَكَ وَمَا رَأَيْتَ فِيهَا مِنْ جِبَالٍ وَأَنْهَارٍ ، وَمَا وَقَعَ
لَكَ مِنَ الْوَقَائِعِ ، وَمَا اسْتَحْسَنْتَهُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ ،
وَمَا تَعَجَّبْتَ مِنْهُ مِنْ مَشَايِخِ الْبِلَادِ وَوَقَائِعِهِمْ ، فَهَذِهِ أُمُورٌ
لَوْ سَكَتَّ عَنْهَا لَمْ تَأْثَمْ وَلَمْ تَتَضَرَّرْ.
إلى هنا هذا كله ما لا يعنيك، إذا ما دخلت الكذب وما
دخلت أيضاً تزكية.
وَإِذَا بَالَغْتَ فِي الِاجْتِهَادِ حَتَّى
لَمْ يَمْتَزِجْ بِحِكَايَتِكَ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانُ ، وَلَا تَزْكِيَةُ نَفْسٍ
مِنْ حَيْثُ التَّفَاخُرِ بِمُشَاهَدَةِ الْأَحْوَالِ الْعَظِيمَةِ ، وَلَا اغْتِيَابٌ
لِشَخْصٍ ، وَلَا مَذَمَّةٌ لِشَيْءٍ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى
إذا تكلمت ووصفت وصفاً صادق وما فيه تزكية لنفسك وما في
اختيار لشخص وما في مذمَّةٌ لشيءٍ خلقه الله كل هذا لو فعلته:
فَأَنْتَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ مُضَيِّعُ زَمَانِكَ
، وَمُحَاسَبٌ عَلَى عَمَلِ لِسَانِكَ! إِذْ تَسْتَبْدِلُ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي
هُوَ خَيْرٌ; لِأَنَّكَ لَوْ صَرَفْتَ زَمَانَ الْكَلَامِ فِي الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ
رُبَّمَا يَنْفَتِحُ لَكَ مِنْ نَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْظُمُ جَدْوَاهُ
، وَلَوْ سَبَّحْتَ اللَّهَ بُنِيَ لَكَ بِهِمَا قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَدَرَ
عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كَنْزًا مِنَ الْكُنُوزِ فَأَخَذَ بَدَلَهُ بَدْرَةً لَا يَنْتَفِعُ
بِهَا كَانَ خَاسِرًا خُسْرَانًا مُبِينًا ، وَهَذَا عَلَى فَرْضِ السَّلَامَةِ مِنَ
الْوُقُوعِ فِي كَلَامِ الْمَعْصِيَةِ ، وَأَنَّى تَسْلَمُ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي
ذَكَرْنَاهَا، وَ حَال الصَّالِحِينَ خِلَافُ ذَلِك.
رَوَى مَنْصُورٌ بن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ
فَلَانٌ: مَا أَرَى الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُنْذُ عِشْرِينَ
سَنَةً إِلَّا بِكَلِمَةٍ تَصْعَدُ[15].
تصعد لله، بمعنى أنها ترفعه عند الله.
- وعن بعضهم قال: صحبت الربيع عشرين عاماً
ما سمعت منه كلمة عتاب.
- وقِيلَ لِلُقْمَانَ الْحَكِيمِ: مَا حِكْمَتُكَ؟
قَالَ: "لا أَسْأَلُ عَمَّا كُفِيتُ، وَلا أَتَكَلَّم مَا لا يَعْنِينِي".
- وقد روي أنه دخل –لقمان- عَلَى دَاوُدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ دَاوُدُ يَسْرُدُ الدِّرْعَ، فَجَعَلَ
يَتَعَجَّبُ مِمَّا رأى فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَمَنَعَتْهُ حِكْمَتُهُ،
فَأَمْسَكَ. فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَبِسَ الدِّرْعَ
ثُمَّ قَالَ : نِعْمَ الدِّرْعُ لِلْحَرْبِ ،-يعني جاء له الجواب على السؤال- فَقَالَ
لُقْمَانُ : الصَّمْتُ حِكْمَةٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ.
يعني يصبر لا يستعجل.
جوارح العبد:
عينك، يقول الله عز وجل: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ
زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}[16] .
الآية صريحة (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا
بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ) وردت في موطنين في كتاب الله عز وجل في طه والحجر، ما
المقصود منها؟ المقصود أن كل شخص مُتع بمُتعَة مَتّعَهُ الله بها فتنة له، أنت لا
تمدَّ عينك إليه تقلب نظرك فيما مُتعوا به، لا في لبس لا في فرج، كل هذا مرفوض من
أجل أن يبقى قلبك منشغل بما يجب أن يكون منشغل به.
أذنك، أحياناً يكون بصورة أو بأخرى أسمع شيء لا يعنيني، ماذا أفعل؟ ما أسترسل
في السماع، مثلاً امرأة تتكلم بالجوال، وفي الوسط دخل زوجها يكلمها وهي تتكلم معه،
هي في يدها الجوال والحديث الذي يدور بينهم مسموع لكِ ماذا تفعلين؟ اتركيه بصورة أو
بأخرى، لا تكوني حريصة أن تسمعي ما يدور، وهكذا.
قدميك ويديك، لا تسير إلَّا لمكان يزيدك طاعة، يزيدك إيمان، يزيدك بر،
يزيدك قرب من الله عز وجل، وكل شخص بالنسبة له هذه المسألة مراتب، وهكذا بالنسبة
لليد، لا تقلب بيدك ما لا ينفعك.
على كل حال إذا تبيَّن اللسان وتبيَّن القلب فهذا تابع
له.
نتناقش في الضدّ : الاشتغال بما يعنيني.
قال ابن مسعود: "إذا أراد الله بعبده خيراً
سدّده، وجعل سؤاله عما يعنيه، وعلمه فيما ينفعه".
يعني ما يعلمه الله إلَّا ما ينفعه.
قال زيد ابن علي لابنه: "يا بُني
اطلب ما يعنيك في ترك ما لا يعنيك، فإن في ترك ما لا يعنيك تركاً لما يعنيك
يعني تدرك به ما يعنيك.
واعلم أنك تقدم على ما قَدِمت، ولست تُقدم
على ما أخرت، فآثر ما تلقاه غداً على ما لا تراه أبدا".
يعني أي تصرف الآن تعمله أنت لا ترجع إلى الوراء، بل
تترك وراء وتتقدم إلى الأمام لتلقى الله، فآثر ما تلقاه غداً على ما لا تراه أبداً
يعني الشيء الماضي.
السؤال : كيف نصل؟
أولاً: بتحديد نقاط الضعف.
قال
السري السقطي البغدادي: ما رأيت شيئاً أحبطَ للأعمال، ولا أفسدَ للقلوب، ولا أسرعَ
في هلاك العبد، ولا أدومَ للأحزان، ولا أقربَ للمقت، ولا ألزمَ لمحبة الرياء والعجب
والرئاسة، من قلة معرفة العبدِ لنفسه، ونظرِهِ في عيوب الناس.
إذاً أول شيء لابد أن أعرف نفسي من أجل أن أتخلص من
الانشغال بما لا يعنيني، لابد أن أكتشف نفسي، أفهم أنا مَن، ما النقاط التي أدخل
فيها فيما لا يعنيني تأثر علي، كل شخص عنده نقطة ضعف، أناقتي الشخصية، أناقة الأكل،
أناقة البيت، هذا نوع انشغال أو الاهتمام بمسائل لا علاقة لي بها، تفكيراً أو
كلاماً أو سؤال الناس عنها، لابد أن تعرف أنت بالذات ما الذي يشغلك؟ أنت بالذات ما
نقطة ضعفك؟. لأننا لسنا سواء في نقطة الضعف.
ثانيًا: التدريب + الصبر.
ولله در مورق العجلي حين قال: أمرٌ أنا أطلبه
منذ عشرين سنه لم أنله ولست بتاركه فيما أستقبل، فلما قيل له ما هو؟ قال: الصمت عن
ما لا يعنيني.
بقي يدرّب نفسه على الصمت عن ما لا يعنيه عشرين سنة،
يبذل هذا الجهد ما يئس؛ لأن انتظار الفرج عبادة، تنتظر أن يفرج الله عليك أن لا
تتكلم فيما لا يعنيك.
المسألة تحتاج إلى تدريب وصبر، كل ما أريد أتكلم فيما لا
يعنيني أتراجع، وأحياناً أنسى وأرجع.
ثالثًا: عدم الاستسهال.
يونس ابن عبيد سُئل عن حاله فقال: إن نفسي
قد ذلت لي بصيام اليوم البعيد الطرفين، الشديد الحر، ولم تذل لي بترك الكلام فيما لا
يعنيني.
يعني سهل عليها الصيام في يوم طويل شديد الحر لكن ترك
الكلام فيما لا يعني ليس سهل عليها، نلاحظ أننا لا نشعر أنها جريمة أصلاً، بمعنى
أنا لا أكذب ولا أغتاب، أذكركم بالحديث لما الصحابي قال: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ . فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَوَلَا تَدْرِي ، فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ
فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يُنْقِصُهُ)).
يعني أنه ليس
بدرجة الكمال التي يُبشر بالجنة، لو فهمنا الأمر حقيقة ما نطلب من الله إلَّا أن
يعاملنا باسم الغفور الشكور.
رابعًا: ترك الحساسية المرهفة.
- قال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم: إن
الولاة جعلوا العيون على العوام وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمةً تربأ
بي عنها أو فعالاً لا تحبه فعظني عنده وانهني عنه.
- قال ميمون ابن مهران: قولوا لي ما أكرَهُ
في وجهي؛ لأنَّ الرجل لا ينصَح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكرَه.
- قال بعض السلف: من حقّ العاقل أن يضيف إلى
رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرّأي الفذّ ربّما ذلّ، والعقل
الفرد ربّما ضلّ.
فلما نأتي نتكلم فيما لا يُعنينا نحتاج أن يقال لنا
انتبهوا هذا لا يعنيكم، أنا أحتاج أيضاً لما أحد يأتي يتكلم معي فيما لا يُعنيه
ولا يعنيني أن أقول له.
على كل حال لما يأتيني هذا الموقف قبل ما تتكلمي توسلي
إلى الله أن ينزل كلامك برد وسلاماً، واحتسبي أنك لا مراد لك إلَّا أنك تُنجِّي
نفسك، وتنجِّي الناس الذين حولك.
ومسألة الانشغال بما لا يعنيك نبدأ بتربية أنفسنا أولاً
قبل الكلام عن أي أحد حولنا..
هل السن مؤثر في تغير هذا الطبع؟
قال الإمام الشافعي: طلب الراحة في الدنيا
لا يصلح لأهل المروءات، فإن أحدهم لم يزل تعباناً في كل زمان.
يعني ما في زمن توصل فيه تقول هذا طبعي لن أتغير، أنت
تبقى طول حياتك تعبان إلى أن تلقى الله، فأيًّا كان عمرك في النهاية هذا الطبع
ممكن أن يتغير، هذه الحال يمكن أن تختلف.
على كل حال هذا الحديث يحتاج منا كثرة ترداد ،كثرة تأمل..
[1] رواه مسلم (2722).
[2] أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/147/برقم 10405)
[3] رواه البخاري (6475)، ومسلم (47).
[4] رواه الترمذي (2317)، وابن ماجه (3976)، وأحمد (1/201) (1737).
[5] رواه البخاري (6116).
[6] رواه البخاري (13)، رواه مسلم (45).
[10] صحيح مسلم/كتاب اللباس والزينة/بَاب كَرَاهَةِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ مِنْ الْفِرَاشِ
وَاللِّبَاسِ (2084).
[12] سنن الترمذي قال حديث غريب/كتاب الزهد/ باب
فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس (2316) وقال الألباني صحيح لغيره.
[15] تحفة الأحوذي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.