السبت، 28 مارس 2015

شرح اسم الملك المليك





بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ألقي في الدورة الصيفية عام 1430هـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الشيخ عبد الرزاق البدر - حفظه الله – في كتاب فقه الأسماء الحسنى:

إذن ورد اسم الملك في خمسة مواضع.

أي الذي يوصَف أنه ملك سيرجع كون وصفه هذا إلى ثلاث أمور:
1.   أمر يتصل بصفاته أنه ملك.
2.   وأمر يتصل بمن يملكهم.
3.   و علاقة الملك بمن يملكهم.



إذن مَن كان وصفه ملكًا يتضمّن أنه سبحانه وتعالى له كمال القوة, له كمال العزة, له كمال العلم المحيط, له كمال الحكمة الواسعة, مشيئته نافذة, وكامل التصرّف، كامل الرأفة والرحمة، فهذا كله من أن تقول ملك إلا يقع في قلبك وصف الله بهذه الصفات, ثم استشهد بالآيات التالية:


 كل هذه الآيات إشارة إلى أنّ المَلك الذي له المُلك يملك كل شيء ولا إله غيره, ولا مالك غيره، ومِن وصفه أنه ذو رحمة, ذو علم, ذو حكمة، ذو القوة..
نأتي الآن إلى وصف من يملك:


فكما أنه ملك إذن هو كامل الصفات، والخلق ما حالهم؟


فبما أنك عبد، إذن ما علاقتك بمن يملكك؟ أنت مضطر إلى أن تقف عند بابه في كل الشؤون، كل الإشكال هنا أن العبد ينسى أنه عبدا، أو يشعر أنه عبد لكن لا يصف مالكه بصفات الكمال، فترى أنه يثق بالناس الذين يملكون أكثر من ثقته بالملك على الحقيقة.


أي أنهم لا يستطيعون أن يعطوك شيء مما أعطاك الله إيّاه.


حالك الفقر، الحاجة، الاضطرار، والذي تملكه ما وصفه؟ أنت في الأصل لا تملك، بل ملكك الله تعالى ابتلاءً.
-نناقش بالتفصيل ما معنى أن يُملّك العبد ابتلاء لكن بعد قراءة  الآيات التي فيها دلالة في وصف العبد-


هذا وصف الله أن له ملك السماوات والأرض (وما بينهما) أي كل شيء.


فوصفك الفقر، ووصف الله تبارك وتعالى أنه الغني الحميد.
من تمام ملكه لك: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} ليس أمرًا صعباً كما أتى بك يأتي بغيرك, وانظر لآية العنكبوت:

{وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} أي الرزق لا تحمله أنت، ولا مخزون فيك، ولا تستطيعه، أنت منقطع عنه، لا تحمله، من يرزقك؟ {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} إذن انظر دواب الأرض ما تحمل رزقها، لكن رزقها يساق إليها، وكما أن دواب الأرض رزقها يساق إليها، كذلك رزقك أنت يساق إليك، فأنت يا عبد ما حالك؟ عبد، ضعيف، مضطر، فقير، ملكك الذي تراه ابتلاء.
فلما تسمع أن الله ملك مليك ماذا تفهم؟ أنه هو سبحانه وتعالى كامل الصفات، ونحن ناقصي الصفات, ضعفاء، فقراء.
الملك عنده عبيده، الملك كامل الصفات حتى لو كان كامل الصفات بالنسبة للعبيد، سنصف ملك في الدنيا: عنده القدرة، وعنده صفات الكمال التي بالنسبة للخلق صفات كمال, ولا
يكون ملك إلا تحته عبيد، والعبيد ما حالهم؟ ما أصبحوا عبيداً وبقوا كذلك إلا وهم وصفهم ضعفاء, ناقصي الصفات..
بقي الآن العلاقة بين الملك سبحانه وتعالى وبين عبيده الذين يتصرف فيهم: هذا الكلام عن الله عز وجل:

 سيشرح كيف أن الله له حكم تقديرا وشرعا وجزاءا, فماذا تعني هذه ثلاث الكلمات؟


إذن هذا حكمه سبحانه وتعالى القدري؛ يدبر عباده كل أنواع التدبير: القدري والشرعي والجزائي, نرى الآن الشرعي:
 أيضًا من كمال ملكه للعباد وتدبيره لهم أن :

أي من له الحق أن يقول أن لو فعلت كذا تؤجر بكذا، ولو فعلت كذا تعاقب بكذا، من له الحق؟ فهذا من تمام ملكه أن له الأحكام الجزائية.

إذن إذا علمت أن الله سبحانه وتعالى ذو الملك؛ أي المالك لجميع الأشياء، لابد أن تعرف أن ملكه يعود في اعتقادك إلى ثلاثة أمور:
1.    أنه سبحانه وتعالى كامل الصفات.
2.    أن العبد ناقص الصفات ضعفاء.
3.    أنه سبحانه وتعالى يدبرهم ويحكم فيهم في الحكم القدري.
هو الذي يدبر أقدار العباد، هذا يذهب، هذا يعود، هذا يحيى، هذا يموت، وهذا يرزق، وهذا يمنع من هذا, هذا بالنسبة للأقدار.
ويحكمهم أيضا في الشرع فالشرع لا علاقة لك به أبدا، أي لا تستطيع تحكم أن هذا قربى إلى الله، أو هذا أمر يغضب الله إلا على ما أتى من الشرع وأنه يترتب عليه الأمر الثالث: الحكم الجزائي الجزاء في الدنيا بعقوبة الناس أو الجزاء في الآخرة.
لذلك من تمام ملكه أن لا تأتي تقول لماذا لا يعاقب الله الكفار؟ ولماذا لا يقع عليهم العذاب؟ هذا المفترض يطول في عمره، وهذا المفترض يقصر في عمره، وهذا ظالم لماذا لا يموت مثل هذا... فمثل هذا الكلام يخطر على البال, وترى من الأقدار مالا يتناسب مع تفكيرك، كل هذا الكلام ضد إيمانك أنك عبد، وأنه هو مالك الملك .
قد يجد البعض حرج في امتثال أمر شرعي مثل مسألة التعدد، فرق بين أن تعترف أنك لا تستطيع لأي سبب حتى لو كان بهوى نفسك, وبين أنك أنت ترفض الشرع وتتعدى على الشريعة..
إذن موقفك من الشريعة تمام التسليم بالقضاء والقدر؛ لاعتقادك أنه الملك.
نعود لمسألة أن الله ملّكك ابتلاء:
ماذا ملكك الله تعالى؟ أبدأ بنَفَسك, سمعك, بصرك, قدراتك هذه كله ملك ملكك الله إيّاه، هل أنت تستطيع أن تحافظ على صحتك؟ بحيث لا يأتيك المرض؟ الجواب: لا، صحيح أن هناك أسباب حولك، لكن مهما كانت الأسباب وقت موتك سيأتي لابد.
إذن ماذا تعتقد؟ أن صحتك التي تملكها في الحقيقة ما يملكها إلا الله, لا يفتنك صحتك، -نسأل الله أن يحفظ الشباب– قد يخرج من بيته كامل الأعضاء ثم يحصل له حادث ويسلب نعمة الصحة، فالصحة التي تملكها هذه نوع من أنواع الابتلاء، غالب الأصحاء تغرهم صحتهم، فتراه يطغى ويبغى ويضيع صحته, ومن صور تضييع الصحة (السهر)، اعلم أن بدنك هذا نوع من أنواع الأمانات ابتليت به، وستنطق عليك جوارحك، ماذا فعلت بها؟ ماذا كسبت وماذا تركت من فرص!
فبدنك نوع من أنواع النعم أعطاك الله إيّاه لا تتصرف فيه على أنك تملكه مطلقا ، ستحاسب عليه بالتفصيل .. تُفتح لك فرص الإنفاق وهو مال الله، وإذا أنفقت من ماله الذي أعطاك إيّاه سيزيدك {ولَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[1] من أعظم الشكر الإنفاق فيرد عليك زائدا, إذا لم تنفقه بيدك اليمنى في سبيله، أنفقته على ما ابتلاك الله به من ثغرات تفتح لك, فلو تعتقد أنه ملكك وبخلت عليه وتمتنع عن الإنفاق, هذه نفسها ستحملها وتصرفها على صحتك، أو تصرفها على ثغرة في بيتك، صرفا على شيء لم تكن تنتظره من البلاءات.. لذلك لما تنفق اعلم أنك تنفق مما أعطاك الله.
فكل ما مُلكته انظر له بنظرتين:
النظرة الأولى: لا يمكن أن يكون تحت يدك ملكا مطلقًا, وتتصرف فيه كما شئت..
النظرة الثانية:  أن كل شيء ملكته اختبرت فيه؛ ليس لك التصرف المطلق فيه، تصرفك فيه ابتلاء وفتنه.
فعلى ذلك تفهم أن كل شيء مُلكته أصبح مسؤولية عليك, كل ريال يزيد عليك أصبح مسؤوليتك أكثر، كل نعيم تعيشه أصبح مسؤولية أكثر، بل حتى النسب، فمن ينتسبون إلى الرسول-صلى الله عليه وسلم- من النعم أن يكون هذا نسبهم ملك لهم، لكن ما ملكهم إلا الله سبحانه تعالى، ثم سيكون هذا النسب فتنة وابتلاء ماذا يفعلون؟ ماذا سيكونون؟ وكيف صلتهم بالله بعد أن جعلهم من هؤلاء.
إذن اطلب من مالك الملك، واستغيث به أن يحفظ عليك ما أنعم به عليك، من عقل، من بدن، من أبناء، من بيت، اطلب حفظ النعمة, فهو مالك الملك، وهو الذي تبارك ينزل البركات, وهو الحافظ الحفيظ الذي يحفظ على العباد ما ملكهم إيّاه.  هذا الأمر يحتاج منا إلى قوة استحضار في كل التصرفات، وفي كل الأعمال.
مثلا عندما يشتري شخص سيارة جديدة, أو جهاز جديد يقع في قلبه الحرص في أن يتصرف فيه تصرف في هذا الذي ملكه تصرف ما يفسد عليه، أما لما يشتري له والده لا يحافظ عليه.  فانظر لما يهبك الله شيء ماترى نفسك أنك متوسلا إلى الله أن يوفقك أن تتصرف به كما يحبه ويرضى!
اطلب من الله أمرين:
1.   استغث بالله أن يحفظ عليك ملكك مالك, أبنائك, زوجك، بيتك، صحتك, عقلك... فالبعض يشعر أنه هو من يحفظ النعم !
2.   ثم اسأله أن يوفقك أن تستعمل ما أعطاك وملكك كما يحب هو ويرضى.



والحمد لله رب العالمين..

اللقاء الثاني
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اتفقنا أن إثبات اسم الملك لله يتضمن يتضمن ثلاثة أمور:
1_ أن تصفه سبحانه و تعالى بكمال الصفات.
2_ و أن تصف عبيده بالنقص والعجز.
3_ و أن تصف العلاقة بين الملك سبحانه وتعالى والعبيد بالتدبير الكامل.
وعلمنا أنه سبحانه وتعالى له الملك والحكم في ثلاث أمور: عند التدبير نقول هذا الكلام أنه سبحانه وتعالى يحكم في عباده ما شاء من الأحكام القدرية؛ ولذلك من أعظم أنواع الإيمان بكمال صفات الله الرضا عن أقداره، إذا كنت مؤمنًا بكمال صفات الله سيكون الأثر أن تكون راضيًا بأقداره.
إذن له الحكم في:
1.       الأقدار.
2.       و في الشرع.
3.       و في الجزاء.
قال الشيخ عبد الرزاق البدر - حفظه الله -:

 

هذه حقيقة المُلك, ما حقيقة الملك؟ أن من يملك على الحقيقة يفعل ما يشاء، وعندما نقول (يفعل ما يشاء) لا يغيب أبداً عن ذهنك أن من صفاته الحكمة؛ فمشيئته مقرونة بالحكمة, والدليل أواخر سورة الإنسان يقول الله -عز و جل- {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ }[1] ثم وصف {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} فالمشيئة مقرونة بالعلم والحكمة.
 (الملك مالك الملك) حقيقة ملكه أنه يتصرف كيفما يشاء, بعلمه وحكمته.
معنى ذلك أن تصرف الله في الملك والمنع والعطاء والإكرام والإهانة والإثابة والعقوبة والغضب والرضا والتولية والعزل وإعزاز من يليق به العزة وإذلال من يليق به الذل, كل هذا من حقيقة المُلك و لابد أن يوافق الحكمة.
ثم استشهد ابن القيم –رحمه الله-:


{قُلِ اللَّهُمَّ} أي يالله، ما وصف الله تعالى؟ {مَالِكَ الْمُلْكِ} ما هي حقيقة ملكه للملك؟ {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
إذن من تمام ملكه سبحانه وتعالى أن يعز من يشاء، و يذل من يشاء يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وهذا يرجعنا إلى الوراء في كلامنا عن علاقتنا بولي الأمر مثل ما تكلمنا في اسم الرب نتكلم في اسم الملك..
 نقول: أن مالك الملك هو الذي يؤتي الملك من يشاء، وأنت الآن ستعجب لماذا يكون هذا مَلِك؟ ولِمَ هذا ولي أمر؟ من الذي أعطاه الولاية؟ من الذي رفعه؟ رفعه الذي يؤتي الملك.
فترى أن هؤلاء يعطيهم الله -عز و جل- من الصفات و الأسباب ما لا تتصورها، ثم إذا أراد نزع ملكهم سلط عليهم شيء لا تتصوره.
أيضًا من تمام ملكه في قوله: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } إظهار تمام ملكه في تدبير الخلق، من جهة العز والذل، الملك ونزعه.
{تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} كل هذا من تدبيره في الكون، من جهة الأحداث الكونية، ومن جهة الأرزاق، وهذا من تمام الملك أنه سبحانه وتعالى يتصرف في مخلوقاته كما شاء.  ولا ننسى أن كلمة (كما شاء) لا تنفصل عن العلم والحكمة .


أول فعل { يَسْأَلُهُ } أي يطلب منه, من الذي يطلب منه؟ {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ما دلالتها على الملك؟ الدلالة في السؤال نفسه، من الذي يُسأل ويُطلب منه؟ الذي يملك.
هل تستطيع أن تتحمل سؤال عشرة أشخاص مثلا! خصوصا لو كانت المسألة في الأموال والأرزاق؛ لن تتحمله لأن ملكك ناقص؛ لأنك تشعر لو أعطيت هذا غرضه وهذا غرضه سينفذ ملكك.
{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} لو كل واحد منا سأل مسألته لا ينقص في ملكه شيء، وليس هذا بل لو كل الموجودين سألنا واحد من البشر لابد أن يضيق صدره، لابد ولو ربع هذا العدد سيضيق صدره، فما بالك بمن يسأله من في السماوات والأرض؟!
من الجهة الأخرى نرى أهل الأرض كلهم اجتمعوا على صعيد واحد ليس الأحياء فقط -كما أتى في تفسير هذا الحديث- حتى الأموات لو اجتمعوا كلهم في صعيد واحد وسألوا الله ما يريدون وأعطاهم سؤلهم ماذا يحصل؟ ما ينقص من ملكه إلا كما ينقص البحر عندما تدخلي فيه الإبرة، هل ينقص شيء؟! لا شيء.
إذن تمام ملكه أتى من جهة أنه يسأله من في السموات والأرض، بل سنرى أن من تمام ملكه أنه يدعو من في السموات و الأرض إلى سؤاله.
مثلا: أقول أنت عندك مُلْك ووصفك كريم، الذي يسألك تعطيه، لكن ما بلغ حال أنك تنزل إعلانات في الجرائد تقول تعالوا اسألوني إن أردتم، بل يبذل جهوده أن لا ينتشر الخبر أنه معطي؛ حتى لا يأتي المحتاج وغير المحتاج، في مقابل أن ربك سبحانه وتعالى يأمرك أن تطلب منه وهذا إشارة إلى تمام ملكه؛ أي أن من تمام ملكه أنه يأمر عباده بأن يسألوه، فهذا دليل على أن ملكه لا ينقص منه شيئا.
مَن البخيل؟ البخيل؛ الذي يبخل على نفسه من أن يسأل ربه الذي يحقق له مراده، لأنه بخل على نفسه أن يسأل مالك الملك على وجه الحقيقة،  يسأله من في السماوات ومن في الأرض، كيف تصف الله؟ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[2] .

ويفك عانيًا: أي أسيرًا، ويقيل عثرة: أي يزيل عثرات العباد.

حتى هذا الأمر في باب الملك، في باب العلم، في باب الدنيا كل هذا كل يوم هو سبحانه وتعالى في شأن؛ فهذه حقيقة الملك أن يملك الملك وأن يتصرف في الملك.

أي هو قدرها سبحانه وتعالى قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم جعل لها أسبابا تأتي فيها، فالله -عزّ وجل- بعد أن قدرها في ذاك الزمن، في زمن وقوعها يسوق المقادير من أجل أن تقع في نفس الوقت الذي قدره سبحانه وتعالى.
وهذا كله يزيدك من إيمانك بالقضاء و القدر؛ أي إيمانك بأن الملك ملك الله بعد وقوع الحدث يزيدك إيماناً بالقضاء والقدر، أن هذا الذي وقع عليك قدّره الله قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم يسبب الأسباب لوقوع القدر.



هذه كلها من لوازم اسم (الملك)؛ أي إذا كان هو الملك إذن هو القادر، إذن هو القاهر، ما معنى القاهر ؟
القاهر: أي له الغلبة، أمره نافذ، أمره غالب: {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[3].
وفي حكمه عادل؛ أي هو المَلِك والمَلِك من أفعاله الحكم، فحكمه عادل وحكمه فيه الرحمة.


كيف يكون تدبير الله -عز وجل-؟ دائر بين العدل والإحسان، وبين الحكمة والمصلحة والرحمة.
معاملة الله لعباده بين العدل والإحسان : لو شخص واقع في ذنب وعاقبه الله هذا يسمى معاملة بالعدل، لو واقع في ذنب وأعطاه الله هذا يعتبر إحسان منه أن عامله بالحلم.
شخص مُصلي، صائم، ثم أعطاه الله -عز وجل- أكثر من فعله هذا معاملته أيضا بالإحسان أي هو الفضل.
فالإحسان له صورتان:
o         أن تكون محسنا.
o         و أن تكون مسيئا يعاملك الله بالإحسان.
وأنت محسن يعاملك الله بالإحسان فيعطيك زيادة، وأنت مسيء يعاملك الله بالإحسان فيعاملك بالحلم؛ لكم أن تتصوروا كيف يعامل الله المسيء بحلمه؟
يأتي الشخص يذنب وتبقى عليه العطايا لا يأخذها الله منه، بل مع إساءته يفتح له أبواب الطاعة، فلماذا يفتح له أبواب الطاعة وهو مسيء؟
يكون مسيئا، لما تـنفتح له أبواب الطاعة لو اغتنمها يزيد إيمانه؛ لأن الطاعة تزيد الإيمان، فلما يزيد إيمانه، يتذكر الذنب الذي اقترفه قبل عشر سنوات.
مثال: أنت يا عبد وقعت في ذنب قبل عشر سنوات، وهذا الذنب الذي ارتكبته أوقعك في جفاء في قلبك، حتى أنك تُذكّر باسم التواب وما تقع منك توبة! الآن وقعت في خطيئة ما أثر هذه الخطيئة؟ (قسوة القلب)؛ فهذه القسوة حتى لما أذكرك باسم التواب لا تتوب من القسوة, فيعاملك الله بالحلم ولا زالت نِعم الله تعالى عليك تترى, وخصوصا في سن الشباب الإنسان ما يشعر بذنوبه، الله -عز وجل- ما يعاقبه على هذا الذنب بل يتركه, ثم تمتد به الحياة ويُفْتح له من أبواب الطاعة ما يفتح: علم، إيمان، بصور مختلفة, فلما يصل إلى هذه الحال ويزيد إيمانه ماذا يشعر الإنسان في قلبه؟ يشعر الإنسان في قلبه: بلين، لما يلين قلبه يُذَكِّره الله ما مضى من ذنوبه فيعود عليها بالتوبة.
فالله -عز وجل- يعامل عباده بالسنين بالحلم، وأكبر مثال نشترك فيه (عقوق الوالدين)، فلما تكبر و يكون لديك أولاد وتتذكر ماذا فعلت في والديك؟ وكيف أن الله ما أخذك وقت ما وقعت في العقوق؟ وكيف ما تجعله في قلب والديك من القهر بتصرفاتك هذه؟ وكيف أن الله -عز وجل- مع ذلك ما عاملك بأن أخذك! لأن عقوق الوالدين من أعظم الذنوب من الكبائر بعد الشرك، فهذا معناه أن الله -عز وجل- يعامل عباده بالحلم إلى أن تكبر و يصبح لديك أولاد فتتذكر وتتوب عن عقوقك لوالديك، فهذا من الإحسان للمسيء.
أما الإحسان للمحسن؛ شخص مطيع صبر ساعة يعطيه الله -عز وجل- عظيم الأجر، ويفتح له أبوابا عظيمة؛ إذن هذا من معاني اسمه (الشكور) أنه يعطيك على العمل القليل الأجر الكثير, إذن هذا العدل و الإحسان.
معاملة الله لعباده بالحكمة والمصلحة والرحمة:
في كثير من الأحيان تلزم الدعاء على أمر، و يشتد دعاؤك وسؤالك، لكن لا يُستجاب لك؛ يعاملك الله بالحكمة والمصلحة التي سترى آثارها ولو بعد حين, والرحمة بمعنى أن الله يعجل لك شيئا من مرغوبك من أجل أن يقع في قلبك الهدوء.
أي أحيانا يعجل الله -عز وجل- لك شيئا من مرغوبك؛ رحمة منه بك؛ لأن قلبك مشتعل فيهدئك، لكن لا يعني أبدا أن الرحمة ستكون فقط في أن يعطيك مرادك.


كل الأسماء ستكون هذه نتيجتها، كل اسم تتعلمه بالذات الذي يتصل بالربوبية ستجد أن النتيجة واحدة:
§           يجب عليك أن لا تطلب إلا الله.
§           أن لا تعبد إلا الله.
§           أن لا تسأل إلا الله.
لماذا؟ لأنه الرب، الحي، القيوم، الخالق، البارئ، المصور لأنه الملك لا تطلب إلا إياه، وبالذات هذا الاسم من أكثر الأسماء الذي تجعلك لا تطلب غيره؛ لأنك تعلم عقلك يقول لا تطلب إلا ممن يملك، فمن يملك على الحقيقة مرادك؟
كل ما أردت من مرادك: شفاء، صحة، أولاد، بيت، مال، سعة رزق، نجاح في حياة عملية، نجاح في حياة زوجية، هدوء في أبناءك، هدوء في زوجك، ما أردت من مراد من يملكه؟ لا يملكه إلا الله, فكيف تترك من يملك على الحقيقة لمن لا يملك على الحقيقة!
اتفقنا أن ملك الناس فتنة وذكرنا الجزء الأول من معنى هذه الكلمة ملك الناس فتنة على أنفسهم –يفتنهم-، سنذكر الآن المعنى الثاني: كيف أن ملك الناس فتنة، فتنة على من؟ فتنة على الناس، يعني الله -عز وجل- لما ملكك أنت فتن غيرك بك.
عندما نضرب أمثلة على التجار الملك، الأمير، أي أحد معه مال، ماذا في قلبك من شعور؟ أول ما تسمع هذه الأسماء أولا تريد مثلهم؛ أول مشاعر تأتيك أنك تريد أن تعيش مثلهم، على أن ما يملكونه سبباً لإسعادهم ، فأول فتنة فتنتها بهم أنك تتصور أن من يملك المال يملك السعادة
ولا تنسى قارون وكيف القوم الذين كانوا حوله, وكيف أنهم تبين لهم الأمر, وكيف الذين أوتوا العلم و الإيمان قالوا لهم: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ}[4]، ما وصفه؟ {خَيْرٌ}.
 إذن معنى ذلك أن أول فتنة بمن يملك أنه يبقى طوال الوقت، شعورك  أن صلاح حياتك أن تكون مثلهم هذه أول فتنة بهم.
الأمر الثاني: لو قال لك أحد أن الملك في الحرم، مباشرة أكتب معروض، والذي يقول سأقول كذا و أطلب كذا وكذا، وتتعجب حتى من الصغار لما يقال لهم الملك في الحرم، ويكونون حول الحرم يقولون أريد أن أراه و أقول له كذا وكذا! بدلا من أن تقول له كذا و كذا قل لمالك الملك.
 عندما يأتي أحد يقول لك تخيل أن لو كنت في الطائف والملك موجود، ماذا ستفعل؟أي: فكر ماذا ستطلب منه على أنها فرصة يعني! مع أنك كل يوم في الثلث الأخير من الليل يُقال لك: هل من سائل فيُستجاب له؟
المقصود أنه يريد مطلب فأنت ترى الشيء العجيب؛ أن النفوس فُتنت بمن يملك على أن مرادها الآن سيتحقق من هذا، لدرجة أنه يأتي في بالِنا مباشرة، افترض جدلًا لو قلت له مثلًا أعطيني مائة ألف سيعطيني أسرع مما يعطيني الله!! هذا موجود في العقل, ولو ناقشت أحدا سيقول لك سبب من الأسباب! إلا أنَّ القلب فيه من التعلق ومن الافتتان ومن التحايل على معاني قلبه، وإلا فهو يرى أن هذا العبد المملوك أسرع من الله في إعطائه.
أنت ما تعلم أن الله أوجدهم في حياتنا؛ أي أنَّ الله فاوت بين الناس في غناهم وفي ملكهم من أجل أن يبتليك، وتُفْتَن أنت، تلجأ لملك الملوك أو تلجأ لمثل هؤلاء الذين هم في حكمهم الحقيقي أنهم عبيد؟
وقس على هذا ما تجده في علاقاتنا مع أزواجنا، نجد أننا نشعر أن السعادة مُلك للزوج؛ هو يقدر أن يسعدني, و إذا ما كان لن أكون ويبقى العبد يُشعر نفسه بهذا الأمر، وينتهي الموضوع على أن الطلب يبقى منه، مع أنك تسمع في كتاب الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}[5], ألا تريد أن يصلح بالك؟!
 قيل لك كيف يصلح بالك, وهذا الشخص الذي في الحياة، يملك الله قلبه، ويختبرك بأن ينازعك، فهذا الذي يملك ملـّكه الله فتنة عليك لماذا؟ لأنك في الظاهر أنه هو الذي منعك, وفي الحديث:  ((إِنَّ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ، وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللهِ، وَأَنْ تَذِمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللهُ إِنَّ رِزْقَ اللهِ لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ كُرْهُ كَارِهٍ))[6]
فإذن المعنى: أن هؤلاء من حولك يملكون مال، يملكون سعادة في تقديرنا، أو يملكون صحة مثل الأطباء فكل هؤلاء وضعهم الله أسبابا؛ ملَّكهم، أعطاهم, واختبرك بهم، تقف عند أبوابهم؟ أو تسأل مالكهم أن يسخرهم لك!
مثلا: انظري لأولادنا هم سبب إسعادنا في الغالب؛ أي أن سعادتنا تأتي بسببهم، ورضانا عن حياتنا تكون بسببهم وبالعكس؛ التكدير يكون بسببهم، انظروا  تعصف بهم رياح العقوق مثلا أو تعصف بهم رياح الحالات النفسية، تعصف بهم رياح الأمراض وأشياء كثيرة، فنحن نشعر أن هؤلاء لو كانوا مستقرين تكون حياتنا مستقرة، فأنت اطلب من الله الذي يملكهم أن يجعلهم خيرا وبركة عليك، وأن يخفف عنك مؤونتهم, وأن ييسر عليك تربيتهم، وأن يصلح أحوالهم؛ ولذلك مُنعت منعا غليظا من أن تدعو عليهم، فتوافق ساعة إجابة فيرجع مرة أخرى فتكون أنت أكثر من يدفع ثمن ذلك.
على كل حال باختصار الآن المُلْك الذي تملكه فتنة لك، والمُلْك الذي يملكه غيرك فتنة عليك، ففي كل الأحوال المُلك يعتبر فتنة سواء ما تملكه أنت أو يملك غيرك.
أما ملكك أنت ففتنتك في أنك تعتقد أن ملكك لهذا الأمر معناه قدرتك عليه من غير الله، فلما تملك مال ما هي مشاعرك؟ أنك مستغني ولا تجد شخص لو عنده مال يقول يا رب.
أضرب مثالين حالتين :
* لو أتى ضيوف وكان عددهم قليل وقدّمت لهم طعامًا كثيرًا، قد لا تتذكري أن تقولي بسم الله حتى ينزل الله البركة على الأكل! أو أنك تشعري أن الأكل كثير ولست بحاجة للبركة!
* وعندما يكون عددهم كبير كم من الابتهال والدعاء ستقوليه!
فأصبح ملكك للشيء أشعرك بالاستغناء عن بركة الله، وعندما لم تملك شعرت بالضعف وسألت الله أن ينزل البركات.. فهذه هي الفتنة؛ العبد لما يملك مباشرة يشعر بمشاعر الاستغناء، ولما ينقص ملكه يشعر بمشاعر الضعف، فإذن مُلكك للشيء فتنة عليك، وأيضًا مُلك غيرك فتنة؛ لأن الذي تراه يملك مباشرة قلبك يميل له، وتشعر أنه يسحب قلبك إليه! فهذا كله فتنة وابتلاء.
قوِّي قلبك بأنه مالك الملك؛ ولذلك لما تقرأ الفاتحة انتفع من هذا جيدا؛ انتفع من قولك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[7]، حيث تظهر الحقيقة أن لا أحد يملك إلا الله تبارك وتعالى، وتظهر حقيقة أنك طوال هذه الأيام كنت مفتونا في الدنيا، مفتونًا بملكك وملك غيرك؛ لكن لما يأتي يوم القيامة تظهر الحقيقة وينتهي الملك وتعرف أنه لا مالك إلا الله.
ناتج هذا كله نقول: بما أنك فهمت أن المُلك ملك الله:
لا تسأل غير الله.
لا تعبد غير الله
لا تطلب غير الله.
ولا ترجو غيره.
ولا تضع آمالك في غيره.
 واعلم أنه وحده سبحانه وتعالى الذي يسبب أسباب مرادك، فمرادك يأتي بأسباب ما ينزل من السماء, نعلم يقينا أن مرادك يأتي بأسباب، لكن من يملك الأسباب؟ الذي يملك الأسباب ربها مالك الملك، الأسباب لا تقف حاجزا بينك وبين التعلق بالله, و أنك لو أردت ما أردت نعم لابد أن يكون بأسباب، لكن اطلب مَن يملك الأسباب.
ثم اعلم أنك حتى لو ملكت الأسباب يعطلها الله عن التسبب.
وانظر نار إبراهيم -عليه السلام- ألم تعطل عن التسبب؟ لأن الله أراد ذلك.
وعِشْ حياتك وراجعها: كم جهاز اشتريته ما انتفعت به، كم كتاب اشتريته ما انتفعت به، كم ملابس اشتريتها ما انتفعت به، كم طعام اشتريته ما أكلته.
معنى ذلك: أن وجود الملك تحت يدك لا يعني بحالة انتفاعك به أبدًا، ثم انظر إلى من وسع الله عليه بيته وكثَّر عياله ثم تراه لا ينتفع بأحد منهم لا ببيته ينتفع ولا بعياله ينتفع.
والمعنى أن الأسباب حتى لو أصبحت ملك يديك لا ينفعك بها إلا مالك الملك؛ الذي ملَّكك السبب هو الذي ينفعك به، وهذا التجرد يحتاج منا أن نعيش طول الوقت و نحن نراجع أنفسنا؛ لأن مشاعر التملك تملكنا بسرعة، وبسرعة نشعر أننا نملك الشيء، ولسنا شاعرين بقلق ولا خائفين، وخصوصًا لو نظرت إلى أن العباد يصلون إلى حد أنه يباهي بعضهم بعضا بما يملكون فلما يدخلون في المباهاة تزيد طمأنينتهم لما يملكون؛ لذلك {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}[8] أي أشغلكم عن التعلق بربكم، وسؤاله، والانتفاع بما أعطاكم، أشغلكم حتى زرتم المقابر؛ حتى مُتّم، وهذا كله سببه أنه ملَّككم فانفتنتم فيما تملكون.
وترى الإنسان يفتن حتى لو كان طالب علم، يفتن في ملكه لكتبه، يفتن في ملكه لمكتبته، يفتن في ملكه لقدراته العلمية، كل هذا فتنة عليك، بكتبك أي تتصور أنه بما أن كتبك موجودة إذن ستتعلم، ولا ينتفع به. وبقدراته أي أنه يملك قدرة على الحفظ والفهم، فتفتنه ويتصور أنه يملكها، ثم لا يستطيع أن ينتفع بها.
المفروض لما يهبك الله نعمة العلم ويهبك الكتب أسأل الله أن ينفعك بها، دائما اسأل الله البركة فيما ملكك فيما رزقك، وهذا هو مفهوم إفراده وحده بالعبادة؛ أن لا تتعلق ولا تعظم إلا الله.
ما هي العبادة؟ الذل الناتج عن التعلق والتعظيم الذي تعبر عنها هو الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر والشكر هذا التعبير عن العبادة، أنت طول الوقت تعلم أنك في مِنَنْ كلها من مِنَنْ الله، حتى ما تضعه في جيبك من راتب بعد عمل الله تبارك وتعالى هو الذي أعطاك الحول والقوة على هذا العمل، وهو سبحانه وتعالى الذي يسره لك، وهو الذي سهل لك أن يكون هذا المال بين يديك، وهو الذي ينفعك به، واسأل من يأتي عليه نصف الشهر وما معه ريال ما الذي ذهب بمالك؟ ذهب بسبب انعدام البركة؛ شاعر أنه عنده لا يقول يارب بارك لي، ولا هو شاكر بنعمائه، وشاعر أن المال ماله.
يربي بعض الناس أبناءهم على (آخر الشهر)! مع أنه لم تكن ثقافتنا سابقًا، يقول الابن اشتري لي يرد الوالد آخر الشهر, نريد نستضيف ناس يرد آخر الشهر! لماذا آخر الشهر؟ لأن فيه الراتب، فبدل أن نقول يرزقنا الله، أنت تقول منطقيا أن آخر الشهر الناس يأخذوا رواتبهم!  


انظر إلى الآيات في الزمر والمؤمنون, وانظر كيف أن فيها دلالة أن تفرده تعالى بالملك يدل على استحقاقه للانفراد بالعبادة: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}؛ إذن لأنه الله ربكم له الملك فلذلك لا إله إلا هو يجب أن تعظمه.
وفي سورة المؤمنون قال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} أي حقيقة هو الملك لا إله إلا هو, شاهدنا هو (لا إله إلا هو)



وانظر إلى آية الفرقان:



 قال الله تعالى:{وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً} ما وصفها؟ {لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}.
والوصف الثاني: {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً} لذلك بطل عبادتهم, بما أنهم لا يملكون إذن لا يصلحون أن يكونوا معبودين من دون الله.
وانظر لآية سورة فاطر في وصف المعبودات من دون الله.


ما هو القطمير؟ اللفافة الشفافة التي على نواة التمر، فهذه لا يملكونها, مُثِّل بها لأنها أحقر شيء ممكن يتصوره هذه اللفافة فهم لا يملكونها، ثم وصفهم بعدم ملكهم لذلك لا يسمعوا ولو سمعوا ماذا يحصل؟ ما استجابوا لماذا لا يستجيبون لك؟ لأنهم لا يملكون.
وفي سورة المائدة عتاب لهم:


أي: يسمعكم ويسمع نداءكم وسؤالكم, وعليم بأحوالكم، فعطاؤه لكم إما من سؤالكم أو من علمه بحالكم، ففي كلا الحالتين يعطيك الله تعالى.
 هل ممكن تترك الدعاء لأن الله يعلم الحال؟ لا، بل الدعاء بنفسه عبادة, فلابد أن تفهم أنَّ مالك الملك دعاك لأن تعبده بأن تطلبه أي يرضى عنك لو سألته, أنشأ لك الحاجات من أجل أن تسأله، لا تأتي لحظه عليك أبدا وتقول أنا غير محتاج, انظر لكل حياتك تفاصيلها وفي كل التفاصيل لابد أن يبقى شعورك أنك محتاج أن تسأله و تدعوه.


لا يوجد أحد يملك مثقال ذرة في السموات والأرض ملكا مستقلاً لكن يملكها لأن الله ملكه إياّه.



أتى مالك الملك والملك لا يصبح لهؤلاء إلا لمّا يعطيهم إياه، لما تسمع هذه الآية  تعطي الملك من تشاء، لا تتصور أن المُلك يُقصد به فقط المملكة, الملك العام، السلطة, بل أبسط ما تملك يدخل في هذا المعنى.


 العبادة هي التعظيم والتعلق، أي التذلل التي تنتج الطاعة وينتج القربى.



والحمد لله رب العالمين.