الأربعاء، 29 أبريل 2015

شرح اسم الله ( المتكبر) سبحانه وتعالى


بسم الله الرحمن الرحيم
ألقي في 21-5-1431هـ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
لازلنا في هذه اللقاءات المباركة أسأله سبحانه أن يجعل خروجنا خالصًا لوجهه، وهذه الاجتماعات خالصة لوجهه.
اليوم لقاءنا حول اسم المتكبر وهو من الأسماء الثابتة التي وردت في سورة الحشر، ولازلنا ندرس في آية سورة الحشر..
قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله في كتابه فقه الأسماء الحسنى:




ما معنى المتكبر اسمًا لله؟ هو اسم يدلّ على وصفه سبحانه بالتكبّر والكبرياء، ويناسبه ما نقول من لفظة نكررها (الله اكبر)، فالتكبير من معاني الكبير والمتكبر.
هذه الكلمة بالنسبة لنا مزعجة لأنها في الخلق وصف مذموم، لكن هل هو في حق الله بالمعنى الذى تفهمه؟
التكبّر له معنى واحد يصلح لله ولا يصلح للخلق، لما يكون من الله يكون له معنى، ولما يكون من الخلق يكون له معنى، خلال نقاشنا إن شاء الله نصل إلى جواب لهذا السؤال لأن كثير من الناس وأحيانا من الصغار يسألون كيف يمنع عنا التكبّر والله من صفاته التكبر؟!




التاء لما تدخل على بعض الكلمات معناه أن الانسان الموصوف بهذا الوصف يفعل فعلًا ليس لائقًا له، مثل تتفاخر، تتعالى، فالتاء هذه تدل على التعاطي والتكلف، هو ليس أهلا للفخر وليس أهلا للعلو ويتعالى، فلان يتعالى، التاء في تعالى للخلق نوعها التعاطي والتكلف، يعني يلبس لبسًا ليس لبسه، لكن هنا في حق الله التاء تاء التفرد والاختصاص.
التاء لها معنيين: إما التعاطي والتكلف أو تاء التفرد، وهنا في اسم الله التاء المقصودة تاء التفرد.
من هنا نخرج بنتيجة :



يعني خلال نقاشه سيذكر لماذا الخلق لا يصلح لهم هذه الصفة (التكبّر).




 تكبَّر يعني تعظّم تعالى ارتفع، ارتفع عن عن كل سوء، ارتفع عن السيئات، الله المتكبر يعني المترفّع عن كل سوء، المترفّع عن كل شر، ولذلك تقول (الله أكبر) تعتقد أنه أكبر من كل شيء هذا معنى، أكبر بمعنى متكبّر متعالي مترفّع عن أن يكون منه شر.
إذن متعالي عن كل سوء، متعالي عن السيئات، متعالي عن كل شر.
إذا كان متعالي عن كل سوء، متعالي عن السيئات، متعالي عن كل شر، إذن لا يصدر منه إلا كل خير، إلا كل ودّ لعباده، إلا كل إرادة لتطهيرهم وإصلاحهم.
انظر بعد ما انتهت آية الحشر الأولى { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} القدوس: منزّه عن كل نقص، { السَّلَامُ} صفات كماله سالمة من كل نقص، { الْمُؤْمِنُ} المصدق لوعده المأمن لعباده، { الْمُهَيْمِنُ } يعلم سبحانه وتعالى خائنة الأعين وما تخفي الصدور، {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} أتى بعدها {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} يعني بعد أن تسمع هذه الأسماء كلها لابد أن تسبّحه، أو بالعكس ما معنى أن تسبحه؟ تعتقد أنه ملك أنه قدوس أنه في ملكه منزّه عن صفات النقص، وأنه في ملكه سبحانه وتعالى سالم أن يكون في صفات كماله صفات نقص، وهو منزّه أن يكون ملك يوعد بوعد ويخلف وعده، المؤمن معناه المؤمِّن لعباده، إذن مَلِكٌ مؤمن يعني مؤمّن لعباده من المخاوف مصدّق لهم ما وعدهم.
لو تريد أن تفهم معنى تسبيحك وتنزيهك لله، معناه أن تعتقد ما في أول الآية إلى آخرها من أسمائه.
لما تريد أن تقول سبحان الله تنزّهه لابد أن تعتقد أنه ملك وأنه في ملكه منزّه عن النقائص  (هذا معنى قدوس)، وأنه كامل الصفات وصفاته الكاملة سالمة من النقص، ولابد أن تؤمن أنه مؤمن، فهو مَلِك وعد عباده بوعود لابد أن يوفيها، وهو مَلِك يملك تأمين عباده فمؤمّنهم لمن صدق إليه اللجوء، إلى أن تنضاف بقية المعاني..
ما معنى المتكبّر؟ يعني المترفّع، عن ماذا؟ عن كل سوء، عن السيئات، عن كل شر، إذن لما تسبحه ماذا تعتقد فيه؟ أنه يترفّعُ عن كل شر وسوء، والمعنى أنك إذا نظرت إلى أفعاله اعلم أنه لا يصدر منه إلا كل خير؛ لأنه يترفّعُ عن الشر.
وهنا وقفة مع اسم الرب وعلاقته باسم المتكبر:
الرب يعني المربي لعباده المصلح لهم، يربيهم بما يجري عليهم من أقدار، وهذه الأقدار ترقّيهم إلى ربهم، كل الذي يجري عليك بتفاصيله يدفعك إلى باب الله، إما أنه يزيدك إيمانًا وثباتًا، هذا الموقف الذي يحصل لك، البلاء ينزل عليك، القدر الذي يعطيك الله إياه، كل شيء حولك، لما نقول (يربيك) لاتفهم أنها بلايا فقط، كل شيء يدور حولك مواقف صغيرة كانت أو كبيرة كلها تدور حول اسمه (الرب) أنه سبحانه وتعالى يجري عليك من الأقدار يربيك بها، وهو يربيك ما نوع الأقدار التي تجري عليك؟ كل الذي يجري عليك صدر من متكبّر مترفّع عن كل شر، إذن ما سيقع عليك ما وصفه؟ كله خير.
ولهذا في سورة الفاتحة نقول { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ثم { الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} يعني أحمده لأنه سبحانه وتعالى رباني بأقداره التي تجري علي، وأقداره كلها رحمة، كلها خير.
إذن معناها أن المتكبر يظهر آثاره في أفعال الله، في تربيته لعباده، في خلقه لكل شيء، فممكن يقال نحن نفهم أن كل المخلوقات خُلقت لخير، فلماذا خُلق مثلا الأسد؟ يعني شيء في تفكيرنا أنه شر، لماذا خُلق الشيطان؟
أولا قبل ما أجاوبك بالتفصيل لازم تضع حاجزًا بينك وبين هذه الأفكار، ماذا يقول الحاجز؟ ما الاسم الذي تضعه حاجز بينك وبين هذه الأفكار؟ أنه سبحانه وتعالى متكبر عن كل سوء، عن السيئات، عن كل شر، فلا يصدر منه إلا كل خير.
نفهم معنى كلمة (خير)، الخير عند كل أحد في أمر الدنيا يتفاوت على حسب الهوى، فما يكون عند أحد خير يكون عند أحد شر، أبسط مثال إشارات المرور، الدنيا مثل إشارات المرور، تكون إشارتك خضراء والباقي عندهم حمراء، يعني الخير الذي سيأتي لك ، يكون شر بالنسبة لهم لو كان هذا مقياس الخير والشر..
المقصود أن الخيرية تدور على أساس الهوى، ليس هذا مقياس الخير الذي ترضى به عن الله.
مثال موقفنا مع أبناءنا تجاه السهر، تمنعيهم وأنت كبيرة وناضجة وتعلمين أن السهر يدمر عقولهم وأبدانهم، هل هذا يوافق هواهم؟ لا، يرونك شريرة، وأيام الاختبارات لما تمنعيهم من الاختبارات لما تمنعيهم من مرادهم يظنون بك شرا، وكل المواقف أنت تريدين مصالحهم وهم يرون ضدها، توقظيهم لصلاة الفجر يرون أن هذا ظلمًا منك، ووقت ما نقوم نقوم! أنت تريد لهم خير، هم يرونه شر، على مقياس من نضع الخير والشر؟
مقياس الناس كلهم الهوى، الحكمة نادرة، قد أكون حكيمة مع أبنائي لكن لما أكون في موقف لازلت أرى الخير هو الذي يوافق هوايا.
فقبل أن أجيب على الأسئلة (لماذا الأسد موجود لماذا الشيطان موجود .. ؟) لابد أن أضع حاجزًا بيني وبين التصور الخاطئ، الخير لا يأتي إلا من الله، والله متكبّر عن كل شر، ومن ثم لما تعجز عن تفسير الخيرية في الأشياء هذا لا يعني أنها ليست بخير، على الأقل اعترف أنك عاجز عن إظهار الخيرية في هذا الشىيء.
مرة أخرى.. نحن نربط بين اسم الرب واسم المتكبر، من آثار اسم الرب أنه يربي عباده بما يجريه عليهم من أقدار، ماذا تظهر في أقداره؟ الرحمة، هل كل العباد يشعرون بالرحمة؟ لا، لماذا؟ لأن الرحمة والخير في عقولنا على حسب هوانا.
حَدَث لك حدث لم تفهم تفسيره، باسمه المتكبر كيف تفسره إجمالا دون تفاصيل؟ تقول أنا أعلم عن الله سبحان الله ينزّه الله لأني أعلم أنه سبحانه متكبّر عن كل شر، متكبر عن السيئات، متكبر يعني مترفع عن كل شر مترفع عن السيئات، لا يصدر منه إلا الخير، هذا الحاجز لو وُضع سيمنع العقل من سوء الظن بالله، هذا معنى كونك تسبح الله.
لما تقول سبحان الله ننظر لآية الحشر، يعني أنزهه عن كل نقص وعيب أو أن يصدر من أفعاله ما هو شر، بقي ترجمة الواقع، نرى شر في مقياس عقولنا، فما الذي يتوقف عن التفكير؟ لما تنزل الأقدار لابد أن تعالجها بالرضا، لما ترضى عن الله وتعلم أنه لا يصدر منه إلا خير، ستقول لنفسك أكيد لم أفهم الموضوع، ولا أعرف ما وراء هذا، مثل شخص تثق في أمانته ويذكر لك خبر (أخذوا الأشياء، سرقوا الأشياء..) وأنت متأكد من أمانته، فتقول لن أصدقكم، أكيد أن وراءه شيء وإن كان ظاهره هذا الأمر، أنا على يقين أن هذا ما حصل.
الإنسان على قدر معرفته بالله يردّ عن عقله ظنّ السوء، وظن السوء هذا الله سالم منه متكبّر عنه، لكن عقولنا القاصرة لما ترى بعينها ما لا يوافق هواها يقع في القلب السخط، ومن سخط فله السخط.
لن ينفتح لك أبواب بالعكس، كل ما وقع في قلبك سخط كلما كثرت عليك أدلة السخط، كل مازاد عليك الأمر تقليبًا، ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ))[1] إن ظننت أنه متكبر متعالى مترفع أن يكون في أفعاله شر، وأن هذا الذي ظاهره شر أكيد لما أفهم سيتضح لي الخير ، وإذا كان هذا ظنك سينكشف لك الخير، تفهم وترضى وينشرح صدرك، ثم ترى آثار رضاك شيء لا يوصف لأن من رضي فله الرضا، الجزاء من جنس العمل.
تعتقد في ربك أنه متكبر متعالي مترفع عن السيئات والشر، فالذي يجري علي خير لكنه غامض غير واضح معقّد، بكلمة مختصرة هو ابتلاء، ما تصورك؟ هذاالذي أمامي ظاهره معقّد أقلّبه يمين يسار لا يأت بخير، لكن اركن قلبك إلى اعتقادك أنه متكبر عن الشر متعالي عنه، وقل أكيد أن وراءه خير، وسأفهم قريبا، أدخل فلبك في دائرة الرضا، ارضى عن الله، نزهه عن النقائص، أحسن ظنك به، الناتج أن الرضا سيصب عليك،ينشرح صدرك، تنكشف لك غوامض، تقول الحمدلله أن قدّر لي هذا القدر الذي كنت عليه ساخطًا أول ما نزل.
كأننا نقول ضع حاجزا بينك وبين سوء الظن، بقيت مشكلة كبيرة ودائمة أنه ليس سوء ظن بالله إنما انظر لذنوبي، يحصل لي هذا الشيء السيء والعقوبات تنزل علي بسبب ذنبي!
لابد ان تنظر لهذا نظرا جيدا من منطلق علمك أن أسماءه كلها تدور حول هذه الثلاثة، سبق أن ذكرنا أن أسماء الله تدور حول ثلاثة أسماء( الله، الرب، الرحمن) التي هي في سورة الفاتحة، إذن كل صفات الله ومعاملة الله لخلقه حول هذه الثلاثة لا تنفك عنها، لما تقع علي أقدار بسبب ذنوبي وأعلم أني مستحق، أين آثار الرحمة في ذلك؟ لا تنسى الرب، أنت كأم تربي أولادك، نتكلم عن أنفسنا في فعل التربية.. العقوبات التي تنزليها على أبنائك مقصدك بها تربيتهم، ونحن بشر ناقصين تأتي لحظات نتشفى بالعقوبة، لكن لما درست في اسم السلام علمت أن عذابه سبحانه وتعالى سلام من التشفّي، لابد أن تسلم عذاب الله -أو عقوبته التي ينزلها على أحد- من التشفي، لو كان تشفي كان خسف بهم الأرض! ألا ترى كيف عامل قارون، كثرت أمواله ونُصح ووعظ، لما تكلم بلسانه أيضا عومل بالحلم، إلى أن فتن نفسه وفتن الناس، {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ}[2] ذاك الوقت {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ}[3] معناها أن العقوبات لا تنزل تشفيًا بل هو المتكبّر سبحانه وتعالى أن يكون تربيته يقصد منها تعذيب الناس.
لو أتاك قدر بسبب ذنب، سيق إليك هذا القدر وأنت تراه على لا يلائمك على غير هواك، وأنت مذنب، لما تأتيك الأقدار فهذا تطهير لك، أتى رحمة فوق هذه الرحمة، تطهر حتى أن الرجل يمشى على الأرض وليس عليه ذنب! كل المشكلة في كمية الرضا عن الله.
اجعل هذه الثلاثة أسماء عماد في معاملتك لله، الله كامل الصفات، الرب يربي عباده برحمته العظيمة، لو نزل علي قدر لا يوافق هواي كيف أعرف أنه عقوبة أم ابتلاء؟ انظر لنفسك على أي الخطين تسير، إن كنت شخصًا مستقيمًا ظاهرًا وباطنأ -ابن آدم لازال من وصفه أنه خطّاء، كان الحسن يقول كلام معناه ان كثرة هذه الأخطاء لن يحلها إلا أن تصبحوا توابين وتمسوا توابين من أجل أن يمحى هذا كله، المهم الآن أنت قائم الليل صائم النهار تقرأ وردك .. نزل عليك شيء لا يلائم هواك، كيف تفسره وأنت مستقيم وأنت تعرف أنه متكبر عن كل شر؟-
هذه إرادة رفعه أراد أن يعلي منزلتك، ماذا تفعل؟ لابد أن يكون لك رد فعل صحيح، من الجهة الأخرى متى تفهم أنها عقوبة؟ لما تكون سائر ليس على الصواب ويأتيك قدر لا يلائمك، هذا عقوبة .
الاثنان يلتقيان في نقطة واحدة وهي إرادة الرحمة، إن كانت عقوبة لك او رفعة كلاهما إرادة رحمة، فأما إن كانت عقوبة فهذا تطهير، كأنه يقال عليك وسخ ومن أجل أن تقف بين يديه لابد أن تطهر، من الجهة الأخرى لو كان بلاء هذا إرادة الرفعة.
بقي الآن ما ردة الفعل؟ صحة تصورك هذا لابد أن تسبب لك ردة فعل صحيحة، بمعنى أنك تملئ قلبك رضا عن الله سواء الذي نزل عليك عقوبة أو رفعة، تنظر للبعيد ماذا يريد الله منك؟ أحسن في الرضا أولا عنه، ثم يأتي بعد ذلك أنواع من المعالجات للتصرفات.
المقصود أن تفهم أنه الله متكبر عن كل شر، أنت ترى في حياتك وحياة الناس صورة تفسيرها عندك خطأ، اريتم في سورة النور لما وصف الله ذاك الذي يسير وراء السراب { يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء}[4] أين الإشكال؟ بصره هداه إلى الباطل، فحتى يصح تصورك ولا تمشي وراء السراب لا تلتقط من الواقع صور وتجعلها منظومة منظومة وتقول لو ربنا يحب عباده ما صار كذا وكذا ! هذا لسان حال كثير من الناس في قلبهم سخط على ربهم، وربما يحيط بنا، يقول أنا ليس لي حظ، ولن أدخل هذا الاختبار ولن أدخل هذا العمل.. ربنا أعطى هؤلاء الناس حظوظا أما أنا لا! كل هذا الكلام سوء ظن بالله، حتى أنك ترى العباد لا ينفكون عن سوء الظن، مع أن العبادة التي يجب أن لا تنفك عنها هي حسن الظن، لكن الموجود سوء الظن بالله، السبب ضعف العلم عن الله، تلتقط من الواقع صور كثيرة وتجارب عشتها ومواقف مع الناس وتعملها منظومة وتقول الناس ليس فيهم خير! ربنا لما يعطيني شيء ينقطع مني حلاوته، ولا شيء أفرح به إلا وسطها تنقطع.. هذا كله من سوء الظن، لما تتعلم اسم (المتكبر) يصبح في قلبك حاجز عن هذه المنظومة، تعلم أنه متكبر عن كل شر،  وكل الذي يجري عليك ويجري على الخلق وإن كان لا يوافق هواك، لكن العبرة بكمال النهاية وليس ما تراه ناقصا في البداية.
الله عز وجل جعل من سنة الكون أن كل شيء يبدأ صغير ويكبر، يبدأ ناقص ويكمل، يبدأ الطفل لا يسمع ولا يرى ولا يمشي... ثم يكمله الله، من أجل أن تفهم أن القصة ليس في الأول، لما يأتي الطفل الصغير المولود تقول ماذا يفعل به! لا يرى ولا يسمع ولا يمشي..! كيف يساعدني؟! لكن أنت بعقلك المدرك أن القصة ليست في البداية الآن إنما بعد 15 – 20 سنة سيكون رزقًا حقيقيًّا لي .
إذن تعامل الحقائق بهذه الصورة، لا تنظر لها الآن انظر لها مستقبلًا، هذا قانون موجود في عقولنا، الأراضي المستصلحة للزرع المزارعون يبقون 4 سنوات يستصلحوها ومع ذلك يبقون يهتمون بها كل يوم لأنه يعلم أنه بعد  4 سنوات سيضع البذرة وسينبتها الله، لا يفكر في الأيام هذه إنما يفكر فيما بعد الأربعة سنوات.  هذا قانون كل البشر لما يريدون نتائج لا يفكرون هنا.
على هذا انظر للأقدار والتربية التي تجري عليك، كلها فكر في نهايتها كيف تكون، نحن ننقسم لقسمين: تنزل علينا أقدار لا تلائم هوانا ونحن واحد من شخصين مذنب أو طائع، ونزل علينا شيء لا يوافق هوانا ماذا سيكون؟
أما المذنب فنهاية هذا الذي نزل عليك أنه تطهير، تكون شخصًا طاهرًا، ولابد أن تتصور أنه ليس هناك حكمة واحدة، بدأت تبعد عن الطريق بالذنب ووجدت أنه لا عقوبة فبقيت كما أنت، كل العقوبات في الدنيا مجرد ذوق، تجد في كتاب الله (أذقناهم) أذاقك شيء من العقوبة فماذا يحصل لك؟ ترجع وتبقى خائف المرة القادمة وتحمل هذه الذاكرة في عقلك، لا تأمن أنا مكثت أسبوعين وفعلت ما أريده إلى أن أتت البلاءات وانكشفت أستار ماكانت في عقلي أنها تنشكف، أصبح عندك ذاكرة والمرة القادمة تكون أخف وطأً، أو تكون مستقيمًا فتنزل عليك هذه البلاءات وترفعك، ردة الفعل هي التي تأتي بمشكلة، هذه الصورة ليست ملتقطة وقت حصول الحدث، لماذا؟
لأن القلب لم يمتلئ علمًا عن الله، ما امتلأ حسن ظن به، هذه العبادة لا تنفك عنك، طول حياتك تحتاج أن تعبد الله بعبادة حسن الظن، تفوتك أحيانا لكن المهم لا يكون ديدنك الدائم سوء الظن، خائف على أولادي يخرجون ويحصل لهم حادث! خائف أضع أموالي هنا فتسرق! خائف أضع حقيبتي هنا فيحصل كذا وكذا..ثم يأتي لما تحصل المواقف يقول قلبي (أنا كان قلبي حاسس!) هذا من إساءة الظن، أنت تتجازى على إساءة الظن.

كيف تُضبط ردة الفعل كما يحب الله ويرضى ؟
نذكر خمس قواعد مختصرة:
1- {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}
لا تنقطع عن العلم وعن الدراسة وعن تذكر معاني أسماء الله وما يخوفك ويرغبك .. ثم تريد من نفسك صورة مثالية في ردة الفعل! يحصل لك جفاف، تصير إنسان قاسي بالبعد عن مجالس العلم وعن القرآن وعن فهمه ، لذلك المعلومة التي تسمعها لابد أن تعاد عليك وتكرر قراءة، مثلا كل فترة تقرأ تفسير أواخر سورة الحشر، أوائل سورة الحديد، آية الكرسي.. اقرأ من جديد، مع التجارب تترجم مواقف كثيرة نتيجة علمك، يعني تكون سمعتها اليوم، بعد شهرين تكون حصلت لي أنواع من الخبرات، أرجع أقرأ نفس الكلام أعرف أترجم ما حصل. فلا تتصور أنك تنقطع عن المعين وستبقى ردة فعلك صحيحة ، لازم تبقى على قاعدة (ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) لازم تكون مرتبط بالأصل (الكتاب والسنة) .
2- على قدر نسبة حياة الكلمات المحفوظة المعلومة، على قدر حياة قلبك.
نحن نحفظ (لا حول ولاقوة إلا بالله) وأنها في كل صعب تسهّله وفي كل أمر تيسّره وأن أعظم الأشياء وأصعبها تلزم (لا حول ولا قوة إلا بالله) فتعطى الحول والقوة أن تتصرف كما ينبغي، لكن تأتي للكلمة وتموت ليس فيها حياة!
الله عز وجل لما وصف نزول القرآن يمتنّ على النبي صلى الله عليه وسلم {روحا من أمرنا} مثل آية الأنعام {أومن كان ميتا فاحييناه}، {..استجيبوا لله.. لما يحييكم}، وذكر أنه نور في مواطن كثيرة، { نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ } بمعنى أنه يضبط ردود أفعالك ويهديك كيف تتصرف، لكن هذا لمن؟ لمن جعل هذه الكلمات لها روح في قلبه.
لما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخورارج في الحديث الصحيح ((تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ))[5] فالكلمات ميتة، ولهذا حصل هذا الانحراف الشديد.
لما نريد أن نفسّر لماذا أناس عندهم هذه الاستقامة ثم يخرجون ويقتلون المسلمين برهم وفاجرهم ومؤمنهم وفاسقهم! حافظ كلمات ويصلي ويصوم، لكن القرآن الذي هو مادة الحياة والإحياء والذي به يهتدي يقرؤه لكن لا يجاوز تراقيهم وفي رواية حناجرهم! كلام محفوظ وليس له جذور في الأعماق.
إذن على قدر حياة الكلمات على قدر انتفاعك وحياة قلبك، تبقى تتذكرها وأيضا تحييها إلى الأعماق، يعني قل لنفسك حتى ينجح مشروعي، حتى أتصرف صح مع فلان... لا أحد ينفعني، ليس لي حول ولا قوة إلا بك، يارب أنا ضعيفة تامة الضعف، وليس صواب أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله وقلبي يبحث أتصل بمن؟! من يحضر لي الأغراض..! كلام فارغ!
كل القصة قلبك ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))[6] يعني وقت ما تقوم بالعمل تظن نفسك تخدع من! تتصور أنك تقول (لا حول ولا قوة إلا بالله) وربنا يعطيك لأنك نطقت بها! لابد أن يتخلى قلبك عن كل أحد ، تنظر لهم كلهم على أنهم ميتين وأن الحياة من الله، أنهم عاجزين ولا يقدرهم إلا الله، كفرنا بهم جميعا، لا نؤمن إلا به، نعلم أن لا قوة إلا به، وترى من الأحداث والأوضاع التي تخصك وتخص من حولك وتخص العالم كلها تقول لك لا أحد في يده شيء..
نضرب مثال على التقنية لأن الواقع يقول التقنية: ها هي التقنية ها هي وسائل الطيران ها هي قدراتهم الفائقة في الوصول، وها هو بركان ايسلندا ماذا فعل بهم!
ها هي وسائل الإنذار لما يريد الله شيء ينزل، كل شيء يتعطل، أمره إذا أراد شيء أن يقول له كن فيكون، ولهذا الله عز وجل يعامل عباده بكمال صفاته سبحانه وتعالى ، لكن ترجمة كمال الصفات مختلفة عند العباد، واحد يعرف يترجم وواحد عاجز عن الترجمة.

نعيد بإيجاز:
اتفقنا أنه لا يعاملك إلا بكل خير، متكبّر عن الشر، ما ترجمة الواقع؟ الواقع خير لكنك لا تستطيع أن تراه إلا إذا أحسنت الظن به سبحانه وتعالىن ضع حاجزًا بينك وبين شعور أن يكون شر، حتى وإن كنت مذنب نازل عليك الخير، يطهرك ويردك إلى بابه ويصلح حالك، حكمة الله متعددة لا تستطيع أن تعدها في موقف واحد، وإن كنت من أهل الخير فهذا رفعة واختبار لما قام في قلبك هل أنت صادق أو لست صادقًا.
أنا أريد بعد أن فهمت هذا الفهم أن يكون ردة فعلي صحيحة ، ربي لا يأتي منه إلا الخير لماذا أقوم بردة فعل تدل على أني لست راضيا عن ربي؟! ماذا أهاجم هذا الشخص وأنا أعلم أن هذا الشخص فتنة ولأني تعلقت به ربنا يجازيني! وهذا الشخص ما منع هو ((وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ))[7] هذا اليقين موجود كمعلومات، فلماذا ردة الفعل لا توافق قدر المعلومات التي عندي؟
نقول لازم نستعمل قواعد لتهذيب قلوبنا، ونتصرف التصرف الصحيح، الكلام طويل ونختصر منها خمس:
القاعدة الأولى: حتى تتحسن كل يوم ردة فعل على ما يلائم لازم تبقى واصل، على ذكرى، لأن الذكرى تنفع المؤمنين.
قد أكون تذكرت وأقول الكلمات لكنها ميتة..
فالقاعدة الثانية: لابد من إحياء الكلمات في قلبك ، تتدبر وتفهم وتمنع قلبك عن المخالفة، تنزل الكلام في قلبك وليس في أذنك.
3- العامل المهم الذي يصلح كل الخلق: الصبر الصبر
لماذا ردود فعلنا ليست موافقة لما يحب الله ويرضى؟ لأن أول ما ينزل علي المؤثر مباشرة أقوم بردة الفعل، لا أعطي نفسي فرصة أفكر، ويوجد من ينزغك نزغا، فأنت بنفسك بدون الشيطان ممكن تكون أهدأ، فمنا شديد الغضب ومنا الهادئ.. لكن يوجد وراءنا من ينزغنا نزغًا، فهذا الذي ينزغك لازم تضعي عليه دواء كالصِّبْر ألا وهو الصَّبر.
لا تتصرفي ردة فعل مباشرة، فقط في موطن واحد { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[8] هذا الذي يستعجل فيه موطن العبادة، أما غيرها من المواقف فلا تستعجل في ردة الفعل، فمن أهم أسباب التوفيق التعلق مع الصبر، أهم سبب يوفقك أن يبقى قلبك متعلق وتصبر لا تستعجل، لا تستعجل فعل الله ولا تستعجل في ردة الفعل، لا تتعجل ثم إن الله يختبر صبرك، يوصلك إلى عنق الزجاجة ويضيق عليك كل شيء، وهذا وقت الضيق هو وقت قرب الفرج، لكن كن على ثقة بربك، أنا راضي عن ربي وعن فعله، ما أنا فيه خير  وسيأتي من ربنا الخير، وكل شيء يجري من الله فهو خير، حتى لو كانت صورته شر، فهو المتكبر عن كل شر.
العاملين الباقيين سأتكلم عن الضد، ادفع عنك أشياء معينة:
4- ادفع عن تفكيرك ما يوترك ويؤلمك بالتفويض
عقلك يكاد ينفجر من كثرة ما تفكر، أين عبادة التفويض؟! التفويض تفوض أمرك لله، أين مكانها عبادة التفويض؟ كلما أتاك الخاطر ادفعه بالتفويض لله، لا أفكر، أول عاجز التفكير أنا، أول التفويض العجز عن التفكير، إما أنت تدبر أو ربنا يدبر! أما كونك في قلبك تزاحم تدبير الله وتخطط و تخطط! ما فائدة التفويض؟!
بعقولنا القاصرة لو شخص لديه قضية في المحكمة يقال له فوض محامي وهو يعرف التفاصيل وكل شيء، وكل ما كان صفات المحامي أكمل شعرت بالاطمئنان، فكيف لو كان الذي فوضته هو الله؟! لابد أن يستقر قلبك ضد التفويض أن تبقى في غليان، هذا ضد أنك تفوضه وتعلم أنه متكبر عن كل شر كامل الصفات، لما تفوضه لا تتصور أنه سيأتيك حدث شر! بل هو المتكبر عن كل شر .
هذه عبادة التفويض تجعلك تتصرف كما ينبغي، لكن متى تأتي عبادة التفويض؟ بعد ما تصبر، وليس بعد أن خاصمت وحاكمت وضاربت.. ثم تقول فوضت أمري لله! بمناسبة ماذا؟ انتهى الموضوع وعبّرت عن كل ما في داخلك وخرج الخبث الذي كان المفروض أن يُدفن ويُدفع، ولهذا ينكشف الناس في هذه المواقف، يخرج أشياء كانت موجودة وتفكير عنده ما كنت تظن به، فلما جاء الضغط نتيجة أنه ما صبر أخرج تفكيرا فاسدًا! فقط لو كان انتظر دقيقة كان سمع بقية الخبر وما كان قال هذا الكلام! لكن من أجل أن تعرف أن الذي يطوي طويته على خبث ولا ينتظر حتى يغسلها، يخرجها الله منه!
لذلك عالج نفسك بالصبر، ويأتي بعدها عبادة التفويض، فإذا فوضت توقف عن التفكير، التفكير هو الذي يدمرنا، فوّض وأنت تثق فيمن تفوضه، لذلك ذكرنا أنك لابد أن تحيي الكلمات في قلبك، كونك فوضته وتقول هو حسبي وكافيني ونعم الوكيل لازم تفهم كل حرف من هذه الكلمات ولا تقولها وأنت لست مكتفيا به وتحرك عقلك الصغير الحقير أن ماذا سيفعل! أنت وكلت كامل الصفات مدبر الكون، الملك الذي له ما في السماوات وما في الأرض، عليه قادر، وصفه العزة التامة، القدرة التامة، الحكمة الكاملة، هذا وصف من وكلت وفوضت، كيف تفكر بعد تفويضك!
مثلا واحد جالس أمامي تصرفاته كلها شر تسلط علي ودافعته يمين يسار وازداد سلطة علي، أفوض أمري لله، أو مريض على الفراش والطبيب يقول لا نعلم له حل! أفوض أمري لله..
5- ادفع عنك الناس كلامهم والتعلق بهم
مثلا تقول لك لما يعود ولدك قولي له غدا سأمنعك وسأعاقبك وسأفعل.. فنكون تحت التأثير خصوصا وقت الغضب، أعيد نفس الكلام الذي قالته لي، لذلك صدّ أذنيك عن الناس.
مواقف كثيرة في الإصلاح ، نسألها لماذا فعلت كذا مع زوجك؟ تقول أنا كنت في جلسة فقالوا لي إذا التزمت الصمت مع زوجك سيحصل لك كذا وكذا (وصفوا لها مستقبل أسود!) فأخرجت كل شيء بناء على المستقبل الأسود الذي صور لها، وليس له أساس في الواقع.. لذلك أفضل أنك من أول الموضوع أخبريها أنك لا تريدين الحديث عن هذا الكلام .
كل واحد يريدك أن تمشي على رأيه، كل واحد يتحكم في ردة فعلك.. هذا كله يسبب لك الضغط الشديد، لكن لو قُدّر عليك القدر إما يجاورني من يرضيني عن الله وإما لا تتكلم ولا كلمة! هذا الكلام لكم وعليكم، فكما أن الناس يتكلمون عليك أنت أيضا تتكلم وتتكلم وتقولين مثلا (تحزنيني أنك كل مرة تحملين وتولدين!!) قل خيرا أو اصمت! النعم حوّلت بسبب كلام الناس إلى نقم، النبي صلى الله عليه وسلم يمدح المرأة الولود الودود ويقول ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ))[9] هذا المدح نصوّره لبعض أنه مصيبة نزلت على رأسك !
مثلا امرأة طُلقت وخرجت بولد وبنت، فيقال خسارة عمرها خرجت بولد وبنت! أليس أفضل أن تخرج بولد وبنت من أن تبقى بدون أحد! في تفكيرنا من سيربيهم من سيصرف عليهم! من سيتزوجها ومعها ولد!! كأن بهذه الصورة تأتي الأرزاق ، فهم سيء على سيء يبني صورة لابد أن تصحح، كثير من النساء حصل لها هذا فلم يبق لها من الدنيا إلا هذا الولد، وهو الذي جعله الله سببا أن تحيا حياة طيبة ، من الذي دبرها؟!
ألا نستحي أن نتكلم عن فعله أنه حرام ومسكينة ولا تستاهل! كل هذا سبّ للرب ووصفه بالنقص ولا نشعر، وهذا كله ضد أنك تقول بعد الصلاة (سبحان الله) ألا تنزهه عن النقائص؟! فكيف تتكلم عن أفعاله أنها نقص! الذي قدّره هو الخير الذي ينفع هؤلاء.
المقصود أنك لابد أن تفسر الواقع كما ينبغي، لا تفسّره بعينك القاصرة التي ترى الأشياء سرابًا، فسّره بما جاءك من الخبر عن الله، ألا تسمع أنه أخبر عن نفسه أنه قدوس سلام مؤمن مهيمن عزيز جبار متكبر متعاليًا عن الشر، هذا الذي يجب أن تتصوره وتفهمه وتفسر به أفعال الله.
كلنا نرى نفس الصورة لكن على حسب العلم تفسّر الوقائع، واحد يفسّر كأنه يرى سرابًا وآخر يرى بما علمه الله عنه، ولهذا أكثر ما تجد في كتاب الله أسماؤه وصفاته.
نرى سورة البروج، فيها حدث أنت تراه بعينك المجردة شر، ثم عُد كم اسم وصفة لله في هذا الحدث ظهرت؟
(العزيز الحميد، شهيد، إن بطش ربك لشديد، يبدئ ويعيد ، وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعال لما يريد) عشرة صفات وهي 22 آية! لماذا ذُكر كل هذه الصفات بعد هذا الحدث؟! يقال لك تريد أن تتصور الحدث وكيف أن الله ترك هؤلاء الأعداء يرمون المؤمنين في النار؟ افهم هذه الأسماء ستعرف تفسر الحدث وسترى أنهم لو في الدنيا في ألقوا في النار لكنهم إلى الجنة ذهبوا وانتهت عنهم الهموم ودخلوا إلى الدار التي هي دار السلام.
كل هذه الأحداث لن تفهمها الآن إلا إذا فهمت أفعاله وأنه على كل شيء قدير وأنه عزيز حميد وأنهم مهما بلغوا من الفعل ما فعلوا إلا أن الله أراد بهؤلاء الخير حتى لو كان في ظاهر المسألة شر، وقد تكرر عليك قصة يوسف قصة يونس قصة أيوب .. مثلا لما يدخل يونس عليه السلام الحوت من أجل أن يرفع مقامه عند الله، في أول الصورة ترى أنه شر لكن حقيقتها الخير.
المقصد أن فهمك لاسم المتكبر يجعلك تحسن الظن بالله، وتعلم أنه سبحانه وتعالى الملك -في بداية الآية- المتكبر عن كل شر، فإذا قضى قضاءً الملك، كان قضاؤه كل خير -نحن على كل الأسماء تعلّقًا باسم الملك-.



يعني أنه سبحانه وتعالى لا يظلمهم.



هذا موطن كلامنا، هذا ما تظنه فيه سبحانه.





كأننا نقول أنه يجتمع في هذا الاسم ثلاثة أمور :
1-             أنه متعالي سبحانه أن يشابه خلقه .
2-             وبالعكس :متعالي أن يشابهوه الخلق .
3-             وفي النهاية في هذا المفهوم: رفعته سبحانه عن كل نقص وعيب، فلا يصدر منه إلا الخير.
لهذا هذا الاسم له علاقة بالربوبية من جهة أنه متكبر عن الشر، فتجري أقداره كلها على الخير.




التسبيح تنزيهه عن كل نقص ووصفه بالكمال.




يعني يصلح اسم المتكبر لله لأنه يدل على كمال الصفات، متكبر عن كل نقص وعيب، يعني مترفع متعالي عن النقائص، هذا الوصف يصلح لله، هل يصلح للخلق؟ لا، لابد أن يبقى العباد يفهمون عن أنفسهم النقص، وفهمهم للنقص يؤدي إلى الذل، لو تكبر ما يحدث؟
يجب عليك أن تفهم أن الله كامل الصفات، لا نقص أبدا في صفاته، وتفهم عن نفسك أنك ناقص، حتى صفات الكمال فيك ناقصة، إذن يصلح لك أن تترفّع وترى لنفسك الكمال؟! الجواب لا، لكن الله يترفع عن كل نقص؛ لأن له صفات الكمال، فأنت كونك تتكبر يعني تعتقد في نفسك أنك كامل وهذا وصف في حقك ذميم؛ لأنه غير صحيح، أنت ناقص وصفة النقص أصل فيك، حتى صفات الكمال ناقصة.
لهذا كثير ممن يصاب بجنون العظمة -مرض من الأمراض النفسية نسأل الله السلامة، هذا منتشر لكن لا يشخص بصورة صحيحة- الذي يصاب بهذا المرض في الغالب أنه يرتد عن الدين! الله أعلم ما حكمهم عند الله لأنهم في الغالب يفقدون عقولهم في نهاية الأمر، في أول الأمر يرى نفسه أنه كامل وممكن يدّعي أنه رسولًا! يبحث عن الكمال، وأنه لا يقع في الخطأ .. ثم تشب مرة واحدة. كثير من النساء يقولون عن أزواجهم أنهم يدعون أنه المهدي المنتظر، ادعاؤه هذا من باب جنون العظمة! وهو في الغالب في مرحلة الشباب من 25- 35، ممكن أن يكون صالحًا أو ممكن يكون ليس له علاقة بالصلاح فقط يرى نفسه كاملًا..
ماذا نريد من هذا الكلام؟ الأمراض هذه لابد أن صحابها يرى نفسه مستحق للتعظيم! مستحق أن يكون عند من حوله معظم مقدس! لذلك يدخل في أنه رسول، يدخل في الولاية، يدخل في أنه المهدي المنتظر، يبحث عن اسم له لمعان، بمعنى يصير عند الناس له مكانة، ويلمع نفسه ويطلب من الناس حوله أن يكونوا له خادمين له معظمين، والمصيبة العظمى في هذا أن الشيطان يكون له مساندًا .
المقصد أن بذرة التكبّر إذا دخلت في القلب النهاية مثل هذه المصائب، فأنت من أول الأمر لما تستقيم رُدّ نفسك عن أن ترى نفسك كاملًا، واعلم أن من رحمة الله بالمستقيمين أن يصابوا في طريقهم بالذنوب، ليكسرهم الذنب لأنك لو رأيت نفسك في كمال إلى كمال ستعجب بنفسك ويحصل لك التكبر، ولهذا لا ترى استغفارًا كما ينبغي، ولا ترى ذلًّا كما ينبغي ولا ترى طلبا للحول والقوة كما ينبغي، يرى الإنسان نفسه قائما صائما صائبا في رأيه.

 

كأنه يقال أنا ذليل أركع وأسجد، والله كبير أكبر له كمال الصفات.




ثم يذكر إلى نهاية الكلام يذكر العقوبات التي تتصل بالمتكبرين .

والحمد لله رب العالمين.




[1]  رواه أحمد في مسنده، تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
[2] القصص : 79
[3]  القصص : 81
[4]  النور : 39
[5]  متفق عليه.
[6] رواه مسلم في صحيحه
[7]  رواه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[8]  طه : 84
[9]  رواه أبو داود و قال الشيخ الألباني : حسن صحيح