الثلاثاء، 23 سبتمبر 2014

وقفات لكل من اراد الحج

وقفات من دروس ولقاءات الحج للاستاذه اناهيد حفظها الله :

أولا وقبل أن تخطوا خطوة إلى الحج:

*طَهِّر قلبك من التعلق بغير الله.
*
اقرأ عن الله وعن كمال صفاته.

*ذَكِّر نفسك بما ترى من آثار رحمته عليك.


وهذا كله يحتاج نقطة بداية أن تبدأ بالتوبة؛ لأن عدم التوبة هي التي تحجر القلب فلا تجعل له نبضا، لا تجعل له نبض إيمان فالبدء بالتوبة والاستغفار من أجل أن يزول ما في قلبك من كدر.


في الحج كل القضية تدور حول التوحيد، اذهب وأنت محسن الظن -وأحسنوا الظن بالله- أنه شاكر؛ تعمل العمل القليل يعطيك الأجر الكثير، أنت بنفسك لا حول لك ولا قوة أن تصل إلى رضاه إنما الزم الاستعانة، لأن كل حياتك مبنية على هذان الركنان،فأحسن الظن به أن يعيدك كيوم ولدتك أمك وأحسن الظن به أنه سيعينك على ذلك، وتوسل إليه في كل وقت وطوال هذه الأيام إذا كنت تنوي الحج وحتى الانتفاع بالعشر ذي الحجة مَن الذي سينتفع بها؟ من وفقه الله لذلك، فالهج دائمًا بلا حول ولا قوة إلا بالله واطلب العون من المستعان واحذر ثم احذر ثم احذر أن تتكل على نفسك ولو طرفة عين!


🍃ماذا يجب أن يكون في قلبي طول أيام الحج؟
 أحتاج ثلاث مشاعر في قلبي:

1.تعظيم حرمات الله.

2.تعظيم شعائر الله.

3.أن تكون من الحنفاء.

احذر أن تصل إلى هذا المكان المبارك وقلبك منزوع منه تعظيم الله وتعظيم المكان، عَظِّم ما عَظَّم الله ولا تستهين أن تدخل الأرض المباركة ويمكن أن يقع منك فسق فجور غيبة إلى آخر الكبائر أو الصغائر، كونك تكون على بساط الملِك غير لما تكون في بيتك، كونك تكون في أرض خصها الله بمزايا وأتيت لله غير لما تعصى الله في بيتك، يعني المعصية في البيت معصية لكنها ليست مِثل لما تكون في حرمات الله، واعلم أن الذنوب تُعَظَّم بسبب الزمان والمكان والحال وأنت حاج جمعت الثلاث أسباب لتعظيم الذنوب،
 ✨وهذه الأسباب هي:

*أنك في مكان معظم.
*
وفي زمان معظم.
*
وفي حالٍ من جهة كونك حاج، في حالٍ المفروض تكون معظم فيها لله.
وأيضا
لابد أن تعتقد أن الله اصطفاك لما أتى بك لهنا،
🍃فأنت محتاج لأمرين:

١_أن ترى منّة الله عليك فتلهج بالشكر.

٢_ومحتاج تعلم أنه سيختبرك هل أنت حقيقةً معظم لشعائر الله؟ 
فتحتاج للصبر.

فهي كلها خمسة أيام لكن لابد أن تتعرض لمواقف كثيرة يختبر الله فيها صبرك على حبس لسانك على أن تقول كل ما يخطر في وجدانك، صبرك أن تتحرك ببدنك لِمّا حرم الله، صبرك على أن تفعل فوق ما كنت تفعل من التقرب إليه والتعلق به سبحانه وتعالى.



:
ثم احسب كلامك وأعد لكل سؤال جواب  {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} .
بعد ذلك نحن نقول لك اذهب هناك واحسب كلامك، يعني الفائز الذي يذهب إلى ذاك المكان ويحسب كلامه، وكلامه كلامين: كلام لسان وكلام قلب، يعني ممكن أضع نفسي على الصامت لكن داخل في غليان وانتقادات واستحقار إلى آخر الأمراض القلبية، لكن أفضل شيء أدخل المخيم واستعمل من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، واستعمل غض البصر

لابد أن تتصور متى يكون الحج مبروراً؟ في أربع نقاط :-
1)إذا قصدت بحجك وجهة الله.
2)إذا تحرَّيت السنَّة.
هذان عملان تفعلهما وهو قصد وجهة الله وتحري السنة، وتحتاج الآن تنفي عن حجك أشياء :
3)تبتعد عن الرفث والفسوق والجدال 
4)وتبتعد في حجك عن البدع والخرافات وما ينافي الاعتقاد الصائب. 
ثم
لا تنسوا عزيزاتي أن العمر كله فرص، فرص ما تتكرر،

 وأنا أقول هذا الكلام بالذات لأهل هذه البلاد المباركة، ترى نحن أصابنا البرود والبطر، لمـــاذا؟ لأن الحرم جنبنا وإذا ما حججت هذه السنة سأحج السنة القادمة، وإذا حججت هذه السنة وما كنت مخلصة ليست مشكلة سأحج السنة القادمة وأكون مخلصة، كل هذا بطر، من قال لك أنك ستبقى، من قال لك أنك ستبقى في صحتك، ومن قال لك أنك ستعيش، من قال لك أنه سيبقى معك إيمان تشتاق فيه إلى الحرم، من قال كل هذا الكلام ؟! 

أخيرا كن مباركا
صاحب الأضواء الشيخ الشنقيطي ، سبحان الله ! تحول من منهج الأشعري والتصوف وعبادة القبور، إلى منهج التوحيد في باب الأسماء والصفات بسبب الحج، حجَّ من دياره في زمن الشيخ بن باز ـ رحمه الله ـ وانظري كيف أن الله حكيم، قدَّر الله أن تكون خيمتهم جنب خيمة الشيخ بن باز، والحج زمان ليس مثل الآن في التنظيم وتحديد لكل أحد مكان، كان كل واحد منهم يضع خيامه أي مكان ويجلس، فتخيلي جلس جنب الشيخ بن باز،

 وقابل الشيخ بن باز بكل ما معه من رحمة ولطف، فلطف الله به وتحول من منهج الصوفية والشيخ الشنقيطي يعتبر عالم كبير في بلده، والشناقطة معروفين بقوة حفظهم وعلمهم، لكن سبحان من حوَّله من هذا الباب لهذا الباب ورفع منزلته بهذا الحج المبارك، وكل الحج ترى أربع أيام، لكن أنظري كيف لمَّا يكون العبد مبارك، انظري الآن كم في ميزان الشيخ بن باز ـ  رحمة الله ـ  أنه يحمل هذا العالم الجليل في ميزانه ـ نسأل الله أن يرحمهم أجمعين ويجزيهم عنا كل خير ـ المهم،
فطلاب العلم عندهم من القصص والكثير والانتفاع والتَّحول الشيء الكثير، والسياسيين عندهم من القصص والمنافع الشيء الكثير، كل باب الحج له آثار فيه، وهذه آثار حقيقية وتجني ورائها منافع للمجتمع، فتشعري كيف أن الله ـ عز وجل ـ يبارك في أربع أو خمس أيام، كيف ينتفعوا ناس كثير في مثل هذا، فتوسل إلى الله أن يجعلك مباركاً أينما كنت، سواء كنت حاجاَّ أو خادماً للحجاج، أو منظماً أو صاحب حملة، أيَّن كنُت.

ثم اعلم أنك إذا أتيت الحج وخرجت منه وقلبك ما وقع فيه مراد الله ستدخل في ما قاله أهل العلم: (الركب كثير لكن الحاج قليل) أي: أن الناس الذين ركبوا من أجل أن يحجوا عددهم كثير، لكن الذين حجّوا على الحقيقة قليل، كلهم طافوا وسعوا وذهبوا لعرفة ومزدلفة ومنى وعادوا، ما الفوارق بينهم؟ القبول على ما قام في القلب.
فلا تتصور أن الناس يتساوون ولو كانوا في ظاهر العمل متفقين، فالرجل يصلي بجانب الرجل والفوارق بينهما كما بين السماء والأرض، والسبب قلبه!.

 
أنت معك قلب، قلبك هو الذي سيرفعك عند الله وهو الذي سيميز الناس لما يلقون الله، والقلب مفروض ممتلئ تقوى، ومن معارضات التقوى أن يكون الإنسان متابع لشخص مجادل أو هو رأس في المجادلة.
فأحد أهم الممنوعات في الحج الجدال أنتم أتيتم الحج والله فهّمنا لماذا أتينا (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) فمن أعظم منافع الحج ( العلم )،فأهم منافع الحج أن تتعلم عن الله وأن يخلوا قلبك من المشاغل فتتعلم عن الله، لماذا يخرج الناس من الحج ويعودوا بنفس الصورة؟ لأن قلوبهم ما كانت مستقبلة للمنافع إنما كانت أبدانهم عاملة بدون قلوب (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) 
لو لَبَّيت وليس معك قلب، وطِفت وليس معك قلب، وسعيت ما معك قلب، وبِت في منى وذهبت إلى عرفة ومزدلفة وكل هذا وليس معك قلب صارت رحلة ونزهة بخمسة أيام وانتهى الموضوع، لكن نهاية الأمر لم تخرج بالذي أُمَرت به الشريعة ولن تعود موعودا بالوعود ,لأن الحاج حاجٌ بقلبه

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

شرح اسم الله (المهيمن)




مستطيل مستدير الزوايا: بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي الفاضلات، إليكم سلسلة تفاريغ من دروس أستاذتنا الفاضلة أناهيد السميري حفظها الله، وفّق الله بعض الأخوات لتفريغها، ونسأل الله أن ينفع بها، وهي تنزل في مدونة (عِـلْـمٌ يُـنْـتَـفَــعُ بِــهِ) http://tafaregdroos.blogspot.com/#!/
تنبيهات هامة:
- منهجنا الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.
- هذه التفاريغ من اجتهاد الطالبات ولم تطلع عليه الأستاذة حفظها الله، أما الدروس المعتمدة من الأستاذة فهي موجودة في شبكة مسلمات قسم (شذرات من دروس الأستاذة أناهيد) http://www.muslimat.net/
- الكمال لله عز وجل، فكتابه هو الكتاب الوحيد الكامل السالم من الخطأ، فما ظهر لكم من صواب فمن الله وحده، وما ظهر لكم فيه من خطأ فمن أنفسنا والشيطان، ونستغفر الله..
والله الموفق لما يحب ويرضى.
 



بسم الله الرحمن الرحيم
ألقي في 24/ 5/1431هـ

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ورود الاسم في كتاب الله :
ورد في آية واحدة في موطن الحشر.

معناه في حق الله :
قال ابن جرير : وقوله المهيمن اختلف أهل التأويل في تأويله، قال بعضهم: المهيمن الشهيد؛ أي الذي يشهد.
وقال أيضًا : وأصل الهيمنة : الحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرجل الشيء -يعني راقبه- وحفظه وشهده قد هيمن فلان عليه، فهو يهيمن هيمنة وهو عليه مهيمن.
يعني من الذي يسمى مهيمن؟ من جمع ثلاث صفات
1.    المراقبة
2.    الحفظ
3.    الشهادة
يراقب الشيء ويحفظه ويشهد عليه، وكل واحدة لها ضدّ :
1-                 ضد الحفظ التضييع
2-                 ضد المراقبة الغفلة
3-                 ضد الشهادة الغياب.
فالمراقبة والشهادة قريبين من بعض في المعنى.

قال ابن كثير: قال ابن عباس وغير واحد: المهمين هو: الشاهد على خلقه بأعمالهم.
بمعنى هو رقيب عليهم، فحتى يكون شاهدًا على الخلق بأعمالهم لابد أن يكون رقيبًا عليهم, يرقبهم ثم يشهد كل شيء، شاهد لا يغيب عنهم أبدًا,كقوله: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[1]، وقوله: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُون}[2] .
قال تعالى:  {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[3] رقيب قائم عليهم شهيد لِمَا تكسب النفوس.
وقال السعدي رحمه الله: المهيمن المطلع على خبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علمًا، وهذا من معاني الشهيد.
وقال بعض أهل العلم : المهيمن معناه في حق الله أنه القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم.
فما معنى قائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم؟ إنما قيامه عليهم بطلاعه و استيلائه وحفظه, وكل مشرف على كل الأمر مستولى عليه حافظ له فهو مهيمن عليه.
1.    أي أنه مطلع عليهم
2.    متمكن منهم لا يستطيعوا ينفذوا منه يمنة أو يسره لا يخرجون عن سلطانه وقدرته
3.    وهو أيضا لهم حافظ مطلع وقادر.
وكل مشرف على كل الأمر مستولى عليه حافظ له فهو مهيمن عليه؛ يعني يحدثك عن كلمة مهيمن بالنسبة للخلق , متى يوصف أحد أنه مهيمن؟ إن كان مشرف على أمر ينظر إليه مراقب له، ومتمكن منه تمامًا وحافظ له، نقول هذا مهيمن ومسيطر على الأمر,  وهذا في كلامنا على الخلق.
الإشراف يرجع إلى العلم، الله رقيب بمعنى أنه رقيب شهيد حفيظ، بمعنى له العلم التام بكل أفعال خلقه، وله الكمال في قدرته على تصرفيهم وتدبيرهم, وأنه سبحانه وتعالى حفيظ والحفظ يعود الى فعل الحفظ أنه يحفظ.
ويتصف سبحانه وتعالى بالعلم وكمال القدرة وكمال الفعل، وكمال الفعل هنا هو كمال الحفظ، كل هذه الثلاثة تجتمع في اسمه المهيمن.
فالجامع بين هذه المعاني اسمه المهيمن، ولن يجتمع هذا على الإطلاق والكمال إلا لله، رقيب وشهيد يعودان الى العلم والقدرة , والحفيظ يعود الى قدرته على فعل الحفظ.

من آثار الايمان باسم المهيمن:
*    مراقبة الله في السر والعلانية والخوف منه وإجلاله وتعظميه.
 فلو كنت تعلم أن الله عز وجل مطلع على ما قام في قلبك مطلع على فعلك شهيد عليه حافظ لك هذا الفعل سيحاسبك عنه ستهتم بمراقبته, إذا كان هو لك رقيب ستكون في المقابل أنك له مراقب.
كيف ستراقبه؟ ستراقب أعمالك .
ما مفهوم مراقبة الله؟ الله من وصفه أنه عليك رقيب يعني شهيد على أعمالك يشهدها ويعلمها ويراقب حركات قلبك وحركات بدنك ولفظك , وما قام في القلب من تقدم أو تراجع يراقب هذا كله ويشهده ويحفظه.
يعني ستأتي اللحظة التي ستحاسب عليها، إذا فهمت هذا وجب عليك مراقبة الله، ليس أن تراقب أفعاله -لا تستطيع- إنما تراقب أفعالك؛ لأنك تعلم أن الله يراقبك ينظر إليك يشهد على أعمالك.
وصف الهيمنة معناه أن تعلم أن المراقبة ليست للظاهر إنما الباطن والظاهر, ثم هذه الهيمنة لا يخرج منها شيء أبدًا ما يفوت عليه شيء، فحركات القلب الله عز وجل رقيب عليها شاهد على وقوعها وكفى به شهيدًا.
يوم القيامة يقول الله للعبد فعلت كذا ولا يحتاج له سبحانه وتعالى شاهد, إذا قال لك فعلت كذا إذا انت فعلت يكفيك أن  يكون هو الشهيد، إذا راقبك وشهد على فعلك وحفظه فهو مكتوب, فلما يأتي الحساب لا يمكنك أبدًا ردّ ما يشهد الله على أنك فعلته.
فعليك وأنت في الحياة أن تلاحظ وتراقب ما يراقبه الله, الله عز وجل يراقب فيك قلبك ولسانك وبدنك والتوافق بين هذا كله, المراقبة فعل للعبد لنفسه، يراقب فيه ما يراقبه الله، فالله عز وجل مع جلاله وعظمته لكنه إلى قلبك ناظر! وإلى فعل قلبك وفعل بدنك شاهد! ثم أنه لهذا كله حافظ, فهو مهيمن عليك.

لنتأمّل في مسألة شعور البطر -البطر على النعم-..
بني إسرائيل وموقفهم من المنّ والسلوى يسمّى بطر، وكانت مشاعر بني إسرائيل تجاه المنّ والسلوى بأن حصل لهم ملل، البطر: ملل النعمة وعدم القدرة على احتمالها, ولماذا؟ لأن النعم لما تكثر ويأتيها أي منغّص النفس البشرية التي لم تذق الآلام يحصل لها ملل، فالذي يفهم الدنيا لابد أن لا يملّ من النعمة، لأن الدنيا مبنية على الاختبار والابتلاء والمنغصات، وأنت تمر بفترة اختبار وتنتهي الدنيا، وهذه دار محشوة بالآلام وليست دار سلام, هذه الصفات لابد أن لا تغيب عن بالك.
الطفل الصغير الذي ليس لديه تجربة هو الذي يتصور أن الحياة سالمة من كل شيء, ولكن لما ينضج الإنسان ولو شيء بسيط يعلم أنه أمام شيء محشو بالآلام, فلما يأكل بطنه تؤلمه، وعندما يجوع بطنه تؤلمه، فهنا ألم وهنا ألم! فلما تأتي النعم لابد أن تأتي منغصة, لذلك يوجد وصف مختصر للدنيا (الدنيا بُلْغَةٌ منغّصةٌ), فالدنيا ليست غاية ومنتهى وإنما بلغة تتبلغ وتتزود بها إلى الآخرة، وهذه البلغة وصفها أنها منغصة زائلة لابد.  مثل ما تحمل جزء من الأكل من هنا ومن هنا وتقول فقط على قدر مسافة الطريق, فهو شيء يبلغك الآخرة لست مستقرًّا فيها, لابدّ أن تدخل في عقلك هذه القناعة لكي تخف منك الآلام, ثم إن هذه البلغة وُصفت لك ولم يكذب عليك أحد، والله عز وجل وصفها لك وصفًا تامًّا دقيقًا, ولا أتى في موطن أن الدنيا دار سلام, فمن قال لك أنها دار سلام! أليس مصدرك الكتاب والسنة؟ بتكرار وبتكرار وصفت لك الدنيا وكيف أن من اسمها (دنيا) فهي دَنيّة، وأن الآخرة فيها العلو, وأنها دار السلام {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ}[4]  وهذه الآية أتت بعد أن وُصفت لك الدنيا.
طبع الدنيا أن كل شيء فيها منغص, حتى النعمة يأتي من التنغيص أنك تملها, فالبطر أن تستجيب لمشاعر الملل, فإذا كنت تملّ النعمة تملّ بيتك وأولادك وزوجك وعذرك في هذا نقصًا في هؤلاء, وهو أمر طبيعي أن يكون فيهم نقص, من قال لك أن فيهم كمال؟! ولكن أيهم أكثر نقصًا وجودهم مع المنقصات التي معهم أم عدم وجودهم! فنحن عندما يكونون عندنا نقول عدم وجودهم أحسن، وإن كانوا مفقودين نطلب وجودهم ونقول حتى لو سهرنا الليل أو نغصوا علينا نومنا!
فالبطر حركة قلبية ثم تصبح كلام، هذه الحركة عليها الجزاء.
عندما  تفهم معنى (المهيمن) تفهم الحديث ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) فلا تشعر في قلبك بالاستغناء.
بعض النساء تقول أحسن لي لو كنت في بيت أهلي! وترى أن الطلاق حلًّا يسيرًا، ولذلك من يطلب الطلاق دون حق شرعي -ولابد أن تعرف ما هو الحق الشرعي فقها- لا تشم رائحة الجنة! ليس لأجل الزوج، بل من أجل البطر، ليست مسألة يسيرة, وعلى ذلك قس كل شيء.
كلما زدت بطرًا أصبحت النعمة أكثر شوكًا وآلامًا وتنغيصًا، فالناس لا يعرفون عن هذه المشاعر, أنت وحدك في داخلك هذا الشعور وتعلم أن الله مطلع يعلم السر والنجوى وحركة القلب والاستغناء، فيؤدّبك  بأن يحرمك لحظات من هذا.
قد يتكلم الشخص كلام بطر ولا يتوب ولا يستغفر، والله يعامله بالحلم وهو ينسى, وبعد فترة تذوق طعم هذه الكلمة.
لو كنت مراقبًا لقلبك أول ما تأتيك مصيبة من هذه المصائب تدفعها وتستعيذ، فالله مطلع مهيمن رقيب على ما قام في قلبك ومن مراقبته على ما قام في قلبك أنه يريك أمام عينيك سوء ظنك لتعود وتتوب وتستغفر.  والله حفيظ سيحفظ لك وستحاسب على سوء ظنك ولو لثواني! لهذا لن نبلغ إلا بالتوبة، فكأنه يقال لك ترى هذا القلب محل نظر الرب، فطهّره لا تجعل فيه إلا تأليهه.
لما ينشغل قلبك بغير الله اعلم أن الله مطلع على ما قام في قبك ويعلمه وشاهد عليك وحفيظ لما يحصل, حتى لما نأتي في مواقف التوكل, يكون شخص قويت استقامته وإيمانه وآخر ضعيف في الايمان, وحصل لهم موقف، فالذي لديه إيمان ويعلم أن الله رزاق تصرف تصرفًا من توكله على الله , وضعيف الايمان يتصور أن هذا سيذهب ويهلك نفسه، التوكل عند ضعفاء الايمان ذهاب للهلاك!

ومن آثار الإيمان باسم المهيمن :
*    الخوف منه وإجلاله وتعظيمه.
 فالله يراقب قلبك ويحاسبك على ما قام فيه, تسيء الظن يظهر لك من المواقف والأحداث ما يدل على أنه مطلع على ما قام في قلبك، يجازيك على قدر ظنك فيه، تسيء الظن في الله يعطيك على ما أسأت، لا تتصور أنك تخادع الله.
لو بحثت في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن عن كلمة (قلب)، وخرجت بكل الآيات التي تتكلم عن القلب، ستجد أن القلوب كاسبة وأنها محل الايمان وأنها محل العذاب والعقوبة, ستجد نصوص كثيرة تدل على أن عمل القلب هو المقصود الاعظم، تجد قول الله عز وجل: {بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[5] معناه أن القلوب تكسب وتفعل, إذن كن مراقبًا لقلبك فعندما يلتفت خطأ تدافعه, لو أصبحت إرادة مستقرة تكون عليها الخاتمة! الإرادة المستقرة هي الشيء الذي تفكر فيه طول الوقت فخاتمتك ستكون على الارادة المستقرة.  لكن لو خاطرة مرت ودفعتها وتذكرت أن هذا كلام الشيطان، فلا تؤاخذ عليها.. فأعمال القلب متفاوتة.
لو تمنيت صادقًا أن تعمل العمل الصالح كتب لك أجرك بما قام في قلبك، القلب محل نظر الرب، نتيجة معرفتك اسم المهيمن تعلم أن الله يراقب هذا القلب، شهيد على أعماله ثم حافظها لك, ولو حفظها لك سيعطيك جزاء عملك سواء في الدنيا أو في الآخرة وتحاسب عليها.
مثلا كلمة البطر, تعلم أن البطر حرام لكن لم تفهم تفاصيل الكلمة على حياتك, لم تفهم أن هذا الفعل بطر، تملّ النعمة هذا بطر وسيأتيك الجزاء، البطر مشاعر تقع في القلب مثل ملل النعمة وقد يأتي كلام وقد لا يأتي، قد تأتي نجوى وتقول لأحد أني كرهت أولادي وندمت أني أنجبتهم! وأيضًا الزوج والبيت .. إلى آخره، هذا كله من أنواع البطر، المهم أن تلتفوا لحركة القلب، أن الله مهيمن عليها فالواجب عليك تنتبه على موطن النظر, فالله يراقب قلبك، وأنت تراقب حركة ما يراقبه الله، هكذا يقع في قلبك خوف وإجلال بأن تقول كلمة ويتحرك قلبك حركة تجد جزاءها، فإذا غاب الرقيب سهل على العبد الخطأ.

نضرب مثال على معلمة رياض أطفال: الكبار يستطيعون أن يدافعوا عن نفسهم ولهم شكاوى يشتكوا لأهاليهم، لكن عندما تدرّسيم رياض أطفال وهم ضعاف لا يعرفون الصواب من الخطأ ولا يعرفون حقوقهم، ثم تظلميهم! أو مثلًا مريض لا يعرف حقوقه فنظلمه ونأخذ أغراضه ولا نهتم ونأمره بالدخول والخروج من غير أن نفهمه, كل هذا شخص غاب عنه أن الله مهيمن عليه، رقيب وشهيد وحفيظ لما قام في قلبه من عدم احترام حق هذا الإنسان.  فلو تصورت أني مسيطرة على الطفل الصغير، فأهمله ولا أعلمه ولا أهتم به.. إلى آخره من التصرفات الخاطئة التي يظنّ الإنسان فيها أن لا رقيب عليه، حتى أولادنا ضربهم المبرح وعقوبات تنزل عليهم وعدم إعطائهم حقوقهم، هذه مشاعر تجعلني أتصرف وأنسى أن الله عز وجل هو المهيمن فهو رقيب علينا شهيد على تصرفاتنا ويحفظها لنا.
ولذلك النبي صل الله عليه وسلم  حجر وجعل أمر خطير حق الضعيفين اليتيم والمرأة، لماذا؟ لأن الشخص ممكن يتسلط على اليتيم ولا أحد يأخذ حقه, ولذلك إن علمت أن الله مهيمن يقع في قلبك خوف وأنت تعامل اليتيم ، تخاف أن تخطئ في حقه لأنك تعلم أن وكيله الله والذي يدفع عنه هو الله.
كثير من الرجال يحصل منهم أخطاء على النساء والنساء تقول لأني ضعيفة يتسلط علي وتعمل عمل مقابل هذا, فيطول لسانها وتفقد أدبها وقيمها العليا لتوقفه عند حدّه, وهو يزيد طغيانًا وهي تزيد فقدان للأدب والسلوك السوي وفقدان للتصرف, وتقع في كبائر وهو يقع كذلك فتوازيه المرأة في الكبيرة، لأن كلا الطرفين نسيا أن على هذه الأعمال كلها  هناك مهيمن شهيد حفيظ لهذه الأعمال يراقبك.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ))[6]، لأنك تعامل الله، فلما  أضع ند لي في صف وعيني عليه, فأقول في نفسي  أنت تتصرف كذا وردّي عليك كذا, غير عندما يبقى قلبك معلقًا بالله، لا تحسب ماذا فعل فلان، احسب ماذا فعلت أنا؛ لأن الله علّي رقيب وشهيد وحفيظ على أفعالي, سيريني إياها حركة حركة يوم القيامة, وكله سيعرض عليك.
فكأنه يقال لابد أن يتهزّ قلبك خوفًا من علمك أنه مهيمن عليك, وأنه يراقب أفعالك ويشهدها ويحفظها ويوم القيامة يعرضها عليك.
نحن نقرأ في سورة الكهف كل جمعة   {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}[7] وهذا من آثار اسمه المهيمن.

ومن آثار الإيمان باسم المهيمن :
*    أن تفهم أن هناك كتاب كُتب فيه كل ما كسبته.
كُتب فيه مدافعات قلبك وجهدك الذي تجتهده من أجل أن تردّ عن نفسك الوسواس والشيطان، وتجاهد نفسك في الاستقامة وتدفع عنها التوكل على نفسك, هذه المجاهدات لن تذهب هباء, أنت ليس معك سيف تقاتل به العدو ولا الناس يشهدوا مجاهدتك لنفسك ولقلبك وشهواتك، لكن المهيمن رقيب على قلبك شهيد على جهادك حافظه لك, ولهذا لما نأتي نتكلم عن مجاهدة النفس وردّها عن ما يبغض الله ويكره, لابد أن تضع بين عينك اسم المهيمن.
فالناس لا يشعرون عن الذي بداخلك من اعتصارات ولا يعلمون أنك تقاوم نفسك بأن تقول كلمة خطأ، وأنت ابتليت أن ردّك سريع ولا تسكت عن حق          ك أبدًا وأنت حابس نفسك أنك لا تردّ على الذي اعتدى عليك وفي داخلك جهاد، لكنك تعلم أن كلهم غير مطلعين وكلهم في عقولهم ظنون فبعضهم يقول فلان ضعف وفلان ما شاء الله تأدب.. وأنت تقول في نفسك الله عز وجل مهمين, مراقب لفعلي وشاهد له، حافظ لي هذه المعركة التي أعيشها مع نفسي لكي أردّ نفسي عن هذا الفعل، وكم من شباب حصّنهم الله بالعفّة بعد طول معارك, لا نعرف أنّه عندما ينام على فراشه يكون في معركة لكي يبقى عفيفًا، والناس حوله ليسوا عليه مراقبين ولا على جهاده شاهدين ولا لانتصاره حافظين.
وإذا عظمت الله كانت معركتك الدائمة داخل نفسك, ولا تحكي ولا تقول والله أنا أجاهد نفسي وأمنعها, لا عليك فكل هؤلاء لا ينفعوك ولا تهتم بشهادتهم ولا بحفظ مجدك وميراثك عندهم, اعتني بأن يحفظ الله لك بالأعمال الصالحة، بأن تفعلها والله عز وجل يحفظها لك.

أيضاً من آثار اسم المهيمن :
*    محبة الله والتقرّب إليه بالطاعات والقربات تعبّدًا له وحبًّا والتماسًا لمرضاته وشكرًا له على نعمائه وأفضاله وإحسانه.
لمّا تكون متيقّنًا أنّ الله شاهد عليك الآن وأنت تعمل العمل الصالح وينظر إليك راض، فتحرص على أن تفعل فعلًا تتيقّن فيه أنّه ينظر إليك وهو راض، فنحن من عقائدنا أننا نحاسب يوم القيامة عن الحسنات والسيئات.  لكن لا تتصور أنه لا يوجد نظر من الله إلى عباده قبل يوم القيامة, ولا محبّة من الله للعبادة، ولا تتصور أنّ الجزاء فقط يوم القيامة والدنيا منقطعة، أحيانًا يأتي في تفكيرنا أن نعمل ونعمل ونجمع لأنفسنا حسنات ويوم القيامة يعطينا الله جزاءنا وندخل الجنة، ولكن ماهي علاقتنا مع الله في الدنيا؟ طلب وعطاء ويعطينا وانتهى الأمر! لو أنت تنظر إلى علاقتك مع الله بأنه ينظر إليك أنك تفعل فعلًا طيبًا يحبّه الله، ذكرك في الملأ الأعلى وأحبك الله ورضي عنك، ولو فعلت فعل يغضبه كانت المسألة بالعكس طرد هذا العبد من جنابه وأبغضك الله..
فإذا حملت همّ أنّه ينظر إليك تكره أن ينظر إليك وأنت في موطن يبغضه، ويقال لك لو صليت على النبي صل الله علية وسلم صلاة واحدة يصلى الله عليك، يعني يثني عليك في الملأ الأعلى، تذكره يذكرك، تذكره في نفسك، يذكرك في نفسه المقدّسة. فيبقى العبد مشاعره أنه سبحانه مهيمن رقيب عليه وشهيد عليه حافظ له، يبقى محبًّا أن يشهد عليه ربه بكل خير يعمله.

دائمًا نتصوّر في الحفيظ أنّه يحفظ علينا الأعمال ويحاسبنا في الآخرة, لا نهتم في الحياة كيف نكون أولياء الله، لماذا لا نهتم بهذه النقطة؟ أي اسم يؤثر هذا التأثير؟ اسم المهيمن؛ لأنك تعلم أنه يراقبك وينظر إليك, إن أحسنت أحبك وهو شاهد على فعلك, إن ذكرته ذكرك, فيبقى كل همومك أن ينظر إليك الله وأنت في عمل صالح, تستحي أن تعمل عمل تصبح فيه غير مرضيا.
إذن اسم المهيمن يدفعك للأعمال الصالحة، يجعلك تزداد حبًّا له، تحب أن ينظر إليك وهو عنك راض، تحب أن تذكره  لكي يذكرك، فتبقى عندك مشاعر أنه يراقبك ويشهد فعلك, لو تعلم أنه مراقب لك طول الوقت ستطلب دائما رضاه, ويقع في قلبك محبة إرضائه لأنك متيقن أنه ينظر إليك.

علاقة الخلق ببعض.. لو أن طفلًا يتعامل مع أمّه ويراها تنظر إليه, يتصنّع من أجل أن تحبّه وترضى عنه, ولما تغفل عنه هو ممكن أن يغفل عنها ويفعل أفعال خاطئة, فتغيب عن البيت فيفعل أخطاء فترجع فيعتذر ويتحسن سلوكه, ويقال لها لو أنت معه تراقبيه يتحسّن جدًّا, وإذا غبتِ عنه ينفلت, هذه علاقة الخلق لما يحبون ويبذلون الجهد لكي يرضونهم وعندما يغيبوا لا يهتموا بأحد.
 علاقة العبد مع ربه.. لو يعلم أنه لا يغيب أبدًا وأنه إليه ناظر وإذا عمل صالحًا أحبّه وتولّاه وأكرمه, ويكون في قلبه دائمًا مشاعر أنه يعمل أعمال صالحة ليرتفع مكانه عند ربه, فتجتمع الهموم على هم واحد على أن ترضي الله لأنك تعلم أنه شهيد قريب حفيظ.
وانظر إلى المرأة تكون معتنية بزوجها تبذل جهودها لتتحبّب إليه لأنه يهمها أن يبقى ينظر إليها على أنها محبوبة, تكره أن تسقط من عينه أو تتغير محبته, فكل ما ينظر إليها تحسِّن صورتها، فلما يعطيها من حبّه يقع في قلبها زيادة حبّ أن تتحسّن له, هذه العلاقة بين الخلق قد تشغلهم عن نظر الرب، فكل الوقت تتصنّع للناس، كل الوقت وأنت تحبّ أن هذا يرضى عنك وأن فلان يقول لك كلمة جيدة.
 لو قيل لك ذكروك في الديوان لا تنام الليل! مثلًا يثنون عليك عند الوزير والملك، طول الليل لا تنام لان هؤلاء ذكروك، وكلهم بشر وصفهم أنهم فقراء! الآن ماذا حلّ في قلوبنا مكان اسم المهيمن العناية بمن؟ بنظر الخلق ومراقبتهم، فأصبحنا طول الوقت مشغولين بآرائهم ومردودهم وتهتم بوزنك عندهم، وهل رضوا وهل أحبوني وهل ذكروني أم لم يذكروني، قدموني في مشاعرهم أم لم يقدموني..! وهكذا طول حياتك إلى أن تشيب وأنت متنقّل من اهتمامات إلى اهتمامات.
فمثلا طالبة صغيرة تكون معلمتها هي المهمة وتكبر فتصبح الإدارة هي المهمة وعند وظيفتها تصبح المديرة هي المهمة، وتتزوج فيصبح زوجها هو المهم, فكل يوم ماذا يحصل؟ كل فترة من الزمن ينتقل نظرنا من الاهتمام من أحد الى أحد آخر, وتنتهي الحياة وهيمنت علينا هذه السلطات الداخلية ومشاعر حب الثناء من الناس.
ولو فتشنا ما هو الرياء؟ حب مدح الناس، يعني واحد يحسن عمله من أجل أن يمدحوه الناس، هذا أعلى درجة في هيمنة الناس عليك، ففي العبادات بدل أن يكون في قلبك أن الله يثني عليك تريد أن يثني عليك الناس! ولهذا الرياء شرك؛ لأنه يقال المفروض وعلى الأقل وقت العبادة لا تطلب إلا ثناء الله، إذا في باقي الأوقات انفلت منك فوقت العبادة لا تطلب إلا ثناء الله, وعندما ترائي تطلب ثناء الله وثناء الناس  فوقع منك الشرك, والشرك حب ثناء الله مع حب ثناء الناس.
ونشترك كلنا أن هناك من هيمن على حياتنا فأصبحنا نراقبه ونلاحظ رضاه عنا، الشخص الذى يهمني أن أكون في نظره عالية أقول له أشهد أني عملت لك كذا وكذا, وأذكره كل فترة أني أحسنت له وفعلت كذا، أذكره لأبقى في نظره عالية، كل السلسلة خاطئة من عند مراقبته إلى أن تصل أن تحفظ عليك عملك, فكأنك تمنّ عليه لتبقى أنت العالي.

مثلًا أنتِ معلمة وهذه مديرتك ولك نشاطات في المدرسة وأنت من أول الأمر تفعلين هذه النشاطات لأن المديرة تراقبك وتريدين الدرجة الحسنة عندها, وهذا أمر دنيا ليس دين (يعني لست معلمة دين)، فكل التفكير أنها مهيمنة ومسيطرة علي وتهمني منزلتي عندها وأنها تراقبني، ثم عندما تنسى في يوم من الأيام أني فعلت لها كذا وكذا أكتب تقرير أذكرها وأن لي على المدرسة حسنات، وعندما أشعر أن قلبها عظم معلمة أخرى أقول لها لا تنسي كوني حافظة لأن لي  عشر سنين وأنا أخدم  المدرسة لابد أكون في نظرك أنا أعلى واحدة.
يهيمن على حياتنا أشخاص لا يكون عندنا تفكير إلا احترامهم لنا وتقديرهم لنا وتبقى قلوبنا معلقة فقط بكلمة ثناء منهم.
فالذي يجب أن يكون في قلبك كما في سورة الانسان {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا}[8] , أي الله هو المهمّ لديّ وأريد ثناءه وشكره، ولا تفهم هذا بالعكس, فلو أحسن إليك شخصًا قل له شكرًا بلسانك، والثناء كله لله، فعندما تقدمين لأحد إحسان لا تنتظري من أحد جزاء ولا تهتمي ولا تعلقي قلبك ولا تعددي على نفسك أنك كنت أنك محسنة.
المقصود من المثل أن ترى أن الله مراقب لك وشهيد عليك وحفيظ على أعمالك, لو فهمت هذا لن تلاحظ إلا الله.
  في سورة الرعد {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ}[9] لكي تعرف كيف تنظم علاقتك مع الناس ولا يسيطروا عليك، تعلموا لما وصف النبي  ((لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا))[10] فلو وصلت شخصًا وهو يقطعني وكنت أفكر في وجهة نظره وأنه سيقول هذا  متمسك بي وليس عنده كرامة وضعيف الشخصية, لو كنت تفكر في منزلتك عنده ستقطع من المؤكد.  لذلك نقول من أول الأمر لا تفكّر في منزلتك عند أحد من الخلق، فكّر فيمن أمر الله به أن يوصل من زوج أبناء جيران.. إلخ, صلهم بدون أن تفكر فيهم بأنهم سيقولون أني محترمة ولديّ أخلاق ... كل هذا البحث الله مطلع عليه، ومن ثم ذهب هذا الجهد هباءً منثورًا لأن كل الذي يهمك هم ماذا يقولون، أنت صِل الناس ائتمارًا بقول الله {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} يصلون من أجل أنّ الله أمرهم لا من أجل ما قيمتي عندك عندما وصلتك.
ولذلك أخلاق الموحّدين ثابتة لا أنتظر ردة فعل، نحن نتخلّق تعبّدًا وتقرّبًا, مثلًا عندما أسلّم على أي شخص أسلم  ببرود ولمّا أعرف أن هذه رئيسة مكتب..إلخ, يصبح في سلامي بحرارة! ما كأنّ (السلام عليكم  ورحمة الله وبركاته) أجور عند من يأجرني!
المقصد انظر كيف تتبدّل المشاعر والأخلاق لما تعرف أنت تراقب من، فنحن أشغلتنا مراقبة الناس، هيمنوا علينا ويوم يعجبهم الكلام ويوم لا يعجبهم، ونحن لا نتحمّل تغيّراتهم الخلق كلهم يتغيّرون، لكن انظر إلى وصلك إلى ربّك وهو طريق ثابت وواضح ولا يتغير، وهو شكور يعطيك على العمل القليل الأجر الكثير، فتصوم نصف يوم ويترتّب على ذلك الأجر الكبير، تقوم ليلة تكون بألف شهر, أربع أيام تحج يغفر لك ما تقدّم من ذنبك.
فلا يهيمن على حياتنا إلا المهيمن سبحانه، لا تراقب إلا الله، وإذا راقبت الله ستحسن لكل أحد, وسترى أنه لا حق لك على أحد , بينما كل الناس لهم حقوق عليك وتكون مبارك ومفتاح للخير أينما كنت، وكل تفكيرك بأن كل واحد أعطيه حقه, لكن من يصاب بداء الكبر ولا يلاحظ إلا ناس معينين ستجده أن في بعض الوقت لا يعطي بعض الناس حقوقهم لأنه لا يهمني شكرهم, ولا ثناؤهم، فمع كلمة (لا يهمني) تذهب الحقوق.
لابد أن يأتيك في الحياة من يؤذيك {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}[11] وهم لا يسلطهم إلا الله، فاجعل رضاه هو السبب واستقامتك على السلوك السوي, لا بأس خفف عن نفسك فبعض الأحيان تأتي اختبارات عظيمة, أسأله هو وحده لا شريك له أن يعينك، مهما كان الذي آذاك, أيبلغ أذاه ما فعلوا إخوة يوسف بيوسف وانظر إلى يعقوب عليه السلام.. أب يفقد ابنه ومن كان سبب في فقده أبنائه اجتمعت عليه بلايا، فمن جهة الإخوان كيف تكون المشاعر ومن جهة الابن المفقود  كيف تكون المشاعر ومع ذلك قال أول ما جاءه الخبر {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[12] يعني وظيفتي الآن في هذا الإيذاء الذي آذيتموني أن أصبر لكن لا أستطيع أن أصبر لوحدي, إنما الصبر يُطلب من المعين سبحانه وتعالى، هو الذي يعينك على الصبر.

ومن آثار اسم المهيمن:
*    التوكل عليه وحده وتفويض الأمور إليه.
وهذا أمر نحتاجه بدقة لأنه غاية في الأهمية وحسّاس في حياتنا، إذا كنت تعلم أنّ الله مطلع على كل شيء , وعلى قلبك وقلوب الناس ومهيمن وحفيظ على كل شيء، تعلم أنه يدبر الأمور بعلمه.
لما تحسن في إرادتك القلبية يحسن الله إليك بمعنى أن أحيان كثيرة تشغلنا مشاعر الانتقام من أحد، تشغلنا مشاعر أخذ حقوقنا من أحد, فتذهب طاقتنا بدل التوكل والتفويض! تذهب الطاقات في المطالبة بالحقوق.  الحقوق لا يسوقها إلا الله، من قال لك أنه مادام حقك لابد يصل فلو كان ذلك لذهب كل الظلم الذي في العالم، الله من يرد عنك الظلم ويأتي لك بالحق وينفعك، إذن لا تشغل قلبك والله عز وجل شهيد على ما قام في القلوب، لا تشغله بالصراع بينك وبين من تظن أن الحق معه, إنما أشغل قلبك بالتوكل على الله أن يأتي لك بحقك.
حتى لو ذهبت إلى المحكمة اذهب ولكن لا تتصور أن المحكمة تنزع حقك لابد يبقى قلبك على الله متوكل وتأخذ حقك عندما  تتوكل على الله أن يأتيك به، ولذلك يعقوب عليه السلام  لما كان يشكو بثه وحزنه {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون}[13].
 إذا علمت أن الله مهمين ومطلع على ما قام في قلبك علم أن وقت طلبك مثلا لحقوقك إن توكلت عليه أن يأتي بحقوقك ساقها إليك  لينة  هينة, وإن وضعت بينك وبين حقوقك غير الله مثلا لسانك ويدك وعليها اتكلت وهو حقك والمال في جيبك انقطع عنك حقك، هو مطلع لما قام في قلبك شهيد عليه حفيظ على حركة القلب.
نحن مشكلتنا أننا ربّينا في زمن أن لابد أن تأخذ حقك من فم الأسد ولا تكن ضعيفًا! فينظر الله لقلوب اتكلت على نفسها فيخذلها ويجعل تدبيرها هو تدميرها!
فإذا علمنا أن الله  مهمين مطلع ومراقب على حركات القلوب وتعلقاتها اعلم أنه على قدر ما قام في القلب ستُعطى, ومسألة التوكل وعلاقتها باسم المهيمن بحر عظيم وتحتاج إلى كلام كثير.

هذا ما تيسّر ذكره، والحمد لله رب العالمين.





[1]  [المجادلة: 6]
[2]  [يونس : 46[
[3]  [الرعد:33]
[4]  [يونس : 25]
[5]  [البقرة:225]
[6]  رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
[7]  [الكهف :49]
[8]  [الإنسان:9]
[9]  [الرعد:21]
[10] رواه البخاري في صحيحه.
[11]  [الفرقان:20]
[12]  [يونس :18]
[13]  [يوسف:86]