عناصر
الدرس:
هذا الشهر العظيم يحتاج منا عبادة عظيمة وهي عبادة
الفرح.
ما الصفات التي إذا اجتمعت في الشخص أصبح فرِحاً برمضان؟ والعكس: ما الصفات
التي إذا اجتمعت في الشخص لايكون فرِحاً برمضان؟
1.
{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ
لِقَاءنَا}
2. {وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا}
3.
{وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا}
4.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ
آيَاتِنَا غَافِلُونَ}
الغفلة عن الآيات الكونية والشرعية.
أنواع هجر القرآن.
من هو الهاجر؟
إشارة للنفاق.
لتصل إلى العلم:
1.
لا تعجل وأنت
تقرأ.
2.
وَقُلْ رَبِّ
زِدْنِي عِلْماً، الدعاء.
نتيجتين يخرج بهما الإنسان لما يقرأ القرآن كما
ينبغي.
لابد من المشاعر الإيمانية.
خمس قواعد لتزكية النفس في رمضان وكيف أن طريقها
تعظيم الله:
1.
ضع أمام عينيك
"مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"
2.
{بَلِ الْإِنسَانُ
عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} استبصر نفسك
3.
الحزم {خُذِ
الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} استعمل مع نفسك الحزم خصوصاً في نقاط الضعف!
4.
الاعتناء
بالإخلاص
5.
كثرة مراجعة
تصرفاتنا وأفعالنا مع الله.
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله
رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين. نحمده
سبحانه وتعالى ونشكره، ونسأله وهو المنّان
أن يمُنّ علينا بالإيمان، و نسأله و هو الواسِع أن يوسِّع صدورنا و يشرحها
باستقبال شهر رمضان، فإن نِعَمَهُ علينا تتراً، ومِن أعظم المِنن أن مَنّ علينا
بالإسلام و حبَّب إلينا الإيمان، فاللهم زِدْنا
حباً للإيمان و استبشاراً به.
ونحن
نلتقي في هذا اليوم وفي هذه الساعات المباركة
نودّ أن نتعبَّد الله بعبادة الفرَح, و هذه العبادة أَمَرَ الله عزَّ و جلّ تجاه شرعه ودينه وكتابه، فقد قال سبحانه وتعالى:
{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ
هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[1]
فإنّ العبد قد ابتُلي بما يَملِك من مشاعر أعطاه الله إياها من أجل أن يتقرب بها
إلى الله، الله عزّ و جلّ الكريم الرحيم لمّا أمرنا بالإيمان، و أخبرنا أخبار
عظيمة عن الغيب، و أخبرنا عن الحقائق التي سنَلقاها بعد موتنا، جعل اليقين هو الحُكْم
الفاصِل بين الإيمان و النّفاق، جعل قوة شعورك بالحقائق هو الحدّ الفاصل بين
الإيمان و النفاق، لذلك من مِنَنِه علينا أن أعطانا هذه المشاعر لكي نتقرب بها
إليه، و من المشاعر التي نملكها مشاعر الفرح، و نحن جميعاً لا نحتاج إلى تعريف
للفرح و لا أن نذكر له وصف، فإننا جميعاً نعرف الفرق بين الفرح و الحزن، و نعلم
جميعاً أنّ الفَرَح إذا دبّ إلى القلب نَشِط البَدَن، وأن الحُزن إذا دبّ إلى
القلب فقد البَدَن قُواه و إن كان يملكها.
فإذا
أقبلت على هذا الشهر الكريم العظيم، كان عليك أول ما تهبّ عليك نسائِمه أن تعبد الله بهذه العبادة، هذه العبادة أين
مكانها؟ في قلبك. ماهي العبادة؟ أن تفرح. وإذا أردت أن تُثير لقلبك مشاعر الفرح ففتّش عن إيمانك، فتّش عن تعظيمك
لله، لأن مظاهر الفرح بهذا الشهر لا يمكن
أن تكون إلا من عبد مؤمن، وسنوصِّف أولاً العبد الذي لايفرح ما صفته، ثم نقابل صفة
العبد الذي لا يفرح بصفة العبد الذي يفرح.
ملخص ما
سبق: أن هذا الشهر العظيم يحتاج منا عبادة عظيمة، نُقبِل عليه بعبادة عظيمة و هي
عبادة الفرح، عبادة الفرح لا تكون إلا من شخص
مؤمن. ما الصفات التي إذا اجتمعت
في الشخص أصبح يستطيع أن يفرح و يكون حقاً فرِحاً برمضان؟ وما صفات الشخص
الذي لا يفرح برمضان؟ لأن شعور الفَرَح ليس فيه كذب، إما صحيح مُسْتَبْشِر، و إمّا
أنّ في قلبك ضَعف للاستبشار أو لا تَملِك
شيء من الاستبشار .
نبدأ
بصفات الذي لا يستبشر برمضان، و إذا عرفناها سنعرف صفات الضد، و إن كنا أيضاً سندرُس
صفات مَن لا يفرح.
نبدأ
بصفات مَن لا يفرح فنقول:
يقول الله:
{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ
الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَـئِكَ
مَأْوَاهُمُ النُّارُ}[2]
بأي شيء؟ {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} نبدأ
بمناقشة الأربع صفات، وهي تنتهي بثلاث صفات إذا وُجدت في عبد يَبْعُد عنه أن يفرح
بهذا الشهر العظيم.
1-
{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ
لِقَاءنَا}
2-
{وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا}
3-
{وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا}
4-
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ
آيَاتِنَا غَافِلُونَ}
الأمر الأول: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ
لِقَاءنَا}
وهذه الصفة
فيها مشاعر، لو وصفنا مشاعر شخص لايرجو
لقاء الله، ماذا سنقول؟ سنقول هذا حاله أن الآخرة ليست على باله، و لا يُفكّر فيها
و لا ينتظِرها، و من المؤكد لا يعمل لها، و لكن قبل أن يعمل نُريد أن نرى تفكيره
في مشاعره في اهتماماته، ما الذي يخطر على باله؟ هذا الذي لا يرجو لقاء الله معناه
أن حياته دائرة حول الدنيا، فهؤلاء قوم ليست الآخرة على بالهم، لا يستعدّون لها،
لا يفكرون في لقاء الله، و السبب أنهم غير مُعظّمين لله.
فرمضان لا يكون زمن للانتفاع والاستثمار إلا إذا كان في القلب التفكير
في لقاء الله العظيم.
إذا كنت تُفكّر
في لقاء الله العظيم سيكون فرحك برمضان
فرح حقيقي، لماذا؟ لأن الذي يَعلَم أنه سيلقى الله غداً، و غداً هذا في أي
ثانية قد يكون، فمن الأكيد مشاعره بأنه
سيلقى الله ستَفتَح عليه أبوابًا من
التفكير في الأعمال التي بها يكون صلاح اللقاء،
أنت متأكد أنك ستلقى الله، لكن هل لقاء
الله دائماً على بالك؟ يختلف الناس في كون
اللقاء على بالهم، أي أن أهل الإيمان يشتركون في أنهم يؤمنون أنهم سيلقوا ربهم، يشتركون
في هذا لكنهم يختلفون في قوة الشعور بأننا بالتأكيد سنلقاه، و في استحضار هذا
الشعور الدائم.
ولذلك في سورة
ص أخبر الله عن المصطفين الأنبياء والمرسلين أن الله عزّ وجلّ أخلصهم بخالصة، ما
هي الخالصة؟ {ذِكْرَى الدَّارِ}[3]
فذكرى الدّار أصلحت أحوال هؤلاء، دائماً الآخرة على بالهم، دائماً على بالهم أنهم
سيلقون ربهم.
فمن كان
يرجوا لقاء الله -أي على باله دائماً لقاء الله ويعرف مَن هو الله وعظمته وكماله
وجلاله- سيَعمل من الأعمال ما يجعل هذا اللقاء حسن، فيأتي وقت هذا اللقاء ويظهر حُسن
أعماله في هذا اللقاء، وهو في الدنيا يحتسب؛ أي أنه يقول في فؤاده أن هذا الذي
أعمله هنا أنتظر أن يكون سببًا لرضاك لما ألقاك، يناجي ربه بقلبه، يعني أنا أحتسب
عليك يا رب أني لما ألقاك تظلني بظل صَدَقَتي التي أرجو منك أن تقبلها، لما ألقاك
أرجو منك أن تُبعدني عن النار بِصَوم يومي
الذي صُمته، لما ألقاك أرجو منك أن تقبل مني هذا البر وتجعله سبباً للأجور.
قال عليه
الصلاة والسلام: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))[4]
ولا تتحقق
كلمة إيماناً و احتساباً إلا إذا كنت على يقين أنك ستلقى الله. فالإشكال أن هذا اللقاء العظيم الذي لابد أن
يحصل، يفكر الناس فيه بتفكير سلبي بحيث أنه لما يُذكُر لأحد الموت، تكون ردة الفعل
أن يقول: (لا تُنكّد علينا، لا تُزعِجنا!)
يشعر أن ذِكر الموت إزعاج، مع أن
القبر أحسَن مَسْكَن لمن أَحْسَن، أي أن هناك في القبور مَن ينعمون بنعيم لو اجتمع
نعيم أهل الدنيا مِن أنْ خَلَق الله الخليقة إلى أن تقوم، لا يكون شيء في نعيم أهل
القبور الذين أحسنوا في دنياهم. فلماذا يُنظَر إلى الموت بهذه الصورة؟! رغم أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أحبَّ لِقاء الله أَحَبَّ الله لقاءه، و مَنْ كَرِه لِقاء
الله كَرِه الله لِقاءه))[5]
فإذا كان
ذِكر الموت بعيدًا عن وِسواس الشيطان، لأن الشيطان أحياناً يستعمل على ضعفاء
الإيمان الموتَ و يخيفهم.
لنفترض الآن
أنه ليس معنا أعمال، و معنا أمثال الجبال
ذنوباً، وأنت حي تتنفس، وأنت تَعلَم أنك ستلقى ربك، فافزع إلى الله بالتوبة، و تُب و أنت صادق متيقّن أنه يَقبل توبة
الصادقين، هذه الذنوب التي أمثال الجبال تذهب هباءً، تذهب جميعها ونحن على يقين
أنه سبحانه يَقبل التوبة عن عباده مهما
أجرموا؛ ما دام الشخص حي يتنفس لم يصل إلى الغرغرة فهو مقبول التوبة، و لو كان في
سابِق عهده وَقَع فيما وَقَع من الذنوب و لو وَصَل حدّ الشِّرك، حتى الشِّرك يُتاب
منه، ألم يكُن الصحابة أولاً مُشركين فأسلموا؟! إذن حتى الشِّرك يُتاب منه، مادام
الإنسان لم يَصِل حدّ الغرغرة و ما دام أن الشمس لم تَشرق من مغربها.
المقصود
أن الذي يرجو لقاء الله لا ينظر للمسألة من جهة الموت على أنّه مُخيف، و إنْ كان
كل الناس يكرهون الموت؛ لأنه لحظة انتقال صعبة، لكن مَن نَظَر على أنّ هذه اللحظة التي
سينتقل فيها ستُبشِّره الملائكة أنه {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ} الملائكة تقول لأهل الإيمان: أن ما سَتُقبِلون عليه من الحياة
الجديدة لا خوف فيها .
{وَلاَ
هُمْ يَحْزَنُونَ} لا تحزنون على ما تركتم، لأن الإنسان لما يموت سيترك أهله، فيُقال
له: لا تخَفْ و لا تحزن، فالذي ستُقبِل عليه لا يخيفك و الذي تركته لا يحزنك، ستُبَدّل
دارًا خير من دارك، و ستُبَدّل أهلًا خير من أهلك، و ستكون في سكينة وراحة، هذا لمن أحسن. فالذي يُريد أن يكون ممن أحسن لابد
أن يكون لقاء الآخرة على باله.
أما من غَفَل
و تَرَك التفكير في لقاء الآخرة ربما بسبب حبّ الدنيا و التعلق بها، أو ربما
يكون الخوف و الرعب الذي يدبّه الشيطان في
قلب الإنسان. كثير منّا يتغافل عن ذكر الموت، إما من حبّه للدنيا، و إما من
خوفه السلبي، و خوفه ليس في مكانه، كُن
شجاعاً و اجعل ذِكر الآخرة على بالك، و ستكون
النتيجة عظيمة. ماهي هذه النتيجة؟ أنك ستنتهز كل فرصة تجعل ما بعد الموت خير و
بركة، لكن الذين لا يرجون لقاء الله و لا يُفكّرون في لقائه و لا الآخرة على بالهم،
تقول لهم: أتى موسمٌ الحسنات فيه مضاعفة،
أتى موسمٌ فرصك فيه عظيمة، أتى موسمٌ ليلة القدر فيه خير من ألف شهر. فلا يشعر
بأهمية هذه الفرصة، والسبب أن الآخرة ليست على باله.
فمن أراد
أن يلقى الله وقد اغتنم كل الفرص، عليه أن يقوم بعملين:
1. أن يُذكِّر
نفسه دائماً بلقاء الله.
2. و يقرأ
دائماً ماذا سيحْدُث للناس، ماذا سيكون في ذلك اليوم، ماذا سيحصل؟
لأنك لو
تصورت أن في ذلك اليوم العظيم لما تنتهي الحياة في الأرض، بعد النفخة الأولى التي
لا تكون إلا على شرار الخلق -نسأل الله عز
وجل أن ينجينا من تلك الحالة- نترك النفخة الأولى، ونناقش النفخة الثانية التي
تكون في أرض المَحشَر، لو تصورت تلك الحال و كيف أن الناس في ذلك اليوم تلتقي
أرواحهم بأبدانهم، ثم كيف يلتقون ببعضهم، و كيف أن عُجب الذنب الذي هو مِثل حبّة
الخَردل في الإنسان، و هو الشيء الوحيد الذي لا تأكله الأرض، يُمطر الله عزّ و جلّ
من السماء مطراً، فتَنبُت الأجساد كما ينبت الزرع، هذه فقط الأجساد، ثم يُنفخ
النفخة الثانية، فتلتقي الأرواح بالأجساد و وقتها يكون أول من يَرفع رأسه هو النبي
صلى الله عليه وسلم، ثم الناس في تلك اللحظة يتعارفون، بمعنى أنهم يكونون تماماً
على هيئتهم التي كانوا عليها في الدنيا ما تغير فيهم أي شيء، لدرجة أنهم يتعارفون
و لا يتناكرون. و بعد ذلك إن كانوا أهل
التقوى اجتمعوا و انتفعوا من اجتماعهم و
تذكروا لهم إخوان لا يرونهم معهم فيُلِحُّون
على ربهم أن يشفعوا لهم، طبعاً هذه أحد مواقف يوم القيامة. و في مقابل هذا: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)[6]، في مقابل الإيمان و اجتماعهم على الإيمان هناك من يكونوا أخِلّاء لكن
يتحولوا إلى أعداء، فقط لو فكّرنا في هذا الموقف ونحن نرجو لقاء الله مُتيقنين، سنَحمِل هَمّ القوم
الذين نتعرف عليهم في تلك اللحظة و يتعرفون علينا، هل كُنا حقاً أخِلّاء لله؟ أم
كانت الدنيا هي التي جمعتنا؟ فإن كانت
الدنيا هي التي جمعتنا سنتنكّر لبعضنا البعض، و ستتحول العلاقة إلى عداوة، وإذا
كانوا القوم اجتمعوا لله ومن أجل الله سينتفعوا
بذلك الاجتماع في هذا اليوم.
لذلك انظر
و راجِع الناس الذين معك، راجِع من اجتمعت معهم ببدنك، أو اجتمعت معهم بأجهزتك،
راجِع هؤلاء و أنت ترجو لقاء الله، و تعرف أنه في تلك اللحظة سيكون الخلق إما
أعداء وإما أخِلَّاء، و أَصْل الاجتماع سيكون على التقوى في الدنيا.
فالمقصود
هذا موقف من المواقف الذي سَيَمُر على
الخلق يوم أن يلقوا ربهم. هل فكّرت فيه؟ و
كل موقف من المواقف يجعلك في شيء مما تعيشه هنا، و أعظَم هذه المواقف أن تقِف بين
يدي ربك, تُكلّمه ما بينك و بينه تُرجمان. فإن أردت أن يكون الكلام الرّضى؛ فعليك
باغتنام الفرص، إن كنت تريد أن يكون هذا اللقاء أحسن ما يكون لقاءً، عليك بكل نَفَسٍ
من أنفاسِك تستطيع به أن تنتفع في دينك فانتفع به. هذا متى يكون؟ لما يكون قد عَمَر
قلبك رجاء لِقاء الله، لكن الذين لا يرجون لقاء الله ما حالهم؟ كل هذا التفكير غير
موجود أبداً.
عندما
نقرأ هذه الآية : {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} يجب أن نُفَكّر في أنفسنا، هل هذه الصفة
موجودة فينا: أننا لا نرجوا اللقاء و لا نُفكِّر؟ أم فينا الصفة الثانية التي
ذكرها الله في سورة الحشر لما قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[7]، بمعنى أنّ أهل الإيمان يُفكرون: أنا اليوم
في هذه الفرصة التي أملكها، هل سأغتنمها لغدي القريب؟ أم أن الآخرة ليست على البال؟
يعني الآن قارنوا : قوم لا يرجون لقاء الله، و قوم اتقوا الله واستعدوا لغد، لذلك
مباشرة بعد هذه الآية حذّرنا الله من أمر خطير
في سورة الحشر وهو : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ}[8]، نسوا الله! إذن الذين لا يرجون لقاء الله
ما اسمهم في سورة الحشر؟ نسوا الله، ما معنى نسوا الله؟ فسِّرها بآية يونس، نسوا
الله أي لا يرجون لقاء الله، و لا يفكرون في لقائه، بل إذا ذكّرهم أحد بلقاء الله
حاولوا الهروب من اللقاء، هؤلاء قوم اسمهم: نسوا الله. ماذا كان جزاؤهم؟ {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}[9]، ماذا يعني أن الواحد ينسى نفسه؟ أي ينسى
مصالحه، تأتي عليه الفرص مثل هذا الشهر العظيم و هو ناسٍ نفسه و مصلحته، فتكون
دقائق هذا الشهر ليست مزرعة يَزرع فيها الخيرات ليَحصُدها يوم أن يلقى الله، ينسى
أن يزرع في أرضه الذي هو وقته، ينسى أن
يغتنم رأس ماله، ينسى نفسه بمعنى أن الباب الذي يستطيع من خلاله أن يصل إلى ربه فينتفع
هو بنفسه ينساه. ربّما فكّر في كل شيء إلا
نفسه يوم أن يلقى الله.
مَن الذي
ينسى نفسه؟ الذي ينسى أنه لابد أن يلقى الله، فتكون النتيجة : إذا أتته الفُرص
التي بها يُبارك عمره و ينتفع بها و يلقى
الله و هو راضٍ عنه لايعتني بها.
مثال عن
الحياة الدنيا: افترض مثلاً أخت ولها أخوات صغار، و أصبحوا يتامى، فكلما جاءها
عريس رَفضت حتى تربي أخواتها، ثم تزوج الجميع و عاشوا حياتهم و هي بقيت وحدها في
بيتها لم تتزوج، و قد انتهى الأمر بالنسبة لها، فبقيت وحدها، تأتيها لحظات تقول
لنفسها: نسيت نفسي في مقابل أني خدمت الآخرين، والآخرين عاشوا حياتهم!
قِس مثل
هذه الصورة على الآخرة، تأتيك فرصة يفترض منك أن تستثمرها، ستُضاعف لك الأجور، ستَلقى
الله وهو عنك راضٍ، هذه أنفاسك التي تتنفسها في هذا الشهر و تذكر فيها الله و تقرأ
القرآن سيحصل وراءها كذا وكذا. هناك مَن لا يُفكر في نفسه، يُفكر في كل أحد إلا
نفسه، و هو يظن أنه بهذا يُفكّر في نفسه، فلما يخدم كل الناس و يخدم كل الأشياء
التي حوله و يخدم بدنه، ونفسه تقول له: (نَم)
فينام، تقول له: (ُكل) فيأكل, تأمُره وهو يقول سمعاً و طاعةً، يظن أنه قد خَدَم نفسه، و هو في الحقيقة ماذا
فعل؟ نسي نفسه، لأن من أَحسَن إلى نفسه هو الذي امتثل أمر الله : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}[10] وليس من
أطاعها، {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.
فالمعنى
أنّ العبد إذا أراد أن يغتنم الأزمنة الفاضلة، و يغتنم رأس ماله و هو وقته، فعليه
أوّل الأمر أن يتذكّر الآخرة، و يجعلها على باله، و الآخرة لا تأتي ذكراها بكلمة الموت،
إنما ذكراها أن يبقى في بالك تفاصيل اليوم الآخر. فأنت الآن ستَرتَحِل رحلة قريبة،
أوّلها أن تقبض. فما معنى أن تُقبض؟ ومَن يأتي للقبض؟ و ماذا يكون في المكان؟ و ما
علاماته؟ و ماذا يحصل لروح هذا المقبوض؟ وكيف يحصل الانفصال بين الجسد والروح؟ إلى
أن نصل لماذا يحصل في القبر وماذا يكون لكلا الطرفين؟ عندما تسمعون مثل هذا الكلام
يجب أن تعرفوا أنّ هناك قوم تقبضهم ملائكة الرحمة، و إذا قَبضتهم ملائكة الرحمة،
يكون في المكان ملائكة من الرحمة بِسِعَة مكانه الذي هو فيه، هذا معنى أنه يُبشَّر،
هذا معنى أنه في لحظة الفزع التي يتصورها الناس
أنها فزع عظيم يتحول إلى حالة من البُشرى. يجب أن تعرف ما الذي يحدث، هنا سيكون حالهم كذا، و إن لم يكونوا من هؤلاء الذين
يُبَشَّرون سيكونوا من هؤلاء الذين يحصل لهم الضد!
إذن اعرف الحالتين
و افعل الفِعل الذي يجعلك من أهل البُشرى، لا تُفكّر أنك لابد أن تكون من الضِّد، و
ابقَ دائماً بين الرجاء و الخوف، ترجو أن تكون من أهل البشرى و تخاف، فالذي يخاف سيستعمل
التوبة، و الذي يرجو سيستعمل العمل، فتخاف و ترجو، و هذان الأمران يدفعانك من هنا للتوبة،
ومن هنا للعمل.
لكن الذي لا
يُفكر أبداً في اللقاء و لا يعرف ماذا يكون لحظة القبر، ماذا سيكون لما يقوم الناس
من قبورهم، ماذا سيكون لما يأتي الموقف العظيم، ماذا سيكون على الصراط، ماذا سيكون
بعد ذلك لما يأتي الديّان سبحانه و تعالى فيُحاسِب عباده! هذا كله ليس على باله، و يقرأ في القرآن و السُّنة
و لا يمرّ على خاطره أن ينتفع بهذه الأشياء؛ إذا كان الأمر ليس على البال لن يعمل
و لن ينتفع بالأزمنة الفاضلة.
هذه أول صفة
وردت في سورة يونس : {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا}، و قابلناها في سورة الحشر : {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} لكن نُريد صفة أهل الإيمان في الآية التي قبلها
مباشرة {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[11] أي أن الذين لا يرجون لقاء الله يقابلهم قوم
قاموا بتقوى الله و كانوا يفكروا غداً ماذا سيكون، هذه أول صفة متقابلة. {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أين ذهبت مشاعرهم؟ ما شَغَلتهُم الآخرة و لا
لقاء الله و لا فكروا في غد، ماذا أشغلهم عن الله؟
الأمر
الثاني : {وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
المعنى أنهم
دائمي التفكير أنا ماذا أكون؟ ما منزلتي في الدنيا؟ ما منزلتي عند أهل الدنيا؟ ما موقف
الناس مني؟ ما مدى رضاهم عني؟ كم لي من الدنيا؟! أي أنّ رضاه وسخطه وخوفه وغضبه كله
دائر حول الدنيا ! وإذا كانت هذه هي التي تهمّه؛ فلن تخطر الآخرة على باله.
ما مشاعر
الشخص الذي رضي بالحياة الدنيا؟ مشاعره دائرة حول الدنيا: رضاه، سخطه، غضبه، كله دائر
حول مكانه عند أهل الدنيا، أو كم حصّل من الدنيا. فتجد الناس مثلاً يُمكن أن يناموا
عن صلاة الفجر أو عن صلاة العصر، وقد ورد في الحديث : ((الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ))[12] يعني كأنما نزلت عليه المصيبة بمقدار أنه فقد
أهله وماله مرة واحدة! فالذي همّه الدنيا و تفكيره الدنيا، قد يؤخر الفرض والفرضين
عن وقتهما، ثُم لا يجد في قلبه حسرة و لا يجد في قلبه حزن على نفسه، وإن فاتته الكلمة
أو الكلمتين من رضا الناس، أو آذاه الناس بكلمة أو كلمتين تدُل على أنهم غير راضين
عنه، قد يشتغل الليل كُله يُفكر ماذا قالوا؟ ماذا قلت؟ فمعنى ذلك أن كل مقاييس رضاه
عن نفسه دائرة حول الدنيا ! ولا يفكر ما ميزانه عند ربه! وإذا كان الإنسان لا يفكر
في وزنه عند الله، فبالتأكيد لن يُفكر في أعمال تُثقّل هذا الميزان عند الله. إذا لم
يفكّر الإنسان في كل حين أن ربه يَنظر إليه فيكون عنه راضِ في هذه الحالة أو يكون عنه
ساخط في هذه الحالة؛ سيُصبح عبداً سائراً في الدنيا لهواه! و السبب أنه لا يُفكر أبداً في مقياس للرضا عن نفسه
إلا ما مقدار ما حصّل من الدنيا!
ولكي تقيس
نفسك، اسأل نفسك دائماً سؤالين:
السؤال الأول
: إن فاتك شيء من فُرص الطاعات، هل يَشتعِل قلبك حُزناً و ألماً و تشعُر بالحسرة؟ أم
أنّ الأمر على التفكير في أنّ كل شيء يتصل بالآخرة له عِوض؟! (يعني اليوم لم تَقُم
بقيام الليل، غداً سأقوم، اليوم لم أصلّ الصلاة في وقتها، غداً أصلي!) إذا كنت من النوع
الأول فهذا إشارة الى أن هناك قلبًا حيًا، الدنيا ليست مقياس رضاك، أما إذا كنت من
الثاني فهذا اشارة إلى القلب الميت الذى عنايته
بالدنيا.
السؤال الثاني
: إذا فاتك شيء من الدنيا ماذا يقع في قلبك؟ هل تشعر أنه عن كل شىء في الدنيا عِوض؟
أم أنّ الفرصة في الدنيا إذا فاتت لا تُعوض؟ مثلاً يقال لك : يوجد هنا أرض رخيصة اشتريها،
فتجمع لتشتريها، ثم تذهب وتجد الناس قد اشتروها!، فتعيش يوم، يومين، ثلاثة أيام، وقد
ملأتك الحسرة، و تَشعُر أن مثل هذه الفرصة لا تُعوض، و تتألم على نفسك أنك فوّتها،
فإن كان هذا المقياس و هكذا الميزان فهذا دلالة على موت القلب!
إذا جمع الإنسان
هاتين المصيبتين عليه من جهة أَمْر الآخرة و شأنها: إذا ما أَحسَنت في رمضان هذا فهناك
رمضان القادم –هكذا تفكيره- وإذا ما أَحسَنت
في اليوم الأول غداً أُحسن، هذا تفكير سلبي دليل على برود، لا توجد حرارة ! لا
يوجد إحساس بالحسرة على فوات اليوم! قُربك لله يكون بحسرتك، تتحسّر أنه فاتك شيء من
الخير. ثم إذا كان الأمر أيضاً على العكس في الدنيا، أي إذا فاتك شيء من الدنيا وَقَع
في قلبك الحسرة، بهذا يتم للإنسان موت قلبه! أن يجمع بين المصيبتين:
المصيبة الأولى:
أن يكون في قلبه من البرود تجاه فوات مواسم الطاعة ما في قلبه، و يَشعر دائماً أن كل
موسم طاعة له عِوض، هذه مصيبة بحدّ ذاتها ! فإذا جمع عليها المصيبة الثانية: و هي أن
كل مصلحة للدنيا إذا فاتت فيشعر بفوت شأن عظيم، ويشعر بالحسرة! بهذا تجتمع له
مصيبتان، أي تم موت قلبه!
ما الحل لمثل هذا؟ التفكير في عظمة الله، معرفة
الله، أنك أمام شأن عظيم، لا تُقدِّم المحسوس على الغيب و قد مُدِحت بالإيمان بالغيب! لابد أن تعرف أن لكل واحد فينا ميزان عند ربه، وقد
ورد في الحديث عن أنس: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا كَانَ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنْ الْبَادِيَةِ فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ)). وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا
يُبْصِرُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟)) فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ، أَوْ قَالَ:
لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ!))" [13].
فهكذا الإنسان يُفكِّر في ميزانه، يجب أن تسأل
نفسك في هذه اللحظة: مَن أنت عند الله؟! مَن أكون عند الله؟! هل أنا ممن يحبهم الله؟!
إنّ الله يُحب المحسنين، إنّ الله يُحب المتقين، إن الله يُحب الصادقين، إن الله يُحب
التوابين؛ إلى آخر ما تعرف.
هل أنت ممن يصلي عليه الله؟ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(42)هُوَ الَّذِي يُصَلِّي
عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}[14] .
من أنت الآن و أنت تمشي على الأرض؟ و من أنت
في السماء؟! و قد وَرَد في لحديث: ((مَا مِنْ عَبْدٍ إِلاَّ وَلَهُ صِيتٌ فِي السَّمَاءِ فَإِنْ كانَ
صِيتُهُ فِي السَّمَاءِ حَسَناً وُضِعَ فِي الأَرْضِ وَإِنْ كانَ صِيتُهُ فِي السَّمَاءِ
سَيِّئاً وُضِعَ فِي الأَرْضِ))[15] فيجب أن تُفكّر: ماهي سُمعتك في السماء؟!
أما الذين رَضُوا بالحياة الدنيا فكل تفكيرهم:
مَن أنا عند أهل الدنيا؟! يُفتن الإنسان بهذه الفتنة العظيمة؛ لماذا؟ لأن أهل الدنيا
شُهود، أهل الدنيا ليسُوا غيبًا، أهل الدنيا أناس معك، كلامهم يؤثّر فيك، نظرتهم تعجبك
أو بالعكس, فلماذا تهتم بكلام أهل الدنيا بهذا القدر؟ و ما تفكيرهم و ما موقفهم و
هل أعجبهم لبسك أو لم يعجبهم، وبيتك ..إلخ وبالتفصيل تبحث عما يقوله أهل الدنيا، لماذا؟!
لأنه لا يرجو لقاء الله، لا يفكر في اللقاء،
فما اتجه بقلبه وسأل: مَن الذي يهمك رضاه؟ لا يُفكر في الملك العظيم الذي لابد أن يلقاه،
لا يُفكر في هذا، ما عرف مَن هو الله العظيم، و لا على باله لقاؤه، فستكون النتيجة أن كل مقاييس الرضا عنده في أهل الدنيا، و الغيب
يسقط في المقاييس! فلا يفكر: من أنا عند الله ؟! ولذلك نحن دائماً نردد على أنفسنا هذا السؤال:
أنا الآن في هذه اللحظة ماذا أكون؟!
فإذا شعرت بثُقل الذنوب استعمل التوبة تكن ممن
يحبهم الله، تكن ممن يفرح الله بهم، فإذا أردت أن تكون من المحبوبين عند الله ابحث
ماذا يحب الله، وكن صادقاً في العمل!
الذي يُفكرهذا التفكير و يأتي عليه موسم الطاعة
وهو يَعرِف عظمة الله ويعرِف أن المكانة عند الله مهمة، سيُسارِع في اغتنام موسم الطاعة،
لن يكون موسم الطاعة ثقيلاً عليه، بل كلما عصف في ذهنه أن هذا الزمن الآن يُحبّ الله
فيه أن تكون مستغفراً، هذا الزمن يحب الله فيه أن تتلو كتابه، هذا الزمن يحب الله فيه
أن تقوم فتصلي، يُسارع لأنه يُفكِّر: كيف أكون عند الله عبدًا مرضيًا عنه؟، كيف أكون
ممن يحبهم الله؟
ثم إنّ من قرأ القرآن بقلبه يجب أن يتعلق في
ذهنه: مَن الذين يحبهم الله؟ و يَسخَط تعالى على مَن؟ و مَن يُقَرِّب؟ و على مَن يرضى؟
فهذا الذي يشغلك و أنت تقرأ القرآن! من هم أولياء الله؟ ماذا يفعلون؟
في وِردك هذا الشهر اعتنِ بكل آية فيها (إنّ الله يُحِبّ)، و اجمع
لنفسك بنفسك، لا تقرأ في أي مكان، فقط اقرأ من القرآن، انظر إلى القرآن و ابحث من
الذين يحبهم الله، ومن القرآن سيتبين لك!
عنصران لابد
من العناية بهما:
1. التفكير الدائم
في لقاء الله. أنني سألقاه -ليس الآن- سألقاه لما يأتي الموت، لكن متى الموت هذا؟ والموت
يُفرّق بين الناس، ناس إلى روضة مِن رِياض الجنّة و أناس -و العياذ بالله- إلى حفرة
من حفر النار! فاسأل نفسك: ما العمل الذي يوصِل الإنسان أن يكون قبره روضة؟ و افعله،
و اسأل نفسك: ما العمل الذي يجعل قبر الإنسان حفرة؟ و اتركه! الأمر غاية في الوضوح
إذا كنت مُنشغِلًا به! لكن إذا لم يكن القلب منشغلا باللقاء فلن يعتني بالأعمال، ستأتي
الفرص و تذهب و هو لا يفكر بها.
2. أن تُكرّر
على نفسك: من أنا عند الله؟ الآن وأنت هنا في الدنيا في لحظات حياتك يجب أن تُكرِّر
على نفسك من أنا عند الله؟ ما ميزاني؟ ما مكاني؟
هل أنا ممن يُحبِّهم الله أو لا؟ هل أنا ممن رضَيَ الله عنهم أو لا ؟! وكلما
زاد هذا السؤال صِدقاً كلما اندفع القلب للقيام بالعمل إخلاصاً؛ إذا كان هناك سؤالٌ
صادق فسَيَخرُج العمل مُخلصاً، فتريد فقط أن يرضى ربنا! فما هو الإخلاص؟ أن تَجمَع قلبك على طلب رضاه وحده لا شريك
له، لا تُريد أن ينظر أحد إلى عملك أبداً. ذكرنا صفة المخالفين {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} اذهب إلى وَصْف الأبرار مثلاً في سورة الإنسان،
ماذا يقولون؟ {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء
وَلَا شُكُوراً} انظر المحرك: {إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}[16] ما الذي على بالهم؟ {يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} ماذا فعل لهم هذا الشيء الذي كان على بالهم؟
جعلهم يعملون عملاً بالإخلاص.
فالمقصود:
أن العبد عليه
في أول الأمر أن يجعل الآخرة على باله، عليه أن يجعل الآخرة عاصفة على باله.
والأمر الثاني
أنه دائماً يُفكر: في هذه اللحظة من أكون عند رب العالمين؟! فإنشغال العبد بمكانه عند
ربه سيدفعه إلى العمل الخالص.
الأمر
الثالث : {وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا}
هذا الثالث
سيكون لاحقًا للثاني، الذي يرضى بالحياة الدنيا ماذا يحصل له؟ يَتحوّل فيطمئن، متى
يطمئن؟ كلما جاءت له الدنيا و أصبح له فيها مكانة، كلما وقع في قلبه الطمأنينة أنه
في أحسن حال! بمعنى أنّ هذا الشخص لا يُزعجه إلا مصائب الدنيا، إذا نزلت عليه مصائب
في الدين و فِتن في الدِّين شَعَر أنه أمر سهل يسير، لا تُزعجه مصائب الدين إنما تُزعجه
مصائب الدنيا، فلا تَسمع هذا أبداً يقول لك: أنا خائف على قلبي، أنا خائف على إيماني،
أنا خائف أن أجلس مع هؤلاء فينقص إيماني. لا تسمع هذا منه أبداً، لكن الذى يطمئن بالدنيا
فكلمة الإيمان و ضَعفه و قُوّته و أسبابه لا تمُرّ في الكلام، لا تسمعها أبداً، تجده
خائف من أن يذهب إلى هذا المكان مثلاً لكي لا ينحسد! خائف أن يبرز هذا العمل لكي لا
أحد يسرق منه عمله، خائف أن يسكن في بيت كبير فيأتيه كذا و كذا، طول الوقت مخاوفه من
جهة الدنيا وطمأنينته من جهة الدنيا، فلا تسمع منه:أخاف أجلس مع هؤلاء فينقص إيماني،
أخاف أن أسافر هذه السَّفرة فيؤثّر على قلبي خصوصاً أني ذاهب إلى رمضان. لا تسمع هذا،
لا تسمع حرصاً على الإيمان و لا تجده يتفقّد إيمانه. ثُم إنّ مِثل هؤلاء القوم الذين
يطمئنون بالحياة الدنيا تجدهم غالباً يُفسِّرون سوء أخلاقهم وسوء تصرفاتهم و قلة صَبرهم
بأن الناس تغيّروا: لماذا تُعامِل الناس هكذا؟ لماذا لا تصبر ؟ يقول لك: هؤلاء يستحقون، هؤلاء تغيروا، ومُعاملة الخَدَم مِثاُل
ذلك! فعدم الصبر بعد أن كان الشخص صبوراً إنما هو مؤشر لضعف الإيمان، لما يقلّ صَبر
الإنسان فهذا مؤشر لضعف الإيمان، لأنّ مَن يصبر مُحتسباً و يحبس نفسه أن يُخرِّج كل
شيء فيه فهذا سيزداد صبراً، لأنه يعرف أنه كلما كَظم الغيظ و هو قادرٌ على إنفاذة يَحصُل
له من الأجر العظيم ما تعلمون. الذي يُفكّر
في الآخرة و وقد أغاظه أحد سيَحبس غيظه بسبب ايمانه. ضعيف الإيمان يُخرج الذي في نفسه
دون أن يُفكّر، ثم يقول: أفعل ذلك لكي لا أمرض، لا أكتم في نفسي! أما الثاني فيحبس
هذا في قلبه و يخرجه و يفرّغه بإيمانه أنه سيحصل لي كذا وكذا يوم القيامة. فالفارق
هذا يجعل أهل الإيمان إذا فقدوا صبرهم عَلِموا أن نقص إيمانٍ أصابهم.
أُمثِّل بالصبر
كنموذج في أن الذي لا يطمئن بالدنيا دائماً يُفكِّر في إيمانه، وأن هذه التصرفات التي
أفعلها تعكِس إيماني. يجب أن نعلم أنّ تصرفاتنا التي نتصرف بها إنما تعكس الإيمان الذي
في قلوبنا، فلما تجد نفسك طامعاً في الدنيا، راغباً فيها، خائفاً على الريال والريالين،
فهذا معناه نقص في الإيمان: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}[17] يوقَ شُحَّ نفسه من جهة أي شيء؟ من جهة إيمانه.
فالمؤشرات
التي تظهر من المطمئن إلى الدنيا والتي تدل على نقص إيمانه لا يبالي بها، ما كان أمس
عنده عظيم و لا يفعله -رمضان الذي مضى كان عنده عظيمًا و لا يستطيع أن يضيّع وقت السَّحر
إلا وهو يستغفر- فإذا جاء وقت السحر في رمضان هذا ذهب في النوم، ذهب في لهو، ذهب في
أي شيء، و لايحزن! أصبح له عادة! هل تعرف ما الفرق بين رمضان الماضي و رمضان هذا بناء
على هذا التصرف؟ نَقصَ الإيمان و اطمأن إلى الدنيا! الطمأنينة إلى الدنيا تجعل مؤشرات
الطمأنينة كلها حول الدنيا، أكْلُنا كامل، أشياؤنا كاملة و أغراض رمضان كاملة! أما
إيمانك الذي عليك أن تَدْخُل به الشهر؟ لا يفتشه ولا يبحث عن أسباب زيادة الإيمان،
و لا صوم كما في سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم، فقد كان يُكثِر من شعبان
في الصيام زيادة للإيمان، ولا مثل ما كان السلف يبذلون في أن يختموا في شهر شعبان القرآن
و يتدبرونه من أجل أن يزيد إيمانهم، لا توجد عناية! بل وبسبب الأحوال و الظروف في البلاد
فوقت الصيف يعني وقت الإنقلاب، وقت الإنفلات! وقت أسباب ضعف الإيمان! لا الليل ليل
و لا النهار نهار و لا هناك احترام لأوقات الصلاة و لاهناك بقاء للذِّكر إلا بذل جهد
للّهو على أنه صيف، على أنه وقت قد قُرِّر عند الناس -أهل الدنيا- أنه وقت للإنفلات!
ولا هناك تفكير في أنّ هذه الحياة إنما هي
مزرعتك للآخرة وليست وقتاً لأن تُؤجّل من الأعمال الصالحة، إنما عليك أن تبني حياتك
و رضاك على الذى يرضي الله.
هذه المسألة
متسلسلة: إذا فقد الإنسان النقطة الأولى التي هي رجاء لقاء الله، وفقد في ذهنه التفكير
الدائم في لقائه؛ سيكون هذا الأمر سبباً لما يأتي و هو: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أصبح مقياس رضا الإنسان عن نفسه متى يطمئن
و ينام و هو ساكن و يشعر أنه أنجز، كل ما عليه إذا قام بالدنيا أما الآخرة فليست في
تفكيره! ويزيد على هذا الأمر أمراً: أنه عندما يرضى عن الحياة الدنيا و يصير مقياس
الرضا هو الدنيا، يصبح لا يخاف إلا من الدنيا، وإذا أوتي الدنيا يشعر أن ليس هناك مخاوف،
لا يوجد شيء يزعجه: لا إيمانه و لا صلاته و لا طاعته ولا قرباه!
الأمر الرابع : {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}
نأتي هنا إلى
المشكلة الأساسية. أي أن {الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا} مشكلتهم الرئيسة أنهم عن الآيات غافلون، عن أي آيات غافلون؟ عن نوعي الآيات:
1-
الآيات الكونية
2-
والآيات الشرعية.
الآيات الشرعية:
التي أنزلها الله عز و جل على رسوله. أو الآيات الكونية: التي خلقها الله حولك. كلا
النوعين من الآيات يغفل عنه.
نبدأ أولاً
بالكلام عن الغفلة عن الآيات الشرعية:
أي في طريقة
التعامل مع القرآن، فنحن بين مشكلتين في التعامل مع القرآن، وكلا المشكلتين تحت كلمة
الهَجْر "هجر القرآن".
هجر
القرآن نوعان:
1. إما هجر القراءة
أو التلاوة: أي أنه من رمضان إلى رمضان يلتقي الناس بالقرآن، وهذا نوع هجر معروف.
2. أو هجر التدبٍر
و الفهم: و هو أكثر انتشاراً خصوصاً في أوساط الناس المستقيمين. بمعنى أننا نقرأ القرآن
من أوله إلى آخره وما نشعر أنه زادنا إيماناً، ومما يدل على ذلك أنه لو قال لنا
شخص: صِف لنا الله مما تحفظ أو تقرأ من آيات.
أو قال: كيف سيكون لقاء الله وتفاصيل ذاك اللقاء مما تحفظ من القرآن. أو ماذا سمى الله
يوم لقاءه من القرآن مثلاً؟ فيوم القيامة له أسماء في القرآن. فيكون الإنسان قارئًا
وحافظًا و لا يستطيع أن يجمع هذا في ذهنه، والمفترض أن ما تقرأه وتحفظه يكون
مردوده عليك أن تؤمن.
وصف الله
سبحانه وتعالى في سورة الأنفال المقصود من قراءة القرآن {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ
إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[18] الشاهد: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} و إذا زادتهم إيماناً ما الصفة التي بعدها؟
{وَعَلَىٰ
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، فإذا أردت القلب أن يعمل، أن يتوكل ويخاف ويرجو، أن يتعلق بالله معتمداً
على الله؛ اقرأ الآيات كما ينبغي، قراءة مَن تزيده هذه الآيات إيماناً.
هذه عِلّة
العِلَل التي نعيشها، العلة في علاقتنا بالقرآن، و علاقتنا التي يجب أن تكون بالقرآن
هي علاقة القارىء الذى يقرأ رسالة يُعظِّم مُرسِلها و يَعلَم أنّ صلاح حياته على صلاح
هذه الرسالة في قلبه، فحتى تقرأ القرآن كما ينبغي يجب أن تقرأ القرآن على أنه رسالة
لك وليس لغيرك، فلو قرأت سورة الفيل مثلا التي يخُاطبنا الله جميعاً فيها، ماذا يقول
في أول آية في سورة الفيل؟ {أَلَمْ تَـرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[19] ألم تَرَ: بعينك أم بقلبك؟ بقلبك، {أَلَمْ تَـرَ} ماذا؟
{كَيْفَ
فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} فكم نقرأ هذه السورة في الصلاة وكم نكررها
ونعرفها، وأمام هذه السورة يأتي سؤال: هل رأيت بقلبك كمال صفات الله وقدرته وعظمته
وحفظه ومشيئته فيما فعل في أصحاب الفيل؟ أين هذه الرؤية والله يقول لك وليس لأحدٍ غيرك
{أَلَمْ
تَـرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} فالمفترض أن تجعل عين قلبك على هذه القصة و
لا تفكر في الفيل! إنما فكّر في فعل الله! وأصحاب الفيل معلومةٌ قِصّتهم، لكن على قدر
شُهرة قصتهم فلا يقابل ذلك معرفة بفعل الله الذي أُمرنا أن ننظُر إليه. اقرأ هذه الآية
مرات و انظر: ماذا أُمرت أن ترى بعين قلبك؟ فِعل الله، لم تؤمر بالتفكير في القصة كأحداث،
أُمرت أن تفكر فيها من جهة أن هذه الأحداث تقول لك كيف يَكيد الله بالكائدين، فتُعلّمك
درساً عظيماً من جهة عظمة الله وجبروته وملكه وحكمته وتمام عدله وأيضاً كيف أنه يكيد
الكائدين، فيقال لك: لو كادوك و جمعوا عليك الأرض لكي يكيدوك، ولو رأيتهم بعينك يكادون
أن يبلغوا مُرادهم فانظر كيف فعل الله بأصحاب الفيل! خرجوا من بلادهم، وما أهلكهم و
لا خسف بهم في بلادهم! إنما ساروا وساروا حتى أصبحوا أمام مقصودهم تماماً، ثم في هذه
اللحظة كادَ لهم؛ وهذا هو الكيد! لا تظن أن الكيد مباشرة في أن الله عز وجل يُهلك من
عاداك! إنما الكَيْد أعظم من أن يحصل الإهلاك المباشر؛ معنى الكيد: أن يتصور هذا الذي
يكيدك أنّه قد بلغ أن يفلح في كيده، ما بقي إلا ورقه واحدة يوقّعها و يكون كذا و كذا
عليك، الآن هو مُتأكد أنه سيصل، في هذه اللحظة يأتي كيد الله! لما يبلغ الماكر أو الكائد
حدّه في تصوّر أنه قد أفلح، في هذه اللحظة يأتي كيد الله. هذا الشيء كيف تفهمه عن الله؟
و كيف من ثم تطمئن لله؟ وكيف لا يكون في قلبك خوفٌ من المكر؟ لما تقرأ هذه السورة كما
ينبغي! و هذه السورة مع تردادها في الذهن لكن كم يكون غيابها في القلب!
هذا معنى {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}: آيات تدل على كمال الصفات، آيات تدل على أن
ربك قريبٌ مجيبٌ حفيظٌ. فهذا الطفل الصغير الحافظ لسورة الفيل لو بُني في قلبه أنّ
ربه حفيظ و الدليل على ذلك قصة أصحاب الفيل، وأن ربه عظيم والدليل أصحاب الفيل، وأن
الله له جبروته وملكه التام على كل شيء و له العزة، يخرج هذا الطفل ممتلئًا بالثقة
بالله، لكن كم من آيات حفظوها هؤلاء وحفظناها نحن و نرددها و نرددها، وبعد ذلك
يكون اسمنا أننا هاجرون للقرآن، و السبب أننا ما رأينا بقلوبنا فعل الله وما يدل عليه
من كمال صفاته.
انظر الهجر
الآن: {أَلَمْ
تَـرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} فهل قرأت وهل تدبّرت؟ هل قلّبت القصة وكيف
كادهم و كيف فعل بهم؟ و انظر للموقف العظيم: هذه قريش و هذه أرضها، حتى قريش هربوا
وما حَمَى البيت إلا ربه! ولن يحميك أحد إلا الله، و لايغرنّك كثرة الناس حولك، لا
يحفظك إلا إياه.
فهذا الكلام
لو سمعه الطفل منذ نعومة أظفاره فأي يقين في قلبه عن ربه سيكون؟! لكن بهذا نفهم
أننا نحن هاجرون لكتاب الله، وهذه أصل العلة.
{إِنَّ
الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ
بِهَا} ما أصل علتهم؟
أنهم عن الآيات غافلون.
اقرأ مثل هذا
في الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ
(7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا
الصَّخْرَ بِالْوَادِ}[20] ضع كل واحدة من هذه أمامك و اقرأها بالتفصيل،
و اعرف قصّتهم من القرآن ومن التاريخ، وانظر إلى آثار كمال صفات الله في التعامل معهم،
و تكون بهذا لست هاجراً، لماذا؟ لأنه قيل لك: {أَلَمْ تَـرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} فرأيت و قلَّبت بصيرة قلبك في أفعاله سبحانه وتعالى.
مَن هو
الهاجر؟
الذي يأمره
الله و ينهاه و يخبره عن كمال صفاته فينساه، هذا هو الهاجر للقرآن، و لذلك إذا لم يزدك
القرآن إيماناً فأنت على خطر؛ لأنه قد توارث في كلام السلف أن قوماً اجتمعوا على القرآن
لا يقومون إلا في زيادة أو نقصان! لايوجد حل ثالث. فإما يزيدك إيمانًا أو يكون سببًا
للنقص، معنى ذلك أن الإنسان لو قرأ القرآن فزاده إيماناً فقد سار إلى ربه في الطريق
الصحيح، و إذا قرأ القرآن فما وجد في نفسه زيادة الإيمان فهو على خطر، والسبب أنه
مثلا يقرأ القرآن و لايتدبره و لايرى فيه العجائب، ثم يأتيه مَن يقول له: هذا قرآن
عظيم، هذا قرآن مجيد، هذا قرآن تنزيل من عند حكيم حميد. فيسمع هذا المدح كله و ما وجد
في قلبه هذا الشيء، فماذا يحصل؟ يحصل في قلبه مشاعر أنني أسمع كلاماً لكني لا أرى شيئاً
من هذا! قلبه يقول له: هذا فقط كلام نسمعه و لا نرى شيئاً! فيقوم عن القرآن و قد نَقَص
و دبّ في قلبه ضعف الإيمان! وكثيراً ما تمر هذه الخواطر على الإنسان و لا يعتني بها
و هي تأكل إيمانه أكلاً! هي خواطر شيطانية لكن الإنسان يتركها فتستعمره. فلما يسمع
أن القرآن مجيد و عظيم يقول بلسانه مثلما يقول الناس مجيد و عظيم، لكن لا يجد من هذه
الكلمات في نفسه ولا شيء، فيدخل على الخطر!
و لهذا قال
الله في أول آية من سورة المنافقون لتكون حافظًا لنفسك من هذ الخطر العظيم: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ
قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ}[21].
هذه الشهادة مكونة من جهتين:
الجهة الأولى:
{نَشْهَدُ} و بهذا يصفون ما في قلوبهم.
والجهة الثانية:
الخبر نفسه الذي يشهدون عليه: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} .
فالله يجيب
عليهم يقول لهم: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}. قسِّم الجملة التي قالوها ثم ضع كلام الله على كلامهم..
هم قالوا:
(نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)
وجواب الله:
(وَاللَّهُ
يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ)
ثم (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ)! أي أن شهادتهم كذب.
شرْح هذا
الكلام:
هم قالوا حقيقةً
إيمانية {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} هذه حقيقة ليس فيها نقاش، لكن جاؤوا يصفون
مشاعرهم تجاه الحقيقة فقالوا: {نَشْهَدُ} فقال الله عن كلامهم أنه كذب، وعلى ذلك قِس..
فكل مَن أتى
بحقيقة إيمانية لا توجد بها مشكلة وتَكلّم عن مشاعره القلبية و هو لا يملك هذه المشاعر
القلبية و يملك ضدها، يصبح كاذبًا كما حكم الله! على ذلك قِس..
يمكن أن
نقول بألسنتنا حقيقة دينية في أن القرآن عظيم و القرآن مجيد، ثم يكون في قلب الذي يقول
هذه الحقيقة الدينية عكس هذه المشاعر، فلايجد في قلبه أن القرآن عظيم و لا مجيد لكن
الناس قالوا و قال مثلهم، فما حكمه في كتاب الله؟ كاذب في كتاب الله!
إذن الكذب الذي يجب عليك أن تعرفه هو هذا : أن تأتي إلى حقائق إيمانية
تصف عليها مشاعر لا تملكها و تملك ضدّها ثم ترضى من نفسك هذا!
ترضى من نفسك
أن تكون مثلما قال الناس و القلب ليس مثلهم؟! ولهذا المصيبة العظيمة التي هي أصل المصائب
العظيمة كلها أن تغفل عن التدبر القرآني؛ لأن القرآن لما تتدبره يجعل هذه الحقائق تدخل
إلى فؤادك فلا تصبح كلامًا تقوله فقط.
مشكلة المنافقين
تكررت في سورة النساء وفي سورة محمد، ما مشكلتهم؟ الله عز وجل يقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}[22] مشكلتهم الحقيقة أن حقائق الإيمان لم تدخل
إلى فؤادهم و السبب : عدم تدبر القرآن!
إذن تدبُّر
القرآن فيصل بين المؤمن والمنافق، فما علاقة هذا برمضان؟ علاقة واضحة..
المؤمن يغتنم
، والمنافق يلعب، المؤمن يغتنم الأزمنة الفاضلة، يغتنم دقائقها وأنفاسها، المؤمن متأكد
أنه سيلقى ربه، المؤمن يقرأ في القرآن أوصاف ذاك اليوم العظيم، المؤمن متأكد أن قوماً
يرفعهم القرآن وقوماً يجرهم القرآن إلى النار! ماذا يفعل تجاه القرآن وتجاه العبادة
وتجاه الصوم وتجاه احتساب لحظات رمضان؟
يجتهد
لكن الذي تغيب
عنه حقائق القرآن وليست في داخله! ماذا يقول الله عز وجل في وصف المنافقين: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ
كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}[23] ليس لهم قيمة. هل تعرف الخشب المسندة؟ إذا
تكلمت معهم طوال الليل و قرأت عليهم القرآن، فهل يصبحوا الصباح مؤمنين؟ لا، فهذا وصف
الذي كلامه جميل {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَيُشْهِدُ
اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}[24] يقول: أنا مؤمن و أحب الإيمان .. إلخ و هو ألدّ
الخصام، إذن كلام جميل، إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، لهم منظر بهيج {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} وفي آخر الأمر فهؤلاء خُشُب مسندة، ما أكثر
جمالهم ومدحهم وثناءهم على الدين و القرآن، لكن من الداخل فيهم فراغ، والسبب عدم تدبر
القرآن، و لذلك يلاموا ! فالثلاث آيات التي وردت في القرآن في الكلام عن التدبر -بلفظ
التدبّر- كلها أتت في سياق المنافقين، وأن مشكلتهم أنهم لا يتدبرون القرآن، فإن كان المنافق لا يتدبر القرآن إذن ما صفات المؤمن؟
على الضد: يتدبر القرآن.
إذن الغفلة
عن الآيات هي سبب عدم معرفتنا بربنا، وعدم استعدادنا للقائه، أصبحت الدنيا شاغلةً
لنا، ومكاننا عند الناس يشغلنا؛ والعلة في أننا لا نتدبر القرآن، لأن القرآن يُدخل
علينا حقائق تستقر في قلوبنا، فإذا استقرت في قلوبنا سننطق بألسنتنا بالحق، وإذا فهمنا
هذه الحقيقة فعلينا في هذا الشهر الذي هو شهر شعبان أن نبذل الجهد في التدبر. اقرأ و أنت تريد أن تفهم {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}[25] .
خذ هاتين الوصيتين
فقط.. فإذا لم يكن عندك أحد يُعلّمك، لا تعلق نفسك بالناس، هذا العلم عطية من الله،
لا يحجزك عن العلم و لاأي شيء: لا مواصلات و لاأشخاص أبداً.
ماذا تفعل
لتصل إلى العلم؟
1. لا تعجل
وأنت تقرأ.
2. وَقُلْ
رَبِّ زِدْنِي عِلْماً، الدعاء.
الذي يملك
أن يشرح صدرك للعلم و يملك أن يُيسّر لك الأسباب و أن يزيدك علماً و فهماً هو ربنا
الذي في السماء، لم يجعل الله كل شيء تقوم به الحياة -شأن الحياة وشأن الآخرة- في يد
أحد من الخلق، الحمدلله! لا أحد يستطيع أن يمنع الهواء كما أن لا أحد يستطيع أن يمنع
عنك العلم أبداً، فالملك مُلك الله لكن لا تعجل و أنت تقرأ (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) الدعاء، تكرار الدعاء.
سؤال من إحدى الحاضرات:
كيف نشعر بالحقيقة الإيمانية؟ ما مثالها؟
الجواب: مثالها
موقفنا من القرآن. فأنت سمعت بأن هذا القرآن مجيد عظيم. اسعَ أن تتحول هذه المسألة
حقيقة في قلبك تشعر بها، والطريق بالطبع هو التدبر. لا تشتت نفسك، و لاتقل: سأذهب لمِنَ؟
أو: مَن يعلّمني؟ اعمل العمليتين: اقرأ بدون عجلة وقل رب زدني علما، والطريق هو الذي
يفتحه سبحانه وتعالى. وكم كانت هناك آمال عند أشخاص أن يفهموا أو يتعلموا فجعلها الله
حقائق ويسر الأسباب من حيث لا يحتسبون، لكن لا تسأل عن الأسباب! إنه يرزق أهل الأرض
بأسباب لايستطيعون إدراكها، يرزقهم ما تقوم به أبدانهم وما تقوم به أرواحهم. كم مهتدي
اهتدى بموقف ما كان أحد يتصور أن يهتدي بسببه، وكم سامع للأذان كأنه يسمعه أول مره،
انكشفت عنه الغمة. أسباب وصول الحق إلى القلب عجيبة لكن افعل ما أمر الله به: لا تعجل
وقل رب زدني علما.
إن الله إذا
نظر إلى قلب عبده فوجده صادِق الشوق إلى معرفته
فتح له أبواب العلم عنه، لكن كن صادِق الشَّوق لأن تعرفه، الصدق الصدق مع الله، هؤلاء
القوم كما في سورة التوبة تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألّا يجدوا ما ينفقون،
هؤلاء في النهاية ما أنفقوا و لا ركبوا و لا خرجوا للغزوة، لكن صِدقهم سُجِّل في السورة،
سورة تُقرأ إلى قيام الساعة ! والسبب الصدق! ما أنفقوا ولكنهم تولوا وأعينهم تفيض من
الدمع حزناً، هذا الصِّدق ما كان مردوده شيئًا ماديًا -أنهم أنفقوا- لكن جاء مردوده
أن الله عزّ و جل أثنى عليهم في القرآن.
المعنى: أنت
تَعامَل مع ربك بالصدق، كم أمنية صادقة سَبَّبَ الله لك أسبابها، و إذا سَبَّبَ الله
لك أسبابها فعليك أن تبادر بأخذها وأن تكون حذراً وقت أخذها من البطر أو الكسل أو أن
تخلف وعد الله، لأن في سورة التوبة قوم عاهدوا الله {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ
آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}[26] ثم آتاهم الله من فضله. هُم عاهدوا الله أن
يتصدقوا و يفعلوا كذا و كذا من الإحسان، فلما آتاهم الله بخلوا ! الشاهد الذي هو بمثابة
المصيبة أنه {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}[27]! بمعنى أنك تَصدُق في طلب الفرصة للعلم فيُسَبِّب
لك الله أسبابها، ثم لما تأتِ الأسباب تدخل في اختبار جديد وصعب، أصعب من عدم وجود
الفرصة، لأنه إذا رسبت في الاختبار بعد أن ألحّيت على الله يأتِ بعدها عقاب أن يورث
هذا العبد نفاق إلى أن يلقى الله، وهذا لا يخرجه من القلب شيء إلا أن يتغمّد الله العبد
برحمته!
سؤال من الحاضرات: ماذا
يعني قولك (إذا سبَّب لك الأسباب و لم تصدُق في أخذها)؟
الجواب: إذا
سبَّبَ الأسباب ولم تصدق في أخذها مثل شخص عاهد الله أن أعطِني و أنا سأبذل، أعطاه
الله فبخل!
نعود مرة أخرى:
من قرأ القرآن بتدبر و عناية و زاد إيمانه، سيرى أن الأزمنة الفاضلة فرصته يتقرّب بها
الى الله.
لما يقرأ الإنسان
القرآن كما ينبغي سيخرج بنتيجتين:
1. أنه يُعظِّم
الله، يعرف مَن هو الله الملك القدوس السلام
المؤمن المهمين العزيز الجبار المتكبر، و كلما قرأ القرآن رأى كيف يعامل أوليائه
و كيف يعامل أعداءه.
2. سيسمع ماذا
سيكون غداً، ماذا سيكون لما يلقى الله، كيف الملائكة تستقبل أهل الإيمان، كيف الملائكة
تستقبل أهل النفاق، أهل الكفر، أهل الباطل، ماذا يكون، كيف يُوبِّخ الله أهل الكفر
والنفاق، ماذا يحصل بين أهل الإيمان وأهل الكفر، كيف يُضرب بينهم بسور له باب باطنه
فيه الرحمه وظاهره من قِبَله العذاب؟كل هذه التفاصيل تقرأها في القرآن و يُصبح قلبك
مُستعدًا للقاء الله. ويطول الكلام عن الآيات الشرعية، هذا وحده مسار يحتاج إلى تفصيل
ومناقشة ليكون سبباً لانتفاعك من الشهر. إذا قرأت القرآن كما ينبغي عظّمت الله فعظّمت
مواسم الطاعة، وإذا عظمت الله يقع في قلبك أن الملك أعطاك مِنّة و هِبَة عليك أن تغتمنها.
نأتِ الآن
إلى مناقشة الآيات الكونية:
ماذا يقصد
بالآيات الكونية؟ الأشياء التي حولك التي خلقها الله. أول تقرير يجب أن نتفق عليه:
أن المؤمنين يعلمون أنّ كل ما حَولهم من الأمور الكونية وُجدت بحكمة، و أعظم حكمة هو
أن تعرف مَن هو الله و تستعد للقائه.
هناك حِكم
كثيرة تفصيلية في كل مخلوق خلقه الله لكن في النهاية كلها تجتمع في شيء واحد، و هو
أن الله أظهر لك في كل هذه المخلوقات آثار كمال صفاته لتستعد للقائه، ولكي نقرّب الصورة
سنقرأ الآيات التي قبل هذه الآية مباشرة:
في سورة يونس
{إِنَّ
الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} قبل هذه الآية آيتين مباشرة {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء
وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
(5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ}[28] ثم أتى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} دعونا نفكر في الآيتين الكونية التي هي الشمس
و القمر {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا} واختلاف الليل و النهار. اسمع الآية بتركيز
{هُوَ الَّذِي
جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} من أجل أي شيء؟ هنا مصلحة في الدنيا، الحكمة
في الدنيا {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} شيء متصل بالدنيا، شيء من مصالح الدنيا، ثم
تأتيك المصلحة العليا {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ} يعني لكي تعرف الحق. ثم أخبر أن الذين سينتفعون
بالحق هم القوم الذين يعلمون. فكِّر ما هو الحق هذا الذي ستجده في هذه الآية؟ اعمل
خطوة وارجع إلى الآية التي قبلها {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ
اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} انظر إلى الشمس والقمر وستكون على يقين أنه
سبحانه وتعالى يبدأ الخلق ثم يعيده.
الشمس آية
على الحق، على كمال صفات الله، على أن الله يَبدأ الخلق ثم يُعيده، كأنني أقول لك:
في كل يوم
تُشرق فيه الشمس تقول لك: ها هي الولادة
ثم لما تصبح
في كبد السماء تقول لك: ها هي الفتوّة
ثم لما تغرب
تقول لك: ها هو الموت!
و الذي بدأها
هو الذي يعيدها غداً.. تولَد، تُصبح فتية، تموت.
القمر نفس
الآية لكن على مقدار الشهر، يولد هلالاً، يصبح فتياً في البدر، ثم في المحاق يموت،
ويعود.
فهذه آية تدلك
على أي شيء؟ على الحق الذي بدأ هذا هو الذي أعاده {يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} تمر آية الشمس و القمر بعدد أيامنا و ليالينا
و مع ذلك {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} الغفلة عن الآيات! معناها أن العبد لا يُفكر
أن الله خلق هذا الشيء من أجل أن أعرف عنه أي شيء؟!
مثلاً: أنت
تطلع من جدة إلى مكة فترى الجبال العظيمة تدلك على ماذا؟ هذه العظمة تدلك على أي
شيء؟ عظمة الله، لا تقل هذا الكلام بلسانك، لابد أن تشعر به بوجدانك، وإلا سنرجع لنفس
المشكلة: أننا نقول نفس الكلام الذى يقال لنا
دائماً وليس عندنا مشاعر؛ الحقائق الإيمانية لا تجعلها تجري على لسانك كأنك
أنت الذي تعبر عنها إلا إذا وجدت مشاعرها في وجدانك. يمكن أن تقول بأن السلف كانوا
ينظرون إلى الجبال فيشعرون بعظمة الله، لكن عندما تتكلم عن نفسك لا تقُل حقيقة إيمانية
إلا بعد أن تشعر بها في وجدانك.
{وَالَّذِينَ
هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} يعني تمر عليهم الآية بعد الآية ولا يفهمون دلالتها
على عظمة الله عز وجل، إلى أن نصل إلى الخسوف والكسوف والزلازل و نصل إلى البراكين،
إلى أن وصلنا إلى الحد الأعلى من أنواع الدلالات؛ فتأتي في إحدى القنوات مَن تقول
لك: وإلى كسوف آخر!! يعني نلتقي في كسوف آخر!! من أعظم الإستهزاء، و لا نلوم القوم
فليس بعد الكفر ذنب! المقصود: مَن الذي يُعاتب؟ يعاتب أهل الإيمان لأنهم عن آيات الله
غافلين.
ثم اسمع:
من أدقّ و أعظم آيات الله تدبير الشأن، تدبير شؤونك، هو {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ}[29] من أعظم آيات الله التدبير الذي يحصل لك، فأنت
في كل يوم تمر بآية في تدبير الله: كيف وفّقك؟ كيف مَنَع عنك؟ كيف صرف عنك الشر؟ كيف
وفّقك للخير؟ في كل يوم آية تخصك، تقرأ فيها أن مَن يُدبر حكيم عليم لو لم تتعجل! داؤنا
العجلة. اترك أحداث يومك والتفت إلى تاريخك، نحن ما تأدبنا! المفترض أن أحداث يومي
تقول لي.
لأفترض أني
ما تأدبت و مازال عقلي قاصر عن تصور أن أكيد هذا الحَدَث الذي شكله شرّ يأتي من ورائه
خير، ارجع إلى الوراء وانظر إلى تاريخك كيف كنت بعيداً و قرّبك الله، كيف كنت وحيداً
و جمع الله لك،كيف دبّرك ويسّر لك وشرح صدرك وأبعدك وكان عندك أقران و افترقت عنهم
وأصبحت أنت في طريق وأقرانك في طريق، كيف دبّر لك أن تصل و تسير على طريقه تستقيم،
كل هذه آيات تخصّك أنت! وكم كان عندك مخاوف حفظك الله منها، و كم أصابك الضر فكشفه
عنك، و كم كنت ترغب في نفع أعطاك رغداً من هذا النفع، هذا كله آيات تخصّ العبد في نفسه
و في خاصة أهله. ماذا عليه أن يفعل تجاهها؟ أن يُكثر و لايغفل عن آيات الله!
لكن نعود مرة
أخرى فنقول: تداخلت الشؤون على العبد، فَقَدَ حُسن التفكير! لم يُفكر كما ينبغي، مطامعه
وشهواته غلبته، ما أصبحت تزكية نفسه غايته، هنا الأزمة!
فهناك مَن
لا يُؤدّب نفسه، بل يجعل نفسه تتمرد تَكْبُر، لا نريد أن نقول بأننا في زمن شُحّ مُطاع
و لاهوى مُتّبع و لاإعجاب كل ذي رأي برأيه، لكن غالباً في المواقف تجد هذه الثلاثة:
1. شُحّ مُطاع:
نفسك تبخل فتجعل أغراضك على جنب.
2. هوى مُتَّبع:
هي فقط تأمرك و أنت تقول سمعاً وطاعة.
3. إعجاب كل ذي
رأي برأيه: و أنت تسمع كل يوم مَن يتكلم من عقله ويقول: من غير المعقول أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال هذا! هذا غير معقول من الشريعة! يكلمنا عن عقله!!
هذا كله خلط
علينا، فأصبح الناس في النهاية لم يُحددوا الهدف المطلوب ومن ثَمّ لن يبلغوه! ما الهدف
المطلوب؟ قال لك الله عز وجل: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[30] فأنت في الدنيا تُؤدِّب نفسك، تزكيها، تخط
بها طريق التزكية، لا تُطاوع نفسك!
نتكلم باختصار عن تزكية النفس في رمضان وكيف أن طريقها تعظيم الله
إذا فَهِم
الواحد منا أنّ دوره في الحياة أن يزكي نفسه، ماذا سيفعل؟
خمسة قواعد لتزكية النفس:
القاعدة الأولى: ضع أمام عينيك "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ
تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"[31]
أي أن تترك ما لا يعنيك للتفرغ من أجل ما يعنيك.
من أجل أن تنتفع من رمضان: عَظِّم الله حق تعظيمه
واترك كل ما لا يعنيك، فأكثر ما يشغل قلبنا أشياء لا تعنينا! أشياء ليس فيها صلاحنا!
أشياء ليس فيها تزكية نفوسنا! فقط أنفسنا تأمرنا ونحن نقول سمعاً وطاعة!!
موقف بسيط كلنا نعايشه ويؤسفنا أننا كلنا نعايشه
لكنه يحدث فعلا، الآن أنت وزميلاتك لديكم في جوالاتكم برامج تتصلون فيها بالناس، زميلتك
وضعت جوالها، فبكل سهوله يمكن أن آخذه وأفتحه وأفتح الرسائل كعمل عادي! و نقول: (نحن
زميلات، عادي)! هذ اسمه ما لا يعنيك! و إذا فعلت فتب إلى الله. حتى لو كانت زميلتك
راضية، فإذا كانت راضية خرجتِ من التجسس لكنك دخلتِ فيما لا يعنيك! نحن بأنفسنا مبتلون،
فلا نفتح ابتلاء الناس.
القاعدة الثانية: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ
أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[32]
استبصر نفسك
لا تترك نفسك تائهًا، وفي كل يوم يأتي مَن يقول
لك: (أنا أشعر أنك ...)، كل شخص يقول لك رأيه في نفسك، و أنت لم تفتش أنت مَن، ولا نقاط ضعفك و لانقاط قوتك ...إلخ.
تفرّغ لما يعينك -التي هي نفسك- فماذا تفعل
معها؟ أولاً اكتشفها، انظر إلى ضعفك، انظر إلى الأشخاص الذين هم سبب لضعفك أو يزيدون
ضعفك ضعفاً، و هذا الأمر لما تتبينه ستبدأ أولاً بعلاجه.
مثلاً نقطة ضعفك النوم، يمكن أن تنام فتترك
الصلاة، يمكن أن تنام طول النهار في رمضان، بالكاد تصلي الظهر و تنام وتصلي العصر و
تنام، نقطة ضعفك النوم الآن، نقطة ضعفك زميلاتك، نقطة ضعفك الهاتف، كل واحد عنده نقطة
ضعف.
أحياناً لا تكون نقطة ضعف مع الناس، يمكن
أن تكون نقطة ضعفك أنك سيء الظن، فمثلاً لو دق الجيران الجرس، فقبل أن تصل الباب تتجمع
لديك مائة خاطرة كلها سوء ظن، وأنهم سيقولوا و يفعلوا ...الخ، فلما تصل إلى الباب يتبين
أن الأمر مختلف! وهذا الطريق كله كبائر من الذنوب! يجب أن تستوعب ما هو سوء الظن وما
حُكمه؟ سوء الظن اسمه ظن داخل نفسك، وهو في حد ذاته كبيرة! هذه الوساوس يمكن أن تكون
نقطة ضعفك، أو يمكن أن تكون نقطة ضعفك في عدم رضاك عن أي شيء من عطايا الله، فالله يعطيك ولا ترضى! وعندك تاريخ في أنك أصلاً
ليس لديك حظ و تندب على نفسك دائماً! هذه عيوب، وتكون التربية أيضاً من أسبابها، يعني
التربية تُغذيها.
على كل حال، انظر إلى عيوبك التي ابتليت بها
كطبع أو جاءتك من الأسباب، ليس مهمًا الآن مصدرها، المهم أن تنتبه لعيوبك، و انتبه
أيضاً للناس الذين يثيرون عيوبك. أنت تحب الكلام مثلا وبالتأكيد مادمت تحب الكلام فستأتي
الغيبة، فهناك أناس يثيرون فيك حب الكلام،
فقط يضغطون على الزر: ما أخبار كذا؟ و أنت تعطيهم! إذن هؤلاء الناس بالذات كن
على حذر منهم.
تأتي مثلاً في شهر رجب، شهر مُحرّم، و تريد
أن تحبس نفسك، و أنت تعلم أن الله عز و جل قال: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ
أَنفُسَكُمْ}[33] فأول ما تدخل الشهر وتصبح الصباح، يكلمك أناس
يحتاجونك في مشكلة كبيرة، وفي هذه المشكلة يجب أن تغتاب عدة أطراف لكي تدخل فيها! أعلن
توبتك إلى الله، استعصم بالله، اعتصم بالله و ابذل جهدك أن تدفع عنك مثل هذه الأمور
قدر ما تستطيع، فلا تدخل في مثل هذه الأمور بكل بساطة.
القاعدة الثالثة: الحزم {خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[34]
استعمل مع نفسك الحزم خصوصاً في نقاط الضعف!
فنفسك كلما تؤدبها تتأدب.
نأخذ نموذج لكي نتصور، والنموذج هذا يصف الحرية
والعبودية:
في نهار رمضان، هل تجرؤ نفسك يا أيها المؤمن
أن توسوس لك أن تذهب فتشرب ماء؟ أبداً، لا تستطيع، لا توسوس لك أبداً، في النهار هي
مؤدبة. تعال انظر في الليل ماذا يحدث! كلما قالت: كُل. تقول لها: سمعاً و طاعة. كلما
أشارت فقط، تقول: سمعاً و طاعة. فلا تستخدم معها الحزم مع أنك لما استخدمت معها الحزم
في النهار تأدَّبَت! ما وسوست حتى لك! جاء الليل فتركتها. في النهار كنت تقودها أما
في الليل فهي التي قادتك! إلى أن أصبح في النهار حرمان و في الليل انتقام! المشكلة
ستأتيني بعد ذلك، بعد هذا لن يكون هناك تركيز في الصلاة، ولا انتظام في مواعيد النوم،
كله بسبب هذه الطاعة العمياء! سنعرف من أين تبدأ الطاعة العمياء.
الآن في مسألة الصيام و الأكل فالحمدلله
على الأقل حقّقنا المقصود الأساسي من الصيام، ففي النهار لا توسوس لي، ثم يأتي الليل
وقد فعلت ما فعلت. نأتي لمشكلة ثانية: في النهار توسوس لي بالنوم، و كلما فتّحت عيني
لكي أقوم تقول لي: فقط خذ غفوة قليلاً، و أنا أطيع! إلى أن يأتي الظهر ولن تشبع! وتقوم
صلاة الظهر وأنت مُتعب!
والصلاة صلاحها صلاحٌ ليومك، صلاح الصلاة صلاحٌ لبقية عملك، قبول الصيام
مرهون بصحة الصلاة
انظروا كيف الخلل الآن! صحيح أننا نحبسها عن
الطعام و هذا خير و بركة علينا كوننا رُبِّينا على هذا فأدبناها فتأدبت نفوسنا و لا
تستطيع أن توسوس لنا، لكنها أتتنا بشيء آخر مثل النوم.
نأتي إلى الجهة الثانية خصوصاً النساء وقت الطبخ،
فكل ما تطبخونه ناتج عن وساوس النفس طبعاً
ووساوس شياطين الإنس، لأنهم يقولون لك: نعلمك طبخة سهلة، وأن الطبخات كلها سهلة، وانقضى
اليوم! و أنت ماذا تفعل؟! تخدم هذه النفس، لا تخدم اللقاء عند الله! قد تقول: لكن علي
واجب والأهل والناس حولي ومسؤولياتي وإفطار صائم الآن أيضاً! نقول:كن صادقاً مع الله
وأنك لست مطاوعًا لنفسك فقط.
يعني لا تقم من النوم فتقول: أشتهي أن أطبخ
لأهلي كذا وكذا، فالذي يقوم بالواجب مختلف تماماً عن الذي يستمتع و يتصفح لكي يُخرج
الطبخات! وأيضاً في الأخير يزيّن! بالتأكيد هذا ليس قيامًا بالواجب! ثم انظر ماذا يحصل:
الصلاة التي هي عماد الدين و على أساسه يكون قبول الصيام، انظر صلاة الظهر ما حالها!
انظر صلاة المغرب ما حالها! انظر صلاة العشاء ما حالها! انتهينا من الثلاثة فرائض،
انظر صلاة الفجر ما حالها! يعني لا نخرج و لا بفرض معتدل!! نقول: الظهر تقوم و أنت
مرهق من النوم، اذهب إلى الطبخ وانظر كيف يكون شكل العصر؟ الآن ضع لهم الإفطار و افعل
وافعل! انسى نفسك! وبعد هذا الجهد كله تعال إلى صلاة العشاء وانظر أين انت؟! ثم تأتي
صلاة الفجر وما ندري ماذا نقول! خمس فروض في اليوم كلها تضيع ثم تقول: أنا ما نسيت
نفسي! هذا هو النسيان للنفس، والله يعلم صدقك. منكم مَن هم مسؤولون، هناك عوائل كبيرة
مسؤولة عنها، الله يعلم صدق العبد، فكونك تقوم بهذا العمل على أنك تقوم بالواجب على
حدّه يختلف عن كونك جالسًا تستمتع وتطاوع نفسك! فرق بين الحالتين.
إن صدقت أعانك الله. إن كنت تطاوع هوى نفسك
ستكون من المذمومين، وهذا يعني أنك ما حصّلت التربية المطلوبة من الشهر. خذ شأن الدين
بقوة، لا تتخذوا دينكم لهواً ولعباً، كن على حذر من أن يكون الدين في الأخير لعب، من
أن يكون الدين في الأخير مجرد أعمال توارثناها ما عندنا اعتقادات تجاهها.
القاعدة الرابعة: الاعتناء بالإخلاص
من تزكية النفس بعد أن تكتشف ما نقاط عيبها
وتعاملها بالحزم، انظر إلى نقاط القوة التي رزقك الله إياها و اغتنمها بتحقيق الإخلاص
فيها. فكما لدينا نقاط ضعف لدينا نقاط قوة، كما أنك يمكن أن تطاوع نفسك في كذا و كذا،
لكنك إذا أمسكت المصحف وبدأت تقرأ فربنا أعطاك نَفَسًا في أنك تقرأ ساعة أو ساعتين.
هذا العمل اغتنمه، لكن لا تترك نفسك بصورة منفردة، لابد أن تعتني بالإخلاص، تعتني بالصدق، تعتني بالباعِث، لا تقم بالعمل
على أنه عادة أو على أساس أنه قدرة وأن الأمر سهل عليك، لا تقم بهذه الصورة! أنت ممن
وهبك الله مالاً و تتصدق، هذه العطية التي أعطاك الله إياها، أعطاك مالا وأعطاك انشراح
صدر، لأن هناك أناس كثر أعطاهم مالا لكن ما وقاهم الله شح أنفسهم! فلما يكون الله
قد وقاك شح نفسك و أعطاك مالا وتنفق، يجب أن تجمع قلبك لحظة الإنفاق لكي تزكو نفسك.
القاعدة الخامسة و الأخيرة: كثرة مراجعة تصرفاتنا وأفعالنا مع الله
يعني كما قال عمر رضي الله عنه: "حاسِبوا
أنفسكم قبل أن تُحاسبوا".
أسأل الله بمنّه و كرمه أن يجعله شهراً مباركاً علينا و على المسلمين،
وأن يرفع عن إخواننا في كل مكان، وأن يبارك لنا في القرآن ويجعله ربيع قلوبنا و نور
صدورنا و جلاء أحزاننا و همومنا، اللهم آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.