السبت، 16 مايو 2015

رمضان شهر الخير


بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي يسر لنا هذا اللقاء، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما، وتفرّقنا بعده تفرقا معصوما، اللهم آمين.
سنختم لقاءاتنا إن شاء الله في هذه الدورة الصيفية بهذه المحاضرة التي عنوانها (رمضان شهر الخير). والخير حقًّا هو أن تتنعّم بالإيمان والتقوى، الخير حقًّا هو أن تكون في نعيم قلب قبل أن تكون في نعيم بدن، والقلوب نعيمها هو طاعة الله -عز وجل- والإيمان، لكن لا يشعر بهذا النعيم إلا مَن كان في قلبه إيمان.
نحن نريد أن نغير مفهومنا عن الخير لأن الناس دائما يرون الخير بأنه ما يوافق هواهم، والحقيقة بأنّ الخير هو استجابتك لأمر الله -عز وجل- والانتفاع من الفرص التي يعطيك الله إياها.
الإنسان له أربع مكونات:
1.                أبدان.
2.                وقلوب.
3.                وعقول.
4.                ونفوس.
نفوسنا هذه مليئة بالشهوات، وقلوبنا مستودع المشاعر، وعقولنا ترشدنا للصواب لو رُبّيت على الصواب، لكن نفسنا الأمارة بالسوء كثيرا ما تغلب عقولنا، لأن مشاعرنا التي في قلوبنا لم تتجه اتجاها صحيحًا، فالمفترض أن عقولنا تؤثر على مشاعر قلوبنا، لكن ماذا يحصل دائما؟ نفوسنا هي التي تؤثر على مشاعرنا، رغباتنا هي التي تؤثر على مشاعرنا، فنحن نريد أن ندفع هذه النفس ونُدْخِل إصغاءنا لعقولنا التي إذا بنيت على الإيمان تأمرنا بما يحب الله.
ماذا يفعل لنا رمضان؟
نفسك الأمارة بالسوء تأمرك دائما باتخاذ الشهوة، في رمضان ماذا يحصل؟ تكف نفسك. عقلك بسبب ما معك من إيمان يستجيب لأن تكف نفسك بعبادة الصيام، فماذا يحصل؟ تخرج من أن تشبه البهائم إلى أن تشبه الملائكة المقربين، لأن الملائكة المقربين الذين يعبدون الله -عز وجل- ولا يفترون في عبادته صفتهم أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون، ونحن اشتراكنا مع البهائم في الأكل والشرب والنكاح، ولذلك لما يخبر الله عن تهديده لأهل الباطل والفساد يقول: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[1] سوف يعلمون أن استجابتهم لكل هذه الشهوات لا تنفعهم. فيأتي هذا الشهر يُخْرِج الإنسان عن استجابته لنفسه المتكررة، فنفسنا كلما أمرتنا أن نأكل أكلنا، كلما أمرتنا أن نشرب شربنا، كلما فتحنا أعيننا نريد أن نقوم تُرْجِعنا لننام ونشعر أننا متعبين، ثم تجد الرجل يستطيع أن يتحمل عملا شديدا في نهار وشمس لكن قل له: (قف صلّ ركعتين لله) يقول: (الحر شديد ولا أستطيع الخروج للمسجد).
هذه صورة من صور استجابة نفوسنا لهواها. ماذا يفعل بنا شهر رمضان؟ المفروض أن نوقف نفوسنا عن الاستجابة لهواها، نصوم، نمتنع، فماذا يفسد هذه النتيجة؟ ماذا يفسد أنك تشبه الملائكة؟ ما الذي نفعله من أجل أن نشبه الملائكة؟ نصوم، وحتى نبقى قريبي الشبه بهم بعدما نفطر المفروض أن لا نصل لدرجة الشبع لتقوى أبداننا على العبادة.
فأول شيء نواجهه حتى يكون رمضان شهر الخير: لا تترك العنان لنفسك، لا تتركها بعدما أمرك الله أن  تصوم وتترك شهوة نفسك، والصوم بنفسه يرخي النفس، كم كلمة ستقول وأنت صائم في مقابل أنك فاطر؟! وأنت فاطر ستبقى تتكلم مادام عندك طاقة، تأكل وتشرب وتتكلم، وهذا العمل الذي نقوم به، لكن لما نصوم تفتر ألسنتنا، فيتوقف باب عظيم من الذنوب نعيشه، وهكذا النفوس.
·                    هل حقا انتفعنا برمضان وتهذبت نفوسنا بالصيام؟
نحن عندما نأتي لأذان المغرب نتحول من أناس طبيعيين لأناس مستجيبين تماما لشهوتهم، فنأكل أكلا لا نأكله طوال السنة! فأصبحت العملية ضد المقصد تماما، ضد ما أريد من الصيام.
أُريدَ من الصيام تهذيب النفس وتقليل طاقة البدن التي تسبب له القيام بالمعاصي. ستقول: (لما يقل الطعام تقل قدرتي على الطاعة). نقول: الطاعة تستلزم منك لا حول ولا قوة إلا بالله، تستلزم منك عبادة الاستعانة، ولو نريد أن نأكل الأكل الذي أُمرنا به شرعا سنطرح ثلاثة أرباع إذا ما كان أكثر من ذلك مما نضعه على سفرنا ونأكله، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ))[2] حتى أنها لقيمات وليست لقمة! فبدأ الإشكال من هنا: النفس تأمرك بأوامر، وهذه الأوامر تقطع عليك المقصود من هذا الشهر، فلابد من الاستجابة لما معنا من إيمان، والحرص الشديد على متابعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام والإفطار، إلى أن يصل معنا الإيمان أن نقلل من حاجات الدنيا ونشعر لأي درجة نستطيع أن نتخلص منها.
نحن أعطانا الله القدرة على الاستغناء عن الدنيا إلى حد الكفاف، لكن لماذا لا نستمتع بهذه القدرة؟ لأننا استجبنا لهوى نفوسنا.
وأيضا من آثار الصيام أنه :
¿       يحيي القلب، ويزهد في الدنيا، ويرغّب فيما عند الله، ويذكر الأغنياء بالمساكين وأحوالهم؛ فتحصل حالة من العطف والشكر.
 المقصود أن الصيام ضد استجابتك لهوى نفسك.
¿                  أيضا من آثار الصيام أنه: يزكي النفس، ويقيمها على تقوى الله.
نأتي الآن لأمر مهم من آثار الصيام، نحن في رمضان يجتمع لدينا الصيام و قراءة القرآن، فماذا تحتسب على الله وأنت تصوم؟
¿       مِن الأعمال القلبية التي يجب أن  تعيشها في الصيام أن تحتسب على الله أن يكون صيامك للنهار وقراءتك للقرآن سواء نهارا أو ليلا شفيعة لك لما تلقى الله.
 كلما كنت محسنا في صيامك وقراءتك للقرآن كلما اشتد الأمل في أن يكون الصيام والقرآن شفيعان للعبد يوم القيامة، وهذا من معاني الاحتساب.
في الحديث: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))[3] الذي يريد أن يزيد قلبه من الإيمان عليه:
ü                 بالتدبر.
ü                 والتفكر.
ü                 والقيام بالأعمال الصالحة.
 معنى (إِيمَانًا): أن تؤمن بأنك ستلقى الله، وبأن الله أمرك بأمر وسيأجرك على هذا الأمر، لكن  ما معنى (وَاحْتِسَابًا)؟
من الاحتساب أن تحتسب على الله أنك ستصوم النهار وينفعك هذا الصيام فيكون شفيعا لك، وفي رواية أحمد سنرى مكان الصيام وقت دخولنا للقبور، وهنا مكان الصيام وقت وقوفنا بين يدي الله.
ماذا سيكون الصيام وقت وقوفنا بين يدي الله؟ شفيعا. وأنت تصوم ماذا تحتسب على الله؟ تقول: يا رب أنا صائم وأود من صيامي هذا أن تقبله مني وأن تجعله شفيعا لي، هذا معنى الاحتساب، ليس شرطا بلسانك المهم أن يكون في وجدانك أني أحتسب على الله هذه الأعمال.
ولذلك كثير من الناس يظنون أن لا فائدة من ذكر الأجور، بالعكس: ذكرك للأجور وقت العمل هذا معنى الاحتساب، يعني لما يقال لك بأن (سبحان الله وبحمده) مائة مرة سبب لمغفرة ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر، فأي مشاعر تقوم بقلبك وقتما تقول سبحان الله وبحمده مائة مرة؟ ستحتسب على الله أن يغفر لك ذنبك بناء على الوعد. تصوم لأن هذا فرض، صم وأنت تحتسب على الله أن يكون هذا الصيام شفيعا لك، مثله ما نحتسبه من صيامنا لرمضان بشيء في قبورنا. في رواية لأحمد رحمه الله: ((إِذَا دَخَلَ الإِنْسَانُ قَبْرَهُ ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا أَحَفَّ بِهِ عَمَلُهُ الصَّلاةُ ، وَالصِّيَامُ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِ الْمَلَكُ مِنْ نَحْوِ الصَّلاةِ ، فَتَرُدُّهُ ، وَمِنْ نَحْوِ الصِّيَامِ ، فَيَرُدُّهُ ، قَالَ : فَيُنَادِيهِ اجْلِسْ ، قَالَ : فَيَجْلِسُ))[4].
-                   أَحَفَّ بِهِ عَمَلُهُ: هو مستلق على الأرض وعمله أحف به، أي لف حوله.
-                   فَيَأْتِيهِ الْمَلَكُ مِنْ نَحْوِ الصَّلاةِ، فَتَرُدُّهُ: يريد أن يقيمه من الجهة التي فيها الصلاة فترده.
-        فَيُنَادِيهِ اجْلِسْ: يعني هو كان يريد أن ينزعه، يحمله، فمن هذا الجزء ترده، وفي الحديث بقية الأعمال من بر وصلة.
المقصود أنها تحفه، فنحن نحتسب على الله أن يجعل الصيام من الأعمال التي تحفنا في قبورنا ومن ثم تسبب لنا الأنس في القبر وقت الوحشة، ونحتسب عليه سبحانه وتعالى أن يكون الصيام شفيعا مع القرآن، أن يكون حافًّا مع الأعمال الصالحة التي تكون سببا للأنس في القبر. لا تنسَ في وسط رمضان  أنت ماذا تريد من صيامك.
فالاحتساب يُعْلي مراتب الأجور، فكل مرة تفكر لماذا تصوم سيكون هذا التفكير هو الاحتساب الذي يزيد أجرك في العمل، ليس مثل الغافل، فالغفلة في مقاصد الأعمال مذمومة؛ والاحتساب يدل على أنك تحمل هَم قبرك والضيق الذي فيه، وما حمل عبد هَم قبره إلا وسعه الله عليه، وما حمل عبد هَم لقاء الله إلا جعله أحسن الأيام، ففتش همومك، ولما تفتشها ستجد نفسك لا تحتسب في أشياء كثيرة إنما تفعلها على وجه العادة!.
à                ماذا يفعل الاحتساب في العادات؟
يقطعها، يجعلك تفعل الفعل لكن بنية تحتسب على الله: يا رب أنا أفعل هذا الفعل وأحتسب عليك أن تقبله مني، وأحتسب لما ألقاك أن تجعله شفيعا لي (عمل قلبك)، وتقرأ آية من القرآن {ألم} وأنت تحتسب أنّ (ألف) حرف، و(لام) حرف، و(ميم) حرف، ولك بكل حرف حسنة ثم عشر حسنات. تحتسب ذلك على الله: يا رب أنا أقرأ وأنا أنتظر منك أن تعطيني أجور هذه القراءة، ولا أقرأ لأن الناس يقرؤون، ولا أقرأ لأنهم قالوا في رمضان اقرؤوا، لابد أن تعرف ماذا تنتظر من هذا عند الله.
قد تقول: (لكني مؤمن بربي وكرمه). نقول: الاحتساب دليل أنك مهتم وأنك مؤمن بلقاء الله وسيكلمك ما بينك وبينه ترجمان، وأنك تعتني وتهتم بأمر الآخرة.
فالمشاغل التي قطعتنا عن الآخرة لابد أن نأتي لرمضان وننقطع عنها، ولذلك انظر: شخص يصلي المغرب في وقته ويجتهد أن يصليه في وقته وهمّه أن يلحق المسلسل قبل أن يبدأ، هذا همّه، هل مثل شخص يصلي في وقته محتسبا على الله أن أصحاب الصلاة في وقتها لهم فضل؟! الجواب: لا طبعا {لَا يَسْتَوُونَ}[5] ولا يمكن أن يستووا.
·                    الهموم أفقدت الناس الأجور.
انظر لهمِّك الذي يغلي في قلبك، هو الذي سيسبب لك الانتفاع من الفرص وزيادتها ومضاعفة الأجر، فكم شخص مهموم على أن لا يفقد وقت الصلاة، على أن يصلي بتركيز، على أن يكون خاشعا، على أن لا ينطق بكلمة لا يحبها الله، كم شخص مهموم هو عند الله مَن يكون، يسأل نفسه: هل أنا في الأرض مرضِيٌّ عني أو الله ساخط علي؟ هذه الهموم تزاحم دائما هموم الدنيا، فلما يقل الطعام والشراب وتأخذ قرارا بأن تخفف من كل شيء ستترك هموم الدنيا ويبقى قلبك فارغا، فإما يدخل شياطين الإنس الذين لهم ثلاث أشهر وهم يقولون: (في رمضان سنفعل لك، وسنضيعك ونشتت إيمانك، كل الذي جمعته من إيمان في صلواتك وصيامك فاصبر إلى أن يؤذن المغرب وسنفقدك إيّاه) هذا لمن يعرف أن يترجم، لكن الناس لا يترجمون، يظنون أن المطلوب منهم فقط إلى أذان المغرب! {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[6] المفروض قلبك يبقى معلقا بالهموم الحقيقية، ونحن نقطة ضعفنا الهموم، أهلكتنا الهموم، ولذلك {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}[7]، وبعضهم حتى يخفف من التكاثر يقول: أنا أعِدُ نفسي بأن أشاهد برنامجا واحدا فقط، مسلسلا واحدا. ثم لا تسأل عن ضياعه بعد ذلك!
الاحتساب معنى عظيم لابد من تحقيقه، يعني تبذل جهودك أن تحقق الإيمان والاحتساب.
ما الاحتساب؟ كلما عملت عملا تحتسب على الله أن يعطيك أجره لما تلقاه، أن يعطيك فضله، لو قيل لك بأن هذا له فضل في القبر وأنه ينوره، وهذا له فضل في الصراط، فتحتسب على الله، وهذا دليل على أنك كثير التفكير في لقائه، وهذا يدل على أنك تحمل الهموم الحقيقية، وهذا يدل على أنك مستعد أو تريد أن تستعد، لست غافلا، ومصيبة الغفلة أن يغفلوا عن مصيرهم.
وقد مَرّ معنا أن من أهم الأمور التي تساعدنا على أن نبقى بعيدين عن الغفلة أن نعطي لكل حدث نعيشه 3 أبعاد:
مثاله: هذا حدث دنيوي، مثلا وقعت في العطش:
1.                اسعَ سعيا دنيويا واذهب لكأس الماء، هذا السعي اسمه (بُعد دنيوي) اذهب له.
2.       وأنت ذاهب لهذا الماء اطلب من الله أن يرزقك إياه، هذا (بُعد العبادة)، ولما تلقاه قل: بسم الله، ولما تنتهي منه قل: الحمد لله.
3.       ثم أمْر مهم يقطع عليك الغفلة، ليس فقط بأن تذهب للدنيا وتذكر الله في هذا الموقف، هناك أمر مهم أيضا، أن ترى من وراء هذا متى أو كيف سأُروى يوم القيامة؟!
الآن وقعت في العطش في الدنيا فوجدت كأس ماء، ويوم القيامة لما يخرج الناس عطشى يريدون أن يسقوا، مَن يسقيهم؟ سيذهب كل قوم إلى حوض نبيهم ويمدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أمته كأس الماء يشربون، لكن هناك مَن يُرد عنه، فأنت تحمل هَمًا، وتسأل الله أن تكون ممن يسقيه النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة.
فكل موقف تعيشه لابد أن تعطيه بُعدا هناك، وهذا البُعد يجعلك لا تنقطع عن الآخرة ولا الدنيا.
مثلا: الشمس حارة، ابحث لك عن ظل، ولما تجد الظل قل: الحمد لله، وأنت تجد الظل فكّر كيف شمس الآخرة؟! ثم تفهم أن المرء تحت ظل صدقته فتحتسب في صدقتك على الله أن تكون لك يوم القيامة ظلا يحميك، وهذا الأمر غاية في الأهمية لأننا أول ما نذكر الدار الآخرة يظن الناس أن هذا يعني الانقطاع عن الدنيا، طول ما أنت في الدنيا ابق ذاكرا للدار الآخرة.
إذن نريد أن نتفق على اتفاقين للآن:
أ‌-                      مشكلتنا العظيمة في الهموم، فقل اللهم ((وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا))[8].
ب‌-                    ثم حارب الهموم الدنيوية.
لو أردت أن أقطّع نهار رمضان سأجد أن أكثر الهموم التي تهمنا أن نطبخ وننام جيدا، هذه متصلة بالدنيا، وهناك هموم متصلة بالآخرة: أن ننتهي سريعا من وِردنا المفروض علينا، وأن نصلي التراويح، هذا غالبا، وهناك هموم أخرى في السوق والبيت لكن نضعها في الجانب ونبدأ بالأربعة التي يشترك فيها غالب الناس.
·                    نبدأ بهموم الآخرة: القرآن والتروايح.
اهتمامنا بالتراويح كثيرا من الأحيان يغلب اهتمامنا بالفريضة، وهذا في حد ذاته خطأ. الفريضة أحب إلى الله -عز وجل- من النافلة، فراجع همومك وقدّم الأولويات، فالفرائض أهم من النوافل، واستعمل عبادة الاستعانة من أجل أن تدخل على الله وأنت قادر على جمع قلبك في العبادة.
لنرى قراءة القرآن: غالبا نجد سؤالا ملحّا على القلب: متى أنتهي؟كم صفحة بقيت على الجزء؟ كم صفحة باقية على السورة؟ ينظر الله إليك وأنت تقرأ كلامه وأنت متملل منه ؟! لو أعطاني أحد من الخلق ورقة له وأقرأها بسرعة وأريد أن أنتهي، يشعر هذا المخلوق أني تمللت منه، والله مطّلع على القلوب، ينظر إليك وأنت مهتم أن تنتهي وتخلص! فهل هذا هَم حقيقي؟ هل هذا هَم يُؤجر عليه العبد؟
ومن أجل ذلك ننصح في هذه المسألة أن لا تجعلها بختم الصفحات ولا الأجزاء، إنما بالأوقات، يعني أعط لنفسك في اليوم ساعة مثلا قبل الفجر وساعة بعد الظهر وساعة بعد التراويح، قسّم كما تشاء، المهم أعط نفسك وقتا وليس عدد صفحات أو أجزاء لكي لا يطّلع الله على قلبك وأهم شيء عندك أن تنتهي!.
هذا في حق المخلوق عيْب فكيف في حق الخالق سبحانه وتعالى وهو مطّلع على قلوبنا؟ أترون كيف نعالج همومنا؟ عندنا عدم ترتيب في الأولويات، نقدّم التراويح على الفرائض! فأنت لا تجعل الدنيا أكبر همك واهتم كذلك بأن يكون همك في الآخرة صحيح، فاهتم لجمع قلبك في الفرائض واسأل الله في النوافل أن ييسر لك الفريضة والنافلة، استعمل عبادة الاستعانة في كل شيء، ثم في قراءتك للقرآن اعتن أن تفهم ما تقرأ، لا نريد أن تدخل في التفاصيل والإعجاز العلمي والبلاغي، أهم شيء أن تفهم ما تُخاطب به.
·                    نرى هموم الدنيا.
أما هموم الدنيا فهي الغالبة حقيقةً، والناس من أجل هذه الهموم يخططون أو يشترون أو يقلّبون القنوات ويتصفحون الشبكات ليخرجوا أكلة جديدة، يتصلون بالتلفون ببعضهم، كل الأدوات الحديثة والقديمة تستعمل في صالح خدمة هذا المشروع الذي هو الإفطار. فراجع نفسك قليلا، كل هذا الذي نفعله غالبا أننا لا نحتاج ربعه! وكثير منا يحتج بالأزواج والأبناء، هناك احتجاجات كثيرة ونحن لما نريد أن نقوم بإضراب في البيوت نحسن الإضراب وتربيتهم وأقول بأني لن أقوم إلا بكذا وكذا. هذا الإضراب الذي تريد أن تستعمله قدّم له مقدمات، لكن بشرط: لا تضرب عن القيام بالطعام للزوج والأبناء وتكمل نومك! هذه مشكلة، تعني أننا قلّلنا من هَم ودخلنا في هَم أعظم منه!
¿                  النوم من أكثر القاطعات للأوقات في رمضان، من أكثر المثبطات.
لا تطع نفسك. أول مرة تفتح عينك فيها لا تغمضها مرة أخرى، لأنك بمجرد أن تغمضها انتهى الموضوع! كم منا في رمضان يفتح عينه فيجدها التاسعة مثلا، ثم لا يفتحها مرة أخرى إلا ويجدها 12:30 أو 1 ظهرًا؟! أليس هذا الذي يحدث؟ فمن الساعة التاسعة لا تغمض عينك مرة أخرى، وبما أن الناس نائمون فالحمد لله، لنستغل هذا الوقت. لا تشعر أنك تهرب بالنوم عن الصوم! ألا تعلم بأن الملائكة تستغفر لك وأنت صائم؟! وسيأتينا من فضائل هذا الشهر أن الملائكة تستغفر للصائمين، وطبعا الصائمين مختلفين، هناك صائمون نائمون، وصائمون محتسبون، وصائمون ذاكرون، وصائمون يشعرون أنهم يتعبّدون ويتقربون لربهم، وصائمون يفتحون أعينهم وهم كسالى! مَن هذا الذي قام الساعة الواحدة وشعر أنه نشيط؟! كم ستخسر وأنت نائم؟ ستخسر صلاة الضحى، ووقتا هادئا لقراءة القرآن، ومع هذا كله ستخسر نشاطا يرزقك الله إياه نتيجة مجاهدتك لنفسك.
فلا تظن أن مطاوعتك لنفسك ستخرجك بنتيجة، نحن نقول: (دعني أنام قليلا لأستيقظ نشيطا)، وفي النهاية ونحن طوال الوقت نشعر أننا دائخون ومحتاجون للنوم! فلا تستسلم لهوى نفسك، وقبل سنوات لما كانت الدوامات كان الناس يقومون ويذهبون بأبنائهم إلى المدارس، يذهبون ويعودون ويعيشون حياتهم طبيعية، فهل من أجل أن أعطانا الله فرصة للاستمتاع بالطاعة نتركها ونذهب للنوم؟!
على كل حال، من جهة المأكولات أحْسِن ما استطعت لنفسك وللخلق بأن لا تزيد في هذه المسألة، من جهة النوم اعلم أنه أحد الأعداء الذي يقطع عليك وقتك، ثم اعلم أن الله -عز وجل- لما شرع هذه الشريعة من أجل أن تقاوم شهوات نفسك وليس لأجل أن تستسلم لها! فالنوم والأكل والشرب من أعظم الشهوات المثبطة للإيمان، من أعظم الشهوات التي لو استسلمت لها ضيعت عمرك الذي هو رأس مالك.

إن الله سبحانه وتعالى اختص شهر رمضان من بين الشهور بفضائل عديدة، وميّزه بميزات كثيرة، وكل ميزة ستقابلها عبادة عظيمة.
o        الميزة الأولى:  إنزال القرآن فيه لأجل هداية الناس من الظلمات إلى النور، وتبصيرهم بالحق من الباطل.
ما العبادة التي ستقوم بها؟ التلاوة، لكن بشرط أن تحقق التلاوة المقصود. ما المقصود؟ أن تبصّرك، أن تزيدك إيمانا. كل يوم ستسأل نفسك: ماذا فهمت مما قرأت؟ ولذلك ننصح الذين يصلون في المساجد وليس في بيوتهم بأن يقرؤوا الجزء الذي سيقرؤه الإمام في الصلاة في بيوتهم، لماذا؟ ليستحضروا في عقولهم المفهوم، لأنك لما تقرأ بنفسك وتتقدم فتنسى أنت في أي قصة، ومَن هو الرسول، أو المقصود بهذا مَن، تعود مرة أخرى لتعرف أنت تقرأ عن مَن. فكونك تقرأ بنفسك وتركز وتفهم ثم تعاد عليك نفس الآيات تسبّب لك استقرارا في الفهم. ليس المقصود أن تسارع إنما المقصود أن تزيد إيمانا وتفهم القرآن، وهذا الكتاب أنزله الله أهم مقاصده {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[9] والتدبر سبب زيادة الإيمان وعظم أجور الإنسان، فيعظم أجرك على قدر تدبرك. ولا تظن أن المسارعة بقراءة الحروف أولى من فهم القرآن، لا نريد فهما دقيقا ولا بلاغيا، نريد فهما إجماليا، ولهذا أول ما أثنى الله على هذا الشهر قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[10] فهو أحد أهم المقاصد، وكلما استطعت أن تأخذ من هذا المعين أكثر كان لك الحظ الأوفر من الانتفاع بهذا الشهر.
¿                  فهمنا للقرآن واعتكافنا عليه في شهر رمضان له آثار إيمانية تزيد عن بقية الشهور.
هذا القرآن نزل في شهر رمضان فأصبح لرمضان ميزة أنه نزل فيه القرآن، سيأتينا بعد ذلك ميزات أن الشياطين تصفد وأنك صمت وأنك بعيد عن شهوتك، فهُيِّأ لك جو في رمضان من أجل زيادة الانتفاع بالقرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} لو سألنا: قراءتي للقرآن وفهمي له في بقية الشهور هل هي مثل قراءتي للقرآن وفهمي في رمضان؟
الجواب: لا. اجعل رمضان مصدرا لفهمك طوال السنة، أنت هُيِّأت لك الظروف ليزيد فهمك للقرآن، كأنك تقول: هذا الشهر غنيمة لفهم القرآن، غنيمة للزيادة من علاقتي بالقرآن، أمْيَزْ ما يميز شهر رمضان أنه شهر القرآن، نزل فيه القرآن، من ثم هُيِّأت لك كل الظروف في رمضان لتزداد فهما. وكم منا يقول لما يقرأ في رمضان ويفهم: هذه الآية كأني أول مرة أقرأها! ألا يتكرر علينا هذا الشعور في رمضان؟ ما السبب؟ هُيِّأت لك ظروف كثيرة، الفهم في رمضان ليس كغيره ولا حتى في الحج. رمضان شهر القرآن، تُهيَّأ ظروف عظيمة من أجل زيادة فهمه.
على ذلك كل شخص منا أعطاه الله فراغا من أجل قراءة القرآن لا ينبش لنفسه عن مسؤوليات لا داعي لها! لا تنبش من هنا وهنا عن أفكار تمليها عليك نفسك، لا تتذكر وأنت تقرأ القرآن أن المفروض اليوم تطبخ هذه الطبخة! لا تتنبّه وأنت تقرأ القرآن أن عليك أن تفعل كذا وكذا من أمور الدنيا. كلما سَارَعَت نفسك بإشغالك أسكتها. لابد أن تفهم بأن هناك عدوا لكن بين جنبيك، وليس في الخارج (الشيطان)، إنما داخلك، يأتي لك بأفكار من تحت الأرض من أجل أن تنشغل عما أنت فيه، فهذه نفسك وابتلاك الله بها ليكون جهادك لنفسك أحد أسباب دخولك للجنة، فَمقْتها وشعور أنك تبغض هذه الأفكار من نفسك  هذا بنفسه عبادة.
ماذا يعني مقت النفس؟ يعني يكره هذه الأفكار والكلام الذي تقوله له نفسه: مأكول ومشروب والناس والأنس بهم، قُل لنفسك: اليوم أجد شخصا أأنس به، غدا لما أدخل قبري أأنس بمَن؟ هذه فرصتي أن أصوم في النهار وأقرأ القرآن فأجدهما يؤنساني في قبري. وهذا لمَن عنده علم اليقين أنه سيدخل قبره وحده، وسيكون في ظلمة، وأن لا أنيس إلا هذا الذي يقرؤه ويفعله هنا، فلابد أن يصبح عندنا علم اليقين.
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، ولما تسأل نفسك تجد نفسك تعيش التكاثر، هل لن نستفيق إلا {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}؟! والله هيّأ لنا كل الأسباب لنستيقظ. فَاعتن أن تكون عامرًا مع القرآن ما استطعت لذلك سبيلا، وهذا الدليل أمامك: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} أي: مِن أجل أن تحقق الغاية من اقتران شهر رمضان بالقرآن لابد أن يكون لك القرآن هدى، ويكون بيّنًا لك، فاحسب حسابك: ماذا بيّنَت لي هذه القراءة؟ وكلما قرأت القرآن كلما زاد الفرقان في قلبك بين الحق والباطل، واجتهد فليس كل شيء يأتي مرة واحدة، وليس مِن أول يوم أريده هدى وبيان وفرقان، لا تعرف كيف يعطيك الله النتائج، أنت عليك البذرة والله يضاعف لمن يشاء.

o        الميزة الثانية :إيجاب صيامه على الأمة المحمدية حيث أمر الله بذلك في قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.
ما العبادة التي ستقوم بها؟ الصيام.
كما مر معنا، ماذا ستحتسب في صيامك؟ ستحتسب أنه شفيع، وفي قبرك أنيس، ومن المهمات التي تهمك أن يقبل الله صيامك، وهذه نقف عندها دقيقة: دائما يصوم الإنسان وينتظر الفطر ويعرف أن ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ))[11] تحتسب وقتما تفطر بأن هذا اليوم الذي انقضى ستفرح به لما تجده عند الله، فوقت الإفطار ستفكر بأنك ستلقى الله، ومسألة لقاء الله مسألة مهمة في التفكير، فنحن لما نركب السيارة نقول: ((سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ))[12] أرأيت كيف نحن نذكّر أنفسنا؟ حتى ونحن نركب السيارة نذكّر أنفسنا بأننا هنا ننقلب من مكان إلى مكان، مثله ستنقلب للدار الآخرة؛ تفطر فيقال لك: أنت فطرت وفرحت بالفطر، أيضا احتسب لما تلقى الله كيف ستفرح بقبوله لهذا اليوم، وكيف سيثقل ميزانك، لأنه ستُحسب سيئاتك وحسناتك، فيضع أمامك أعمالك، فلما يوضع لك الصوم يوما بيوم فتثقل الحسنات وأنت ترى ميزانك منصوبا وترى أمام عينيك الحسنات تزيد، تفرح بكل يوم زائد في الصيام، فهذه المشاعر ستكون أضعاف مئات المرات فرحك بأنك أكلت أو شربت، اجمع نفسك، فلحظة الفطور لحظة فاصلة في الاحتساب، ولذلك قبل هذا الفرح بأن تثقل الميزان لابد أن يسبقه رجاء القبول، لأنه لو قَبِل منك ستفرح به لما تلقاه. لابد أن تلهج برجاء القبول، فإذا قَبِله ستفرح به لما تلقاه.

o        الميزة الثالثة :تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار وتُصفد فيه الشياطين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ))[13].
هذه ميزة من آثار اسم الودود.
ما العبادة التي ستقوم بها؟ فتح أبواب الجنة أي كثرة الأعمال الصالحة التي تُشرع في هذه الأيام، ولذلك نحن نقول: نعمة مِن الله أن يبلّغنا رمضان، فرمضان مليء بالفرص للأعمال الصالحة، وهذه الأعمال الصالحة تسبّب لك دخول الجنة، يقول تعالى: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[14] وكما اتفقنا: الذي نعمله بمثابة الحبة، ثم هذه الحبة تنبت وراءها 7 سنابل، وهذه السبع سنابل كل سنبلة فيها 100 حبة، ويضاعف الله لمن يشاء. فائت بالحبة، والله عليه بالمضاعفة العظيمة.
تُفتح أبواب الجنة أي تُفتح للخلق أبواب للقربى عظيمة، كلما انتفعوا منها كانت سببا لدخول الجنة. وتُغلق أبواب النار لقلة المعاصي التي تسبب دخولها،  وعلى هذا لابد أن تفهم من آثار فهمك لهذا الحديث أن الله -عز وجل- يشرح صدور الخلق للأعمال الصالحة ويكدر عليهم المعاصي وأسبابها إلا من طغى وآثر الحياة الدنيا، وهذا الذي طغى وآثر الحياة الدنيا استسلم لهواه! الآن صُفدت الشياطين وبقيت نفسك الأمارة بالسوء، فكل استسلام حاصل إنما هو من نفسك الأمارة بالسوء.
إذن من ميزات هذا الشهر أنه تُفتح فيه أبواب الجنان أي تكثُر طرق الخير وتُشرح الصدور لها، تُغلق أبواب النيران أي يغلق الله على الخلق أبواب الشر ويصرف عنها قلوبهم، إلا مَن طغى وآثر الحياة الدنيا فيكون الأمر إليه ويتركه الله بل يزيده طغيانا!

o        الميزة الرابعة :تُضاعف فيه الحسنات. ومَن فطّر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجر ذلك الصائم من غير أن ينقص من أجره شيء .
أي أنك في هذا الشهر تقوم بالحسنة فتُضاعف أضعافا كثيرة، وهذا مما يرغبك في العمل الصالح.

ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ).
¿                  الخصلة الأولى: (خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ).
لماذا؟ لأن خلوف فم الصائم ناشئ من عبادة وطاعة، فالله -عز وجل- يحب طاعاته وكل أثر من آثار طاعاته، ومعنى هذا أن الإنسان إذا ترك لله شيء عوضه الله خيرا منه، فتركه للأكل يجعل لمعدته رائحة وليس لأسنانه، فهذه الرائحة التي تأتي من المعدة أطيب عند الله، أي أن الله يحب هذا من العبد لأن هذا ما نشأ إلا من عبادة.
¿                  الخصلة الثانية :(وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا).
تصور أنك لما تُحسِن بصيامك؛ فالملائكة مِن حملة العرش إلى بقيتهم يستغفرون لك، واقرأ عن أعدادهم وأوصافهم سترى عجبا، وعبادتهم وحبهم لأهل الإيمان والطاعة، فلست بنفسك تستغفر بل الله -عز وجل- مِن كرمه لخلقه يجعل هؤلاء الملائكة يستغفرون للمؤمنين وهم صائمون.
¿       الخصلة الثالثة :(وَيُزَيِّنُ اللَّهُ -عز وجل- كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ ثُمَّ يَقُولُ يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ).
الله -عز وجل- يزيّن الجنة ويعلم أن عباده في أذى، ويكلّم جنته سبحانه وتعالى فيقول: (يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى) ، فما المؤونة والأذى؟ الذي نحن نعيشه، وهذا الذي نعيشه نحن فقط نُموَّن للآخرة، والمؤونة في الدنيا حتى نقطعها ونذهب للآخرة ممتلئة أذى، فيبشّر الله عباده المتقين بأن الباقي قليل، وسيأتون لهذه الجنة، ويُلقون وراءهم المؤونة والأذى. ولذلك لابد أن تفهم بأن الذي أنت فيه مؤونة، والمؤونة ممتلئة أذى، فلا تعتنِ، وكلما زدت صدقا كنت حقا من أهل هذه البشارة.
¿                  الخصلة الرابعة: (وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ).
¿       الخصلة الخامسة :(وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ) [15] إذا قاموا بما ينبغي أن يقوموا به في هذا الشهر المبارك من الصيام والقيام تفضلا منه سبحانه وتعالى بتوفية أجورهم عند انتهاء أعمالهم، فإن العامل يُوفى أجره عند انتهاء عمله .
معنى ذلك أن آخر ليلة من رمضان من الليالي المهمة جدا، ماذا يحصل في آخر ليلة عادة؟ آخر ليلة هذه تكون بمثابة اختبار لصبر الإنسان، أنت تعبد الله في رمضان بالصبر، صبر على الطاعة، تحبس نفسك على أن تطيع، تقطع من وقتك وراحتك أن تطيع الله، وتحبس نفسك عن معصيته، وتحبس نفسك على الأقدار، من أقدار الله -عز وجل- أن الصائم سيجوع، ويأتيه ألم، وهناك أقدار قد تشغلك عن الطاعة، تصبر عليها.
المقصد: اصبر على طاعة الله إلى آخر ليلة، لا تضيع الأجر، هذا مما اختصت به الأمة: أن الله -عز وجل- يغفر للعباد الصائمين ذنوبهم إذا أحسنوا طوال الشهر وأتوا في آخر ليلة فأحسنوا، هذا يكون سببا للمغفرة، ولذلك المفترض أن تنشط نفسك في الأخير وتقول لها: ما بقي إلا القليل وتذهب عنا المؤونة والأذى، ونلقاه سبحانه وتعالى وهو راض عنا.

نسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الإيمان والتقوى، يجعلنا ممن انتفع بهذا الشهر، يجعلنا ممن أحسن صيامه وقيامه، يجعلنا من المقبولين، يجعلنا ممن اجتمع في الدنيا على ذكره وفي الآخرة في جنات النعيم.







[1] الحجر:3.
[2]  "سنن ابن ماجة (كِتَابُ الأَطْعِمَةِ/ بَابُ الاِقْتِصَادِ فِي الأَكْلِ، وَكَرَاهَةِ الشِّبَعِ/ 3349)، وصححه الألباني.
[3]  "صحيح البخاري" ( كتاب الإيمان / باب صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ / 38 ) ، "صحيح مسلم" ( كتاب صلاة المسافرين / باب التَّرْغِيبِ فِى قِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ : 1817 ) .
[4]  رواه أحمد وروى الطبراني منه طرفاً في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح.
[5] السجدة:18.
[6]  الأنعام:162.
[7]  التكاثر:1.
[8]  "رواه الترمذي" (كتاب الدعوات/ باب اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ/ 3841) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
[9] ص:29.
[10] البقرة:185.
[11]  "صحيح البخاري" (كتاب الصوم/ باب هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِمَ/ 1904 ) ، "صحيح مسلم" (كتاب الصيام / باب فَضْلِ الصِّيَامِ / 2763 ) .
[12]  "صحيح مسلم" ( كتاب الحج/ باب مَا يَقُولُ إِذَا رَكِبَ إِلَى سَفَرٍ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ/ 3339 ) .
[13]  "صحيح مسلم" ( كتاب الصيام/ باب فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ/ 2547 ) .
[14]  النحل:32.
[15]  مسند الإمام أحمد، وشعب الإيمان للبيهقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.