الأحد، 17 أغسطس 2014

كيف نرضى عن الله ؟


كَــيْفَ نَرْضَى عَن اللهِ؟


 




للأستاذة أناهيد السميري -حفظها الله تعالى-


 





بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي الفاضلات، إليكم سلسلة تفاريغ من دروس أستاذتنا الفاضلة أناهيد السميري حفظها الله، وفّق الله بعض الأخوات لتفريغها، ونسأل الله أن ينفع بها، وهي تنزل في مدونة (عِـلْـمٌ يُـنْـتَـفَــعُ بِــهِ)
تنبيهات هامة:
- منهجنا الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.
- هذه التفاريغ من اجتهاد الطالبات ولم تطلع عليه الأستاذة حفظها الله، أما الدروس المعتمدة من الأستاذة فهي موجودة في شبكة مسلمات قسم (شذرات من دروس الأستاذة أناهيد)
http://www.muslimat.net/
- الكمال لله عز وجل، فكتابه هو الكتاب الوحيد الكامل السالم من الخطأ، فما ظهر لكم من صواب فمن الله وحده، وما ظهر لكم فيه من خطأ فمن أنفسنا والشيطان، ونستغفر الله..
والله الموفق لما يحب ويرضى.

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

دائمًا يتردّد علينا سؤال: كيف نرضى عن الله؟ خصوصًا ونحن في طيّات كلامنا عن باب الأسماء والصفات نردّد دائمًا: ((فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَى))[1] ونردّد دائمًا أن القوم اعتلّوا بعلّة جعلتهم يفسّرون الحياة على غير حقيقتها.

أنت مُنْعَمٌ عليك، وكلّ الأقدار التي تجري عليك إنّما تنقلك مِن نعمة إلى نعمة، لكن نظرك الضيّق السطحي المحدود إلى أفعال الله يجعلك تنظر للنعم على أنّها نِقَم!
وكم مِن ناظر لنعمة على أنّها نقمة، كان جزاؤه مِن الله أن يكدّر عليه صفو هذه النعمة، فيذهبها عنه!
وكم مِن المرّات نظرنا إلى النِّعَم بِنَظر البطْران، فلما أُخذت منّا، تحسّرنا تحسّر عبد يتقطّع قلبه، ولو قُدّر أن يموت أحد بحسرة، لَمُتْنا حينها مِن الحسرة!.
كم مِن قصص وحكايات نسمع الكبار ينصحون فيها الصغار يقولون: لا تبطروا، فإنا قد فعلنا كفعلكم وذُقْنا ثَمَن هذا البطر، ((فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَى)).
سؤال يتكرّر علينا دائماً: (كيف نرضى عن الله؟) كلما تكلمنا في الأسماء والصفات قلنا: إن النتيجة والأثر المهمّين  بعد أن تعرفه وتتعلّم عنه -سبحانه وتعالى- أن ترضى عنه، إذا عرفته لابد أن ينشرح صدرك لكل أفعاله، فإذا رضيت، رضي الله عنك. ثم لتعلمَ أن هذا الذي يرضى هو صاحب النفس المطمئنة.
أي أنك لو رضيت ستخرج بنتيجتين:
1.  في الحياة، ستكون صاحب النفس المطمئنة، ووقت القبض أيضاً تكون مطمئنًا.
2.  مِن جهة أخرى، إذا رضيت ورضي الله عنك في الحياة، فمِن المؤكّد أن آخرتك ستكون من هذا الرضى.
((فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَى)) أي في الدنيا والآخرة.


كيف نرضى عن الله؟!
نقابل هذا السؤال بسؤال آخر:
ما أسباب سخط الناس على الله؟
لماذا تجدهم غير راضين عن ربّهم؟ ما هي الصورة العملية للرضى عن الله؟ كيف أناقش نفسي بحيث أرضّيها عن ربها ؟
متى تجد السخط في القلوب على الله ولا تجد رضى؟
وقتما يبتلون، أو يأتي شيء على غير هواهم. تتحرّك فيهم إحدى المسألتين مسألة الرضى وعدم الرضى فعندما يأتي شيء على غير هواهم، يصبح هذا الشيء ملء سمعهم وبصرهم، لا يرون غير هذا الشيء الناقص، وماذا يفعلون بكمية النعم التي أُعطوها؟ النسيان.
يجمعون بين أمرين:
1.       نسيان النعم العظيمة الكثيرة التي لا تُعد ولا تُحصى.
2.       وإبقاء المكدّر ملء السمع والبصر، لدرجة أنه قد تخرج على الألسنة كلمات تقول: "لو أخذ ربّي منّي كل شيء فليس مُهمًّا، المهم هذا الشيء!" وهذا كذب محض؛ لأنه لو أخذ منك فقط الصحة -وليس كل الصحة- لو فقط أثار عليك سِنًّا مِن أسنانك، ترى أن كل شيء, لا شيء في مقابل هذا، وستعيش طيلة الوقت في هذه الدوامة! فكذب محض لو قلت أنك مستعد أن تتنازل عن كل شيء في مقابل هذا الشيء.
إذن كيف أرضى عن الله؟
المورد والشريان الأساسي للرضى عن الله هو العلم عن الله، لكن العلم مرحلة تحتاج إلى تفعيل، فلا تكون في الذاكرة  بل تصبح مفعلة وحقيقة، ، بالعمل بحيث أنك تضيّق على عدوك الذي يجري فيك مجرى الدم؛ لأن الذي يسخطك عن الله عدوك، يثير فيك مكنونات تجعلك تسخط، فنحن نريد أن يجري هذا العلم مجرى الدم بحيث أنه يضيّق على العدو.
لما نأتي لتشخيص مرض عدم الرضى، وهو مرض يصيب الناس عامة وقتما يأتي القدر على غير هواهم، فماذا يحصل لما يأتي القدر على غير هواهم؟ ينسى الإنسان النعم مِن جهة، ويصبح القدر الذي على غير الهوى ملء السمع والبصر، فلا ترى غيره، ويكبر ويعظم، حتى يصبح في مصيبة عظيمة، بحيث يصاب الإنسان العاقل المتّزن بالخروج عن عقله، ويقول كلمات لا تصلح مِن مثله!



أسباب عدم الرضى عن الله

نسيان النعم


تعظيم المفقود


الهوى








أوّلاً: الهوى
أي الأمر الذي أتاك على غير هواك، وهذا أول عامل وأخطرها على الإطلاق!.
ما هو الهوى؟
عبد، ضعيف عقله, ناقص، يرى أن تقديره واختياره للأمور خير مِن اختيار وتقدير الملك العظيم كامل الصفات، مثلاً: أريد أن أزوّج ابني على فلانة، ثم نذهب إلى فلانة وترفضنا، أو يحصل أن يصلهم خبر فيترددون، فانظر إلى مشاعري وقتما يتردّدون أو يرفضون، أشعر أن اختياري أنا خير، وأن هذه البنت هي التي تصلح، وهو  خير من اختيار الملك الذي صَرَفَ عني هذه البنت!
ضربنا مثلاً الخطوبة لأن غالبنا يتفق على ما ينصرف عنا هو الخير، فعلى هذا قِس كل شيء.
فإذا كنت مؤمنًا أن انصراف هذه البنت من حياة ولدك خير وبركة فمن المؤكد أنه خير، والله هو الذي يختار، قبولك بمثل هذا، يسبّب الرضى عن الله، فاختيار الله خير من اختياري، فهذا المقياس ما دُمْت راضٍ عنه وتشعر أنك اخترت فصَرَفَ الله اختيارك ثم اختار غيره لك، ضَعْ هذه قاعدة وقس عليها في كل شيء في الحياة: بيت، زوج، أموال، تجارة، صغيراً كان أم كبيرًا , يكون اختيار الله -عزّ وجلّ- خيرًا من اختيارك.
ما الذي يجعلك تسخط؟
تشعر أن عدم وجود الأمر الذي تريده سيسبّب لك كدرًا ونقْصًا في الحياة.
تصوّر المطر لما أتى على شخص عنده فرح في مكان مكشوف، ما هي مشاعره؟ كم يكره هذا المطر! هذه هي مشاعر من في الموقف.
أنت تظنّ أن هذا مجرد حَدَث يجب أن ينزل علينا، أو مجرد مصادفة أن يأتي المطر مع هذا الزواج في المكان المكشوف، وإذا أراد الناس أن يربتوا عليك يقولون لك: هذا حظك، والمنحوس منحوس! إلى آخر ما يقال، فهل تظن أن عبثًا ما يحصل في أقدار الملك العظيم؟! والله ليس عبثًا.
قد تقول: يجب أن تجيبني، ماذا يمكن أن تكون الحكمة من نزول مطر على أناس عندهم فرح؟! نقول: والله لا أجيب، وهل يستطيع العبد الضعيف الناقص العقل والتفكير والإحاطة بشؤونه فضلاً عن شؤون الخلق أن يجيب على هذا السؤال؟! مهما قلت فهو كلام في الهواء، لا تستطيع إدراك أبعاد الحكمة، وكم أحياك سنين وأنت عنه ساخط، ثم أراك كمال حكمته؟! كم مرة دعونا في سنين كثيرة ثم لما نضجنا حمدناه وحده لا شريك له أن لم يستجب دعاءنا لأننا كانت لدينا اختيارات فاسدة، كانت ستفسد علينا حياتنا، ولولا أنه -سبحانه وتعالى- شملنا برحمته لكان قضى علينا دعاؤنا، لكن هذا من معاملته خلقه بالرحمة.
ترى أن هواك يحقق لك المصالح، ويوصلك للمراد، أنت معظّم لهوى نفسك ورغباتك، لما تراه من عقلك من صواب وحكمة، ، فلما عظـُم الهوى -أي الشيء الذي أريده- وأتت أفعال الحكيم العليم تخالف الهوى، بسبب عظمة الهوى في نفسك، التفتّ إلى العظيم -سبحانه وتعالى- فلم ترضَ عنه؛ لأن هواك هو المعظَّم عندك.
 فأصبح أول طرق الرضى عن الله: معرفة أنك عبد ضعيف، وأن ما تهواه قد يكون سببًا لهلاكك وأنت لا تدري.

حدث واقعي..
في أحد مناطق المملكة -كما أتت الأخبار في الأسابيع الماضية- طفلة كانت تلعب في السيل، سواء بموافقة أهلها أو عدم موافقتهم ثم جرّها السيل -أسأل الله أن يرحمها ويجبر قلب أهلها والمسلمين أجمعين- أليس اللعب في السيل موافقًا لهواها؟
 فانظر ماذا فعل الهوى؟ ذهب بها!
فصوّر نفسك وهواك دائمًا بهذه الصورة: كأن شخصًا يلعب في سيل، فإذا تركناك على هواك جرفك السيل، وإذا منعناك مِن اللعب في السيل حفظناك حتى وأنت تكره أن نمنعك!
أي أن هواك يدفعك لأن تغامر بنفسك، بقلبك، بإيمانك، يجعلك تبيع جنات النعيم بعرض من الدنيا! قد تقول: "لكن هواي ليس بهذه الدرجة، هواي أن يجتمع أهلي مثلاً في هذا المكان ثم أتى المطر وما اجتمعوا، هواي أن أشتري كذا وما اشتريت، ليست مسألة مخالفة للشريعة" نقول: لابأس، الحكيم أعلم بقلبك، و بما يسبّب لك الصلاح في الدنيا والآخرة، كم من اجتماعات كانت سببًا لافتراقٍ عظيم، وكم من لقاءات كانت سببًا لإعراض جسيم، فلا تفكّر بهذه الصورة، لا تظنّ أنك أحكم من العليم الحكيم.
كلما عرضت الأمور على هواك ووجدت أنه يوافقها وأردتها وجمعت قلبك عليها، فقدَّر الحكيم أن لا تكون لك، كن راضيًا عمّن يصرّف الأمور؛ لأننا دائمًا نحسب الحسابات على قدر عقولنا الضعيفة.
فلو أتيت لتسميع جدول الضرب لك: ماهو آخر رقم تعرف تضرب فيه؟ كل شخص على قدر ثقافته، وأحيانًا يكون لنا في هذا العلم الكثير، لكن بسبب الآلات الحاسبة نسينا الموضوع، فأبعد حساباتي؛ لأني أعرف لو ضربت هذا بهذا ماذا ستكون النتيجة، أبعد الحسابات قد توصلني لرابع أو خامس أو عاشر شخص لي علاقة به، لكن هل توصلك لمصالحك الكاملة؟ الجواب: لا.
نحن حساباتنا ضيقة، ودائمًا عمياء من زاوية، هناك شيء لابد أنك لا تراه، فكم من إنسان مسؤول ومشغول معتنٍ بالأمانة التي عُلّقت في عنقه -وهذه مواقف حقيقة يحكيها أهلها-، تكون مسؤولة في التعليم ومهتمة غاية الاهتمام, ثم تنسى ابنتها في المدرسة! لماذا؟ لأنني حتى وأنا أفكر في المصالح ليس لديّ إلا قدرة محدودة فأحيانًا أنسى مصالح عظيمة بسبب أني لا أستطيع التفكير إلا بمحدودية في المصالح، فكونك ترفض هواك يبدأ هذا من صغير الأمور قبل كبيرها.

كيف نرضى عن الله؟
لا تجعل الهوى مصدر رضاك, ما تحبه وتهواه وهو الهوى أحد البلايا التي تعيشها، فاعلم أن جعلك الهوى ورغبتك وما تريده مصدر رضاك عن الله يعني أنك لن ترضى أبدًا، وستوافق أولئك القوم الذين وُصفوا بالنفاق، ذاك الذي ((إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ))[2] أحد مقاييس الإيمان والنفاق أن المؤمن راضٍ عن ربه دائمًا، والمنافق متذبذب، وقتما يُعطى شيئًا على هواه يرضى ويشكر الله، ووقتما لا يُعطى لا يرضى ويقول: "دائمًا أدعو ربي ولا يستجيب لي!"، ولسان حاله يقول: تقولون أن ربنا سميع وبصير وقريب وأنا ما أرى ذلك! يُنكر حتى قُربه وسمعه وبصره! لأنه ما رأى أثره -في تصوّره، فأكون مرتّبًا للمسألة ترتيبًا معيّنًا، في نظري أن هذا الطريق الذي رتبته يوصل للصواب، فلما ينقلب الترتيب أظن أني لا أصل إلا إلى فساد، في مقابل ذلك أنك لو أحسنت الظن بالله وقلت: الله -عزّ وجلّ- أعلم بمقصدي ومرادي، وهو الذي يسبّب الأسباب للوصول إلى مرادي؛ فستسلم له الأمر، ولهذا ستجد في النقاش حول الرضى لابد أن نتطرق للكلام حول التوكل وهو قلب التوحيد النابض.
إذا كان التوحيد له قلب ß فقَلْبُه التوكّل، وإذا كان التوكّل قلب ß فسويداؤه الثقة بالله.
كيف تتوكل على الله ؟
 لما تعرفه فتثق به.
وبدأنا  الجواب بتحرير العكس: لماذا يسخط الناس على الله؟ أين تظهر مواطن السخط؟
لما تأتي الأحداث على خلاف الهوى.
لما تحرّر مسألة الهوى تذكر قصة موسى -عليه السلام- مع الرجل الصالح وانظر إلى المواقف الثلاث، كيف يكون  الهوى في السفينة؟ أن تبقى سليمة. وهل تعلم أن خُرقًا في سفينة يُرقع بأيسر الأمور  ويكون سببًا لسلامتها؟!
لكن العقل يقول: كيف تخرق ويقال أن هذا سبب لسلامتها ؟
 ومثله: كيف يُقال لأم موسى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}[3]!
 إنه التوكل, وما سويداء هذا التوكل؟  الثقة به -سبحانه وتعالى-، أن تكون شخصًا مليئًا بالثقة بالله.
من أين تأتي الثقة؟ من المعرفة، تعرف فتثق، فلما تثق ستقرأ الحدث بِلُغة واضحة.
مشكلتنا أننا نقرأ الأحداث بِلُغات ضعيفة! هذه الأحداث التي تدور حولك مكتوبة بلغة خاصة، كيف تفكها؟ بالعلم عن الله، والثقة به. فلما تقرأ حدثًا وتكون على ثقة تامة بالله، لا بد أن تقرأه بأسلوب صحيح، لا بد أن تقول: إن هذا الحدث الذي لا يوافق الهوى أو الذي لا أفهمه وراءه ما يرضيني ويرفعني، وكم مِن خلق تراهم ضعفاء في قيامهم وصيامهم لكنهم مُنْطوون على قلوب راضية عن الله، وهذا الرضى هو الذي يسبّب لهم أعالي الدرجات، ليس بسبب كثرة الصيام والقيام، لكن بقوة اليقين والثقة بالله.
وهذه فوارق لا يشعر بها كثير من المستقيمين، فكثير مِن الناس يقيسون الاستقامة بمقدار العمل، لا يعرفون أن هناك كثيرين في الزوايا والبيوت موجودون، منازلهم في الجنة عالية بمقدار ما في قلوبهم مِن رضى عنه -سبحانه وتعالى-.
لو رأيت هذا جيّدًا، فستذهب كثيرًا من الأمراض النفسية المنتشرة؛ لأن  من القوم الآن كلما أراد أن يقدم  على خطوة تردد وقلقَ وبقي قبل الحدث بأسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع في حالة اضطراب شديد، مع أنك لو أحسنت معرفة الله وتوكلت عليه ووثقت به لنمت قرير العين، لو استخرته لكنت هادئًا بعيدًا عن التردّد، فالقلق يأتي من التردّد، وحالات الاكتئاب تأتي من عدم الثقة بأن المستقبل بيد الله، وأنّ المُلك مُلك الله، فهذا كله يسبّب لك أن ترى أحداثًا تحدث في الحاضر فتقول: إذا كان هذا أولها فمعلوم تاليها، إذا الناس قد تخرجوا اليوم من الجامعات وما عندهم وظائف فغدًا سيكون كذا كذا، وتتكلم عن المستقبل. كل هذا له سبب واحد: أنّ هواك هو حكمك في السخط و الرضا.

كيف تعالج هذا الأمر؟ هل نعالجه بأن لا نهوى ؟
لا، فطبع الإنسان أنه ولابد أن يهوى ويتمنّى ويرجو ويحب، لكن لا تجعل هواك حكمًا على أفعاله -سبحانه وتعالى-، فأهوى و أتمنى أن أتخرج من كلية كذا، أتمنى أن ألتحق بكذا، أتمنى أن أسكن في بيت كذا، وأحيانا تجتمع هذه الأماني وتكبر، فنجمع المال لنشتري بيت أو أرض أو شقة، فأذهب وأجدها بيعت، فأمام هذا الموقف يحصل انهيار نفسي "أنا دائمًا حظي كذا!" أو تبيع أرضك قبل أن تغلى الأرض بقليل، فتبيعها بمبلغ زهيد، و الذي بَعدك يبيعها بمبلغ عالٍ، فتكاد تنقطع حسرة، لا، ليس هذا ما يُتحسر عليه! كان هواك أن تكسب هذا المبلغ، لكن لا تدري لو دخل عليك هذا المبلغ كم سيفسدك، كم سيقطّع أرحامك، فكم من إخوان كانوا مجتمعين فلما دخل عليهم المال قطع قلوبهم. المقصد: اختياره خير من اختياري.
فليس الأمر أن لا تهوى ، ولكن هذّب هواك ولا تكن ضعيفًا، تكون مشحونًا لما تهوى ويأتي قدر الله -عزّ وجلّ- مخالفًا لما تهواه؛ مباشرة يكون عندك مشاعر أن الحمد لله وأن الذي قضى هو الأحكم الأعلم، الذي قدّر هو الملك العظيم، الذي أخذ هو الذي يعطي في كل حين.

كم من الأماني حُققت لك فكانت بلاء عليك كقولك "والله لو تزوجت رجلا صالحًا سأفعل وأفعل"، ولما تتزوجه تفسد عليه صلاحه!، وكم شهدنا نساءً كُنّ سببًا في إفساد الزوج الصالح، أو العكس.
ثم اعلم أن هذا أحد الابتلاءات في الحياة: أن يرجو الإنسان ويلح ويلح فيعطيه الله اختبارًا له، وهذه مسألة أخرى تحتاج إلى نقاش آخر؛ لأنه لما يأتيك ما هو على هواك ندخل في زاوية أخرى من الأخطار: إما (قانون الجذب) عند مَن يفكر بنقص عقل، وهذا  ليس كلامًا جديدًا بل هو قديم، وهو من البلايا وكل يوم نسمع من البلايا الشيء الجديد. (قانون الجذب) يقول لك: "لو فكرت في الشيء كثيرًا أتيت به، لو فكرت في أمر كثيرًا وطلبته جذبته إليك، حتى لو أردت أن تسيطر على أحد محبة ففكر به حتى تأتي به!"، و هذا يتحقق ابتلاء منه -سبحانه وتعالى- هذه قضية أخرى تحتاج إلى نقاش بصورة أخرى.

إذن أول علة تسبب عدم الرضى عن الله: (هوانا). هوانا وهوى أبنائنا مستحكم فينا، يريدون السفر أو المكان الفلاني، ولما لا يأتي على ما يريدون تجده ساخطًا وهم ساخطون! فلا يستحكم فيك الهوى، تمنّى وارجُ وخذ بأسبابه لكن اختيار الله خير من اختيارك.



ثانيًا: النسيان.
أخبر الله -عز وجل- عن هذه الصفة في بني آدم كما في سورة طه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[4] النسيان وما أدراك ما النسيان!
ماذا نقصد بالنسيان؟ إنه نسيان النعم، وهذا النسيان ابتلينا به مِن زمن آدم -عليه السلام- هذه علة عليلة كلنا نشترك فيها.
ما تفاصيل هذا الطبع ؟
نحن لدينا ذاكرة، المفروض أن نغتنمها في أن نُبقِي الذكر الحسن لربنا، كل مرة أخرجك الله مِن أزمة نذكر الإخراج ولا نذكر الأزمة، ولك في ذلك سلفٌ حسن، يوسف -عليه السلام- قال في وصف الأحداث: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}[5] ما قال: ودخلت وخرجت، فقط تكلم عن الخروج، فهكذا العبد الراضي عن ربه الذي يعلم أن ربّه لطيف، عنده ذاكرة حسنة.
كل آخر شهر يمر على ذوي الدخل المحدود بالأزمات ويخرجهم الله، ويأتيهم الرزق مِن حيث لا يحتسبون، ويجدون مئة ريال أو مائتين محشورة هنا أو هنا، فتكون فرجًا عظيمًا، أو يأتيهم أحد يقول لهم: استدنت منكم قبل سنتين، فنقول: تعال جزاك الله خيرًا، وهناك مشاعر بهجة أن فرجًا أتى. فتأتي الشهر القادم وقد فُرّج عنك الشهر الماضي فتقول: هل كل مرة ستُعاد الكرة وسيأتي شخص استدان منا؟! فبدلًا من أن تزداد ثقة بالملك الرزاق يُنسيك الشيطان الفرج الأول، وليس ذلك فقط، بل يجعله لا شيء، يجعله بسبب الدين الماضي، لكن مَن ذكّره في ذاك الوقت بالدين؟ كيف قلبت الصفحات فوجدت هذه الـ 100 ريال داخل الكتاب؟ مالُك قد يكون محبوسًا عند أشخاص فيأتيك الله به في الوقت المناسب، فالنسيان طبع ابن آدم.
نحن نستخدم ذاكرتنا في الأحزان، نطرب بإعادة سلسلة الأحزان، وكل شخص له دفتر يكتب فيه مآسيه! على مَن تكتب مآسيك؟! على الرحمن الرحيم ؟! على الملك القدوس السلام؟! على الجبار الذي جبر قلبك؟! هل لما يجبر قلبك وينسيك تقوم أنت تقلب صفحات الأسى ؟! وهذا الكلام أخُص به الشباب؛ لأن الشيطان قد تخبطهم، شياطين الإنس والجن بالطبع، و هناك مَن رسم لهم رسما. في كثير من دفاتر الشباب التي أطّلع عليها في المناسبات كلامًا لو حاسبنا الله عنه لذهبت بركات البلاد والعباد!
لماذا ؟ كلها كفران بالنعمة، لا تكلمك إلا عن شخص كأنه في سجن كبير و قحط عظيم! ما هكذا تعامل ربك! حتى أنك تحرر الأسى ولا تحرر كيف أكرمك وأنعم عليك وأعطاك وأغناك وجعلك محفوظ النسب مكرمًا وجعلك من أهل السنة وجعل الدين طريقك! هل تنسى كل هذا ولا تذكر إلا ما نقص من هواك؟! نعم يمر الناس بأزمات لكن أليس لهذه الأزمات الرب الكريم الذي يخرجك منها؟ فعندما تريد أن تتذكر وتُبقي لك ذاكرة تذكر عطاءه ورحمته، لا أن تبقي في ذاكرتك كل الأسى الذي عشته!  عشت قبل 10 سنوات أسى وها أنا أراك بصحة جيدة فما بالك لا تذكر عطاياه؟ ما بالك تنسى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[6]؟ أين أنت من هذه الآية؟
الأسى إنما هو منزلة عالية، كل ما مررت به من آلام لن يذهب، ستجده في الصفحات مكتوبًا صبرًا يعليك في منازل الجنة، لا تتصور أن ربك ينسى شيئًا {فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}[7]، لكن لا تُبقي في كتابك وذاكرتك إلا ما يزيدك رضًى عن الله.
لماذا لما ندخل الأماكن لا يذكر أهلها في هذه الأماكن إلا ما آساهم؟ نكون عشنا 10 سنوات حياة طيبة ثم افترقنا على نوع أسى، فلماذا لما أراك بعد عشر سنوات لا أتذكر إلا مقاطع الأسى؟! ماذا عن مقاطع الآمال والحياة الطيبة التي عشناها؟! هل تذهب كلها؟! ليس هذا نسيانا فقط، بل أيضًا صفة نكران وجحود، فخَف الله في نفسك وأبنائك.
تكون المرأة متزوجة منذ 30 أو40 عامًا ولا تذكر زوجها إلا بسوء! أبعد هذه العشرة وهذا العمار؟! أتظنّ أن حياة تخلو من كدر؟! ألم تعرف وصف الحياة ووصف خلقك؟ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}[8] لا يمكن أن تأتي الحياة مخالفة لذلك وهذه سنة الله، والكبد هذا مؤقت، كلها 60 أو 80 سنة، كلمح البصر، كأنك دخلت مِن باب وخرجت من الآخر، ثم -نسأل الله عز وجل من فضله- الخلود في جنات النعيم.
هي مرحلة تعيشها فلا تتكلم عن الأسى فيها، تكلم عن العطايا واللطف والنقل من ضعف إلى قوة ومن جهل إلى علم، كل شيء يمشي من أجل أن يوصلك إلى الله فهل تنكر نعمة الله؟! هل تنكر أن علمًا انتشر؟! هل تنكر أن جهلاً انكشف؟ هل تنكر أن طعامًا تأكله هو من أطايب الطعام؟! هل تنكر أن كل نعيم من نعيم أهل الدنيا تراه؟ وكل هذا غمضة عين، اسأل أنعم أهل الدنيا سيخبرك أن ما مضى من نعيم كالحلم!
اذهب واجمع أموالك واسكن في أفخم فندق، سبع نجوم، واجلس خمسة أيام ثم اخرج في اليوم الخامس، هذه الـ5 أيام لا شيء، لا جدران الفندق ستحملها معك، ولا الفخامة التي فيها ستكون سببا لسعادتك في مستقبل الأمر، ولا أي شيء، وهكذا الدنيا، كمُقيم في نعيم فغادره سريعًا! فإذا كانت متاع الغرور فما بالك لا ترى فيها عطاء الله؟! ما بالك تنظر فقط للنقص؟! هذه الصفة: (نسيان عطايا الله) توصل العبد أحيانًا إلى جرائم في حق الربّ، وإلى سبّ لله، و إلى أن يكون جحودًا كفورًا بنعمة الله، فلا تكن مثل هذا.
ألا ترى أن الله في سورة الإنسان قسم الناس إلى قسمين : {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[9] ثم انظر إلى ما وراءك وكيف نقلك الله وأعطاك الله، وكيف أنه سبحانه وتعالى حفظ عليك بدنك وسمعك وبصرك، وأهمّ ما في هذا كله أنه حفظ عليك قلبك، فهذه كلها من النِّعَم التي تُذكر فتُشكر.
لا تجعل لك ذاكرة سيئة عن الحياة، اجعل لك ذاكرة طيبة عن أفعاله -سبحانه وتعالى-، هو الذي شرح صدرك ومتّعك بالصحة و العافية، وأنامك بلا قلق، وأحياك بلا تعب.
والله كثير ممن يأكلون لا يعرفون معنى أن تأكل هنيئًا مريئًا! هذه القناة التي تدخل فيها اللُّقمة كم من ميّت مات بسبب اختناقه في هذه المنطقة! كم من شخص من المرضى لا يهنأ بلقمة يأكلها، لا تصل اللقمة للمريء أبدًا، هؤلاء الأشخاص بالآلاف، يرى الناس يأكلون وما يستطيع أن يأكل إلا سوائل، وبالماء يَشْرَق! أنت تأكل متى تريد ومتى تشتهي، وهذا يقول: إذا كان هذا مصنوعًا من الدقيق فلا أستطيع أن آكله لأنه يتجمع فينقبض في المريء، و إذا كان مصنوعًا من كذا فلا أستطيع أن آكله، إلى هذه الدرجة! ثم أن مثل هؤلاء غالباً لا يستطيعون أن يأكلوا إلا شيئًا مُسكَّرًا ليذوب سريعًا في الفم، ويكون مصابًا بالسكر فلا يستطيع أن يهنأ به! فتجده يأكل على أضيق المسائل، وأنت تأكل ما تريد، وقتما تريد، دون أن تفكر!
أليست هذه نِعَمًا ؟!
مشاهد بسيطة من مثل هذا تجعلك تعرف ما قيمة ما أُنعم عليك، لكن مصيبة النسيان تجعل العبد بمجرد أن يأتي شيء على غير هواه ينسى كل النعم التي كان فيها وينسى كل فضل الله عليه، فاجعل هذه ذاكرة تجترّها ليلاً ونهارًا: حفظك، جعلك من أهل الإسلام، كل مفقود لا شيء، مادامت الفتنة ليست في ديني، كل شيء لا يساوي شيئًا مادمت لازلتُ حيًّا أستطيع أن أتوب وأعود وأشتري جنات النعيم بهذه الساعات الباقية من حياتي.

لابد تفهم أن النسيان علّة عليلة أخذت القوم بعيدًا وخصوصًا النساء أصحاب المشاعر الفياضة وقت الآلام، نعبّر تعبيرًا لا ينتهي، يأتي شخص يقول لك: أنا عاجز عن أن أصف لك المشاعر التي مرّت عليّ في هذه الأزمة، ويجلس ساعة كاملة يصف فقط مشاعره في الأزمة، ثم ماذا بعد أن خرجت؟ صف لي مشاعرك بعد الأزمة؟! يقول: أنا عاجز عن أن أتكلم، ويسكت! هذا الذي يحصل! حتى لما تجد شخصا يتكلم عن فرج الله يختصر، و لما يتكلم عن المصيبة التي وقع فيها يفصّل بدقة! فما بالك تتكلم عن الكريم الرحيم بهذا الأسلوب؟ ثم أننا غالبًا ننسى، فيقول لك: السيل، المطر، الرياح، السحاب، فعل وفعل، وكأن هذه ليست مُسخرة، وكأنها ما وراءها مَن أرسلها! فحالات النسيان التي نعيشها سبب لما نراه من عدم الرضى.

أريد أن نجمع عاملين إلى هنا:
1.    ادفع هواك و لا تجعله حاكمًا على أفعال الله، اختيار الله خير من اختيارك.
2.    نظِّف ذاكرتك واجعلها قويّة فيما عشته مِن التفريج والخروج مِن الأزمات، وادفع عن ذاكرتك الأحزان, وفي المواقف التي عاشها مَن حولك في مثل هذا.

لما تجلس في مجلس لا تكلم الناس عن أقدار وَقَعَت مِن الله على الخلق مِن جانب السوء، كلمهم عن أقدار وَقَعَت من الله على الخلق وكيف فرجها عليهم، حدّث بنعمة الله. وإذا وجدت قومًا يخيفونك مِن الكريم العليم بأن مصيبةً ستحصل، وجفافًا سيكون، وغرقًا سيكون -إلى آخر الكلام الذي تسمعه- كن مؤمنًا به وبرحمته، وكن على يقين أن استغفارًا وتوبة سبب لتفريج هَمٍّ واقع.

فالشاهد أن الذي ذاكرته قوية في هذا الأمر لما تأتيه أزمة مثل التي أتت قبل 4 أو 5 أو 10سنوات له ولم يكن له شيء يعطيه أولاده، ثم يتذكر أني كنت مثل هذا وأسوأ ففرجها الله، فيأتي أولاده يسألونه: ماذا سنفعل؟! فيقول: "والله ليرزقنا الله، والله سيفرجها الله علينا، والله أن فرجه آتٍ وسيأتي أقرب ما يكون"، ومثل هذا الواثق إذا أقسم على الله أبرَّه، تجده على يقين وثقة بالله، ليس في ذاكرته عن الله إلا كل خير لا عن فلان وفلان؛ لأن فلانًا أعطاني اليوم لكنه لن يعطيني غدًا، لا تحتفظ بذاكرتك تجاه الناس وتقول: دعني أخرج من ذاكرتي الطبيب الذي كنا معه أو المدير الذي عاشرناه فربما ينفعنا. تبحث عنه فتجده ميّتًا! فيقال لك: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}[10]، واترك عنك الخلق المرزوقين، وثِق بالرَّزَّاق الكريم -سبحانه وتعالى-.


ثالثًا: تعظيم المفقود.
تعظيم المصيبة، تعظيم الأمر الغير الموجود، تعظيم الناقص طبع لابن آدم في أن يرى ما نقص عليه عظيمًا، والسبب في ذلك ثلاثة أمور، فكلما رأيت شيئًا نقص عليك ورأيته عظيمًا؛ اعلم أن أحد هذه الثلاثة أمور شاركتك في هذه المشاعر:
1.    المحيط، والناس، والعادات والتقاليد، والمجتمع .
2.    الطمع.
3.    الجهل.
نبدأ بتفصيل النقطة الأولى: (المحيط و العادات و التقاليد).
في كثير من الأحيان تحصل أحداث على خلاف الهوى، لكن فقدان هذا الشيء في إتمام هذا الشيء لا شيء. مثال: يمكن أن يتزوج ابني أو ابنتي دون أن يكون هناك فرحٌ كبير، أو أن هذا مانع للزواج، كنّا قد خطّطنا أن نقيم زواجًا وكل شيء، ولأيّ ظرف كان ما استطعنا، فطيلة الوقت يندب العروسان والأهل حظّهم أنهم ما استطاعوا أن يقيموا الزواج، ما السبب؟ كل الناس المحيطون حولهم يقولون: كيف ستزوجون ابنكم الأول دون حفل زواج؟ لا يصح هذا!، في شرع مَن لا يصح هذا؟! هل هم لا يستطيعون أن يتزوجوا ويقيموا بيتًا إلا إذا أقاموا هذا الحفل العظيم؟! وكل الناس ينظرون لهم بنظر النقص، وأنكم مساكين وليس لكم حظّ، وحظّك في ابنتك الأولى يا خسارة! ومن هذا الكلام الذي يشعرك أن مصيبة عظيمة حلّت عليك! ثم تعال، ما المشكلة؟ ما بالكم تتكلمون عن أن مصيبة عظيمة حصلت؟ قال: "لأن ابنتنا ستتزوج ولم نستطع عمل هذا كله" وهل هذا من شروط نجاح الزواج؟! ربما العكس، فلا تفعل لهم هذا الأمر العظيم لأن أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أيسرهنّ مَؤُونَةً، فالمسألة أصبحت عكسية!.
في كثير من الأحيان يكون الناقص لا شيء ولا يكدر الحياة، والناس الذين حولك يوصلون لك مشاعر أن المفقود هذا شيء عظيم، وكأنه لا شيء بدون هذا الشيء! اتركهم، حرِّر المسائل  واجعل عندك عقلاً، هل هو حقيقة مفقود أو لا يُعتبر شيئًا؟ وعلى ذلك قِس، كم مِن ناس عندهم قدرة أن يكون لهم بدل الخادمة اثنتان، والزوج غير موافق، وكل الجيران يقولون لهم: لو أنا مثلك أطلب، لماذا يحبس عنك الأموال؟!، وهي قادرة على أن تخدم أهل بيتها، ثم تلزم طلب الحول والقوة من الله. هل أنسى كل فضل وإكرام هذا الزوج والاستقرار العائلي وأقلب الدنيا لأجل هذا الشيء؟ وكل الناس يقولون لك: (الذي هو أقل منك مستوىً عنده!) أرأيتم كيف يحدد لك المجتمع إذا كان هذا شيئًا عظيمًا أو لا؟ ألقهم وراء ظهرك، ولذلك اترك هذه الاستشارات الأسرية الداخلية في البيوت والمجالس، هؤلاء لو صمتوا جزاهم الله خيرًا لحُلّت كثير من مشاكل المجتمع.
2) الطمع.
من الأسباب التي تجعلك ترى المفقود كل شيء أنك طامع، فقد أعطاك الكثير، وأنت على هذا الناقص القليل ترى أن الحياة كدرت! فقد يقدّر الله -عز وجل- على بعض الأشخاص أن ينقص عليهم شيء من الحياة، وإذا نقص عليك شيء نقص على غيرك شيء، ثم أنه لما يُنقِص عليك يعطيك ويكملك، فكم من أعمى قوّى الله -عز وجل- فيه عقله وذكاءه، قوّى فيه سمعه ودقته، ألا ترى مِن أمثال هؤلاء الشيخ ابن باز -رحمه الله-؟ فكان يُقرأ عليه أمثال صحيح البخاري ثم يقوله سَرْدًا من قوة ما معه من ذاكرة -رحمه الله-، فهذا كله يُعْلِمْك أنه قد يكون هناك مفقود لكن يقابله عطاء أكثر، فلا تكن طامعًا، ووجود هذا لم يكن ينفعك، وعلى هذا ذرية غير موجودة، بيت ملك غير موجود ..الخ؛ لا تطمع، اقبل بما أعطاك الله إياه.
أذكركم بقصة قديمة: أن مَلكًا كان عنده خادم ووزير، فكان الملك يرى ما في خادمه مِن سعادة، و يرى ما في نفسه مِن كدر، وكان يرى الخادم لا شيء عنده، فما باله سعيد و أنا الملك عندي وعندي ولست سعيدًا؟! فسأل الوزير: ما بال الخادم أسعد مني في حياته؟ فقال له الوزير: جرِّب معه قصة التسعة والتسعين، ضع 99 دينارًا عند بابه في الليل واطرق بابه وانظر ماذا يحدث. فعل الملك ماقاله له، أخذ الرجل تلك الـ 99 دينارا، فلما عدها قال: (أكيد أن الدينار الباقي وقع في الخارج) فخرج هو وأهل بيته كلهم يفتشون، فذهب الليل عليهم، فغضب الأب، يبحث وما وجد، فثار عليهم على دينار بعد أن كان هادئًا! وأصبح اليوم الثاني متكدّر الخاطر؛ لأنه لم ينم الليل! فذهب إلى الملك فعلم الملك ما معنى الـ 99: أنك تنسى 99 نعمة في حق الله وتخرج تبحث ليلك كله على نعمة مفقودة! مابالك تطمع هذا الطمع؟! استمتع بالتسعة والتسعين ثم إن عِوض هذه المفقود جنات النعيم إذا صبرت.
3) الجهل.
جهلك بأن الحياة تسير بدون هذه الأشياء، جهلك أنك يمكن أن تنجح لكن ليس من هذا الطريق، جهلك أن الذي يصلح لك ولقدراتك هذا العطاء وليس هذا، جهلك أنه لا يصلح لك جيران من هذا النوع، جهلك أنك لا تستطيع أن تمسك هذه القيادة، تريد أن تكون مديرًا وتترقّى لكنك جاهل أنك لا تصلح أن تكون مديرًا، ما دمت في مكانك هذا فسمعتك طيبة، لو أصبحت مديرًا ستتشوه سُمْعتك! لأنك لست على قدر تلك المسؤولية، فأنت جاهل بما يصلحك فلا تطمع، لا ترى أن المفقود كل شيء لأنك جاهل ما هو هذا الشيء المستقبلي؛ لأننا لما نكون جهالاً وتكون لدينا مطامع ورغبات ولا نجدها بسبب جهلنا تتكدر حياتنا، لأننا لا نعرف أن ما حُجب عنا فيه الخير الكثير.
أسأل الله لي ولكم أن نكون من الراضين عنه -سبحانه وتعالى- ومن الموفقين في عبادته كما يحب ويرضى.

سائلة تسأل عن شخص ليس ساخطًا ولا راضيًا حامدًا ، لا يوجد لجوء لله ولا بُعد عنه؟
الجواب: هذا فقط يحتاج إلى تحريك جيد للجوء إلى الله، كأنه مستعد للجوء إلى الله وبقي عليك أن تحرك فيه هذا.
سائلة تسأل: هل الناس درجات في الرضى؟
الجواب: نعم على قدر علمهم عن الله.
سؤال ورد من الحاضرات: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))[11] هل شرطًا أن يصبر ليكون خيرًا له؟ وهل الخير في الدنيا والآخرة؟
الجواب: نعم، لا يكون خيرًا إلا إذا صبر. إذا قبلت عن الله قرأت ما يرضيك، و إذا لم تقبل ما استطعت أن تفك شفرة الأمر ووجدت نفسك من دوامة إلى دوامة.
انتهى اللقاء ولله الحمد والمنة.





[1]  رواه الترمذي (كتاب الزهد ، باب ما جاء في الصبر على البلاء، 2396) ، وابن ماجه (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلاَءِ، 4031)، وحسّنه الألباني.
[2]  رواه البخاري (كتاب الجهاد والسير، باب الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللهِ، 2886)
[3]  القصص:7
[4]  طه: 115
[5]  يوسف: 100
[6]  الضحى:11
[7]  طه:52
[8]  البلد:4
[9]  الإنسان:3
[10]  الفرقان:58
[11]  رواه مسلم (كتاب الزهد والرقاق، باب الْمُؤْمِنُ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، 7692).

http://www.wata.cc/up/2014/08/files/w-19696a4c68.pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.