الجمعة، 15 أغسطس 2014

شرح اسم الله (الإله)







بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي الفاضلات، إليكم سلسلة تفاريغ من دروس أستاذتنا الفاضلة أناهيد السميري حفظها الله، وفّق الله بعض الأخوات لتفريغها، ونسأل الله أن ينفع بها، وهي تنزل في مدونة (عِـلْـمٌ يُـنْـتَـفَــعُ بِــهِ)      http://tafaregdroos.blogspot.com/#!/
تنبيهات هامة:
- منهجنا الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.
- هذه التفاريغ من اجتهاد الطالبات ولم تطلع عليه الأستاذة حفظها الله، أما الدروس المعتمدة من الأستاذة فهي موجودة في شبكة مسلمات قسم (شذرات من دروس الأستاذة أناهيد)      http://www.muslimat.net/
- الكمال لله عز وجل، فكتابه هو الكتاب الوحيد الكامل السالم من الخطأ، فما ظهر لكم من صواب فمن الله وحده، وما ظهر لكم فيه من خطأ فمن أنفسنا والشيطان، ونستغفر الله..
والله الموفق لما يحب ويرضى.

 


بسم الله الرحمن الرحيم
ألقي في الدورة الصيفية رجب 1430هـ
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا الباب باب الأسماء والصفات مِن أعظم أبواب العلم؛ لأنّه سبب لمحبّة الله، ومحبّة الله أوّل طريق العبد للاستقامة؛ والمحبّة لابدّ أن تنتج مِن علم، أي أنّه لن يقع في قلبك محبة الله إلا وهذه المحبة مبنيّة على العلم، لذلك لما تتعلّم عن الله وتزداد علمًا عنه تزداد استقامة في حياتك؛ لأنّ العلم عن الله يورث المحبة والمحبة تورث الاستقامة.


الله - الإله
إنّ أصول الأسماء الحسنى التي تجمع في دلالاتها معاني سائر أسماء الله ثلاثة أسماء وهي:
الله
والرب
والرحمـٰن.

طريقة دراستنا لباب الأسماء والصفات: سنستخدم كتاب (فقه الأسماء الحسنى) للشيخ عبد الرزاق البدر، ونسير فيه بالترتيب، فأول اسم ذكره الشيخ هو اسم: (الله، الإله)، وذلك بعدما ذكر مقدمة عن أسماء الله. سنقرأ كل يوم ما تيسر من نفس الكتاب، ونعلّق عليه. بسم الله.  قال -حفظه الله-:





ما ميزة هذه الثلاث الأسماء؟ سمّاها الشيخ أصول الأسماء الحسنى؛ لأنها تجمع في دلالتها سائر معاني أسماء الله.

فهذه الأسماء الثلاثة تنتظم في دلالاتها جميع أسماء الله، وأسماء الله تدور عليها وترجع إليها:
فاسم (الله) متضمّنٌ لصفات الألوهية.
واسم (الرب) متضمّنٌ لصفات الربوبية.
واسم (الرحمـٰن) متضمّنٌ لصفات الإحسان والجود والبر.
 







ومعاني أسماء الله تدور على هـٰذا، وقد اجتمعت هذه الأسماء الثلاثة في سورة الفاتحة (أم القرآن).
هذا معنى أنها أصول الأسماء. إذن هو إله، وهو رب، وهو المحسن الجواد البر بعباده، ينتظم هذا في الثلاثة الأسماء، فكل الأسماء تعود معانيها إلى هذه الثلاثة الأسماء.


قال ابن القيم: اعلم أنّ هذه السورة اشتملت على أُمّهات المطالب العالية أتمّ اشتمال، وتضمّنتها أكمل تضمُّن. فاشتملت على التعريف بالمعبود -تَبَارَكَ وَتَعَالىٰ- بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها؛ وهي: الله، والرب، والرحمـٰن.
وبُنيت السورة على: الإلهية، والربوبية، والرحمة.
فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مبني على الإلهية، و{إيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة. والحمد يتضمّن الأمور الثلاثة، فهو المحمود في ألوهيته وربوبيته ورحمته.      انتهى كلامه رحمه الله.

ففي سورة الفاتحة قال تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ} وهنا: لفظ الجلالة (الله).  {رَبِّ الْعَالَمِينَ} هنا: الرب.  {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } هنا: الرحمن.





استشهد الكاتب بكلام ابن القيم -رحمه الله- في سورة الفاتحة؛ ليبيّن لك أن أصول أسماء الله تعالى ثلاث: (الله، الرب، الرحمن) والثلاث هذه في سورة الفاتحة، فقد عرّفتنا بالله بثلاثة أسماء: (أنَّه الله، وأنَّه الرب، وأنَّه الرحمن).
أما الرحيم يعود إلى الرحمن؛ لأن الرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة، فمِن رحمته الواسعة أنَّهُ يوصل رحمته لكل أحد.
وأيضًا السورة نفسها مبنية على هذه الثلاثة أمور: الألوهية. والربوبية. والرحمة. يتبين ذلك لما تقرأ: {الْحَمْدُ للّهِ} فهنا عَرَفْتَ الله، {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهنا عَرَفْتَ الرب، ومن {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } عَرَفْتَ الرحمن، وبعد ذلك أتى قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }[الفاتحة : 4-6[ . أما{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فمبنية على الألوهية؛ أي أني أعبدك لأنك إلهي؛ لأنك الله (الألوهية). {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أستعين بك لأنك الرب المعين (الربوبية). ثم أتى طلب الهداية في قوله: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم} ففيها طلب الصراط المستقيم، وأنت تعتقد أن الله رحمن رحيم؛ أي أنك تعتقد في الله صفة الرحمة. إذن {الْحَمْدُ للّهِ} الحمد يتضمّن الأمور الثلاثة؛ فهو يُحمد -سبحانه وتعالى- على ألوهيته، وعلى ربوبيته، وعلى رحمته.
ثمّ كلّ هذه الصفات تجتمع وتظهر آثارها يوم الدين {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيظهر من ربوبيته، ورحمته، وألوهيته ما لا تدركه العقول اليوم، وتظهر أيضًا آثار الربوبية عليك؛ فإذا اتخذت الله ربًا وإلهًا وطلبت منه الرحمة، ستظهر آثار طلبك منه يوم الدين، فكلما زدت تأليهًا له، واستعانة به، وطلب الرحمة منه، كان هذا اليوم العظيم أسهل وأيسر عليك، وكلما ضعفْت في هذا، كان يوم الدين أصعب وأعسر عليك. فنسأله بمنِّه وكرمه أن يجعلنا ممن كان هذا اليوم عليه يسيرًا، اللهم آمين.

وأول ما نبدأ به من أسماء الله الحسنى اسمه تبارك وتعالى (الله)، وهو اسم ذكر جماعة من أهل العلم أنه اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.
 





ولهذا الاسم خصائص وميزات اختصّ بها:
أ- أنه الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، وسائر الأسماء مضافة إليه ويوصف بها،
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180[
وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8[
وقال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر

ومعروف أنّ الاسم الأعظم لله -عزَّ وجلَّ- هو اسم من أسمائه التي ذُكرت في كتابه أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن لم يُخصَّص الاسم، فأصبح للعلماء فيه آراء، فمنهم مَن قال أن (الله) هو الاسم الأعظم.







سائر الأسماء مضافة إلى اسم الله؛ فاسم الله هو أصل لجميع الأسماء، وجميع الأسماء مضافة إليه، واستشهد الكاتب هنا بآية الأعراف وآية الحشر؛ أما آية الأعراف ففيها إثبات أنه الأصل لجميع الأسماء: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأسماء الحسنى لله تبارك وتعالى، فأصبح اسم الله هو الأصل، وجميع الأسماء الحسنى تابعة له. ثم في آخر آية من سورة الحشر أضيفت الأسماء الحسنى للفظ الجلالة الله: {هُوَ اللَّهُ} ثم أضيف {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} والآية التي تسبقها أيضا نفس الأمر لكن هناك فاصل بين الله وبين الأسماء المضافة إليه، قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ثم أضيف {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} فكلها مضافة إلى الله.
إذن مِن خصائص اسم الله أن الأسماء تُضاف إليه.

ويقال: (الرحمن الرحيم الخالق الرزاق العزيز الحكيم) من أسماء الله.
ولا يقال: (الله) من أسماء الرحمن الرحيم أو من أسماء العزيز، ونحو ذلك.
 






ومن خصائص هذا الاسم :
ب- أنه مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال.
والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي هي صفات الجلال والكمال والعظمة، فهو الاسم الذي مرجع سائر أسماء الله الحسنى إليه، ومدار معانيها عليه.

أي أنك تقول بأن مِن أسماء الله (العزيز، الحكيم، الرحيم)، لكن لا تقول بأن من أسماء العزيز (الله)، فالله هو الاسم الأصل، وجميع الأسماء تُضاف إليه ويوصف بها هذا الاسم.  إذن الخاصية الأولى أنه الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، وسائر الأسماء مضافة إليه ويوصف بها.
الخاصية الثانية:



أي أن لفظ الجلالة (الله) يستلزم جميع الأسماء الحسنى ويدل عليها ولكن بالإجمال، وأسماء الله تفصيل لهذا الاسم، فلأنه إله ولأنه الله إذن هو الخالق، إذن هو البارئ، إذن هو المصور، إذن هو كامل الصفات الذي يستحق العبادة، هذا معنى أنه مستلزم لجميع معاني الأسماء، فجميع معاني الأسماء يدل عليها اسم الله؛ لكن يدل عليها بالإجمال، وبقية أسماء الله تدل على كمال صفات الله بالتفصيل.




ومن خصائصه:
ج- أنه لا يسقط عنه الألِفُ واللام في حال النداء، فيقال: يا الله، فصار الألف واللام فيه كالجزء الأساسي في الاسم.
وأما سائر الأسماء الحسنى إذا دخل عليها النداء أسقط عنها الألف واللام، فلا يقال: يا الرحمن، يا الرحيم، يا الخالق، وإنما يقال: يا رحمن، يا رحيم، يا خالق.

من خصائصه أيضًا:




 إذن إلى الآن ثلاثة خصائص:
1.    أنه أصل الأسماء وجميع الأسماء تُضاف إليه ويوصف بها.
2.    أنه مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، واسم الله فيه جميع معاني الأسماء الحسنى لكن على الإجمال، في مقابل أن بقية أسماء الله فيها تفصيل لهذا الإجمال.
3.    أنه لا يسقط عنه الألف واللام، في مقابل أن سائر أسماء الله إذا دخل عليها ياء النداء أسقط عنها الألف واللام.

ومن خصائصه
د- أنه الاسم الذي اقترنت به عامة الأذكار المأثورة، فالتهليل والتكبير والتحميد والتسبيح والحوقلة والحسبلة والاسترجاع والبسملة وغيرها من الأذكار مقترنة بهذا الاسم غير منفكة عنه.
فإذا كبّر المسلم ذكر هذا الاسم، وإذا حمد ذكره، وإذا هلّل ذكره، وهكذا في عامة الأذكار.

ومن خصائصه:




أي أن التهليل (لا إله إلا الله) فيها لفظ الجلالة الله، والتكبير (الله أكبر) فيها لفظ الجلالة، والتسبيح (سبحان الله)، والتحميد (الحمد لله)، والحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله)، والحسبلة (حسبي الله)، والاسترجاع (إنا لله)، والبسملة (بسم الله)، كلها فيها لفظ الجلالة الله، فعامة الأذكار المأثورة فيها لفظ الجلالة الله؛ وإن كان هذا لا يمنع أن يكون بعده مُضاف إليه غيره، مثل (بسم الله الرحمن الرحيم).

ومن خصائصه:
هـ - أنه أكثر أسماء الله الحسنى ورودًا في القرآن الكريم، فقد ورد هذا الاسم في القرآن أكثر من ألفين ومائتي مرّة، وهذا ما لم يقع لاسم آخر، وقد افتتح الله -جلّ وعلا- به ثلاثًا وثلاثين آية.
وقد عدّد العلامة ابن القيم عشر خصائص لفظية لهذا الاسم, ثم قال:
"وأما خصائصه المعنوية فقد قال فيها أعلم الخلق به -صلى الله عليه وسلم- ((لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)).
وكيف تحصى خصائص اسم مسماه كل كمال على الإطلاق ومدح، وكل حمد، وكل ثناء، وكل مجد، وكل جلال، وكل كرم، وكل عزّ، وكل جمال، وكل خير وإحسان وجُود وبِّر وفضل، فَلَهُ ومِنْهُ؟!
- فما ذكر هذا الاسم في قليل إلَّا كثّره                             - ولا عند خوف إلَّا أزاله
- ولا عند كرب إلَّا كشفه                                 - ولا عند همٍّ وغمٍّ إلَّا فرَّجه
- ولا عند ضيق إلَّا وسَّعَه                         - ولا تعلَّق به ضعيفٌ إلَّا أفاده القوة
- ولا ذليل إلَّا أناله العزّة                                    - ولا فقيرٍ إلَّا أصاره غنيًّا
- ولا مستوحش إلَّا آنَسَه                                   - ولا مغلوب إلَّا أيَّده ونصره
- ولا مضطرٍّ إلَّا كشف ضرَّه                                          - ولا شديد إلَّا آواه
- فهو الاسم الذي تُكْشَفُ به الكربات          - وتُستنزَلُ به البركات والدعوات
- وتُقالُ به العثرات                                         - وتُستَدفَعُ به السيِّئات
- وتُستَجلَب به الحسنات..." إلى آخر كلامه رحمه الله.
أيضًا من خصائصه:











هذا كله يعتمد على اعتقادك في هذا الاسم، أي أنه كلما زاد يقين العبد بأن الله كامل الصفات، وأنه إذا قال: (يا الله) نادى الله، نادى مَن له الكمال المطلق، ومَن بيده الأمر كله، ومَن هو على كل شيء قدير. فإذا امتلأ قلبه بذلك، كُشفت الكربات، نزلت البركات، أُقيلت العثرات، اُستدفعت السيئات.
أما إذا دَعوت وقلت: (يا الله) وقلبك ما امتلأ اعتقادًا أنه كامل الصفات، سيكون هذا مثل أي كلام تقوله وقلبك غير ممتلئ به، فأصبح مدار الانتفاع باسم الله بل بكل الأسماء على ما قام في قلبك، فإذا امتلأ قلبك يقينًا بأن كلمة (يا الله)، لفظ الجلالة (الله) تعني لك أنه كامل الصفات، تعني لك أنه: كامل العلم، كامل القدرة، كامل الإطلاع، أنه محيط بك، أنه على كل شيء قدير، أن حالك عنده معلوم، وأن فرجك بيده، كل هذا لما يقع في قلبك ستكون كلمة (يا الله) مختلفة عما لو كان الإنسان ضعيفًا في اعتقاده، ولذلك تجد العبد يقول بلسانه: (يا الله)؛ لكن بوجدانه معلق بغير الله! لماذا يتكلم الإنسان بلسانه بشيء مختلف عما قام في قلبه؟ بسبب ضعف العلم عن الله أو ضعف اليقين.
فأنت تحتاج مع أسماء الله تعالى إلى أمرين:
الأمر الأول: العلم؛ فتتعلّم معنى الاسم.
الأمر الثاني: اليقين بهذا المعنى.
فأنت تعْلم أن معنى اسم الله هو كل معاني الأسماء الحسنى، فكل شيء ستتعلمه بعد ذلك سيعود له، فكأنه يُضاف في قلبك إلى معنى اسم الله. سنتقدّم ونتعلّم عن الرب، عن الرحمن، عن الجبار، عن الستير، عن الغفور، عن الشكور، وهذه كلها من أسماء الله، فكلما تعلمت اسمًا تُضيفه إلى اسم الله، تضيفه إلى المعنى القائم في قلبك، فلَمّا تقول: (يا الله) تجمع في قلبك كل الذي تعلمته عن الله: أنه شكور، غفور، جبّار، قريب، مجيب، سميع، بصير، كل الذي تعلّمته تجمعه في لحظة حاجتك، وعلى ذلك أصبح العلم مهم جدًا لكي تنتفع مِن تعاملك مع أسماء الله، لابد أن تتعلم معانيها من أجل أن تنتفع بها. لكن هل يكفينا العلم؟ لا، فهناك أناس كثيرون عندما تسألهم عن معنى اسم كذا وكذا، يستطيعون الإتيان بالمعاني منضبطة وبأدلتها وشواهدها. لابد أن يُضاف إلى العلم اليقين، وهذا يغيب عن كثيرين!
كيف أتيقن بمعاني أسماء الله تعالى؟
بملاحظة تربية الله، وسيظهر لنا ذلك لما نأتي عند اسم (الرب)..
الله -عزَّ وجلَّ- يربّيك طوال حياتك، يربّيك بما يجريه عليك مِن أقدار؛ وهذه الأقدار التي تجري عليك ينقسم الناس أمامها إلى صنفين: أعمى، وبصير. لذلك تجد في كتاب الله تكرار الكلام عن الأعمى والبصير؛ وأن الناس إما أعمى أو بصير. فمَن هو البصير؟
البصير هو: الذي بصّره الله بتربيته، فإذا أقدمت مثلا على عمل، ومنعك الله منه، كيف تُفسّر منْع الله لك؟ إذا كنت بصيرًا سترى أن اختيار الله أحسن مِن اختيارك، وستنتظر مِن ردّك عن هذا الأمر الخير؛ لأن شيئًا يمنعك الله عنه فمِن المؤكد أن المنع هو المصلحة، لكن مَن يرى هذا؟ البصير، ونحن لدينا أعمى وبصير، ولدينا أيضا أناس في الوسط ليسو عميان تمامًا، وليسو بصيرين تمامًا. في الغالب لما يكون هناك ضعف علم عن الله أو ضعف يقين، ويأتينا المنع، يكون عندنا تقريبًا عمى، فلا نرضى عن الله ولا نرضى عن أفعاله. اليقين يأتي من تربية الله. لكن متى ستنتفع مِن تربية الله؟ كلما ازددت بصيرةً، كلما استعملت الذي تعلمته في تصرفاتك.
فعلى سبيل المثال، مَرّ معنا اسم (الجبار)، وقلنا أن مِن معانيه: الذي يجبر القلوب المنكسرة، فإذا أردت أن تؤمن بهذا الاسم جيدًا لابد أن تغفل تمامًا عن كل أحد غير الله أنه يجبر قلبك، واعلم أنه لا يجبر قلبك إلا الله، وانظر إلى الحياة، تجد أنك إذا دخلت في مُشكلة مع أحد وجَرَحَك وتكلّم عليك، وجاء يعتذر لك، تجد أنه بدلاً مِن أن يُصلِح الموقف زاده سوءًا أو أخرج كلمة أكبر من الكلمة التي مضت! خصوصًا في الاحتكاكات الشديدة (الزوج، الأبناء) دائمًا تأخذ منهم هذه الجروح، فهذه الاحتكاكات الشديدة مهما كان فيها اعتذارات فلازال فيها ثغرات وآلام، فمِن أجل أن تَحِل مشكلتك ماذا يجب عليك أن تفعل؟ لا تتصور أن هؤلاء يجبرون قلبك بكلامهم، قد يأتي كلام طيّب، الحمد لله هذا رزق من الله؛ لكن مَن في الحقيقة يجبر قلبك؟ الله –عز وجل-، فحتى يُجبر قلبك لابد أن تدفع عن قلبك التعلق أن هؤلاء يجبرون قلبك، وتتعلق بالله أنه يجبر قلبك.
نحن نريد اليقين، أنتِ عشتِ المواقف، وزوجكِ مثلا تكلم عليك وحزنتِ وبكيتِ، ثم جاء يعتذر، ففتحنا الموضوع من جديد، ودخلنا في نقاش جديد، ولازال غير معترفا بخطئه، وأصبح الاعتذار مشكلة جديدة! ولن ننتهي! كلما حدثت هذه المواقف زادتك يقينا أنه لا يجبر قلبك إلا الله! فلما تجد أن الاعتذار أصبح مشكلة، هذا يبصّرك أنه لا يجبر قلبك إلا الله، أما الناس فيُجري الله على ألسنتهم ما يجبر به قلبك، لكن متى؟ لما ما تنتظر الجبر إلا من الله، لما يكون قلبك معلقا بأن الله هو الذي يجبرك، حينها يُجري الله -عز وجل- على ألسنة الناس حولك ما يكون جبرا لخاطرك. لكن أن تأتي وتقول: من حقي عليك أن تعتذر، ومن حقي كذا وكذا. قد ينفذها نعم مثل الرجل الآلي، ثم تقولين: ليته ما اعتذر! فاعتذاره أتى لي باكتئاب، والناس يردون عليك بأنك في بطر ولا تخافين الله، فتدخلين في دوامة ولا أحد يشعر بك، لأنه اعتذر أصلا بأسلوب مستفز، وقد تحكين الذي حصل لكِ لأحد فيقول لك: احمدي الله فزوجي لا يعتذر ولا يعترف، فتبقين تغلين من الداخل ولا أحد يشعر بك، هذا جزاء وفاقا، لأنك ظننتِ أن الناس يجبرون قلبك.
فعليك أن تتيقن، تكفيك هذه التجربة التي مررت بها لتفهم أن الناس لا يجبرون كسرك، والله هو الذي يجبر الكسر، إما من عطائه، فيكون الزوج ليس كثير الاهتمام ولكن الأبناء والإخوان والأب والأم شديدي الاهتمام الحمدلله، فينقص جانب لكن تأتي جوانب أخرى، والدنيا أصلا لابد أن يكون فيها ابتلاء {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } فاقبل جبر الله لك.
وأيضًا من عطاء الله وجبره لك أنه يجري على لسان هذا الذي أنقصك كلامًا يجبرك به. مقصدنا مِن هذا كله أنك لما تعيش المواقف تفهم أنه ما جبرك إلا الله، وما أعطاك إلا الله، وما أغناك إلا الله، وما رزقك إلا الله. مواقف متكررة ولو حكيتها لأحد لن يفهمها، ولا يهم ذلك، فمن القواعد المهمة للانتفاع بالتربية أن لا تحكي لأحد شيء لأنك مهما حكيته فلن يفهم لأنك تعرف كل الملابسات لهذه التربية التي رباك الله إياها، لما يربيك الله تزداد يقينا، ففي المرة القادمة يستحي قلبك أن يلتفت لغير الله، أن يطلب غير الله.
فمطلوب منك أمران: الأمر الأول أن تتعلم والأمر الثاني أن تتيقن. كيف تتيقن؟ انتفع بتربية الله لك، فالله يربيك، وإذا كنت بصيرا انتفعت مما تعلمته، ومن رحمة الله بعباده أنه يعلمهم ثم يربيهم، يعلمك المسألة ثم يربيك فيها ويرى هل تُبْصِر بعدما بصّرك أو تبقى أعمى؟! ولذلك كثير من طلاب العلم الذين يحضرون دروس العلم يجدون كثيرًا من أحوالهم تُقال في الدروس، مَن الذي أخبر المتكلم؟! لم يخبره أحد، إنما الله يُجري على لسان المتكلم ما ينفع السامع؛ لأنه هو الذي يربّي عباده -سبحانه وتعالى-، ويربّيهم بتعليمهم؛ فيعلّمهم ويبصّرهم، لكن الناس ينقسمون إلى قسمين: أعمى وبصير.
فمتى ينفعك اسم الله هذا النفع كما ذكر ابن القيم: "فماذكر هذا الاسم في قليل إلا كثّره، ولا عند خوف إلاَّ أزاله، ولاعند كرب إلاَّ كشفه، ولا عند همٍّ وغمٍّ إلا فرجه، ولا عند ضيق إلاَّ وسَّعَه، ولا تعلَّق به ضعيفٌ إلاَّ أفاده القوةَّ، ولا ذليل إلا أناله العزة، ولا فقيرٍ إلا أصاره غنياً" متى يحصل كل هذا؟ على قدر ما قام في قلبك من يقين، واليقين عبارة عن علم وانتفاع بتربية الله. على قدر ما قام في قلبك من اعتقاد على قدر ما تنتفع من أسماء الله.
لا تتصور أن القضية في عدد، فقد يأتي مَن يقول: "اسم (اللطيف) له ملائكة! قُل:(اللطيف) ألف مرة وهذا التكرار يأتي بالملائكة التي تنفعك!" ليست هذه الطريقة؛ بل الطريقة أن تعتقد في الاسم كمال صفات الرب، فإذا اعتقدت نفعك الله بما اعتقدت، لذلك ورد في الحديث: ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ))[1] فإذا تعلقت بالله كيف يعاملك الله؟ يكون وكيلك؛ وإذا كان الله وكيلك كفاك كل همّ، ودفع عنك كل غمّ، ولا ترى الشرور إلا عابرة عنك مِن قوة حصانتك.
تجد شخصا يقول لك: "الكهرباء كانت ستُحدث حريقا هنا لكن دفع الله الشر". وأنت غافل عن أنه تبقى ثانية واحدة ويحصل حادث، لكن دفع الله عنك الشر وأتى الخير، وأنت تكون في وسط هذا، وما تسمع الشرور إلا وهي مارّة، لأنك تحصنت بالقوي العزيز.
ومثله لما يأتيك الشيطان وتكون قد تحصّنت بالله وتقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) متى تنفعك هذه الكلمة؟ على قدر يقينك بالله –عز وجل- وبأنه يعصمك وأنه يدفع عنك الشيطان ويخذله. لذلك كلما تيقنّت أن: مَن آوى إلى الله آواه الله، تنتفع بالاستعاذة ولا يتسلط عليك الشيطان، فأصبحت كل القضية في قلبك، قلبك هو محط نظر الرب: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ))[2] فانظر إلى قلبك أين مكانه؟ وبماذا امتلأ؟ فعلى أساس هذا القلب ستكون معاملة الرب لك.
إذن كل البركات في هذا الاسم تنزل على مَن اعتقد؛ لأننا نسمع ثناءً على مَن تعلق بأسماء الله، ونرى أننا نردد الأسماء وما نجد كثيرًا من آثارها! لماذا؟ لأنك لن تنتفع بأسماء الله إلا بقدر اعتقادك.

وأما معنى هذا الاسم فأصله (الإله) وهو بمعنى المعبود.

بعد ذلك قال:

ما العلاقة بين لفظ الجلالة (الله) والعبادة؟
(الله) أصلها (إله)، والفعل من (إله) هو التأليه، والتأليه معناه التعلق والتعظيم اللذان يورثان الذل، والذل يورث العبادة، إذن الله أصلها الإله وهو يعني المعبود.
أصل كلمة (الله)

مِن إله، وإله معناه

مألوه

مألوه أي تألهه القلوب، مِن (الألوهية)


التعلق

التعظيم
 



و(الإله) اسم من أسماء الله الحسنى, ورد في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَٰهَ إلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ} [البقرة :163[
وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَا إِلَٰهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ]التوبة:31 [
وقال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَهلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ]الأنبياء:108[
إذن عبد يؤلِّه الله أي يتعلّق به ويُعظّمه. فلما نقول لأحد: انتبه أن تكون علاقتك بأحد علاقة التأليه، لا تؤلّه رئيسك في العمل، لا تؤلّه محبوبك. ما معنى (تؤلّهه)؟ أي تتعلق به وتعظمه غاية التعلق والتعظيم. إذن (الله) أتت من (إله)، وفعل (إله) هو التأليه، والذي يقوم بالتأليه هو العبد، فقلبه يقوم بالتعلق والتعظيم. وهذا التعلق والتعظيم يورث الإنسان ذُلاًّ. فالإنسان الذي تحبه غاية الحب وتعظمه غاية التعظيم، تتعامل معه بالذل، والخضوع، والانكسار! لأنك جمعت بين اثنين (المحبة والتعظيم). فغاية المحبة مع غاية التعظيم ليست حقًا إلا لله، وستورثانك الذل والخضوع، والذل والخضوع هما العبادة.





لماذا انتقل إلى (الإله)؟ لأنه أصل اسم الله، واستشهد بآية البقرة وآية التوبة وآية الأنبياء، فآية البقرة: {وَإِلَهُكُمْ  إِلَهٌ وَاحِدٌ  لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} تدلّ على ثبوت اسم الإله.  وآية التوبة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ   سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}  أيضًا تدلّ على ثبوت اسم الإله. وفي الأنبياء: { قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ  فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} إثبات اسم الإله. فهذا كله فيه إثبات لاسم الإله.


وهذا وإنَّ أجمع وأحسن ما قيل في معنى (الله) ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:
”الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين“. رواه ابن جرير في تفسيره.

 




ما معنى الله ؟
ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين؛ يعني صاحب الألوهية والعبودية، والصاحب يعني المستحق لها.

فقد جمع -رضي الله عنه- في هذا التفسير بين أمرين:
الأول: الوصف المتعلِّق بالله من هذا الاسم الكريم، وهو الألوهية التي هي وصفه الدال عليها لفظ (الله)
كما دلّ على العلم -الذي هو وصفه- لفظ (العليم)
وكما دلّ على العزّة -التي هي وصفه- لفظ (العزيز)
وكما دلّ على الحكمة -التي هي وصفه- لفظ (الحكيم)
وكما دلّ على الرحمة -التي هي وصفه- لفظ (الرحيم)
وغيرها من الأسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها
 










العليم اسم، والصفة العلم. العزيز اسم، والصفة العزة. الله اسم، والصفة الألوهية. إذن كل اسم من أسماء الله متضمّن لصفة، مرّر على ذهنك أسماء، واذكر الصفة منها:
الاسم
الصفة منه
الكريم
الكرم
السميع
السمع
الحكيم
الحُكم والحِكمة
الحليم
الحِلم
اللطيف
اللطف
القوي
ذو القوة

هناك أسماء مشهورة والصفات منها واضحة، لكن هناك أسماء أيضا مشهورة والصفات منها ليست ظاهرة في الذهن؛ فاسم الشكور من أسماء الله، ولو قلنا لك: اكتب سطرين في معنى هذا الاسم، سيتجه العقل مباشرة إلى الشكر الصادر من العبد، مع أنك تتكلم عن صفة لله؛ لكن ذلك من كثرة غرابة المعنى.  نحن نتصور أن العبد عليه أن يشكر ربه، لكن كيف يشكر الله عباده؟ نعم يشكر الله عباده، وهذا من عظيم رحمته تعالى وعطائه: أنك تعمل الحسنة، فيشكرها الله -عزَّ وجلَّ- لك فيجعلها إلى سبعمائة ضعف أو أكثر، كما في آية سورة البقرة: {إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}وصف الله نفسه بأنه واسع: بمعنى أنه واسع العطاء، وعليم بمن يستحق هذا العطاء. إذن تحتاج أن تمرِّر على نفسك أسماء الله وتعرف ما هي الصفة في كل اسم، وعلى أساسه سيسْهُل عليك استيعاب معاني الأسماء. فمثلا المُهيمن: ما المقصود باسم المهيمن؟ نقرأ معناه من كتاب (فقه الأسماء الحسنى):


قال: ومعنى المهيمن أي:
المطّلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور
الذي أحاط بكل شيء علمًا
الشاهد على الخلق بأعمالهم
الرقيب عليهم فيما يصدر منهم من قول أو فعل
 لا يغيب عنه من أفعالهم شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

 







إذن المُهيمن يعني المُطلع على خفايا الأمور، أي أن له علاقة بصفة العلم؛ فالصفة التي نثبتها في اسم المهيمن هي العلم، فعلمه -سبحانه وتعالى- مُحيط بكل شيء، مُطلع على خفايا الأمور، رقيب على أعمال العباد، فاسم المهيمن يدور حول كمال صفة العلم.
نأخذ مثال أيضا اسم المؤمن، يدور معنى اسم المؤمن حول أنه -سبحانه وتعالى-  مُصدِّق لنفسه، مُصدِّق لوعده، ومُصدِّق لوعده لجزائه للمؤمنين. فالاسم لابد أن يكون وراءه صفة يوصف الله بها.
كذلك اسم السلام، الصفة: أنه سالم من النقص والعيب.
فكل اسم متضمن لصفة، وقد تستطيع أن تأتي بالصفة من ظاهر الاسم، مثل العليم صفته العلم، والعزيز صفته العزة، لكن هناك أسماء من الصعب عليك استخراج الصفة لو ما راجعت معناها، فلابد من مراجعة معناها، مثل المؤمن والمهيمن. إذن الله اسم، والصفة: أنه ذو الألوهية. ما معنى أنه ذو الألوهية؟ نقرأ من أجل نتصور المسألة.


فكذلك (الله) هو ذو الألوهية، والألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهًا، بل استحقّ أن لا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشاركٌ بوجه من الوجوه، وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرّ والكرم والامتنان.

 





(الله) يعني: ذو الألوهية؛ أي أنه هو الإله، فكأنك تقول: إله؛ لأنه موصوف بأوصاف الألوهية، أي أن له جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبر والكرم والامتنان، كلها مُجتمعة في الله الذي يستحق الألوهية، أي أن جميع أوصاف الكمال مجتمعة فيه، منتفية عنه جميع أوصاف النقص. لذلك لا يستحق أحد أن يكون مع الله إلهاً، لماذا؟ لأن كل الخلق أوصافهم أوصاف النقص، والله -عزَّ وجلَّ- له أوصاف الكمال، وله من الكمال أكمله، أما العباد ففيهم كمال، لكنه ناقص على قدرهم، وأيضًا فيهم أوصاف نقص، فقد جمعوا بين مشكلتين: أن فيهم أوصاف نقص، وأن الكمال الذي  فيهم ناقص.
في المقابل وصف الله تعالى: أوصاف النقص منفية عنه: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}، { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} .
وأيضًا موصوف بصفات الكمال، بل له من الكمال أكمله، لذلك استحق أن تتعلق به وتترك باب كل أحد غيره، هذا الاسم يزيد معناه في قلبك كلما زدت علمًا عنه -سبحانه وتعالى-، فكل ما تعلمته كأنك تجمعه تحت هذا الاسم، فلما تقول: (يا الله) يكون في قلبك أنه (رحمن رحيم، جبار، غفور، شكور...) كل هذه المعاني، ولذلك لن تزداد حبًّا لله تعالى إلا بزيادة علمك عنه.
إذن معنى لفظ الجلالة الله: أنه ذو الألـوهية؛ وذو الألوهية يعني صاحب الألوهية، أي المستحق أن يكون إلها، ومَن المستحق أن يكون إلهًا؟ هو مَن جمع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرّ والكرم والامتنان، هو صاحب الألوهية، هو الذي يستحق أن يكون إلهًا، وهذا الأمر لما تُثبته لابد أن تستخدم أمامه النفي لغيره.
فإذا اعتقدت أن الله هو إلهك كامل الصفات، لابد مع هذا الاعتقاد أن تستعمل نفي هذه الصفات عن كل أحد غيره؛ وهذا معنى: لا إله إلا الله.
ما معنى لا إله إلا الله؟
نبدأ أولًا من عند اسم (إله)، فلما تقول: ليس لي (إله)، أي ليس لي معبود أعبده، ليس عندي أحد أعتقد أنه كامل الصفات أتعلق به وأعظمه إلا الله، هو: الذي أعتقد أنه ذو الألوهية، هو: الذي أعتقد أن جميع أوصاف الكمال، والجلال، والجمال، والرحمة، والبر، والكرم، والامتنان له، فأنت تنفي هذه الصفات كلها عن غير الله، وتثبتها لله –عز وجل-، ومن تفسير هذا مثلًا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}  فكل أحد غير الله وصفه أنه فقير، لا غني إلا الله، لا حميد في كل أفعاله وفي كل أقواله إلا الله، وحميد تعني أنه محمود، فلا يُحمد عليها إطلاقًا إلا الله.
لكن هل أنت تعيش هذا واقعيًا؟!  يأتي الفرق هنا بين الناس في تحقيق معاني أسماء الله؛ ومِن أجل ذلك ورد في الحديث ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))[3]  أحصاها يعني: أخذها من مصادرها، وعاش تحت ظلها، فمثلًا لو كنت تعتقد بأن الله هو الحميد، أي أنه المحمود على كل أفعاله إطلاقًا، وأفعاله هي ما يجري عليك من قضاء وقدر، و كذلك محمود –سبحانه وتعالى- على كل أقواله، وأقواله يُقصد بها كتابه، وكن فيكون لكل المخلوقات، فلما تقول: أنا أؤمن أنه وحده -سبحانه وتعالى- الحميد على كل أفعاله وأقواله، فهل أنت مؤمن بقضائه وقدره وحامد له عليه؟ هل واقع في قلبك أنه ما يأتيك من الله إلا الخير؟ على حسب درجة وقوع هذا الأمر يكون إيمانك بالاسم.
إذا كنت مؤمن حقيقةً أن لا إله إلا الله، فهذا يعني أنك معتقد بأن كل أوصاف الكمال موصوف بها الله، وأيضًا منفية عن غير الله؛ أي أنك تحتاج لأن تعيش تحت ظل تفكيرين وهما:
التفكير الأول: ضعف الناس وعدم استحقاقهم لا للتعلق ولا للتعظيم ولا للرجاء ولا للوقوف عند بابهم ولا لأي شيء، كل هذا يجب أن ينتفي عن الناس.
يُقابله: لا رجاء لك إلا بالله، لا متعلق ولا معظم في قلبك إلا الله، فكل ما تعتقده من كمال صفات في الله لابد أن تنفيه عن الناس، لكن الناس فيهم بعض كمال، فمن أين أتاهم هذا الكمال؟ الكمال ما أتاهم إلا مِن الله، وهم ليسوا أهل الكمال التام بل كمالهم الذي تراه ما هو إلا بسبب ستر الله عليهم؛ وإلا في الحقيقة هم نقائص، ودائما نقول للمرأة: لا تتعلقي بزوجك، لا تتعلقي بأبنائك، ونقول للأبناء: لا تتعلقوا بآبائكم تعلقًا يجعلكم تظنون أنهم كُمَّل؛ لأنه كل ما زاد ظنك في أن هذا كامل كلما كنت سببًا لكشف ستر الله عنه بالنسبة لك، فالشخض الكامل -في صورته الظاهرة- يزيد تعلقك به، ويزيد إحساسك أنه كامل، ويزيد تعظيمك له وشعورك أنه كامل؛ وكلما زاد هذا الشعور كلما كنت سببًا في أن يكشف الله لك عيوبه. لماذا؟ لأن هذا مِن تربية الله لك، يكسر لك مَن تراه عظيمًا.
ومِن أجل ذلك ارحم نفسك وارحم حتى الناس الذين ترتبط بهم، فلا تظن فيهم الكمال المطلق؛ لأنك إذا ظننت فيهم الكمال المطلق سيُكشف سترهم، فهم يكونون مستورين ومحترمين عندك، فلما تعظمهم زيادة يكشف الله لك ما بهم من عيوب.

فإنّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤْلـَه ويُعبد لأجلها
فيؤله لأن له أوصاف العظمة والكبرياء
ويؤله لأنه المتفرد بالقيوميّة والربوبية والملك والسلطان

 





لماذا تؤلهه وتتعلق به وتعظمه -سبحانه وتعالى-؟ لأن له أوصاف العظمة والكبرياء، لأنه المتفرد بالقيوميّة والربوبية والملك والسلطان.
 لماذا تتعلق بالله تعالى؟ لأن كل أحد ينام، وكل أحد ينشغل عنك، وكل أحد يغفل عنك في لحظة، وهو -سبحانه وتعالى- وحده لا شريك له لا تأخذه سنة ولا نوم، لا يغفل عنك، قائم عليك، قائم على كل نفس بما كسبت، فكأنه يُقال لك: لماذا تتعلق بمن هو مصدر لإيذائك؟! لماذا تتعلق بمن هو عبد ضعيف تأخذه السنة والنوم؟ لا تتعلق إلا بمن وصفه الكمال.
كلما أردت أن تفهم معنى الله أعد على نفسك آية الكرسي، ولهذا السبب آية الكرسي تتردد عليك، حتى تتذكر في كل وقت تقرأ فيه آية الكرسي لماذا يجب أن تعتقد أنه لا إله إلا الله؛ فأنت تقول في آية الكرسي: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو} أي: لا إله لي أعظمه إلا الله، لماذا؟ كلما قرأت آية الكرسي وجب عليك أن تتذكر لماذا تعظمه ولا تعظم غيره، ولماذا تتعلق به ولا تتعلق بغيره؛ لأنه حي لا يموت والإنس والجن يموتون؛ لأنه لا تأخذه سِنة ولا نوم، وكل شيء في الدنيا ممن ينفعك لابد أن تأخذه السِنة والنوم.
أيضًا { لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض} أي أن كل الناس حولك مهما كان معهم من مُلك لكنهم لا يملكون لك كل ما تريد، فلا يملكون لك ردّ القضاء ولا الشفاء، ولا يملكون لك صلاح الأبناء، لكن مَن يملك هذا كله؟ يملكه الله.
إذن لماذا تؤله الله وتتعلق به ولا تتعلق بغيره؟ لأن كل مراداتك مُلك لله، فكل ما تريد يأتيك أيسر ما يكون وأحسن ما يكون وأكمل ما يكون وفي الوقت المناسب وبالصورة المناسبة، لما الله يعطيك إياه، في مقابل لما تأتي لأهل المُلك مِن أهل الدنيا تُذَلُ لهم فلا يعطوك، وإن أعطوك، أعطوكَ بمنة وأذى، وربما أعطوك الفتات! وبعد هذا العطاء انظر ماذا يقولون وماذا يُحدّثون، ثم هذا العطاء نفسه لا يكون مُباركًا، ولا يأتي في وقته المُناسب، إلى آخر ما تعْلَم مِن عطايا أهل الدنيا.
فلماذا تقف عند باب الناس وأنت تعلم أنهم لا يملكون في الحقيقة؟! وأنت ترى وتسمع مِن الأحداث ما يُبين لك هذا! فهذا يكون  بكامل صحته يأمر وينهى ويمنع، وقد يأمر لك فتُكتب الورقة ويدخل إلى قلبك الفرح أنه سيعطيك، لكن يقول لك: (غدا؛ لأن التوقيع يحتاج إلى ختم، فإلى غد)! ثم في غد يمرض، تأتيه جلطة قلبية في لحظة، وكل الناس الذين حوله يقولون لك: (لا نستطيع أن نعطيك الإذن، انتظر فعسى ربنا أن يعطيه الصحة والعافية ويعطيك الإذن)، وتنتظر عنده! ثم يموت! وماذا يفعل بك ورثته؟ لا شيء! بل أحيانًا حقوقك -وليس مجرد عطايا منهم- تتعلق بأحد ليأتيك بها، فيكون هذا الذي تعلقت به سببًا لبلائك!
فكلما قرأت آية الكرسي وكلما رُدِّدت عليك تذكر: لماذا ليس لك إله إلا الله؟ لأنه هو وحده الموصوف بهذه الصفات، وخصوصًا لما تأتي في آخر آية الكرسي وتسمع أنه هو{الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }
*   فتعلم أنه ß عليّ
وكل أحد دون الله ß دنيّ
*   وأنه هو سبحانه ß العظيم
وكل أحد غيره ß حقير.
حقير بمعنى أنه لا يشغل في الدنيا أكثر مِن المساحة التي يحملها، وابحث عن أي شخص -أعظم شخص في عقلك- واخرج إلى طائرة هليكوبتر أو طائرة نفاثة وانظر إلى هذا العظيم كم حجمه؟! ستراه نقطة، بل ربما لا تراه! واخرج خارج الكرة الأرضية، هو وأيضًا بلده لا يُرون! فأعظم شخص في تفكيرك لا يمثّل حتى نقطة في الكون، فلو أردت أن ترسم خريطة العالم ستجد أنه لا يُمثّل حتى بنقطة.
إذن هؤلاء هم الناس، لكن العليّ العظيم على الحقيقة هو الله؛ لذلك بعد آية الكرسي ماذا قال الله؟ {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} يعني: أيّ أبله هذا الذي يترك مالِك المُلك الذي هو على كل شيء قدير، القريب المجيب، الرحيم الذي لا يؤوده -لا يُثقله- حفظ السماوات والأرض ومَن فيها؛ أي أن أمره كن فيكون، وهو عليّ وعظيم، فأيُّ أبله هذا الذي يترك مَن هذه صفاته ويترك الطلب منه ويطلب من الفقراء العاجزين الباغضين أن يعطوك! المُتثاقلين أن يعاملوك!
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}  فما هو المطلوب منك؟ نكمل بقية الآية: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ } عليك أن تفعل فعلين:
1.    تكفر بالطاغوت
2.    وتؤمن بالله.
تكفر بالطاغوت تعني التالي: ربما عشت في فترة من حياتك كان فيها أشخاص أو أشياء قد طغوا في قلبك وأخذوا مساحة أكبر من مكانها، مثل أناس عاشوا يركضون ليسكنوا هذا البيت، فأخذ البيت في قلوبهم مساحة أكبر مما يجب، وأناس بقي في قلوبهم (س) أو (ص) على أنهم يعطونهم أو يرزقونهم، خصوصًا هؤلاء الذين يعملون مع الأغنياء، فقد يبقون طوال الوقت متعلقين بأن هؤلاء سيعطونهم، وأنتم ترون ماذا يحدث.. يموت هذا، ويتقاسم الورثة، وهو يخرج بالخارج!
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوت}مَن هو الطاغوت؟ الطاغوت هو أي أحد طغيت به، أخَذَ مكانًا أكبر مِن مكانه، بل حتى صحتك ومالك وأبناؤك وزوجك يمكن أن يصبحوا في لحظة طواغيت! مــتى؟ لما يتجاوز الإنسان بهم الحد، فيتصور أن هؤلاء يغنونه عن الله! هل يمكن لإنسان أن يعتقد بأن واحدًا من الناس يُغنيه عن الله؟ في لحظات الغفلة قد يحصل مثل هذا.
انظروا إلى الشباب الآن، هل يستعملون في صحتهم وقوتهم (لا حول ولا قوة إلا بالله)؟ لا يستعملونها، لماذا؟ لأنهم يشعرون أن عندهم هم الحول والقوة، فنحن كلما كبرنا وضعفت حولنا وقوتنا كلما قويت في مشاعرنا (لا حول ولا قوة إلا بالله)، أما هم فأتى عليهم زمن طغوا بما يملكون من صحة.
فالمطلوب منك الآن وأنت معك الصحة أن تكفر بصحتك وتؤمن بالله. ما معنى أن تكفر بصحتك؟ أي تقول: أنا أتصور أن معي صحة؛ لكن في الحقيقة ما يعطيني الحول والقوة إلا الله.
انظر إلى نفسك بعدما تُصلي الفجر وتريد أن تقول الأذكار في وقتها –وأنت شاب ومعك صحة وعافية- انظر كم مرة تنعس وأنت تقرأ، انظر كم مرة تغمض عينك! انظر في أذكار النوم وماذا يحصل فيها للشباب قبل الكبار، لمـاذا؟ لأنهم تصوروا أن قولهم لهذه الأذكار -مثلا- سيكون بسبب قوتهم؛ ومن أجل ذلك تأتي أحيانًا فتقول بأنك اليوم نمت جيدًا في الليل، فستقول الأذكار وتقرأ وردك -الحمد لله- في الفجر بدون مشكلات؛ لكن ما تجد نفسك إلا نائم! لأنك اعتمدت على حولك وقوتك.
انتبه أن تُحوِّل عطاء الله إلى طاغوت! كيف يصبح طاغوتًا؟ بأن تتجاوز به الحد فتجعل كل ثقلك عليه، وما المفترض أن يقع في قلبك؟ أن (لا إله) يعني: لا مُعظَّم ولا أحد أعتقد أنه قائم عليّ، أنه ربٌ لي ويدبر شؤوني, إلا الله، فيُؤله لأنه المتفرد بالقيومية والربوبية والملك والسلطان، فإذا كان –سبحانه وتعالى- مالك الملك فلا يخدعك ما هو واقع في الحياة.
فقد تقول: مُعاملتي هذه تحتاج لتوقيع فلان. لكن مَن يملك تمرير هذه المعاملة؟ في العقل المجرد عند الناس أن فلان الذي سيُوقّع، فلما تُقبل عليه تُقبل بأحد شعوريين:
1.    إما تُقبل عليه وقلبك قاصده هو لأن يوقّع، ومستعد لأن تقدم تنازلات وتسترجيه.
2.    وإما تُقبل عليه وقلبك ما يقصد إلا الله وشاعر أن الله لو أراد  أن يجعله يفعل سيفعل، فتتعلق بالله أن يجعله يفعل.
هذا الفرق بين أن تعتقد بأن الله هو مالك الملك وأنه الرب وأنه المدبِّر، وبين أن تعتقد بأن هذا الشيء تحت يد فلان و لن يأتي إلا لما فلان يوافق، وهذا مثله مثل صورة علاقتنا بالأزواج وبالأبناء ومسألة صلاحهم، ماذا تعتقد في كل هؤلاء؟ ماذا تعتقد في صلاحهم؟ حب الأزواج لزوجاتهم من أين سيأتي؟ رضاهم من أين سيأتي؟ القلوب هذه مُلك مَن؟ مُلكٌ لله تبارك وتعالى.
إذن لا تخاطب هذا الذي أمامك، بل تعلّق بالله الذي يملك قلبه، وسترى حينها أثر هذا على قلبه؛ ولذلك تجد كثيرًا ممن يستقيم يجد معارضات مِن الأهل ومِن الناس الذين حوله، وأن هذا ليس راضٍ على حجابه أو على قيامه في الليل.  هناك حل واحد:
*   كن صادقًا مع الله، فمَن آوى إلى الله آواه الله
*   كن صادقًا مع الله وكل تفكيرك بأنك لو تقربت إلى الله سيُغير مافي قلوبهم.
*   أيضًا تفهّم جيدًا أن في الوسط هناك شيء اسمه (عقبة) {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ }أي أنك لابد أن تُبتلى وتُختبر في الوسط قبل أن يعطيك الله-عزَّ وجل- قلب هذا ورضا هذا وقبول هذا، والعقبة هذه لابد لها مِن صبر ولابد لها مِن زمن؛ فمِن أجل هذا لما تنظر في سورة العصر ماذا تجد؟ أن الفالحين الصالحين ما وصفهم؟ {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} لابد أن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر، ولذلك غالب الذين لديهم مشاكل لا نقول لهم إلا كلمتين: الحق كذا، ولابد أن تصبر. لن تُحل المشكلة بدون الصبر.
على ماذا يدور كلامنا هذا كله؟
على أنك لو تعلقت بالله، وأنت تعلم ما له -سبحانه وتعالى- من كمال صفات، لابد أنه لن يخذلك، وهذا أحد مفاهيم سورة الكهف التي تقرأها كل جمعة.
إذن أنت تقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة وكم مرة في اليوم من أجل أن تذكّرك لماذا يجب أن يقع في قلبك أنه: لا إله إلا الله.
وقصة أصحاب الكهف أيضا تقرأها كل جمعة وهي تعلمك أنه لا يمكن أن تأوي إلى الله ولا يُؤويك الله، لابد أن يؤويك.
لكن كن صادقًا في لجوئك إليه، مُعتقدًا أنه كامل الصفات، مُعتقدًا أنه يرد عنك الشر، يرد عنك البلاء، حتى لو طالت المدة! حتى لو أتت صُعوبات! فقط عند باب الله قف! واسأله هو، سيُذلّل لك كل ما تراه صعبًا وعظيمًا ولابد؛ ولذلك أنت تؤلهه لأنه المتفرد بالرحمة وإيصال النعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه.
انظر هذا المعنى الآن في أذكار الصباح والمساء التي تقولها، فأنت تقول ((اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ)) [4] ونحن نردِّد هذا المعنى دائمًا؛ لأنه ينطبق على تفاصيل حياتنا.. على كأس الماء، على الأكلة التي تأكلها، على النومة التي تنامها، على المشية التي تمشيها، فيها كلها تعتقد أن ما بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك؛ فلك الحمد ولك الشكر.
ننظر إلى الحياة فنجد أنها أخذتنا في الغفلة، والغفلة أخذت منا زمنًا وأخذت منا مشاعر طويلة، فلما تفيق تأتيك صدمة في نفسك: كيف عشت طوال هذه الفترة من الزمن وأنا انسب هذه النعمة لفلان! وهذه النعمة أنسبها لفلان! وهذا المكان أنسبه لفلان..
تخيل عندك ضيوف، والحمد لله كان العشاء جيدا، إلى من ستُنسب هذه النعمة في الواقع؟ هل ستبحث عن المطعم أو الواسطة الذي أتت به؟ انظر إلى أين تتشتت نفوسنا وقتما تأتي النعمة! مثلا أشياء الضيافة تُشترى من محل معين وهذا المحل مرتب وأكله لذيذ، فلما تمر مِن عند المحل هذا تشعر اتجاهه بالاحترام! وهذه المعاملات التسويقية تجعل العميل رهينًا من جهة الاحترام، وأنه ما يأكل إلا من هذا المكان، فأصبحت الأكلة محسوبة أنها طيبة لأنها من هذا المكان، وقد تأتي فتقول: فعلا هي طيبة لأنها من هذا المكان ولو أكلت من غيره لا يكون طعمه كذا!
نقول: لا تُخدع ولا تغتر، ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ))[5] وقد لا يأتي الخراب إلا من عند هذا الذي وثقت فيه كل الثقة!
ننظر الآن إلى العيد والكسوة والمحلات والتخفيضات، تأتي مَن تقول: بنتي لا أجد لها ملابس بسبب أن سنها كذا أو حجمها كذا، وننسى: ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ))[6] كل هذا غائب، وهذا الحديث وارد في صحيح مسلم، ومتكرر! فتأتيك صدمة في مشاعر الغفلة، الغفلة زمنًا طويلاً، وأنا أتخيل في ذهابي وعودتي من وإلى السوق أنها سبب كسوتي أحسن الملابس، أو أن ابنتي ليس لها حظ أو أنه بسبب أن جسمها كذا وكذا. قد تقول بأن هذه أسباب حقيقية.
نقول أنك لم تفهم الموضوع: ((كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ)) هذه هي الحقيقة، ما يكسيك إلا الله؛ لكنك أصبحت رهين الأسباب، وعاملك الله بما أنت رهين له، ويزيد عليك البلاء.
من أجل ذلك لابد أن تفهم معنى الله: أنه المُتفرد بالقيومية، المُتفرد بالربوبية، المُتفرد بالمُلك، المُتفرد بالرحمة، بإيصال النعم، فما أتى بالنعمة لك إلا الله، ولما تعيش التفاصيل لابد أن تبقى متذكرًا لهذا الكلام، المشكلة أننا بكلام عام في الصباح والمساء نقول: ((مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ؛ فلك الحمد، ولك الشكر )) هذا بكلام عام، والحمد لله هذا الكلام طيب يرفع درجتك؛ لكنك تحتاج من أجل أن تكون كما ينبغي، لابد أن يمر هذا الكلام على كل تفاصيل الحياة، نحن لا نريد أن نصل في المبالغة إلى درجة كل التفاصيل؛ لكن نقول: افعل ما تستطيع، واعلم أن الناس يتفاوتون على حسب مشاعرهم في التفاصيل، فكلما زادت التفاصيل التي تشعر فيها أن الله هو صاحب النعمة، أنه هو الذي أوصلك، أوصل النعمة لك، أنه هو القائم عليك، أنه هو الذي دبّرك؛ كلما زدت في التفاصيل دلَّ على زيادة إيمانك وزيادة تعلقك، الناس تفزع إلى الأشياء، وأنت في مكانك تفزع إلى الله تعالى، وهذه الفوارق في زيادة الإيمان ونقصه، وهذه الفوارق كل ما لها تزول بين المستقيمين وغير المستقيمين، أي أنه في لحظة الحاجة قد تجد الشخص المستقيم على الدين وغير المُستقيم سواء، لماذا؟ لأنه ما درَّب نفسه في الزمن الأول على أنه ما يفزع إلا لله.
وكلمة (ما تفزع إلا لله) هل تعني أنك ما تتحرك وتأخذ الأسباب؟ لا، لا نقصد هذا أبدًا، بل الذي يفزع إلى الله تعالى، الله عزَّ وجلَّ يسوق إليه الأسباب سوقًا، ولما تكون شاب صغير لاتجادلني؛ لأن الشاب الصغير ما أدرك الحياة بعد، وكلما كبرت كلما أراك الله كيف لما تتعلق به يأتي لك بالسبب إلى حدك، كلما كبرت ومعك توحيد ستستطيع ترجمة المواقف كما ينبغي، وهذه المشكلة!
سن أكبر + تجربة أكثر + بدون توحيد = إنسان معقد نفسيًا !!
لكن سن أكبر + تجربة أكثر + توحيد = إنسان يعيش في الحياة مستقيما بنفسية سوية.
مِن الناس مَن يقول: (الناس لايوجد فيهم خير، وعمري ما وثقت في أحد وأوفى بوعده، وأنا غيّرت وجهة نظري في الناس، والكفار أحسن من المسلمين) إلى آخر ما تسمع من كلام!! ولما تأتي في حقيقة المسألة تجد أن الله تعالى يبتليك بهذا وهذا مِن أجل أن لا تتعلق إلا به، حتى الناس الذين يتعاملون مع الكفار ويجدونهم أحسن من المسلمين؛ هذا نوع من أنواع البلايا مِن أجل أن يختبر فيك الله هل توالي عليه أو على مصالحك؟
فالعبد لو فهم الحياة جيدًا و فهم معاني أسماء الله، يستطيع أن يُفسر الحياة تفسيرًا صحيحًا.


ويؤله لأنه المحيط بكل شيء علمًا وحُكماً وحكمةً وإحسانًا ورحمةً وقدرةً وعزةً وقهرًا
 


فمن أسباب تأليهك لله وتعظيمك له أن يمر في خاطرك تَعْلَم يقينًا أن الله مُطلع عليه، وتأتي مواقف يستقر في قلبك خاطر أو شعور أو اعتقاد فيُعامِلك الله به، ويحصل لك موقف ويحصل لك حدث وأنت تَعْلَم ماذا قام في قلبك والناس لا يعرفون، فيأتون ويقولون: (والله مسكين، لا يستحق وطيب)، وأنت تعلم أن الله عاملك على ما قام في قلبك.
مثال: امرأة في الحرم كانت جالسة بعد صلاة الفجر في مناطق الإسعاف داخل الحرم في التوسعة، فدخلوا مرضى بعد الفجر إلى هذا المكان، فوقع في نفسها مشاعر بأن هؤلاء الحجاج يمثّلون! وجدوا مَن يعالجهم بلا مقابل! وقع في قلبها وسكتت، فما أذّن المغرب كانت هي أحد المُعالَجين في هذا المكان! وفجأة يرتفع ضغطها ويقول لها الطبيب بأنها تكاد أن تكون جلطة قلبية! ويحملونها من مكان إلى مكان، وأهلها متعجبين لماذا حصل لها هذا فجأة، ومن أين أتى! انظر للفرق بين مَن ينظر في الخارج للموقف، وبين صاحبة الموقف نفسها؛ هم غير فاهمين وشاعرين أنه شيء مفاجئ، ويقولون: سبحان الله مع أنها أيام طاعة. والطبيب يقول: هذا لا يأتي إلا مِن حزن مُفاجئ. وأقاربها يقولون لها: ما الذي يحزنك؟ وهي فاهمة أنه لا حزن ولا غيره، أنا أعرف ما الذي أتى بي إلى هذا المكان! بعد ما انتهت القصة قالت: أنا مرّ في خاطري واستقرّ وما دافعته ولا قلت: لماذا أسيء الظن في المُسلمين وأقول عنهم أنهم كذا وكذا!  حتى كلام ما قالته بلسانها؛ لكن وقع في قلبها واستقرّ؛ فلما استقرّ، جوزيت عليه.
الشاهد: أنت الذي في الخارج لا تستطيع تفسير حالها؛ لكن لما تعلم بأن الله محيط بكل شيء علمًا وحكمة ماذا سيقع في قلبك؟ مراقبة حتى خواطرك، فلما يقع في قلبك سوء ظن بالمسلمين أو سوء ظن به -سبحانه وتعالى- ويستقر في قلبك ومن ثم يُعاقبك الله ويُعاملك بما قام في قلبك، تقوم تشتكي الله للناس! وأنت تعلم بما قام في قلبك! هذا كله يجعلك تؤله الله وتعظمه؛ لأن الناس كلهم الذين حولك مهما كانت عندهم فراسة وقُدرة على النظر وفهم أحوالك لا يمكن أن يعْلموا ما قام في قلبك، لكنك تتقي الله وتعظمه؛ لأنك تعلم أنه سبحانه وتعالى يعْلم ماذا قام في قلبك.




ويؤله لأنه المتفرد بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أن ما سواه مُفْتَقِرٌ إليه على الدوام من جميع الوجوه، مُفْتَقِرٌ إليه في إيجاده وتدبيره، مُفْتَقِرٌ إليه في إمداده ورزقه، مُفْتَقِرٌ إليه في حاجاته كلها.
مُفْتَقِرٌ إليه في أعظم الحاجات وأشدّ الضَّرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتألُّه له وحده
فالألوهية تتضّمن جميع الأسماء الحسنى والصفات العُليا.

 






فالفقر أحد أسباب تأليهك لله تعالى، فقرك أنت وغنى الله. ما الذي يمنعك مِن أن تؤله الله؟ هل هو ما عندك من رصيد وما عندك من أموال؟
اعلم أن هذا كله في لحظة يكون لا شيء! وانظر إلى المرضى، تستعجب أن كثيرًا من الأغنياء يموتون بالأمراض، لا يموتون بالحوادث بل يموتون بالأمراض، لابد أن يأتي سؤال استفهام: هذا الذي يموت بالمرض وهو غني لماذا لم يتعالج؟ لأن الطبيب الله، ولأنك  فقير مهما كان معك من أموال.
حتى في حادثة قبل سنوات في أحد الدول أن أميرًا مات صبرًا! يعني مات من العطش! كيف يموت من العطش؟ خرج عن الخط الرئيسي ودخل في خط مهجور، وما كان معه زاد ولا توجد شبكة، وهو لوحده، فمات! انتهى! ليس لديه زاد ولا عنده بنزين والخط مهجور فانتهى أمره! فتصور أنه مات من أجل كأس ماء! وهو في بيته ومكانه أمير!
هذه حقيقتك: أنك فقير؛ مهما كنت تظن أن معك أموال! وانظر إلى الناس أيام سقوط الأسهم، انظر إلى دول، أشخاص كانوا موجودين ومعهم مال وفي لحظة واحدة باتوا الليلة وما معهم شيء، انظر إلى كل الانقلابات في العالم، يكون ثم لا يكون، فلا تثق لا فيما عندك من مال ولا فيما عند الناس من أموال، لا تحرك قلبك طمعًا فيما في يد الناس، ألّه الله؛ لأنك تعلم أنه هو وحده الغني، وكل أحد غيره فقير.

الثاني: الوصف المتعلّق بالعبد من هذا الاسم، وهو العبودية.
 




فالعباد يعبدونه ويألهونه، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84 ]، أي : يألهه أهل السماء وأهل الأرض طوعًا وكرهًا، الكل خاضعون لعظمته، مُنْقادون لإرادته ومشيئته، عانون لعزّته وقيوميّته.
وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم من التألُّه القلبي والروحي والقولي والفعلي، بحسب مقاماتهم ومراتبهم.
وقد جمع الله هذين المعنيين في عدة مواضع من القرآن، مثل قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14[
وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} ]الأنبياء: 25[
وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ]مريم: 65[

قال ابن عباس بأن الله ذو الألوهية و العبودية على خلقه أجمعين، ذو الألوهية: وصف متعلق بالله تعالى، يعني: الله الإله. أما العبودية فهو وصف متعلق بالعبد.








من معاني اسم (الله) أن العباد يقع في قلوبهم تأليهه وعبادته، إذن هو ذو الألوهية -سبحانه وتعالى- يعني: المُستحق أن يكون إلهًا، لماذا؟ لأنه كامل الصفات، وكل أحد غيره ناقص الصفات، وهو ذو العبودية؛ لأن العباد يعبدونه ويألهونه، وهذا باختصار الكلام عن المسألة الثانية.





[1]  سنن الترمذي، حسنه الألباني.
[2]  صحيح مسلم.
[3]  متفق عليه.
[4]  صحيح ابن حبان، قال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن
[5]  صحيح مسلم
[6]  صحيح مسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.