بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي الفاضلات، إليكم سلسلة تفاريغ من دروس أستاذتنا
الفاضلة أناهيد السميري حفظها الله، وفّق الله بعض الأخوات لتفريغها، ونسأل الله
أن ينفع بها، وهي تنزل في مدونة (عِـلْـمٌ
يُـنْـتَـفَــعُ بِــهِ) http://tafaregdroos.blogspot.com/#!/
تنبيهات هامة:
- منهجنا الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح.
- هذه التفاريغ من اجتهاد الطالبات ولم تطلع عليه الأستاذة حفظها
الله، أما الدروس المعتمدة من الأستاذة فهي موجودة في شبكة مسلمات قسم (شذرات من
دروس الأستاذة أناهيد) http://www.muslimat.net/
- الكمال لله عز وجل، فكتابه هو الكتاب الوحيد الكامل
السالم من الخطأ، فما ظهر لكم من صواب فمن الله وحده، وما ظهر لكم فيه من خطأ فمن
أنفسنا والشيطان، ونستغفر الله..
والله الموفق لما يحب ويرضا.
|
شرح اسم الجبار سبحانه
وتعالى
وروده في كتاب الله:
ورد اسم الجبار في القرآن في موضع واحد، وهو
الموضع الذي جُمعت فيه عدد من الأسماء في أواخر سورة الحشر:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ
الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ
الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[1].
وروده في السنة:
ورد في السنة (اسمًا) في أدلة كثيرة، منها ما
رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا
الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا
لِأَهْلِ الْجَنَّةِ )) [2].
وورد أيضاً عند مسلم من حديث عبد الله ابن عمر
رضي الله عنه قال: رأيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وهو يقول : ((يَأْخُذُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ))[3].
و ورد في السُّنة فيما رواه أبوا داوود وصححه
الألباني رحمه الله من حديث عوف ابن مالك رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- كان يقول في ركوعه : ((سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ
وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ))[4]. ذي الجبروت يعني صاحب الجبروت، هنا
سيكون مصدراً.
أما وروده (فعلاً) فقد كان رسول الله –صلى الله
عليه وسلم- يقول بين السجدتين: ((اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي))[5] لفظ (اجبرني) ظهر هنا فعلاً من اسم
الجبار، ونحن نقول هذا الدعاء، وفي المصاب أيضا نقول: (نسأل الله أن يجبرك في
مصابك) فما معناه؟ الجبار يأخذ في أذهاننا معنى العظمة، ولكن هذا واجه واحد فقط
للمعنى.
والمراد بالجبار فِعلاً:
1.
بمعنى الإصلاح (جبر الكسر).
2.
وبمعنى قهر الخلائق على مشيئته.
والجَّبار في اللُّغة:
صيغة مبالغة من اسم الفاعل (الجابر)، وهو
الموصوف بالجبر، وأصل الجبر إصلاح الشيء بضربٍ من القهر، أي بنوع من القوة والقدرة.
ومنها جَبَر العَظم إذا أصلَحَ كسره، وجَبَر الفقير يعني أغناه، وجَبَرَ الخاسر عوّضه،
وجَبَرَ المريض عالجه. ونحن عندما نقول في الرياضيات: (اجبر الكسر)، أي كَمِّله، فلو
كان الكسر واحدًا ونصف، فجبر الكسر يعني تحويل النصف هذا إلى واحد كامل فيصبح
إثنان.
نريد أن نصل إلى اتزان في معنى إيماننا بالقضاء
والقدر؛ لأن مسألة الإيمان بالقضاء والقدر والتي فيها إشكال دائماً، أصل مشكلتها
أنها تُطرح قبل ما تُطرح صفات الرب. ركن الإيمان بالقضاء والقدر مبني على إيمانك
بأسماء الله تعالى وصفاته، كل أركان الإيمان لا تُطرح إلا بعد استيفاء الركن الأول
وهو الإيمان بالله). فتشبَّع مِن الإيمان بالله وبكمال صفاته وبما يستحقه سبحانه
وتعالى مِن تأليه وتعظيم، وبعد ذلك تكلَّم عن الإيمان بالقضاء والقدر والإشكالات
التي فيه، وتكلَّم عن الإيمان باليوم الآخر والإشكالات التي يمكن أن تظهر فيه، أما
في الغالب إيمانك بالملائكة والكتب والرسل فهذه مسائل لا يوجد كثيرُ إشكالٍ فيها،
لكن دائماً ترى الإشكال في الإيمان بالقضاء والقدر ومسألة الجبر على الإيمان، فقد يأتي
سُؤال: هل نحن مُسيّرون أم مُخيّرون؟! هذا السؤال مَنشؤه فساد، ولكي نعالج هذه
المسالة جيداً لابد أن تتعلم عن أسماء الله تعالى، فإذا تعلمت تَصورت كيف يعاملك
الله، فإذا تصورت ذلك يأتيك بسهولة إيمانك بمراتب الإيمان بالقضاء والقدر.
معنى اسم الجبار في حق الله
تعالى:
لها ثلاث معاني:
1.
تدور حول معنى القهار.
2.
تتصل باللطف والرحمة.
3.
تتصل بالعُلو.
واعلموا أنَّ أسماء الله عز وجل لها تقسيم عند
أهل العلم إلى أسماء جمال وأسماء جلال. أسماء الجمال هي التي تدل على الرحمة وما
يدور حولها، وأسماء الجلال تدل على العظمة وما يدور حولها، فأسماء الجمال تُسَبِّب
لك التعلق بالله، وأسماء الجلال تُسبّب لك التَّعظيم.
معاني اللطف والرحمة.
"الجبار سبحانه هو الذي يجبر الفقر بالغنى،
والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، ويجبر الخوف والحزن بالأمن
والاطمئنان، فهو جبَّار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق". أي أن الجبار هنا بمعنى الإصلاح، وإصلاحه سبحانه
وتعالى لحياة الخلائق إصلاح مَن يمْلِك وإصلاح العزيز، فهو يَمْلك حوائجهم، وعزيز
قادر على إنفاذ أمره، ليس مثل إصلاح الضُّعفاء. كل الخلق إن تصورت أنهم قادرين على
إصلاح شيء مِن حياتك تكن حينها جاهلاً بصفات ربك وصفات الخلق، لأن كل الناس لا
يملكون إصلاح أمر لم يُصلحه الله تعالى. كلما نظرت في أسماء الله كلما دفعتك إلى
التوحيد، لا يفتح لك الناس باب لم يفتحه الله، ولايستطيع الخلق أن يعطوك ما منعك
الله، ولا أن يهبوك شيء لم يهبك الله، ولا أن يُحسنوا إليك إحساناً لم يأذن الله
به، ولا أن يجبروا لك كسراً لم يأذن الله بجبره، فعاد الأمر كله إلى أن ما تبحث
عنه مِن جَبْر قلبك أو جَبْر نقص عندك لا تستطيعه بطرق أبواب الناس، بل في كثير من
الأحيان تأتي لشخص وتقول له: (أنت أخطأت في حقي وجرحتني وأحتاج أن ترجع عن حالك من
أجل أن تهدأ نفسي) وأنا ذاهبة إليه متأملة أني لو كنت واضحة معه سيفهم ويحل
المشكلة، فتجد الجُرح بدل أن يُجبر يزداد عمقاً! وبدل أن يصلُح الحال بينك وبينه
يزداد فساداً! من أجل ذلك لابد أن تتصور أن الله عز وجل حَكَمَ في مسألة إرادة
الإصلاح بين الزوجين فقال: {إِن
يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}[6] أي إذا كان في قلوبهم إرادة الإصلاح،
لكن هل هم سَيُصلِحون أنفسهم ؟ لا، فالفعل نُسِب لله تعالى، هو الذي يوفّق بينهما.
إذاً في الوقت الذي نجتمع فيه للصلح حتى التوفيق لا يملكه إلا الله، لكن المهم أن
يكون في قلبك إرادة الإصلاح.
ومن أجل ذلك عندما نأتي ونَجمَع الناس مِن أجل
حَل مشكلة، وهذا موجود في كل الأوضاع على مستوى العوائل وعلى مستوى الأعمال، حيث تكون
لديهم مشكلة ونجمع الأطراف ليتقابلوا وتتصافى النفوس إن شاء الله، ثم يأتون
ونفوسهم ليس فيها إرادة الإصلاح، فيخرج كل واحد وهو مشحون أضعاف ما كان، لماذا؟
لأن الذي يجبر الخلل الذي في قلوبنا والنقص والجروح والآلام وإلى آخر ما نتصور من
حركات القلب، إنما هو الله عز وجل.
إذاً القاعدة التي تتعامل فيها مع الحياة: أنَّ
استيفاء الحقوق في الحياة يصل إلى حد المستحيل، فعلى ذلك ابنِ كل علاقاتك على
أنَّ الله يجبر لك ما هو واقع من نقص فيك ومِن حولك، فنحن تكون لنا احتياجات
معينة، نفسية، في الناس الذين نعاملهم، وقد تعيشين مع رجل 20 أو 25 سنة وهو بهذه
النفسية لم يتغير، النقص الذي فيه هو نفسه، والحاجة التي أنتِ فيها هي نفسها،
وتشعرين في لحظات بالحيرة: ماذا أفعل؟! فهو باقٍ على عدم احترامه لي مثلاً، وتشعرين
أن هذه حاجة لك. اعلمي أن هذه الحاجة بقيت حاجة فيك مِن أجل أن تطلبي الله أن
يجبرها داخِلك، والإشكال أن الله يجبرها ولا نَقبل بِجبره! فهذا شخص واحد في
حياتنا لا يحترمنا، وبعد ذلك أعطانا الله 100 شخص يحترمنا، ولكننا لا نقبل! فإما
أن يحترمنا فلان وإما لا، والباقي كلهم المِئة لا حاجة لي بهم ! هذا خطأ، ففلان
هذا باقٍ لا يَحترمك لكي تبقى متعلقًا بالله، تسأله، والباقي احترموك مِن أجل أن
ترى كيف الله يَجبرك.
مثلا لدي مثلًا 4 أطفال، أحدهم عاق، والباقي طيبون
مباركون معتدلون نفسيا، بينما أنا كل تفكيري في هذا الذي نقص، ولا أرى جَبْر الله
لي بالثلاثة. فالله تعالى مُحسن إليك، لكنك أعمى عن الإحسان! الله جابر لك كسرك،
لكنك لا ترى حتى جَبره، لأنَّ لك تفكيرًا مُعينًا: أنَّ مصلحتك بأن الشيء الفلاني
يحدث، وفي العادة تقول: (الذي أحببته هو العاق !!). هل تعرف لماذا هذا عاق بالذات؟
لكي لا يقوى تعلقك بهِ، لكي لا تستغني بهِ عن الله، لكي لا يقع في قلبك الوقوف عند
بابهِ، بل في أحيان كثيرة نأتي مقبلين ونقول أن فلان بالذات لا يفعل كذا، وأنا
أعرف أن فلان هذا لا يفعل خطأً من هذا النوع ولا يقول هذا الكلام، ثم لأنك وثقت في
فلان، فالله عز وجل يجعله يقول الكلام الذي لا تتصوره، والذي لا تنتظره منه. فلا
تضع ثُقلك على فُلان، إنما أنواع الإحسان التي تأتي من الخلق هي لُطف يجريه الله
تعالى على ألسنتهم مِن عنده سبحانه وتعالى، وليس مِن عند أنفسهم.
قد يكون فيكِ كسر، ونقص، وترين أن أحدًا يحترمك
أو يُحبكِ أو يقدّرك، وأنتِ تشعرين أنك لا تستحقين في الصورة الحقيقية، فترين كيف
الله تعالى يَجبر صورتك في أعين الناس، كيف يجبر صورتك في أعين مَن تحتكين بهم، وهذه
كلها أنواع مِن الجبر يَجبر فيها الله عز وجل نقائصنا، سواءً كانت النفسية، وهذه
مع التَّرف أصبحت حاجة مُلِحَّة، فنحن مع الترف والحمد لله الأمن والأمان ...إلخ، أصبحت
الحاجات النفسية مُلِحَّة أكثر مِن الحاجات المادية، لأن الحاجات المادية متوفرة،
فما نسمع الشكاوى في كثير من المجتمعات -مجتمعات الخليج والمملكة- إلا وهي دائرة
حول أنه قال لي كلمة أغضبتني، وحصل كذا وكذا، وكلها عبارة عن مشاعر وأحاسيس، لأننا
لسنا مُنشغلون بالمسائل الأساسية في الحياة، فالحمد لله أمن وأمان وأرزاق من كل
مكان، فالذي حاصل هو نوع مِن التَّرف، وهذا النوع مِن الترف هو الذي يأتي
بالحساسية تجاه النقائص النفسية. على كل حال، إن كانت نقيصة مادية أم نقيصة نفسية ففي
كلا الحالتين لا يجبرها إلا الله، وكونك تعتقد أن حوائجك لا يجبرها إلا الله،
يجعلك لا تقف بحوائِجك إلا عند باب الله، وهذا الفارق بين مَن عَلِمَ عن الله وبين
مَن جَهِلَ عن الله، فالذي يعلم عن الله قلبه مُعلّق أنَّ العطاء مِن عند الله،
والجاهل ينتظر جَبْره مِن أسباب نقصه! فمَن الذي أنقص عليك؟ زوج؟ أبناء؟ صاحب
العمل هو الذي أنقص عليك؟ الجاهل هنا ينتظر جَبْره مِمّن أنقص عليه، والعالم بربه
ينتظر جَبْره من الله.
المهم أنك عندما تتعامل مع الله تعْلم أنَّ
اعتقاداتك لابد أن تمر بعقبة {فَلَا
اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[7] فإذا اقتحمتها أعطاك حتى أغناك. فلنفترض
أنه نقصت عليك أي مشاعر نفسية، اتُهِمت مثلا في العمل أنك مقصر، وأنت في الحقيقة
باذل جهودك، وبعد ذلك قالوا لك: (سامِحنا فقد أخطأنا)، وأنت ترى في عيونهم أن
الأمر ليس خطأً، لكنهم بعدما واجهوك بالنقص ما استطاعوا أن يستمروا بنفس الطريق،
وأنت ترى في عيونهم أنهم لا زالوا مُتهمِينك بالتقصير، وقد عمِلت كل الذي تستطيعه،
لكن نوع من الظلم وَقَعَ منهم. هذا الآن نوع من أنواع الاختبار، فأنت تحتاج أن
يَنجَبِر قلبك تجاه الاتهام الذي اتهموك إياه، هذه حاجة نفسية، فلا تنتظر منهم
هُم أن يجبروا لك ما وقع مِن ألم، فهم لن يجبروه! مَن سيجبره لك؟ الله عز وجل، لكن
متى سيجبره؟ عندما يَجتمع قلبك عليه وحده أن يجبرك، وتَطرُد مِن قلبك أنَّ هؤلاء
يَجبرونك.
هذه المسافة -مسافة جَمع القلب على باب الله- لابد
أن تأتي فيها اختبارات، ويأتي فيها {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}
فإذا اقتحمتها وجَمَعت قلبك على باب الله، جَبَر الله عز وجل لك ما
وقع في قلبك من نقائص. ومِثله الحوائج المادية، ففي كل نقص ينقصك صغيرًا كان أو
كبيرًا، اعلم أن الله تعالى هو الذي يجبر نقصك، ومِن النَّقص مثلا المرض، اعلم أن
الله تعالى هو الذي يجبر مرضك بالشفاء، أيضا قلة التركيز في مواطن كثيرة والنسيان مِن
الحالات التي تَمُر علينا وخصوصاً طلبة العلم، وهذا إشكال كبير لطلبة العلم: فهم
يحفظون ويحفظون ثم يأتون يريدون أن يستنطقوا ما حفظوه فلا يجدوه، فاسألوا الله
تعالى باسمه الجبار أن يجبر لكم نقص ما تحفظون، أن يجبر لكم ما ضاع منكم مِن عِلم
في عقولكم. أحياناً يكون طالب العلم قد درس دورة على كتاب، ثم حصل بصورة أو بأخرى أن
زملاؤه استعاروا منه كتابه، وفُقِد الكتاب، وهو قد جَمَعَ كُل عِلمه على كتابه، فاسأل
الله أن يجبر لك نقص كتابك. عامِل الله تعالى في كل نقص حصل باسمه الجبار أن
يجبر لك هذا النقص، فإذا التجأت إليه وسألته باسمه الجبار أن يجبر لك النقص، سترى
الجبر فوق ما تتصور من عطاء! فأنت مثلا كنت ترى أنك جمعت في كتابك من العلم
الذي لن تستطيع أن تجد مثله، فتجد أن الله يجبر نقصك بأن تُرزق الكتاب، وليس شرطاً
هو نفسه الذي ضاع، إنما تُرزق أن تتعلم أكثر، ويكون ضياع الكتاب سببًا لزيادة
اجتهادك وإتيانك بمعلومات، فلو بقيت على كتابك لَمَا اجتهدت أكثر، أي أن الجَّبِر
يأتي بأعلى مما تتصور ! ولا تجعل الجبر في شيء معين فقط، فجميع حوائج الخلائق بهذا
المعنى.
والمعنى أنه بِمَنِّه وكرمه سبحانه
وتعالى وبِلطفه ورحمته ورأفته يُوصل للعباد الرحمات ويَجبر لهم الكسور بألطف ما
يكون، المُهم أنك عندما تَنظر لهذا المعنى تَفهم أنَّ هناك عقبة تواجهك تجاه هذا
المعنى، فما هي العقبة ؟ أن تُوحّد الله تعالى في طلب جَبر كسرك، يعني ما تطلب جبر
الكسر إلا من الله، كل عسير ما تطلب تيسيره إلا من الله. وخلال هذا العَسير الذي
تعيشه قد تأتي أشياء تُعرض عليك قد تلفت قلبك عن باب الله، وقد يُمَثِّل لك أحد أو
أنت تظن أن هذه من الأسباب لتيسير الأمر، ثم تذهب مع هذا السبب فتجد أنه ليس من
هذا الطريق، وتعود مرة أخرى إلى باب الله، ويأتيك أمر آخر في الوسط وتعتقد أنه سبب
وتَسير وراءه ثم تجده يُغلق، هذه كلها فِتن، والمفترض أنك عن باب الله لا تغادر،
قلبك ما يغادر باب الله. ماذا إذاً عن الأخذ بالأسباب؟! عندما تكون في فِتنة
لابد أن تكون حساسيتك للأسباب عالية، بمعنى أنك تيأس مِنها يأسا تاماً، ثم إذا أتى
أمر في ظاهره أنه سبب، تُبقي قلبك مُعلقًا بالله، تَسأل الله إن كان سبباً يرضيه
أن ييسر لك الاستمرار فيه، وإن كان سببًا لا يرضيه أن يصرفه عنك.
نفترض أن عندك مشكلة -أمر عسير- وتقول:
يارب يارب، ثم ظَهَرَت لك في الأفُق أسباب، قد تقولون: لماذا لا نعتبرها من باب
تهيئة الأسباب؟ نقول: نعم، لكن عندما تكون في بلاء فحتى تهيئة الأسباب هذه يجب أن
تكون حَساسًا تجاهها غاية الحساسية، فلا تنزع نفسك من باب الله وتذهب تجري للسبب
الذي تَهَيّأ. قِف عند باب الله، وكلما
ألَحَّ السبب وظهر في شاشتك كلما زاد منك التوسل لله: يارب إن كان هذا سببًا يرضيك
ودخولي فيه يرضيك عني فيسره لي، إلى أن تراه ظاهراً، ثم أنك ترى في أحيان كثيرة
أنَّ سببا يظهر ثم ماذا يحصل له؟ يغيب ! أو شخص اليوم يتصل يقول لك أعطني أوراقك،
فيقع في قلبك الفرح، وتقول بأنك ضمنت هذه الوظيفة، وتُعدِّد مآثر فلان هذا فتقول
أنه رئيس مكتب كذا ويعمل كذا وأصلا طوال عمره يعمل للناس كذا، وتُعدّد مآثره. هنا
جاءك الاختبار! أتتك العقبة! أوَّل ما ظهر لك سبب، التَفّت قلبك عن باب الله
وبَقيت تُثني على فلان، فتجد أن فلان هذاالذي اتصل عليك اليوم وقال لك أعطني
أوراقك، غداً لايرد عليك! أُغلق الباب! وكان الباب اختباراً! ويتهيأ لك سبب آخر، فماذا
تفعل؟! نحن لا نقول لك لا تأخذ بالسبب، لكن عندما تأخذ بالسبب فلتبقَ يائِساً منه
متعلقًا بالله، حتى عندما يظهر لك السبب تبقى سائلاً الله أن ينفعك به.
إيمانك باسمه الجَّبار يزيدك تعلقاً
أنَّه لا ييسر العسير إلا الله، فلا تَغتَر بمجرد ظُهور الأسباب، اجعل قلبك من
السبب يائسًا، وبالله مُحسنًا الظن، ولا تأتي وتُعدِد مآثر هذا الذي أتى إليك في صورة سبب.
وفي داخل هذا النوع من الجبر جبرٌ آخر
خاص: (ويجبر جبراً خاصاً قلوب الخاضعين لعظمته، وقلوب المحبين له، الخاضعين لكماله،
الراجين لفضله ونواله). أي أنه تعالى
يَجبر قُلوب المؤمنين، فترى أنَّ قلوب الخاضعين لعظمته مجبورةً عن الدنيا، فكل ما
حصل نقص ترى أثره سريعًا، يعني يقع في قلوبهم شعورهم بالنقص في الدنيا ثم يُجْبَر مُباشرة،
ويَرمُد، إلى أن يَكمل قوة تعلقهم بالله، فيصبح إقبال الدنيا عليهم أو ذهابها سواءً
في نفوسهم.
انظر لهؤلاء عندما تقع عليهم المصائب، وعندما
يقع عليهم نقص في أموالهم وأولادهم وثمراتهم، انظر لهؤلاء كيف تكون قلوبهم، تجدها
مجبورة، ماذا يعني ذلك؟ يعني الآلام فيها خفيفة وتذهب بذكر الله، ليس لأن ما عندهم
إحساس، ليس لأن أولادهم هؤلاء لا قيمة لهم، ليس لأن أزواجهم لا قيمة لهم، إنما لأن
الله عندما أخذ منهم هذه الأمور المحبوبة أنزل مع الأخذ الجبر، فجَبَرَ قلوبهم عن
النقص الذي حصل في حياتهم، فَسَكَنَت آلامهم. وهذا هو المعنى العظيم لمعنى
التصبّر، أي أنك لو ابتدأت بالصبر على المصيبة، سيقابلها من الله عطاء أن يجبر
قلبك على ما أصابك، وإذا بقيت تُشْعِل في نفسك نار النقص، وتُذكِّر نفسك بالنقائص،
فهذا الجبر لا يأتيك، وتبقى دائماً شاعراً بالنقص.
ولذلك ترى الفوارق بين الناس، فهناك أناس مِن
أول ما تنزل عليهم المصائب يلجؤون إلى الجبار فيجبر قلوبهم، وهناك أناس متوسطون، فمع
مرور الأيام والليالي عليهم كأن قلوبهم حصل لها الجبر، أما القسم الثالث فتجدهم
بعد سنين ولازالت آلامهم كما هي. ماذا فعل هؤلاء القوم في أنفسهم؟ ما رضوا عن الله
فما أرضاهم الله عنه! ويبقى الألم من أوله كالآخر.
قد يقول قائل أنه أحيانا لا يكون الألم طوال
الوقت لكن بعد سنة أو سنتين أتذكر فيحصل لي ألم؟ نقول: لا بأس، فحتى هذا ورد في
النص، فأنت الآن لو صبرت، يأتي الشيطان لك بكل الصورة التي مضت، وتجد نفسك تدخل في
آلام، وتصبح في حال بكاء، نقول بأن تصبّرك هنا نوع من أنواع العبادة، لأن الشيطان
مِن أهم مقاصده {لِيَحْزُنَ
الَّذِينَ آمَنُوا }[8] وهناك فرق بين أنك تُعَيِّشْ نفسك
حالة الآلام ، وبين أن يأتي الشيطان بهذا الفِكْر لك فيكون ردك الصبر، فرق بين
الحالتين، والنساء أكثر الناس تعرضًا لهذه الحالة -حالة بقاء استجرار الآلام- هل
تعرفون ماذا يفعل الجَمَلْ في أكله؟! يَسْتَجِر ويأتي به مرة أخرى، وهناك كثير من
النساء يعيشون بهذه الطريقة، عاشت آلام ثم يتسلط عليها الشيطان فيجعلها تعيش
دائماً تحت ظل نقائصها وآلامها، مع أن الله يفتح لها بهذه الآلام أبوابًا من
الأجور إذا صبرت، ويفتح لها أيضا باب الجبر لقلبها إذا طلبت مِن الله أن يجبرها.
هناك ميل في النفوس للشعور بالظلم، كأن هذه الأقدار وقع فيها نوع ظلم، نحن لا نقول
هذا الكلام بلسان مقالنا، لكن بلسان حالنا كأننا ندّعي على الله بأنه ظلمنا ببقاء
الأحزان متصلة، وأنتم تعلمون أن الله {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[9] فاعلم أن ما أصابك في وسعك احتماله. جبر
القلوب هنا يكون بماذا ؟ (بما يفيضه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف والتوفيق
الإلهي والهداية والرشاد)، هذا نوع جبر خاص، أولاً يجبر قلوبهم بالانشغال عن
النقائص، بالانصراف عنها، فما يشعرون أن هناك شيئًا ينقصهم، فيُجبرون عن التعلق
بالنقائص، تنصرف قلوبهم، أي تنجبر نقطة النقائص عندهم، بما يفيضه على قلوبهم من
المحبة لله سبحانه وتعالى، فتجد قلوبهم مجبورة عن الدنيا بمحبة الله والتعلق به،
ورؤية أنه من أجل رضاه تُباع الدنيا.
أيضاً يَجبر قلوبهم بأنواع المعارف، وهذا الأمر
يذوقه طلبة العلم، فيجدون لذائذ في الطَّلب تبرّد قلوبهم وتَشرح صدورهم عمّا
ينقصهم في الدنيا، ففي كثير من الأحيان تجد أنَّ الحياة الخاصة لطلبة العلم ليست
مستقرة تماماً، لكن مِن جَبر الله لهم أن علّمهم عنه، وفهّمهم عنه، وحبّب لهم
العلم، فيجدون فيه من اللذائذ ما تغنيهم عما نقصهم من أنواع الاستقرار.
أيضاً الدعوة إلى الله، من أنواع المعارف أن
تعرف فيكون منك دعوة إلى الله، والدعوة إلى الله نوع من أنواع الجبر، لأنك عندما
تدعو إلى الله تجد قومًا يشتكون لك نَفس حالك، فتجد نَفسَك تكلمهم تُصبرهم، وكأن
تصبيرك لهم تصبيراً لنفسك، وهذا نوع من أنواع الجبر، لأن أقرب أذن سامعة للمتكلم
هي أذنه.
أيضاً من أنواع الجبر بهذا العلم: أن الله عز
وجل عندما يفتح لك بابًا من العلم وأنواعًا من المعارف تستحقر الناقص عندك فتراه
ليس بشيء، بل مع الأيام ترى هذا الناقص فتحًا للكمال، فالعلم والدعوة كلها نوع من
أنواع الجبر مِن الله عز وجل لعباده.
ومنها الرفعة عنده، أي تُجبر بها وترتفع عنده،
يجبرك الله بما علّمك، وترتفع عنده بهذا العلم أيضاً.
كذلك يجبر الله عز وجل القلوب بما يفيضه من
التوفيق الإلهي والهداية والرشاد. والمقصود بالهداية والرشاد الدلالة، أي أنه
يجبرك بأن يدلّك على الصواب، أيضا يجبرك بالتوفيق الإلهي، فكلما رضيت عن الله
وتقربت إليه وقَبِلْت منه كلما كان سَمعُك الذي تسمع به، وبَصرك الذي تُبصر به، ويدك
التي تَبطش بها، فهذا كله نوع من أنواع التوفيق الإلهي الذي نرجوه.
فكلما زدت تعلقاً بالله وكلما نقصت عليك
الدنيا، كان نقص الدنيا عطاءً منه سبحانه وتعالى، لأنه سيجبر نقص الدنيا لك
بتوفيقه، سيجبر نقص الدنيا لك بأنواع من المعارف، سيجبر نقص الدنيا لك بأن يوقع في
قلبك حبه، من أجل ذلك لو تبينت لك الحقيقة ستأتي اللحظة التي تتمنى فيها أن تنقص
الدنيا لكن تُجبر هذا الجبر.
من أصعب المسائل: أن يكون معك مال أو
ما معك سواء، أن ترى بأن عندك كذا أو ليس عندك مِن الدنيا سواء، هذا مِن الصَّعب
بصورة، خصوصاً لو كنت مِن الناس الذين يشعرون أنه ما يحميك إلا نقودك التي بالبنك،
وكم رصيدك! فتقول: لو حصل كذا وكذا فعندي كذا وكذا، فترى أناسًا كثيرين يعيشون
مُخططين أنهم لو كبروا سيكون لديهم كذا وكذا من الأشياء، على أنهم متصورين أنَّ هذه
الأشياء ستنفعهم عندما يكبرون، ولايعلمون أنَّ عدة أسباب زرعناها لأنفسنا على أنها
تنفعنا ثم هي التي أتت بالمشاكل !! ويكفيكم في هذا مشاكل البناء، ومشاكل ما يأتي
من وراء البيوت التي تُشترى، والبيوت التي تُبنى، الديون التي تحصل، ثم هلاك الناس
قبل سكناهم في البيت، ثم اختلاف الأبناء على هذا الوِّرْث، فنحن نرى بيوتًا باقية
20 سنة في مكانها، لماذا؟ اختلفوا في الورث ! والآباء عمِلوا هذا العمل على أنه
يضمن لهم مُستقبلاً، فكان خراب المستقبل بِهِ !! وهذا أمر مُشاهَد لا يحتاج حتى
إلى دليل مِن كَثرة ما نرى ونسمع. فلا
تتصور أنَّ الذي يَجبر قلبك في الدنيا مادة تملكها، إنما الذي يجبر قلبك على
الحقيقة الجَّبار سبحانه وتعالى، يجبره بأن يدفع عنك شُعور النَّقص، فأنت ترى
الكبار من العلماء مثل الشيخ محمد بن عثيمين وبن باز رحمهم الله واليوم الشيخ
الفوزان وغيره، يدخلون في أكبر المجالس والأماكن وهم بصورتهم وثيابهم هي هي
وأحذيتهم هي هي، لا يرون أنَّ مثل هذا يَنقُصهُم عند أحد، وفي مقابل هذا لو قيل
لأي شخص ضعيف في قلبه: تعال إلى هذا المجلس، فانظر ماذا يفعل في نفسه مِن أجل أن
يذهب. فترى أنَّ هؤلاء مَجبورة قلوبهم عن أن يروا أنَّ هناك نقصاً، وهذا لا يعني
أن لايعملوا بمقتضى إيمانهم باسم الله الجميل، لأنه جميل يحب الجمال، لكن فارق
شاسع بين أن تتعبد الله بهذا، وبين أن تلاحظ الناس الذين تذهب لهم، وتلاحظ رضاهم،
وتشعر أن قيمتك هو ما تلبس، وقيمتك شكلك، فَجَبَر قلوبهم أن يشعروا أصلاً بِنقص،
أي أن الشخص هو الذي يُشعِر نفسه بالنقص، وأنه ناقص لو ما فعل كذا. انظر إلى الناس
وهم ذاهبون إلى الأفراح، لا أحد يرى إلا نفسه فقط، ولا يفكر إلا في نفسه، والناس
مُلتهون عن بعضهم بأنفسهم، المَقصد أنك تعيش حول نفسك، فتُمْرِض قلبك أنه ينقصك
كذا لأن عينك كذا وأنفك كذا وشكلك كذا، فترى نفسك فيك نَقص، مُقَدِّر نفسك بالصورة
الظاهرية ! أما أهل الإيمان والخضوع والانكسار فقد جَبر الله في قلوبهم هذه الأمور
بما يُلحقه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف والتوفيق الإلهي والهداية
والإرشاد.
في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي
أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي
أُطْعِمْكُمْ)) هل نحن شاعرون بأننا جميعنا جائعون؟ إلى هنا
نعم، لكن في الحديث ((إِلَّا
مَنْ أَطْعَمْتُهُ))، أي أن الذي يطعمنا على الحقيقة هو الله، وبعد
ذلك ماذا نفعل مِن أجل أن نُطعم؟ ((فَاسْتَطْعِمُونِي)) ، يعني اطلبوا مني أن أجبر لكم هذا
النقص الذي تشعرونه ، فالجوع نقص، اطلبوا من الله أن يجبر لكم هذا النقص. ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي
أَكْسُكُمْ))[10]، متى طلبنا مِن الله أن يكسينا؟! في
الطعام ربما يحصل أن الشخص يسأل الله، لأنه قد يأتي في قلوبنا اشتهاء لشيء غير
موجود فينصحك أحدهم بأن تطلب من الله، لكن في الكسوة يكاد يقترب هذا مِن النادر -أن
أحدًا منا يطلب مِن الله تعالى أن يَكسِيه- لأننا نتصور أن الكسوة هذه جهد بشري، وأنني
أحتاج أن يكون عندي نوع ذوق معين، وأحتاج أن المصانع تنتج شيئًا معينًا، وإذا لم
أجده في البلد سأجده في الخارج، مرةً أخرى مشاعر الاستغناء عن الله ! ندور ونرجع
لهذه القاصمة التي هي أكثر شيء يُبعدك عن الله، ما هو؟ شعورك أنك مستغنٍ عن الله.
ماذا تشعر وأنت تقوم بنفض الفراش قبل النوم؟ الواقع يقول أنها مجرد عادة، وأحياناً
كثيرة تنساها، كما تنسى المعوذات وتستثقلها، لأنك أصلاً تشعر بأنك في غنى عن أن
تفعل هذا، لكن لو كنت في قرية وبيت مليء بالحشرات، سيكون نفض الفراش أحد أعظم
العبادات التي ستقوم بها، ونحن بهذه الطريقة نعامل ربنا !! الشيء الذي يظهر لي
الحاجة إليه أنفذه من الشريعة، والشيء الذي لا يظهر لي حاجة إليه أستغني عنه في
الشريعة، وهكذا أيضا حتى في تعلقاتك بالله، فترى مثلاً أن لك أمًا حانية، وأن
بِرَّها ليس صعبًا، فما تتوسل إلى الله أن يعينك على برها، إنما تشعر بأنه شيء
طبيعي وتستطيعه، مع أننا طوال الوقت نقول أنك لا تستطيع شيئًا إلا بحول الله
وقوته، لابد أن تتبرأ من الحول والقوة، لكنك تأتي إلى نقاط معينة وترى أن هذا أمر
أنت قادر عليه، فتستغني عن الذل عند باب الله تعالى، وهذه أكثر مشكلة نعيشها
ماذا أحتاج من أجل أن أتعبد بهذه العبادة؟
أحتاج أن أشعر طوال الوقت أني ناقص أحتاج إلى جبر ربي. قد يقول قائل: أنا عندي
طعام فهل الذي أحتاجه الآن أن أستطعم الله أم أحتاج أن أكون شاكرًا في هذه الصورة؟
نقول: الاثنان معا، أما وجوده فله سبحانه وتعالى الحمد، لكن أنتم تعلمون أنَّ مِن
آيات الله في الطعام أنه سريع الفساد، مهما خزنته، فتجد مِن تربية الله تعالى لك
أنك تفتح يومًا ثلاجتك وتجدها مليئة فتأكل منها، حتى أنك تفكر في هذه اللحظات أين
ستضع هذا الطعام، في هذه اللحظة سيأتي شعورك بالاستغناء، فيأتي بعده فَقْد لِمثل
هذه الحالة تماماً، فتفتح ثلاجتك ولا تجد شيئًا تأكله لسبب أو لآخر. إذاً ماذا كان
يجب عليك وقتما أكلت الذي كان عندك؟ أن الله عز وجل أطعمنا دون أن نستطعمه، شعور
أنه هو الذي رزقنا بالتفصيل. وانظروا لكلمة (الحمد لله) الباردة التي نقولها، ليست
في الأعماق، نحتاج إلى شَلْ تفكيرنا في الأسباب وبقاء أنَّ الله عز وجل هو الذي
أطعمك على الحقيقة، هو الذي جَبَر نقص جوعك فأطعمك، وجَبَر نقص عطشك فسقاك، وجَبَر
نقص عاطفتك، شعرت بالحاجة للحب فرزقك إخوان و زوج وأبناء، إلى آخر ما رزقنا من
عطايا تجبر كسورنا، تجبر نقائصنا التي نحتاجها. تَعَبَّد الله بهذا الاسم كلما
وجدت نقصاً أنت حقيقةً في حاجة إليه.
معاني تتصل بالعُلو.
بمعنى العلي على كل شيء، الذي له جميع أنواع
العلو: علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. (وهو الجَّبار أيضاً لِعلوه على خلقه
ونفاذ مشيئته في ملكه، فلا غالب لأمره ولا معقب لحكمه، فما شاء كان وما لم يشأ لم
يكن). هذا المعنى قريب من معنى العزيز.
أنواع العلو الثابتة لله: علو ذاته سبحانه
وتعالى، فهو على العرش استوى سبحانه وتعالى، وعلو القدر أي علو أسمائه وصفاته
وأفعاله سبحانه وتعالى، الجبار العالي في ذاته، العالي في قدره وأسمائه وصفاته
وأفعاله. نأتي إلى علو القهر، ما معنى علو القهر؟ هذا يعود للمعنى الأول، أي
الجبار بمعنى القهار، وعلو القهر أي أنه سبحانه وتعالى عالٍ في قهره، قادر على
إنفاذ أمره.
قال ابن القيم: وأما الجَّبار من أسماء الرب
تعالى هو الجبروت، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ)). فالجبار اسم من أسماء التعظيم،
كالمتكبر والملك والعظيم والقهار -هذا المعنى المشهور-، والمعنى الثاني الذي هو من
أسماء الجمال يعني أسماء التعلق.
معاني تدور حول معنى القهار.
وهذا معناه أن اسم الجبار من أسماء الجلال
والعظمة. (أي أنه القاهر لكل شيء، الذي
دان له كل شيء وخَضَعَ له كل شيء، فالعالم العلوي والسفلي بما فيهما من المخلوقات
العظيمة كلها قد خضعت في حركاتها وسكناتها وما تأتي وما تَذر لِمليكها
ومُدَّبِرها، فليس لها من الأمر شيء ولا مِن الحُّكم شيء، بل الأمرُ كله لله
والحُكم الشرعي والقدري والجزائي كله لله، لا حاكم إلا هو، ولا رب غيره ولا إله
سواه).
ما معنى أنه جَبَّار؟ هو ذاته المعنى الموجود
في نفوسنا: أنه قاهر، قاهر كل شيء، كل شيء دان له سبحانه وتعالى، كل شيء خَضَعَ له،
لا يستطيع شيء أن يخرج عن أمره وسلطانه سبحانه وتعالى. إذاً كُل ما تتصور عظمته
تستعمل معه أن الله عز وجل جَبَّار عليه. أي شيء تراه عظيماً، مثلاً أعلى سفوح
جبال تراها، أعظم كواكب تراها، كُل هذا العظيم في نظرك عندما تَنظر إليه تُعامِله
على أنك تتعبّد الله باسمه الجَّبار فيه، فترى أنه مع عظمته لكن لا مَليك له ولا
مدبر له إلا الله. فكأن هذا الاسم ماذا يفعل بك بمعناه الثاني؟ يَقطع في قلبك
تعظيم كل شيء تراه عظيماً. أهل السهول مثلا وأهل البحار عندما يذهبون إلى مناطق
فيها جبال عالية هائلة، تقع الرهبة في قلوبهم، لأن عظمة الجبال وعلوّها يقع في القلب
منها أنَّ هذا شيء عظيم، فعندما يقع في قلبك عظمة هذا عامله بإيمانك واعتقادك باسم
الله الجبار، فهذا الذي يراه الناس عظيماً إنما حَركاته وسَكناته كلها للملك
سبحانه وتعالى، لمدبره سبحانه وتعالى، فمهما كان عظيماً ليس لهُ من الأمر شيء، ومثله
عندما تدخل إلى بلدان الحضارة، بلدان ناطحات السَّحاب التي قد تُوقِع في قلبك شيء
من الرهبة، خصوصا أنها في مناطق تحجب عنك الشمس، أي أنك عندما تسير فيها تحجب عنك
الشمس، فترى في قلبك لها عظمة، انزع ما في قلبك من العظمة لها بإيمانك أنَّ الله
هو الجبار.
اهتزازة أرضية فقط بمقياس 6 ريختر
ستجعله يساوي الأرض! ما معنى هذا؟ أنَّه محفوظ موجود باقٍ لأن الله تعالى يريد
بقاؤء، وليس لأنَّ إرادة أهله بقاؤُه. ففي الغرب وفي الدول التي شابهت الغرب، ستصبح
ناطحات السحاب بسبب الانهيار الاقتصادي خرابات قريباً، أي أنها سوف تكون طويلة لكن
لا قيمة لها، لن تنهار وتصبح مساوية للأرض، لكن في حقيقتها ستصبح لا شيء، وهذا
يزيدك إحساساً بأنه لا عظيم إلا الله. فكلما وجدت مِن مظاهر الأرض أو مظاهر فِعل
أهل الأرض ما تراه عظيماً، اعلم أن الله عز وجل يُهلِكُه كله ولا يساوي شيء، بل
يَتكفأ الله تعالى الأرض كما يتكفأ أحدكم خُبزته، وسنرى شرح الحديث لكي تتصوروا
أنَّ الأرض كلها تكون بمثابة الخبزة يَطعموها أهل الجنة، فَكُل ما عند أهل الدنيا
وكل مالهم في الأرض يتحول طعاماً لأهل الجنة بعدما يُساوَى بالأرض.
فلو كنت من أهل السهول ورأيت الجبال لا
تغتر بعظمتها، ولو كنت من أهل الجبال وأتيت ورأيت البحر بسعته وأمواجه والعالم
العجيب، لا تغتر بعظمتها. البحر بالنسبة لكم كلمة ليست ذات بال لأنكم اعتدتم
رؤيته، لكن الذي يأتي مِن المناطق الداخلية ويرى البحر يقع في قلبه الرهبة،
وبالعكس الذي يأتي من السهول ويذهب إلى المناطق الجبلية يقع في قلبه الرهبة، والذي
يكون في مدن أو قرى بعيدة عن العمران العالي ويذهب إلى المدن التي فيها ناطحات
السحاب يُفاجَئ، يقع في قلبه نوع من الرهبة، كُل هذا يحتاج أن تعالجه باسمه
الجَّبار: أنه سبحانه وتعالى مالك العالم العلوي والسفلي، وأنَّ هذه لا حركة ولا
سكون لها إلا بإذن مَالكها ومُدبرها، ليس لأهل الأرض فيها مِن الأمر شيء، ولا مِن
الحُكم فيها شيء، وإذا أعطاهم الأسباب من أجل أن يفعلوا فلا تتصور أنهم يملكون، كل
هذه ابتلاءات واختبارات، لكن لا تفهم مِن هذا أن العبد مجبور على فِعْل نَفسه، بل
الأمر كما قال الله تعالى {وَقُلِ
الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[11].
هذا الكلام
يُعَالَجْ به كل مشاعر خَوف مِن الظُّلم والظلمة، ففي كثير من الأحيان نواجه أشخاصًا
نرى قدرتهم على ظُلم غيرهم، لهم سلطان في الأرض ونفوذ. عندما يقع في قلبك إحساسك بسلطانهم
الذي أعطاهم الله تعالى إياه -سلطانهم هذا أصلاً لم يستطيعوه وحدهم إنما أعطاهم الله
تعالى إياه - فمهما كان قويًا لا تعظِّمه في نفسك، بل اعلم أن الله تعالى أعظم وأجل،
فلا يقع في قلبك الخوف مِن غيره، وهذا مِن دُعاء الله عز وجل باسمه الجبار دعاء عبادة.
عندما يكون زوجك متسلطًا عليك، وترين أن لا منفذ
لكِ، وطوال الوقت تشعرين أنه سيفعل وسيفعل، وتشعرين كأنه مالك لأمرك تماماً ،كيف تتعبدين
الله هنا؟ بدفع هذا الخوف ! لأنك تعلمين أن هذا العظيم في نظرك فالله أعظم وأجلّ منه،
هذا معنى، والمعنى الذي بعده أن حال هذا الرجل أو هذا الشخص المخيف إنما هو تحت تدبير
الله، فحركاته وسكناته كلها لا يستطيعها إلا بأمر الله، فاطلب ممن يملكه أن يدفع عنك
شره، وهذا من جديد يعيدنا إلى التوحيد.
فإذا خِفْت لا تتصور أن أمْنك بالهرب إلى أحد، إنما
في الحقيقة أمْنك في الهرب إلى الله الجبار القهار، ولذلك لن يفهم هذا الكلام جيداً
إلا الذي عاش أحداثًا، فرأى شخصا عظيماً متسلطاً على حياته أو حياة أهله أو حياة أشخاص
معه، ثم ماذا يحصل؟ هذا العظيم وهو في أوج عظمته وفي أوج خوف أهله منه، يسقط ميتاً
أو مريضاً ! فتحصل هنا حالتان للشخص الذي كان واقعًا تحت السلطة، نعم هناك مشاعر فرح
بالتخلص منه، لكن توجد أيضًا مشاعر اهتزاز، لأن هذا العظيم كان يشكِّل له شيئاً. فكلما
رأيت عظيمًا اعلم أن الله أعظم وأجل منه، وهناك معلومة ثانية أيضاً، وهي أن هذا العظيم
إنما هو تَحت قهر الله وسلطانه وتدبيره، فادفع عنك الخوف من كل أحد بالخوف من الله،
وبتعظيم الله، وباعتقاد أن كل شيء يخيفك في الدنيا إنما هو تَحْتَ قَهْر الله وسلطانه.
فلا تتصور أن أحداً في الدنيا لا منجى ولا ملجأ
منه، كل أهل الدنيا وكل شيء غير الله لك منه منجى.
فهذا العظيم الذي تخاف منه، اعلم
أن الله قادر على قهره ودفعه، فإذا خفت لا تطرق أبواب الناس، لأن صفة القهر هذه غير
موجودة فيهم بالكفاءة التي تريحك، لكن الله عز وجل له الكمال المطلق في وصفه بأنه جَبَّار
قَهَّار، كل شيء تحت عظمته وسُلْطانه سبحانه وتعالى. ونحن نتعبد الله عز وجل بهذا الاسم
دعاء عبادة بتوحيد الله تعالى بالخوف، فكلما داهمك خوف مِن أحد اعلم أن سلطان الله
فوق سلطانه، وقهر الله فوق قهره.
قد يقول قائل: أنا أسأل الله باسمه
الجبار أن يعطيني كذا وكذا ولكن لا أُعْطى؟!
أولاً: عطاء الله تعالى وجبره لكسرك موافق
لحكمته، فهو يجبر كسرك بحكمته سبحانه وتعالى، فيعطيك ما يناسبك في الوقت المناسب.
والأمر الثاني: ربما كان هذا الذي ينقص عليك،
نقصه كمال لك، والحديث يقول: ((وَإِنَّ
مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لا يُصلِحُ إِيمَانَهُ إِلا الْفَقْرُ ، وَلَوْ
أَغْنَيْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ))[12]، هذا الذي لا يصلحه إلا الفقر ماذا يفعل الله عز وجل له؟ يفقره، والذي
لا يصلحه إلا الغنى يغنيه، والذي لا يصلح له إلا الصحة يعطيه الصحة، والذي لا
يصلحه إلا المرض يعطيه المرض، فأنت اسأله باسمه الجبار أن يجبر عليك ما نقص، واعلم
أن التوحيد يظهر في هذه المواطن، فإذا أردت أن يجبرك الله في مُصابك وفي نقصك
فلا تسأل غيره واسأله وحده، لابد أن يُبنى في قلبك قناعة أن الذي تحتاجه ليس مُلْك
أحد إلا الله، ويتبين لك هذا الأمر خصوصاً في النقص في المشاعر والأحاسيس، فمهما
أتى القوم من أجل أن يعطوك سترى أنه ليس بنافع لك، ولا يَسد حاجتك هذه إلا الجبار
سبحانه وتعالى، فلا تدخل على أشخاص ولا على حياة ولا على علاقات ولا على أي شيء
إلا أن تتعلق بالله أن يرزقك مِن هؤلاء ما يجبر به كسرك.
كثير من الشّابات يدخلون على الحياة الزوجية
بصورة غير واقعية، صورة من الأحلام، يكونون متأثرين طبعا بالتلفاز والمسلسلات
..إلخ، فعندما تأتي في أرض الواقع تجد أن الواقع الطبيعي فيه الحلو والمر، بينما
عندما دخلت الحياة الزوجية كانت ترى أن هذا الشخص هو الذي سيغيّر حياتها، فتعلّقها
بالشخص أورثها نقصاً لا يُسد، ثغرة لا يمكن سدّها، عليها أن تتعلق بالله أن يجعل
هذا الزوج نوع من أنواع الجبر لعاطفتها ولحاجاتها، سؤال الله ذلك هو الذي يجعل هذا
الرجل ينفع هذه المرأة، هذا هو الفارق في الدخول في المشاعر، أي أنه يوجد فرق بين
أني أدخل متعلقة بالرجل، وبين أني أدخل متعلقة بالله الجبار أن يجبر ما عندي من
نقائص به، لأن لو تعلقت بالشخص جعلني الله رهينة له، لكن تعلق بالله، والله عز وجل
يُخَّرِّج من هذا الشخص ما يجبر به نقصك.
ولذلك يؤسفنا أن نقول أنه توجد حالات كثيرة في
الزواج، حتى الحاجة الأساسية في الزواج ما سُدَّت مع هذا الزوج، فَحَوّلَ هذا
الأمر المرأة إلى خائنة لزوجها، أي أنها أصبحت تطلب حاجاتها الأساسية خارج بيتها،
وتقع في الزنا مع أنها متزوجة، هذا الكلام ليس من باب الإعذار لها، لكن نقول أن
مثل هذه المصيبة تحصل دائما عندما تتصور أن هذا الشخص بعينه هو الذي يعطيك، وما
تتصور أن الله به يجبر لك حاجاتك، فإذا أردت من أحد شيء، و تعلم أن الأمر عنده أي
يملكه، وأنت في عينك الآن أن فلان يملك طعامك، يملك شرابك، يملك المنزل الذي تريد
أن تسكنه، يملك السيارة التي تريد أن تحملك إلى كذا وكذا. إياك أن يخدعك بصرك، إياك
أن ينقل إلى قلبك حالة من التعلق بالشخص، اجعل قلبك دائما متعلق بأن مالك الملك هو
الله، وهو الذي يجبر عليك نقائصك، فَعَينك خداعة، ألا ترى عينك السراب وترسمه لك
في ذهنك أنه ماء؟! مِثله كل هذه الأسباب التي حولك والتي تتصور أنك لو تقدمت إلى
السبب جاءك مرادك، ولا يأتيك مرادك إلا إذا شاء مالك الملك أن يجبر نقصك بما أعطاك
من أسباب.
يأتي هنا سؤال: هل كُل جبر يكون
من نفس نوع المفقود؟
هذه المسألة درجات، فنحن اتفقنا أولاً أنه
تعالى هو الذي يجبر الكسير ويغني الفقير وييسر العسير، هذا من نفس النوع، هناك
أيضا الجبر الخاص، والجبر الخاص لا يكون من نفس النوع، إنما بالعكس، فالجبر الخاص
لقلوب الخاضعين لعظمته، يجبر لهم نقائص الدنيا بأن يعطيهم محبته، وأنواع المعارف، والتوفيق
الإلهي، والهداية والرشاد.
إذاً كلما زاد الإنسان إيماناً جَبر الله له
نقائصه بالقرب منه، أي كلما جبر لك نقيصة الدنيا بالقرب منه. إذاً الجبر قد يكون
من نفس النوع وقد لا يكون، لكنك كلما زدت إيماناً، جَبَر الله لك نقائص الدنيا، فما
تشعر أنها نقص، فعلى ذلك لن تأتي من نفس النوع.
وقد ذكر ابن القيم في تقسيمه لاسم الجبار هذه
الأبيات:
وكـــــذلك الجـــبــــــار مــــــن
أوصـــــافـــــــه والجبر في
أوصافه قسمان
جبر الضعيف وكل قلب قد غدا ذا كــســـرة فالجبر منه دان
والثاني جــــبــــــــر القهر بالعز الذي لا ينبغي لسواه من إنسان
وله مسمى ثالث وهو العــــــــــلـــــــــــو فليس يدنو منه من إنسان
في البيت الأول ذكر أنه ينقسم إلى قسمان، وفي
البيت الثاني ذكر الجبر بمعنى اللطف، وفي الثالث القهر، أي أن الأصل لاسم الجبار
أنه يدور حول هذين المعنيين، والمعنى الثالث يلحقه.
ختاما، نعود لشرح الحديث الذي ورد في البخاري
في كتاب الرقائق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة: ((تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا
الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا
لِأَهْلِ الْجَنَّةِ )) ماذا
يعني قوله: نزلا لأهل الجنة؟ أي ضيافة لهم. وهل الضيافة ستكون في الجنة أم وهم في
العرصات؟ هناك خلاف بين أهل العلم، فبعضهم قال في الجنة، وبعضهم قال في العرصات. فمَن
كان مِن أهل الجنة يطعمه الله هذا، وبعضهم قال بأن هذا نزلهم أول ما يدخلون الجنة.
تصبح الأرض في يد الجبار سبحانه وتعالى كالخبزة في يد أحدكم. وماذا تفعلون بالخبزة
لما تعجنوها؟ تتكفؤوها يمنة ويسرة باليد، فمثل هذه الصورة التي تكون لكم -وهو
سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء- يتكفأ تعالى الأرض كلها حتى تصبح خبزة واحدة نزلا
لأهل الجنة.
ما معنى اسم الجبار هنا؟ القهار، أي أن أمره
نافذ على كل شي، وبيده أمر كل شيء، ولا شيء يستعصي عليه سبحانه وتعالى، فمن ظهور
آثار أنه جبار سبحانه وتعالى أن الأرض تصبح كلها بمثابة الخبزة يطعمها نزلا لأهل
الجنة. ولتزدادوا فهمًا راجعوا هذا الحديث في البخاري.
والحمد لله رب العالمين.
[1] [الحشر:23]
[2] رواه البخاري في صحيحه.
[3] رواه مسلم في صحيحه.
[4] رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وصححه الألباني.
[5] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
[6] [النساء:35]
[7] [البلد: 11]
[8] [المجادلة: 10]
[9] [البقرة: 286]
[10] رواه مسلم في صحيحه
[11] [الكهف:29]
[12] أخرجه ابن أبس الدنيا في كتاب الأولياء،
وأبو نعيم في الحلية وضعفه الألباني.
http://www.wata.cc/up/2014/08/files/w-94e0ad5738.pdf
http://www.wata.cc/up/2014/08/files/w-94e0ad5738.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.