الثلاثاء، 10 فبراير 2015

قواعد في بناء النفس

عناصر الدرس:
ماذا يجب أن تعتقد وأنت مقبل على زمن فاضل ومقبل على الطاعات.
أصناف الناس حال الخروج من الزمن الفاضل.
ذكرت قواعد في بناء النفس لأجل دفع التقصير قدر المستطاع ومقاربة درجة الإحسان في العبادات.
تعريف الإحسان وأنه منتشر على درجة الإسلام.
أنه غير مستبعد, وأنه أجزاء تتركب (الذي ورد في حديث جبريل هو درجة الكمال في الإحسان).
أن الإحسان مراتب أصلها الإخلاص ومنتهاه أن تعبد الله إطلاقاً في كل شيء كأنك تراه.
وأن هذا الإحسان يزيد بالعلم عن الله.
وأننا يمكن أن نحقق أجزاء من الإحسان، فإذا اجتمعت لنا هذه الأجزاء قد يبلغ العبد درجة الكمال في الإحسان.
قواعد بناء النفس:
ادفع عدو الاستعانة, وهما الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
اعلم أن الابتلاء للعباد في الحياة ليس اختباراً لقواهم الذاتية في العبادة، بل اختبار لقوة الاستعانة.
قوة الاستعانة طريقها أن يستقرّ في قلب المُستعين معرفة نفسه والعلم عن ربه.
درّب نفسك على الاستعانة في صغير الأمور قبل كبيرها، واعلم أن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة.
ترجم أفعال الله بما يوافق الخبر عنه، لترى كيف يتعرف الله عليك في الشدة.

عالج نقاط ضعفك في الاستعانة.
بسم الله الرحمن الرحيم
                                                                           
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن أطاع فأحسن الطاعة، وأن نكون ممن قبلوا في هذه الطاعات، اللهم آمين.
وحال خروج الإنسان من زمن فاضل، لا بد أن يتصور مجموعة مسائل تتصل بالزمن الفاضل؛ لأن الزمن الفاضل لا ينتهي، نحن الآن خرجنا من عشر ذي الحجة، وعدنا مرة أخرى للأشهر الحرم، ونحن لازلنا في الأشهر الحرم، وبعد الأشهر سيأتي شهر من أعظم الأشهر الحرم وهو شهر الله المحرم.
فأنت يا عبد في الأصل تنتقل من زمن فاضل إلى زمن فاضل، وعمرك كله اسمه: الزمن الشريف، تشرفه أنت بالطاعة.
لكن الآن مَن أحسن أو مَن أساء، سواء كنت ممن أحسن فيما مضى أو أساء فيما مضى، لا بد أن تعرف أن هناك قواعد في بناء نفسك من أجل أن تنتفع بالزمن الفاضل، ولو وسَّعْت المسألة من أجل أن تنتفع بالزمن الشريف وهو عمرك. هذه القواعد في مجملها قواعد شرعية تتصل باعتقاداتك.

سنتكلم الآن عن: ماذا يجب أن تعتقد وأنت مقبل على زمن فاضل ومقبل على الطاعات. سواءً كنت ممن أطاع فأحسن أو ممن أساء، فالكلام الآن على حد سواء؛ لأن الطاعة والإساءة على ما مضى ماذا يكون حالها؟ شيء مضى أطعت فيه كيف ستعامل طاعتك؟
*             إن كنت ممن أحسن فأطاع فستعامل هذه الطاعة بالذل لطلب القبول. لنفترض أنك أطعت وأحسنت في عشر ذي الحجة، حججت لبيت الله وأحسنت في حجك فستعامل عملك هذا بالذل لله، تنكسر بالذل في طلب القبول.
*             وإن كنت أسأت فستعامل إساءتك بنفس الطريقة وهي الذل في طلب الغفران.
إذن نهاية الأمر سواء أطعت أو أسأت فأنت في كلا الحالتين أنت متعلق بالله ذليل له، لكن على صنفين من الذل:
1-             صنف فيه طلب القبول.
2-             صنف فيه طلب المغفرة وطلب التجاوز.
وإذا أحسنت التفكّر سترى أنك حتى حال طلبك للقبول لابد أن يكون في داخله طلباً للتجاوز والمغفرة، يعني حتى وأنت محسن ستجد أنك لابد أن تطلب المغفرة، ألست مستغفراً بعد كل صلاة؟ ألم تؤمر في آيات سورة البقرة في سياق الكلام عن الحج أن تستغفر الله -عز وجل-؟ إذن أنت مأمور بالاستغفار حتى في حال الإحسان.
لو تأملت أكثر وأنت في حال الذنب، لو عصيت في الزمن الفاضل ألست أيضاً ستكون من المتذللين لله بطلب المغفرة كما أنك ستكون متذللاً لله بالشكر على أنه أحيا في قلبك ألم الذنب؟ الآن أنت أسأت أو أحسنت: بعد الزمن الفاضل سنجد أننا نمشي بطريق واحد وجهه الذل والانكسار لله تعالى.
ولكن عند تأملنا للمسألة بعمق أكثر: لو أحسنت هل إحسانك تام تام؟ لا، وأنت محسنة مشروع في حقك الاستغفار.   إذن اجتمع لمن أحسن ذل في طلب القبول وذل في طلب المغفرة.
فأنت عندما تقول : يا رب اقبلنا، كأنك تقول: يا رب اشكر لي عملي، عاملني باسمك الشكور، أي اقبل مني القليل يا رب، وأعطيني عليه الأجر الكبير -لأن الشكور الذي يعطي على العمل القليل الأجر الكثير-.

فالذي حج عاش خمس أيام ثم وُعِدَ بأن يعود كيوم ولدته أمه. وهي كلها خمسة أيام تقول على الخمسة ستذهب الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين سنة الماضية بكل ذنوبها، أكيد أن الله سيعاملك باسمه الشكور، وإلا فإن هذا عمل قليل وعليه الأجر الكبير.
إذن عندما تطلب القبول كأنك تقول : يا رب عاملني باسمك الشكور.
وعندما تطلب المغفرة فكأنك تقول: يا رب عاملني باسمك الغفور.
وطلبك من الله أن يعاملك باسمه الغفور الشكور –نسأل الله من فضله- نتوسل بهذان الاسمان من أجل أن نكون ممن قال الله فيهم في فاطر -بعد أن عاملهم سبحانه باسمه الغفور الشكور- في وصفهم حال دخولهم الجنة أنهم قالوا: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:34]
لأنه عاملهم باسمه الغفور الشكور فكانت هذه منزلتهم في الجنة, وجاءت الآية التي بعدها :{الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ}، من فضله وليس من عملهم.
*             فأنت يا أيها المطيع بعد أن تحسن في العشر أو في الحج لا بد أن تكون ذليلاً منكسراً طالباً من الله أن يعاملك باسمه الشكور الغفور، طالباً من الله القبول، طالباً منه سبحانه التجاوز عن النقص.
*             أما العاصي الذي خسر الزمن ، ذهب للحج وخسر الزمن،بقي في البلد وخسر الزمن، بعد خسرانه للزمن أفاق وتصور فعله، فعامل ربه بالذل أن يغفر له ويتوب عليه، ولو تأملت جيداً كأنه يقول: يا رب اشكر لي حسنة التوبة، تاب فهو الآن ضيع الزمن الفاضل ثم استيقظ لما استيقظ طلب من الله المغفرة والتوبة فكأنه في ضمن هذا يقول: يا رب اشكر لي توبتي، ونحن نعلم يقيناً أن الله يفرح بتوبة العبد أشد ما نتصور من الفرح، وأن هذه التوبة حسنة ماحية تهدم ما قبلها. فكأن العبد يقول: يا رب أنا أتذلل إليك وانكسر طالباً المغفرة والتوبة، وأرجو منك أن تعاملني باسمك الغفور الشكور، فتغفر لي تقصيري وتشكر لي توبتي، فينتهي الأمر:
أن الطائع في الزمن الفاضل ذليل منكسر طالب من الله القبول، طالب من ربه أن يعامله باسمه الغفور الشكور.
والذي تاب من التقصير في الزمن الفاضل ذليل منكسر طالب من الله أن يعامله باسمه الغفور الشكور.
  إذن أننا حال إحساننا أو إساءتنا لا بد أن نبقى عند باب الله ذليلين منكسرين.


لكن يبقى السؤال : لماذا لم أطيع؟ أو لو أطعت، لماذا لم أحسن في الطاعة؟
لأنك قد تقول أنا صمت العشر لكننا نعلم في حالات كثيرة عن أنفسنا أننا حتى لو صمنا لا نبلغ درجة الإحسان، ماذا يعني لا تبلغ درجة الإحسان؟ يعني لا نجد قلوبنا طوال فترة الصيام، لا نجد قلوبنا طوال وقت الفروض (كل يوم فيه خمسة فروض،10 أيام يعني 50 فرض) هل وجدت قلبك فيه كله ؟! لا نجد قلوبنا فيها كلها، إذن سنجد التقصير في أعمالنا، حتى لو أعطينا أنفسنا مشاعر أننا أحسنا.
فكأن السؤال الآن هو: إن كنت مسيئاً أو محسناً لابد أن يكون داخلنا التقصير ، لماذا هذا التقصير؟

سنتكلم عن قواعد في بناء النفس
             لأجل دفع التقصير قدر المستطاع
             ومقاربة درجة الإحسان في العبادات.




هل يندفع تماماً؟ لا لأنه ليس من صفات البشر أن يندفع عنهم التقصير تماماً، ولكن من صفاتهم أنهم يجاهدون قدر ما يستطيعون  لبلوغ الكمال.

نتكلم أولاً عن الإحسان, ثم عن قواعد بناء النفس..
                                                  
جملة مشهورة في درجة الإحسان من حديث جبريل: الإحسان هو ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ))[1].
تعبد الله كأنك تراه: هذه الدرجة العليا، فإن لم تكن تراه: فأنت تعتقد أنه يراك.
عرفنا معنى الإحسان من حديث جبريل، نريد الآن أن نعرف مشاعرنا تجاه كلمة الإحسان حين تأتي في حديث جبريل الذي ورد فيه الإسلام والإيمان والإحسان.
ماذا نشعر في الإحسان قريب أم بعيد ؟ أول الأمر : عندنا انطباع مقدم قبل أي نقاش أن بلوغ درجة الإحسان هذا أمر بعيد؛ لأن المسألة مركبة في أذهاننا بطريقة خاطئة، فنحن نتصور أنه علينا أن نحقق الإسلام أولاً, ثم نحقق الإيمان ثانياً, ثم نحقق الإحسان ثالثاً، فنجد في أنفسنا تقصير في مرتبة الإسلام في صلاتنا، صيامنا.. مقصرين، ثم نجد أننا مقصرين فيما هو أعلى، إذن من المؤكد أن يكون في الذهن أن الإحسان بعيد، وهذا أول خطأ في المفهوم.
الإحسان منتشر على درجة الإسلام، ففي التعريف نفسه أن الإحسان هو : أن تعبد الله: أركان عبادة الله الشهادتين الصلاة ,الزكاة ,الصيام , الحج ، فالإحسان أصلاً يقع حال عبادتك وإقامتك لأركان الإسلام.
أول شيء يقال لك صلي -هذه عبادة- كأنك ترى الله، فإذا ما استطعت أن تجمع قلبك على أنك تراه بقلبك، ليس المقصود الرؤية العينية -الرؤية العينية في الدنيا مستحيلة كما يعتقد أهل السنة والجماعة - ولكن المقصود الرؤية والمشاهدة القلبية يعني تكون بالغاً درجة اليقين في كونك ترى الله, وهذه اسمها مشاهدة قلبية,صلي وأنت بهذه الحال وإذا ما استطعت هذه على الأقل صلي وأنت متيقناً أن الله يراك.
*عندما تكبر في صلاتك تقول: الله أكبر، اجعل في يقينك أنه حقيقة أكبر من كل شيء، حتى أن ابن مفلح - رحمه الله- في كتابه (الفروع) عندما كان يصف حركة اليد في التكبير مع اللفظة قال: " كأنها نفض الدنيا ، ثم يقول الله أكبر من كل ما أتعلق به، الله أكبر من كل ما آمله، من كل ما أرجوه، من كل ما أخافه" كأنه واحد ينفض الدنيا، هذه المشاعر وقت التكبير ماذا وقع في قلبك ؟  وقع الإحسان في التكبير.
*ثم ذكرت دعاء الاستفتاح: ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ))[2].
ماذا يقع في قلبك؟ الإحسان الآن أن تكون معتقداً أنك باغض لخطاياك، شاعرٌ بها ، تتوسل إلى الله أن يبعدك عنها ويبعدها عنك -كل واحد في طريق-.
*الإحسان في الفاتحة أن تقرأها وأنت متيقن أنك تكلم الله، والله -عز وجل- والله يكلمك:
        تقول : الحمد لله رب العالمين.
        تتيقن أن الله يرد عليك ويقول: (حمدني عبدي.. أثنى علي عبدي.. مجدني عبدي.. هذا بيني وبين عبدي     ولعبدي ما سأل)، تتيقن بهذا كله.
إلى هنا وقلبك معك ثم جئت لتقرأ سورة وغاب قلبك تريد تُسمِع ما حفظت..إلخ، هنا ذهب قلبك، فتعتبر محسن في صلاتك منذ التكبير إلى الفاتحة، فأنت محسن في هذا الجزء من الصلاة.
إذن بعد أن عرَّفنا الإحسان أول كلام نقوله : لا تستبعد درجة الإحسان ، فالإحسان أجزاء تتركب.
 يعني أحسن في التكبير، في الفاتحة.. نفس حركة الركوع، أحسن فيه بإحساسك أنك ذليل، ركز في سبحان ربي العظيم، سبوح قدوس، اجمع قلبك فيها، وعلى قدر جمع قلبك تكون محسن، قد تكون من أول الصلاة لآخرها غير محسناً فيها ولم يمر عليك الإحسان إلا لما وصلت للتحيات لله جُمع لك قلبك، هنا أصبح لديك إحسان، ولا يغرك الشيطان فيقول لك : ما لم تحسن أوله فلا تُحسن آخره, لا يغُرك بهذا فأنت جاهد نفسك بجمع قلبك على ماتقول فتأتي بالإحسان، اعبد الله وأنت فاهم ما تقول.
س: ما هي الدرجة الدنيا من هذا الإحسان؟
ج: ما ذكر في حديث جبريل هو الدرجة العليا من الإحسان وقد ذكرناها، أما الدرجة الدنيا في نفس الإحسان هي أن تكون مخلصاً لله. فالإحسان درجات.

إذن عرفنا الآن ثلاث معلومات عن الإحسان وهي:
                 1.تعريفه وأنه منتشر على درجة الإسلام.
                 2.أنه غير مستبعد, وأنه أجزاء تتركب.
                 3.أنه درجات والدرجة الأساسية فيه الإخلاص.

     وبما أن الإحسان درجات فنقطة البداية فيه والدرجة الأساسية فيه هي: (الإخلاص). العبد أصلاً لا يصبح محسناً لله إلا عندما لا يريد إلا رضا الله، لا يريد إلا وجه الله. لا يريد إلا طاعة الله. ثم كلما زدت علمًا، استطعت أن تجمع قلبك على المفاهيم التي يجب أن تكون في هذه العبادة.
مثلاً: شخص لا يعرف أن في سورة الفاتحة يكلمه الله، فكيف سيكون محسناً فيها؟ بأن يفكر في نفس الآيات, ولكن عندما يتعلم أن الله يكلمه سترتفع درجة إحسانه.
لا بد أن تعلم أن الإحسان درجات. الدرجة الأساسية فيه أن تكون مخلصاً وإلا كيف ستكون محسناً وأنت لست مخلصاً؟! فالإحسان يقع على القلب أول عمل أساسي للقلب وقت العبادة أنك لا تريد أحد غير الله، لا تريد رضا أحد غير الله.
س: كيف يترقون في درجات الإحسان؟
ج: يترقون فيه على حسب علمهم.

إذن الإحسان درجات والدرجة الأساسية الإخلاص، ثم الناس يتفاوتون في درجات الإحسان على حسب علمهم.
والنتيجة أن الإحسان ممكن أن يكون موجود. وأي احد منا يمكن أن يأتي بدرجة الإحسان في أمر ما.
ولكن متى يكون العبد محسناً على لفظة الإطلاق -أن هذا محسن-؟ إذا اجتمع له الإحسان في كل شيء، وفي كل أمر، في كل صلاته في كل عباداته، أصبح محسناً إطلاقاً؛ كالأنبياء والكُمَّلْ من الصُلاَّح، والصديقين، والشهداء, والصالحين، هؤلاء بلغوا درجة الإحسان الكامل وهي درجة غير الدرجة الأساسية في الإحسان. 
إذن لدينا إخلاص-الدرجة الأساسية- ولدينا تكميل للإحسان إلى أن يبلغ الشخص الدرجة العليا في الإحسان وهي الإحسان الكامل.
على ذلك هل يوجد عبد مخلص مقبلاً على ربه لا يستطيع أن يكون محسناً في شيء؟
كلا؛ فأنت يمكنك بلوغ درجة الإحسان في أجزاء عملك. وكلما زدت علماً عن الله، زادت درجة إحسانك.

وهذه القواعد الستة التي سنتكلم عنها مقصدها:
أن تتدرب حتى تبلغ درجة الإحسان الجزئي الذي لو اجتمع يأتي الإحسان التام.
وبما أن الإحسان يقع وقت العبادة فنحن سنتكلم عن حالنا وقت العبادة,والإحسان ليس الصورة العملية للعبادة بل الصورة الاعتقادية القلبية يعني (أعمال قلبك).

ملخص ما مضى:
- علمنا أن الإحسان الذي ورد في حديث جبريل هو درجة الكمال في الإحسان.
- وأن الإحسان مراتب أصلها الإخلاص ومنتهاه أن تعبد الله إطلاقاً في كل شيء كأنك تراه.
- وأن هذا الإحسان يزيد بالعلم عن الله.
- وأننا يمكن أن نحقق أجزاء من الإحسان، فإذا اجتمعت لنا هذه الأجزاء قد يبلغ العبد درجة الكمال في الإحسان.

سنتكلم عن ست قواعد نسأل الله أن تكون سبباً في تدريبنا على مسألة الإحسان وقت العبادة. والقواعد الست هذه كلها قلبية.



القاعدة الأولى :
اعلم أن الابتلاء للعباد في الحياة ليس اختباراً لقواهم الذاتية في العبادة والطاعة ، بل اختبار لقوة الاستعانة.

أنت لما تدخل في العبادة: ماذا يكون في ذهنك ؟ ما الذي يُختبر فيك وقت العبادة والطاعة؟
مثلا اشتهيت أن تقوم الليل، بماذا ستفكر حتى تقوم الليل؟ أول ما يتبادر إلى الذهن كيف سأقوم؟ أبحث عن الأسباب المعنية للقيام من النوم المبكر، ضبط الساعة، توصية شخص يوقظني.. هذه الظاهرة تدل على أنك من جهة العبادة نعم أنت محب للعبادة, لكن الطريقة خاطئة، ليست هذه طريقة العبادة، فأنت أصلاً اُبتليت في الحياة بالعبادات لا لتختبر قواك الذاتية -تستطيع أن تنام فتقوم- بل ابتليت في الحياة ليُرى قوة استعانتك, لأي درجة أنت مستعين بالله؟ لذلك عندما تأتي عظائم الأعمال فقواك ليست الحل لها ولا يحلها إلا قوة استعانتك.
على هذا المفهوم اشرحي ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ))[3].
 ما المقصود بالقوة هنا؟ ماذا كان يوجد من مفاهيم في أذهاننا تجاه مفهوم القوة الموجودة في الحديث؟ كنا نعتقد أن المقصود هو القوة البدنية ، وهذا معنى فاسد؛ لأن الصحة والضعف أصلا من عند الله. فالصحة عطاء من الله والذي ابتلي بالمرض والضعف ابتلاء من عند الله , فالصحة والمرض بلاء.
ابتلى الله -عز وجل- هذا بالقوة، وابتلى هذا بالضعف فكيف يخير بينهما؟! كيف يخير الرسول -صلى الله عليه وسلم- بينهما، وهو يعلم أن المرض ابتلاء، والقوة والصحة ابتلاء؟
لكن المؤمن القوي في إيمانه خير من المؤمن الضعيف في إيمانه. وإن كلاهما فيهما خير؛ لأن المؤمن ضعيف الإيمان أفضل من الكافر، إذن المؤمن القوي هو قوي الإيمان الذي يستحضر المعاني الأخروية بقلبه ويستحضر أنه سيلقى الله وأن الله سيحاسبه.
وهذا المفهوم يطابق حديث: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))[4]. النص السابق يبين أن المؤمن القوي خير، وهذا يبين أن من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين، إذن المؤمن القوي هو قويُ في إيمانه المبني على العلم، وهذه هي الخيرية.
الخيرية أن تكون قوياً في إيمانك وإيمانك مبني على العلم.
لكي تصبح مؤمناً ًقوياً، وتكون أنت الأَخْيَرْ قيل لك: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))، يعني الخيرية تأتي من جهة العلم أولاً، و هذا العلم يزيدك إيماناً وتَصور لحقائق اليوم الآخر ,يزيدك إيماناً وتَصور لوقت لقاء الله، يزيدك إيماناً وتَصور لرحلتك السريعة في الحياة.
إذن كل هذه التصورات عندما تكون عندك وتستعين بها تصبح أنت المؤمن القوي الذي هو خير من المؤمن الضعيف, ومع هذا فإن المؤمن ضعيف الإيمان ولكنه خير ممن كفر أو نافق.

أذن هذة القاعدة توضح أنك ما ابتليت في الدنيا بالعبادات من أجل اختبار قوتك الذاتية، أنت اُبتليت في الدنيا من أجل اختبار قوة استعانتك,ومن أنت أصلا كى تعتمد على قواك الذاتية,من أنت؟
قال تعالى في سورة الإنسان: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا(1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [سورة الإنسان:1، 2،3].
فأنت لم تكن شيئاً في الأصل، لم تكن مذكوراً!
وكيف خلقك؟ خلقك الله من نطفة أمشاج.
اعرف حقيقتك من سورة الإنسان. أنك أصلا كنت دهراً طويلاً لست شيئاً مذكوراً وعندما خلقك من نطفة أمشاج يعني من شيء حقير، وجعل لك السمع والبصر هذا كله ليبتليك.
المقصود هنا في سورة الإنسان له معنى خاص: جاءت كلمة {نَّبْتَلِيهِ} هنا بعد أن بين الله أنه خلق هذا العبد بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً، ثم ابتلاه الله وجعله شيئاً مذكوراً بعد ما خلقه وجعل له سمعاً وبصراً ، ماذا سيفعل؟ ماذا سيُتصور؟  القاعدة: أنك في الدنيا اُختبرت في قوة استعانتك، ولم تختبر في قوتك الذاتية.
 إذن فمن أين لك القوة الذاتية؟ وأنت مرّ عليك زمن لم تكن شيئاً مذكوراً، إذن فمن أين لك القوة الذاتية حتى تُختبر بها، بل أن ما تملك من سمع وبصر إنما وهبك الله إياها في آية الإنسان قال: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
 وفي آية سورة النحل قال تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]. في آية النحل جاء ذكر الاختبار: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وهذا هو نفس نبتليه.
إذن لا تتكلم عن قواك الذاتية وقت الطاعة، فأنت لم  تُختبر فيها لأنك في الأصل لم تكن شيئاً مذكوراً وكل قواك من سمع وبصر وغيرها التي تتمكن بها، وهبك الله إياها وأعطاك إياها، فلن يختبرك في قوتك فيها. وهذه الأسباب من سمع وبصر وعقل وأجهزة و أعضاء ليس لها قدرة ذاتية للقيام بالوظائف التي يفترض أن تقوم بها. البدن كله هل له قدرة ذاتية للقيام بوظائفه، فالشخص لا يقدر أن يتحكم في عضلاته اللاإرادية -كما يعبِّرون- تَحَرُكْ نبضات قلبه، العبد يفهم أنه لا يستطيع التحكم في شيء من هذا, لذلك قيل الله في سورة الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} أخبرك الله أنه هداك السبيل.
وهداية السبيل لها معنيان: يقول الشوكاني -رحمه الله-: "وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُو صَالِحٍ :
1.             السَّبِيلُ هُنَا خُرُوجُهُ مِنَ الرَّحِمِ
2.             وَقِيلَ : مَنَافِعُهُ وَمَضَارُّهُ الَّتِي يَهْتَدِي إِلَيْهَا بِطَبْعِهِ وَكَمَالِ عَقْلِهِ".
هداه السبيل: النجدين. وأعطاه القدرة على الانتفاع بقدراته.
خروج الجنين من الرحم من هداه إليه؟ ما هداه إلا الله, قدراتك والانتفاع بها فكر من الذي وهبك القدرات؟ {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، ثم من نفعك بها؟أنت تتصور أن عندك سمع وبصر ستنتفع بها؟لا ، الله -عز وجل- هو القيوم سبحانه وتعالى، القائم على كل نفس بما كسبت، فالله -عز وجل- لحظة بلحظة يعطيك القدرة على الأعمال، يعني كل نَفَس الله قائم عليه لحظة بلحظة يعطيك الله القدرة أن تتنفس، أن تتكلم، أن تتحرك.
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}فبعد أن جعلك الله سميعاً بصيراً، هداك السبيل أى هديناه النجدين أو أعطاك القدرة على الانتفاع بما ملك من قدرات، كلا المعنيين صحيح.
إذن كل الأسباب التي تمتلكها موهوبة من الله لك، ولا تستطيع الانتفاع بها إلا أن يقوم الله عليك فهو القيوم سبحانه وتعالى. بل خلقك وابتلاك لقوة استعانتك: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-: "{مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ}: أي: ماء مهين مستقذر، {نَّبْتَلِيهِ} بذلك، لنعلم هل يرى حاله الأولى، ويتفطن لها أم ينساها وتغره نفسه".
وهذا معنى الابتلاء، فابتلاؤك آتٍ من أي جهة؟ من جهة هل تتفطن لحالك الأولى وكونك لم تكن شيئاً مذكوراً، وليس عندك من القدرات شيء، ولا تستطيع الانتفاع بشيء منها إلا أن ينفعك الله أم أنك تنسى هذه الحال. فلا تتصور أن نسيان هذه الحال يكون فقط و أنت تجرى وراء الدنيا، ولكن نسيان هذه الحال قد يحدث وأنت تعبد الله.
مفهوم هام جدًّا: أنت عبد لم تكن شيئاً مذكوراً ثم أوجدك الله وابتلاك هل ترى حالتك الأولى (أنك لم تكن شيء)، وتتفطن لحقيقتك وتعلم أنك لا تملك لا سمع ولا بصر ولا القدرة على الانتفاع بهما إلا من عند الله أم أنك تنسى ذلك؟ من تتصوريه ناسياً ؟ نتصور أن الذي ينسى فقط هم أهل الدنيا ، وهذا صحيح : فأهل الدنيا أكثر ناس ينسون حالهم الأولى، وفيهم قال الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1].
 وفيهم قال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [ الحجر:3].
وفيهم قال: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء:1-3] هذا صحيح، ما ننكر أول المسألة أهل الدنيا، لكن لننظر إلى أهل الدين الذين معهم طاعات، وقت طاعتهم لله ماذا يتصورون؟
أن أبدانهم هذه التي تتحرك، أعينهم التي تنظر إلى القرآن، قدرتهم على حفظ كتاب الله, قدرتهم على الصيام, قدرتهم على التسبيح... من أين لهم؟! لا تنسى من أنت. فإن كنا نقول: أن أهل الدنيا نسوا أصولهم، ونسوا أنهم لم يكونوا شيئاً مذكوراً، واغتروا بالدنيا وأعجبوا بها، فلنرى حال العابد لله هل يعبد الله وحال عبادته له يكون ذاكراً أنه أصلاً لا قدرة له ولا طاقة على هذه العبادة، وأن الذي يعطيه القدرة  والطاقة هو الله. وأنه لم يكن شيئاً مذكوراً، وأن الذي يعطيك القدرة على هذه الطاعة هو الله.
إذن في لحظة يستوي أهل الدنيا وأهل الدِّين إذا نسوا أصولهم ونسوا أنهم لا يستطيعون إلا من عند الله.
لذلك لا تنسى أن الابتلاء والاختبار ليس لقدرتك الذاتية فأنت أصلاً ليس لديك قدرة ذاتية.إنما الاختبار لقوة استعانتك.
ذكِّر نفسك بسورة الإنسان فهي تصف الإنسان. من هو هذا الإنسان أتى عليه حين من الدهر لم يكن لم يكن شيئاً مذكوراً، خلقه الله من ماء مهين مستقذر ثم جعله سميعاً بصيراً ثم هديناه السبيل, فعندما جعله سميعاً بصيراً فإنه لا يستطيع أن ينتفع بسمعه وبصره إلا أن يهديه الله السبيل للانتفاع بهما.
فأهل الدنيا قد يتعاظمون في أنفسهم ويظنون أنهم شيئاً، وأنهم أذكياء يستطيعون التعامل مع الدنيا كما ينبغي ويعيشوا تحت ظل هذا المفهوم.
وأهل الدِّين -وهم عابدين- ماذا يتصورون؟ لابد أن تتصور نفس المفهوم؛ أنك لست بشيء، وليس لك القدرة على شيء، فليس هذا في الدنيا فقط بل أيضا في الدِّين.
إذن لابد أن نبقى بين: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وهذا الكلام ليس إرشاداً منا أن نقول أننا ما ابتلينا بقدرتنا الذاتية وإنما بقوة استعانتنا بالله ,بل هو كلام رب العالمين في نصوص كثيرة أولها سورة الفاتحة، والتى تدل على أن  القضية في العبادة هي قضية الاستعانة.
مِن أمثلة العبادات القلبية الاستعانة، فأنت تقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وداخلها الاستعانة. فلماذا انفردت الاستعانة بالتوحيد؟ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يعني إياك أستعين ولا أستعين بغيرك، دلالة على أنها من أهم العبادات، بل هي سبب الإتيان ببقية العبادات.
وكأنه يُقال للعبد خذ طرف الحبل الذي إذا تمسكت به تستطيع أن تأتي بإياك نعبد.
* المطلوب منك العبادة، وفي دائرة العبادة بماذا ستبدأ يُقال لك امسك بحبل الاستعانة وستأتي من ورائه كل العبادة. وهذا ليس هو الموطن الوحيد في كتاب الله الذي يبيّن هذه الحقيقة بل في مواطن كثيرة.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وَهَذَانَ الْأَصْلَانِ وَهُمَا التوكل وَالْعِبَادَةُ قَدْ ذُكِرَا فِي الْقُرْآنِ فِي عِدَّةِ مواضع قَرَنَ بَيْنَهُمَا فيها: هَذَا أَحَدُهَا" -أي إياك نعبد وإياك نستعين-.
"الثاني: قَوْلُ شُعَيْبٍ: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] .
الثالث: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123]
الرابع: قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْمُؤْمِنِينَ: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4]
الخامس: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل:8].
 السادس: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30] .
فَهَذِهِ سِتَّةُ مَوَاضِعَ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الأصلين وَهُمَا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .
وَتَقْدِيمُ " الْعِبَادَةِ " عَلَى " الِاسْتِعَانَةِ " فِي الْفَاتِحَةِ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْغَايَاتِ عَلَى الوسائل إِذِ " الْعِبَادَةُ " غَايَةُ الْعِبَادِ الَّتِي خُلِقُوا لها وَ " الِاسْتِعَانَةُ " وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا"[5]. انتهى كلامه -رحمه الله-.

الجملة الأخيرة هي التي تحقق القاعدة، فالعبادة غاية والوسيلة لها هي الاستعانة .
هل قدرتك الذاتية (صحتك، نومك المبكر، أكلك الجيد..) هل هذه هي الوسيلة؟ لا، الوسيلة هي الاستعانة.
ولكن هل نترك الأسباب؟ للأسف قضية الأسباب هذة قضية بلغت مبلغاً كبيراً في قلوبنا فشاركت التوكل في هذه القلوب، فالله -عز وجل- يقول لك {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يخبرك يا عبد أنك لابد أن تعتقد أن العبادة لا تأتي إلا بالاستعانة ولو حشدت لها كل الأسباب ما قمت الليل، ولو تخلت عنك الأسباب كلها قمت لو أراد الله لك ذلك. لا تضعوا حاجز الأسباب مانعاً  لكم لفهم كلام الله وإلا ستُصبحوا الى العقلانيين الذين يؤمنون بعقولهم ويرفضون كلام الله.
 ولكن هل الأسباب ما لها مكان؟
خذ الأسباب في أمر الدنيا واترك الأسباب في أمر الدين، وسلم أمر الدين من كل شيء غير الاستعانة، واغرق في الأسباب في أمر الدنيا ولكن في الطاعة لا تستعمل إلا الاستعانة.
هذا ليس كلامنا بل قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهذا هو الدليل الأول على القاعدة الأولى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ]، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ مَا يُسْأَلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْإِعَانَةُ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لِحِبِّهِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» .
فَأَنْفَعُ الدُّعَاءِ طَلَبُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَأَفْضَلُ الْمَوَاهِبِ إِسْعَافُهُ بِهَذَا الْمَطْلُوبِ"[6]. انتهى كلامه -رحمه الله-.
يعني أعظم ما وهب العبد أن يوهب من الله عوناً على طاعته.
الاستعانة على الطاعة من أعظم ما يهبه الله لعبده

الدليل الأول على صحة القاعدة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} دليل على أن ابتلاءك في الاستعانة، يؤيد هذا الدليل كون النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ: ((يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)).
كل هذه أدلة على أن العبد ابتلي في قوة استعانته لا قدرته الذاتية.

الدليل الثاني على صحة القاعدة: التمسك بــ"لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه".
التمسك بها وقت الطاعات: دليل على أن العباد لم يختبروا بقواهم الذاتية؛ لأنه لو كان هذا هو الاختبار ما شُرع لهم أن يجيبوا المنادي للصلاة والفلاح "لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه" بمعنى هذه الإجابة: المنادي يقول: قومي للعبادة، قومي للصلاة. وأنت تجيبي فتقولي: أنا ليس لي حول ولا قوة على هذه الطاعة إلا أن يعطيني الله أى أتبرأ من حولي وقوتي. إذن يجب على العبد أن يفهم أن الأسباب في هذا الموطن لا تنفع.
وهذا معنى ما يحدث لنا عندما نريد تحقيق درجة الإحسان، ويكون العبد مجتهداً، جامعاً لقلبه، متعلم حافظ الكلام، ولكنه في الموقف لا يجد قلبه، ماذا غاب عنا قبل دخول العبادة؟  الذي غاب عنا قبل دخول العبادة الاستعانة. وهذه هي قضية القضايا. لماذا نقصّر في الزمن الفاضل ويضيع منا؟ لماذا تمر علينا الليالي والأيام ؟!
الله -عز وجل- ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، فيقول: ((هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟))[7] وتذهب كل هذه الليالي علينا لماذا؟ ما هو الشيء الضعيف في قلوبنا؟ قوة الاستعانة.
المسألة مركبة بشكل خاطئ في عقولنا وجاءت رياح من اللوثات وزادت هذه البلوى علينا، وهي بلوى الثقة في النفس.
لكى تكون عبد ذليل منكسر لله تحتاج أن تنزع من قلبك الثقة في النفس وأن تملأ قلبك قوة استعانة بالله.
كلما قويت استعانتك بالله وأنت تعلم من هو الله ، يقوى قلبك
 ثم يتحدثون عن قوة الشخصية؛ قوة الشخصية وأنت لست بشيء! هل تعرف من أنت؟! وصفك الله في سورة الإنسان: لم تكن شيئاً مذكوراً، هذه حقيقتك. لا تتكلم عن ثقتك في نفسك تكلم عن قوة استعانتك بالله.

إذن عندنا دليلين حول أن اختبارنا ليس قي قوانا الذاتية وإنما في قوة الاستعانة.
الدليل الأول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قرن مع العبادة الاستعانة.
الدليل الثانى: "لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه" .
وما زلنا في حديثنا حول الدليل الثاني..
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه-: ((أَلَا أُعَلِّمُكَ - أَوْ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ - عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ ؟ تَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ ))[8].
ديننا اسمه الإسلام ومعناه الاستسلام، هذا النص يبين أن العبد عندما يقول: "لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه"  يقول الله أسلم عبدي واستسلم.
ما ضد الإسلام والاستسلام على هذا؟ إذ كانت "لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه" تعني الإسلام والاستسلام ,فضد هذا أنك غير مستسلم؛ أي تعتقد أن لك حول وقوة.
فإسلامك واستسلامك معناه أن تقول وتعتقد بـ"لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه" وضد إسلامك واستسلامك أن لا تكون متبرئاً من حولك وقوتك، أن تكون معتمداً على حولك وقوتك، واثقاً من نفسك، شاعراً أنك شيء، تتصور أن لك قوة.
لا نتكلم هنا عن الدنيا وإن كان لابد من الكلام عنها، نحن مشكلتنا أننا ممكن نؤمن في الدنيا لأن الوقائع والأحداث لكن في العبادات لماذا مع قوة التعلم وحضور اللقاءات وعندما يأتي زمن فاضل يفوت منا الزمن الفاضل، وقد نرى من هو أقل منا علماً ولكن حاله في الاغتنام أفضل منا، السر في هذا هو أنه لابد من التبرؤ من الحول والقوة تمام التبرؤ. وهذا النص "فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ"واضح في أن العبد كلما كان متبرئًا من حوله وقوته وصفه الله بالإسلام والاستسلام.
 هذا الدليل من أقوى الأدلة التي تدل على أنك لم تختبر في قوتك الذاتية، بل أنت اختبرت في قوة تبرؤك من قوتك الذاتية ولا تغتر بها، عكس المفهوم الحاصل اليوم.
إذن تَعَبَّد الله عباده بذكر الكلمة العظيمة التي هي باب عظيم من أبواب الجنة وكنز من كنوزها.
فهي من العبادات التي تدل على إسلامك واستسلامك.
كلمة "لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه" كلمة عظيمة تعني الإخلاص لله وحده بالاستعانة.
نضيف كلمة جديدة الآن على الاستعانة: تقول أستعين بالله، الاستعانة بالله نفسها تحتاج إلى إخلاص وهذا الإخلاص واضح في حديث ابن عباس المشهور الذي وصاه فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو لازال غلاماً: ((وَإِذَا سَأَلْتَ فَسَأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ...))[9] أي أستعين بالله وحده ولا أستعين بغيره، وهذا معنى الإخلاص في الاستعانة، أن استعانتي خالصة بالله وليس لله.
فالإخلاص مَنع نفسك من الاستعانة بغير الله. وقت الطاعة لابد أن تُلقي بالأسباب خارج قلبك تماماً, الأسباب التي تعينك على الطاعة أخرجها من قلبك وتفكيرك تماماً, والمطلوب منك أن تُخلص في الاستعانة يعني: تستعين بالله ولا تستعين بغيره.
والتوحيد هو الذي يعالج أمراض القلوب وتعلقاتها بالدنيا وهو أن تكون أنت لواحد في استعانتك وعبادتك.

حديث ابن عباس من أعظم النصوص التي تحتاج إلى تربية الجيل عليها, ابن عباس لما سمع هذا الكلام كان غلاماً صغيراً عندما وصاه الرسول وقال له:
((وَإِذَا سَأَلْتَ فَسَأَلِ اللَّهَ)) لا يلتفت قلبك لغير الله سؤالاً.
((وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّه)) لا يلتفت قلبك لغير الله معيناً.
 فنحن نحتاج إلى الإخلاص في الاستعانة, كما أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله، تعني الإخلاص لله بالعبادة. 
إذن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تعني أعبدك ولا أعبد أحدًا غيرك, وهذا معنى "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ".
{وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تعني أستعين بك ولا أستعين بأحد غيرك, وهذا معنى "لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه".
فلا تتحقق "لا إله إلا الله" إلا بإخلاص العبادة كلها لله؛ أي لا يكون في قلب العبد أحد يرجو رضاه ويخاف عقابه إلا الله. كل الذل والانكسار لله وحده.
ولا تتحقق "لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه" الإ بإخلاص الاستعانة كلها لله. حتى نفسك اطردها عندما تستعين بالله، فنفسك أول مصيبة تقابلك عندما تريد أن تستعين في حال العبادة.
فمثلا في أمر الدنيا غالباً نستعين بالناس وما حولنا من أسباب نبحث عن واسطة، عن شخص صاحب نفوذ أو مال.. إلخ, أو مثلا طالب ذكي يستعين بنفسه من جهة ذكائه ومن جهة قدرته على الحفظ.. إلخ. لكن في الدين وأنت تعبد الله لو سألك شخص: هل أنت صائم؟ فتجيب وتقول: نعم الصيام شيءٌ سهلٌ عليّ. أنت تشعر أنه سهل وكأنك أنت الذي تمتلك القوة على هذا الصيام. وكم من عبد أراد الله به خيراً فحرمه هذه النعمة -نعمة القدرة على الصيام-وهذه رحمة به حتى يفهم أن القدرة ليست من عنده بل من عند الله فيستعين به.
المهم في أمر الطاعة أن لا تستعين بأحد غير الله كل أحد اطرده حتى نفسك. لا تكلم نفسك عن قواك الذاتية، وتقول: أنا درّبت نفسي وهذه العبادة أصبحت سهلة عليّ. فأنت مبتلى بالاستعانة، واليوم الذي تشعر فيه بأنك بنفسك قادر على الطاعة تأتي الطامة، ويأتي الخذلان، هذا لو أراد الله رحمتك.
 أما إن كان في القلب نوع خبث وعجب يُعطى العبد فيطيع ويطيع، ولا قيمة لطاعته، إنما هي من باب العجب. وكبيرة العجب تذهب بالطاعة!
وقد جمع الله بين هذين الأمرين "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ولاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه" في سورة الفاتحة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
فالأول: تبرؤ من الشرك
والثاني: تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله -عز وجل-فأنا أتبرؤ من حولي وقوتي يا رب إلى حولك وقوتك.
فالعبادة متعلقة بألوهية الله سبحانه، والاستعانة متعلقة بالربوبية.
فالعبادة غاية والاستعانة وسيلة فلا سبيل إلى تحقيق تلك الغاية العظيمة إلا بهذه الوسيلة ولا طريق ولا سبيل آخر للعبادة إلا طريق الاستعانة بالله الذي لا حول ولا قوة إلا به.
وقد علق ابن تيمية -رحمه الله- على من يستخدم " لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه " في غير بابها فقال: "وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَلِمَةُ اسْتِعَانَةٍ؛ لَا كَلِمَةُ اسْتِرْجَاعٍ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَصَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِرْجَاعِ وَيَقُولُهَا جَزَعًا لَا صَبْرًا".
وليس مكانها هنا إلا إذا كنت تريد أن تستعين بها على الصبر، أو على ترك الغضب. لكن كونك تعتقد أنها كلمة استرجاع مثل كلمة [ إنا لله وإنا إليه راجعون] خطأ. وهذا المفهوم الخاطئ منتشر فتستعمل على أنها استرجاع. ومن أجل ذلك يفسد المعنى الصحيح ويغيب.
وعلى هذا المعنى المشار إليه يدور فهم السلف -رحمهم الله- لهذه الكلمة العظيمة:
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في " لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه " قال: "لَا حول بِنَا على الْعَمَل بِالطَّاعَةِ إِلَّا بِاللَّه، وَلَا قُوَّة لنا على ترك الْمعْصِيَة إِلَّا بِاللَّه".
 وأخرج أيضاً عن زهير بن محمد أنه سُئل عن تفسير "لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه" قال: "لَا تَأْخُذ مَا تحب إِلَّا بِاللَّه، وَلَا تمْتَنع مِمَّا تكره إِلَّا بعون الله".
ولذلك كانت كنز من كنوز الجنة. فهي كنز؛ لأنها تكون مخبأة للعبد، والكنز هو الشيء المخبأ، فهي كنز مخبأ لك؛ لأن من آثارها الطاعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: "وَقَوْلُ "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ" يُوجِبُ الْإِعَانَةَ؛ وَلِهَذَا سَنَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. فَيَقُولُ: الْمُجِيبُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ الْمُجِيبُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ" وَقَالَ الْمُؤْمِنُ لِصَاحِبِهِ: {وَلَوْلَا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ} وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِهَذَا مَنْ يَخَافُ الْعَيْنَ عَلَى شَيْءٍ.
فَقَوْلُهُ: مَا شَاءَ اللَّهُ. تَقْدِيرُهُ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، فَلَا يَأْمَنُ؛ بَلْ يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ. وَيَقُولُ: لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ)) و "الْكَنْزُ" مَالٌ مُجْتَمِعٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى جَمْعٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ التَّوَكُّلَ وَالِافْتِقَارَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّ الْخَلْقَ لَيْسَ مِنْهُمْ شَيْءٌ إلَّا مَا أَحْدَثَهُ اللَّهُ فِيهِمْ، فَإِذَا انْقَطَعَ طَلَبُ الْقَلْبِ لِلْمَعُونَةِ مِنْهُمْ وَطَلَبَهَا مِنْ اللَّهِ فَقَدْ طَلَبَهَا مِنْ خَالِقِهَا الَّذِي لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا هُوَ.
وَلِهَذَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

وَفِي الْأَثَرِ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ".
فالعبد يجد أثر هذه الكلمة في الحياة من جهة العطاء، والقدرة على الطاعة، ويجدها يوم القيامة أجوراً متكاثرة؛ لأنها تتضمن عبادة التوكل والافتقار.
العبد يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله وقت ترديد الأذان من أجل أن يقوم للصلاة فسيجد أثر لهذه الكلمة في الدنيا، وهو أن تُعطى القوة والقدرة على العبادة، ويوم القيامة سيجد أن هذه الكلمة وراءها أجور التوكل والافتقار. فقول لا حول ولا قوة إلا بالله يفترض أن قائلها واقع في قلبه عبادة التوكل، وواقع في قلبه الذل والانكسار، كل هذا يقع في ثواني فيجتمع للعبد فتصبح كنزاً، غير ما تُعطاه أصلاً في الدنيا من القدرة على القيام بالطاعات فيكنز لك ما اجتمع من حركة قلبك فتجد أثره عظيماً يوم القيامة.

القاعدة الثانية :
قوة الاستعانة طريقها أن يستقرّ في قلب المُستعين معرفة نفسه والعلم عن ربه.

اتفقنا أن المطلوب منك الاستعانة. ولكن من أين تأتي الاستعانة؟
لابد من عاملين يُوجِدان الاستعانة في قلب العبد هما:
                            1-معرفته بنفسه.                 2- معرفته بربه.
العلاقة بين القاعدة الأولى والثانية التي نحن بصددها: أن القاعدة الأولى تأتي بالإحسان، لتبلغ درجة الإحسان لا تتصور أن كل الثقل عليك، لا يوجد عليك ثقل في نفس الطاعة، بل كل القضية أن تكون قوياً في استعانتك، وكلما قويت في استعانتك، جمع الله قلبك، وبلغت درجة الإحسان في العبادات.
فيأتي السؤال: من أين تأتي الاستعانة؟ جاءت القاعدة الثانية: أن طريقة الاستعانة أن يستقر في قلب المستعين (يستقر وليس معلومات في الهواء) : معرفة نفسه ، والعلم عن ربه.

نرى الآن بالنصوص مَن نحن في المواقف والأحداث:
1) سورة المعارج: قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 19-22]،كل الناس هذا وصفهم إلا من استثنى الله -عز وجل- وهم المصلين الذين جاءت صلاتهم أصلاً بالاستعانة.
لا بد من ورقة كاشفة لحقائقنا، لا تأتي تكلمني عن قدرتك الذاتية، أتعرف كيف تستعين؟ حين تفهم من أنت، حين تعرف حقيقة طباعك، حين تفهم أنك صفر، ذاك الوقت تبحث عن أحد تستمد منه قوة, ولم يصفك حق الوصف إلا خالقك.

2) سورة النساء: قال تعالى في وصفنا: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}[النساء:28]، أنت من الضعف لدرجة: حتى أنك لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً، اعرف حقيقة نفسك.

3) سورة الأعراف: قال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:188]، هذه حقيقة نفسك أنت لا تملك أن تنفع نفسك بطاعة ولا تدفع عن نفسك مضرة، فلا بد أن تعرف حقيقة نفسك من أجل أن تتمسك بحبل الاستعانة.
وهذه النصوص التي نذكرها ليست على باب الحصر بل على باب التنبيه، لتنتبه وأنت تقرأ كلام ربك، ترى وصفك، وتعرف من أنت فتفهم أن مشكلاتك لن تحل بقوتك الذاتية.
هذه حالك وصفها لك ربك: هلوع، جزوع، مَنوع، ضعيف، لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً، من أين ستأتي بالطاعة طالما أنك لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً؟! اعرف هذا لتصل لقول: أنا لا يوجد لدي حل، أنا لا أمتلك شيء، فتعود مرة أخرى لوصفك في سورة الإنسان وتفهم أنه قد مر عليك زمن ولم تكن شيئاً مذكوراً.

4) سورة الحجرات: حتى الإيمان الذي في قلب العبد من الذي يجعله موجوداً؟ المنة والفضل لله وحده، فقد قال تعالى عن الصحابة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، [الحجرات:7،8] . أمْركم، قدرتكم وفهمكم، لو أُطعتم سيأتي من ورائها العناء والتعب، لكن من منة الله عليكم أن حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، من منة الله عليكم أن كره إليكم الكفر والفسوق والعصيان.
حتى حبك للإيمان وحبك للطاعة ليس شيئاً جلبته لنفسك، إنما الله حببه إليك، فاستعن بمن حبب إليك الإيمان أن يثبت عليك أعمال الإيمان. فأنت لم تحبه بنفسك إنما حببه الله إليك وزينه وكره إليك الكفر منة منه سبحانه وتعالى.

5) سورة الأنبياء: قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73]، الله -عز وجل- أوقع في قلوبهم وألهمهم فعل الخيرات -وسيأتينا حديث لمة الملك ولمة الشيطان يوضح معنى آية سورة الأنبياء- كيف أوحينا إليهم فعل الخيرات، أن الله رزقهم حبها والقوة على القيام بها.

6) سورة النور: قال تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:21] فأنت أصلا زَكَوت بفضل الله ورحمته وبما أن الله برحمته هو الذي سددنا للقيام بالعمل الصالح، لا بد من التمسك بالاستعانة به للبقاء على العمل الصالح، والاستمرار عليه حتى نقبض، إذاً أنت زكوت بفضل الله وبرحمته.

7) حتى مشاعرك التي تتقرب بها إلى الله هي من عند الله. وانظر ماذا قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ...} [آل عمران:159]  
حتى اللين في التعامل مع الصحابة، ولين كل قائد شرعي للتعامل مع من يقود، من أين جاء هذا اللين؟ من عند الله، حتى قلبك لا تملكه، إنما هذه رحمة الله.

8) سورة الإسراء :النبي -صلى الله عليه وسلم- في سورة الإسراء في سياق المنة على رسول الله بالوحي والإسراء يقول له الله -عز وجل-: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} [الإسراء:86، 87]  هذا الكلام يقال للنبي -صلى الله عليه وسلم- غيره ماذا يكون؟ لو شاء الله لذهب بما في قلبك من الإيمان، أنت يا عبد لست بشيء، اختبارك ليس على قواك الذاتية بل اختبارك على قوة ذُلَّك وانكسارك لرب العالمين واستعانتك به.
* وقال تعالى في الإسراء أيضا: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [الإسراء:74]، حتى ثبات النبي -صلى الله عليه وسلم- من عند الله، فمن باب أولى أن تفهم أن ثباتك من عند الله.

9) سورة الأنفال: ما يقع بين قلوب الصالحين من ائتلاف قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 63،64] الائتلاف الذي يوجد بين قلوب الصالحين، عندما يرزق الله عبده صالحين يأتلف معهم ، فهذه منة هو وحده المنان بها أن يجمعك بأهل التوحيد فيأتلف قلبك معهم، وحتى هذا الائتلاف من عنده سبحانه.
ليس أنت من تطيع إنما العون من الله، حتى حركة قلبك ليست من عندك، ثباتك موهبة من الله، إذن ابتليت بقوة استعانتك بالله. بل إن كل خواطر الخير من منة الله علينا، ففي الحديث: ((إِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً, وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً, فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ, وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ, فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ, وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ, وَتَكْذِيبُ الْحَقِّ, فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ ))[10]. فمعنى ذلك أن حتى خواطر الخير التي تأتيك من أين لك بها؟! هي منة من عند الله، فعندما تأتيك خواطر الخير مباشرة تمسك بحبل الاستعانة فتتحول خاطرة الخير إلى فعله.
* لما يدعو النبي - صلى الله عليه وسلم- ويقول: ((وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا))، معنى هذا أن في هذه النفس شر وليس عليها الاتكال ولا بها الثقة، إنما كل الثقة بالله -عز وجل-.
*             خلاصة (معرفة نفسك):
اعلم يا عبد ما أعلمك الله به عن نفسك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ} وهذا هو الجزء الأول من القاعدة العلم عن نفسك.
{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} الجزء الثاني من القاعدة وهو العلم عن ربك، أنه هو وحده الغني الحميد.
القاعدة الثانية تقول: كي تأتي بالاستعانة لا بد أن تعرف عن نفسك وعن ربك، كل الذي مضى معرفة عن نفسك باختصار، حصرنا بعض الآيات التي تعرف العباد على أنفسهم ومن هم على الحقيقة، ولو أوردنا آية فاطر فقط لكفت: أنت وصفك فقير، تام الفقر، والله هو الغني الحميد، إذن يكفيك أن تعلم عن ربك أنه هو الغني الحميد، ولا تكن من الجاهلين بربهم.

* سورة إبراهيم: قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم:8]، هذا يحتاج من العبد أن يتعلم عن معاني أسماء الله -عز وجل- والكلام حول اسم الغني يطول المقام فيه، لكن باختصار: لا بد أن تعلم أنه غني عن عبادتك، وأنه محمود على أن شرع لك العبادة, أيضاً لا بد أن تعلم أنه قيوم قائم على كل نفس بما كسبت لا تأخذه سنة ولا نوم.
فمن غير الله يُدبّرنا ويُطعمنا ويَسقِينا؟ قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:22]. كل الأفعال هنا منسوبة إلى الله: إرسال الرياح من الله، إِنزال المطر من السماء من الله، سقيا الناس والنبات والبهائم من الله فالذي يسقيك هو الله {وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}، يعني إذا لم يخزنه الله لكم ما استطعت تخزينه، لاتتحدث عن تحلية الماء فإنما هى هبة من الله ليخزن لنا بها الماء.
- من الذي سيتولى أمر الرزق لكل هؤلاء الخلائق؟ قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك:21].
- من الذي سيخرج الزرع؟ قال تعالى: {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:64]
 - من سوى الله يأتينا بالليل لنسكن فيه؟ قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [القصص:72]
- من سوى الله يأتينا بالماء؟ قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} [الملك:30].
- من سواه يُسيِّر الفلك في البحر؟ قال تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس:41].
آية لهم يروا كيف أن الله هو الذي يحمل كل هذه السفن وليست هي التي تحمل نفسها ولا الآلات هي التي تسيرها. فلا تثق في التقدم، بل هذا التقدم هو صورة من صور فعل الله ابتلاك بها الله ليرى فيمن تثق.

*إذن فأنت تعيش بمداد من الله، قال تعالى في سورة فاطر: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2]، أين المداد في الآية؟ الرحمة، من الذي يفتح الرحمة؟ يفتحها الله وإذا فتحها فلا ممسك لها وإذا أمسكها فلا مرسل لها، لذلك فالعبد يقول: ((لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ))[11]، وفي الرواية الأخرى الصحيحة: ((وَأَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي، تَكِلْنِي إِلَى ضَعْفٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ))[12].

*           يوسف -عليه السلام-: المكان الذي بلغه ما بلغه إلا برحمة الله، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:56].
فلا نجاة لأحد إلا برحمة الله

*           في سورة هود نوح يخاطب ابنه، ماذا يقول له وهو يعظه؟ {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ} [سورة هود:42،43].
أنت يا عبد تعيش بمداد من الله  ينجي الله من شاء برحمته، فاعلم أنه الحي القيوم ذو الرحمة الواسعة، ذو الرحمة الواصلة الرحمن الرحيم.
      فيجب أن نعلم أننا بحاجة ماسة إلى معرفة قوية بأسماء الله وصفاته حتى تصل إلى أن لا يكون معين لك إلا الله.

* والآن سنناقش آيتين في موطنين أحدهما في سورة يوسف والآخر في سورة الأنبياء للكلام حول اسم الله المستعان الذي هو أقرب الأسماء بالنسبة لهذا المفهوم الذي نناقشه اليوم وإن كانت كل الأسماء تصب في هذا المفهوم، وهو أنك يا عبد اختبرت في قوة استعانتك وليس في قوتك الذاتية:

*           الموطن الأول في سورة الأنبياء قال تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء:112] هذه الآية في سياق رد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الكفار.
قال الشيخ السعدي: "{قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ} أي: بيننا وبين القوم الكافرين، فاستجاب الله هذا الدعاء، وحكم بينهم في الدنيا قبل الآخرة، بما عاقب الله به الكافرين من وقعة "بدر" وغيرها.
الرحمن مع المستعان يعني من آثار رحمته أنه معين لعباده.
"{وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} أي: نسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تصفون، من قولكم سنظهر عليكم، وسيضمحل دينكم".
 يقول الكفار للمسلمين تخذيلاً لهم أنت ضعاف ونحن الأقوى, سينتهي دينكم كما هو واقع اليوم المسلمين في خوف يشعرون أن دينهم سينتهي, وطالما أنهم معتمدين على أنفسهم سيبقوا في مكانهم وعندما يخرجون من اعتمادهم على أنفسهم ومن النقاش حول الآلة إلى النقاش حول صحوة في القلوب بالتعلق بالله حينها سيكون الله المستعان لهم. وهذا الاسم الرحمن؛ لأن من آثار رحمته سبحانه وتعالى رد العدو.
"فنحن في هذا، لا نعجب بأنفسنا، ولا نتكل على حولنا وقوتنا، وإنما نستعين بالرحمن، الذي ناصية كل مخلوق بيده، ونرجوه أن يتم ما استعناه به من رحمته، وقد فعل، ولله الحمد"[13].
يقصد الشارح هنا أن الله -عز وجل- قد فعل: أي: نصر وأظهر دين رسوله في زمن الرسول، اليوم عندما يتكلم الناس عن رد العدو ماذا نقول: {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
من قالها عندما سُب النبي -صلى الله عليه وسلم-من الكفار؟! لا أحد إلا من رحم الله, بل اعتمد الناس على أنفسهم في رد الاعتداء، عندما حصل هذا كل الكلام كان يدور حول ماذا يجب عليك أن تفعل عملياً، ولا يوجد كلام حول أنه لا بد أن تتعلق بالله ليعننا على رد مثل هذا البلاء، وما حصل ما هو إلا من إفرازات إحساس الناس أن لهم قوتهم الذاتية، ويرون أن من التخاذل عدم الرد.
نقول: رُدّ ولكن بعد أن تستعين. هذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم وأمامه العدو ماذا قال: {قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.

*           الموطن الثاني: في سورة يوسف صَبر يعقوب -عليه السلام- صبراً جميلاً، وصَبرُه استمد العون عليه من الله فقال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ} [يوسف:18].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "أي : أما أنا فوظيفتي سأحرص على القيام بها، وهي أني أصبر على هذه المحنة صبرا جميلا سالما من السخط والتَّشكِّي إلى الخلق، وأستعين الله على ذلك، لا على حولي وقوتي، فوَعد من نفسه هذا الأمر وشكى إلى خالقه في قوله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} لأن الشكوى  إلى الخالق لا تنافي الصبر الجميل"[14].
 نجد الآن في الواقع أناس تأتيهم المصيبة فيتعاملوا معها في البداية وهم أقوياء صابرين ثم بعد مدة تتدهور حالهم -فحاله في أول المصيبة ليس كحاله بعد مرور أشهر عليها-، ما تفسير هذا؟
صَبَر وهو معتمد على قواه الذاتية في أول الأمر فخذله الله، ولم يخذُله من البداية بل عامله باسمه الحليم فلما ما عاد إليه مستعيناً به أراه حقيقة أنه لا يستطيع بنفسه أن يصبر.

* الإصلاح في المجتمع، من الذي يستطيع أن يصلح؟ ماذا يريد شعيب -عليه السلام-ماذا قال؟ {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [سورة هود:88].
يقول الشيخ السعدي: "{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} "أي: ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم، وتستقيم منافعكم، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي، شيء بحسب استطاعتي , ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس، دفع هذا بقوله: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ} أي: وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير، والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوتي"[15].
*                                                                                                                                                                                                                                                              إذن لا ردّ العدو نستطيعه بحولنا وقوتنا إنما {رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ }تعلقاً بحكمه إستعانةً به.
*                 ولا الصبر نستطيعه بحولنا وقوتنا، إنما{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ}نستعين بالصبر مستعينين بالله على الصبر.
*                 ولا إصلاح نستطيعه بحولنا وقوتنا ،إنما {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}إلا بعون من الله.
بل تفاصيل حياتنا كلها لا نستطيعها بحولنا وقوتنا إلا بعون من الله، وهذا قد عبر عنه القرآن بصور مختلفة: باسم المستعان، وما توفيقي إلا بالله.....إلخ.

إذن القاعدة الثانية مبنية على القاعدة الأولى: فهمت يا عبد أن الله ابتلاك ليرى أيكم أحسن عملاً فلن تكون أحسن عملاً بسبب قوتك بل ستكون أحسن عملاً عندما تستعين بالله، وكي تستعين بالله لابد أن تتعلم عن نفسك, وتتعلم عن ربك .
تعلم عن نقص صفاتك كما وصفك الله في كتابه، وتعلم عن كمال ربك.
وتتلخص القاعدة في آية فاطر: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فأنت فقير، و وصف الله غني حميد.

القاعدة الأولى دليلنا عليها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، " لاحَولَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه ".
مثال: العلم اختبار لذكائك أم لاستعانتك؟ اختبار لاستعانتك، القاعدة السادسة تقول ادفع عدوك –الشيطان-، فطالب العلم عندما يحضر مجلس علم يأتي الشيطان ويجعله يشعر أن هذا الكلام بإسلوب علمي بحت ولا يستطيع فهمه فلابد من دفعه. فاعلم أن الشيطان يعظم لك العبادات، ومن كان لا يعرف تعلم، الشيطان يوهمك أنه حتى مع الاستعانة لا تستطيع على العبادات، الاستعانة عبادة في حد ذاتها وعليها أجر، فلا بد من بذل الجهد لفهمها، والشيطان يثقل عليك هذا: وهذا هو ما سيكون محور القاعدة السادسة والأخيرة وهو دفع الشيطان، ولكن ذكرناه هنا حتى إن شعرت وأنت تسمع أن هذا الكلام صعب لا يفهم اعلم أن هذا من الشيطان فادفعه عنك.

القاعدة الثالثة :
درِّب نفسك على الاستعانة في صغير الأمور قبل كبيرها، واعلم أن من تعرَّف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة.

عندما تشرب تقول: بسم الله: يعني أستعين بالله على الشرب، لابد أن تكون (بسم الله) في قلبك وليس في فقط لسانك، يعني وقت قولها لابد أن يكون قلبك حاضراً أنك يمكن أن تغصّ بمائك فتموت أو تمرض، تستعين بالله على الشرب، إذا ما استعنت يقول لك الشيطان: لن يحصل شيء! الشيطان يشعرنا أننا إذا ما قلنا بسم الله لن يحدث لنا شيء، إذا لم تستعن بالله لن يحصل لك شيء، طوال عمرك تشرب الماء ما حصل لك شيء! غرنا حلم الله {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6]. المطلوب منك أن تستعين في صغار الأمور قبل كبارها، تشرب كأس الماء ويكون قلبك معلق بالله أن يعينك على شربه. أنت متصور أنك تستطيع أن تشربه بنفسك، فنعود لأصل المشكلة وهي اعتقادنا أننا نستطيع أن نأكل ونشرب بأنفسنا، ننام بأنفسنا، إحساسك أنك لديك قدرة ذاتية للقيام بكل ما تريد، وتنسى أو حتى لا تعلم أن قدرتك على كل شيء يعطيك الله إياها في وقتها. فهو القيوم القائم على كل نفس بما كسبت، فدرب نفسك على أن تحضر قلبك في الاستعانة في صغير الأمور قبل كبيرها، بعد ذلك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، كل الحياة بين رخاء وشدة: شوال بالنسبة للأشهر الحرم يعتبر رخاء، والشدة هي الأشهر الحرم وهي شدة؛ لأن الأشهر الحرم تُعَظم فيها السيئات، وتُضاعف فيها الحسنات، وشوال لا يوجد فيه هذه الميزة. المفروض أنك في شوال تتعرف إلى الله في هذا الرخاء فتزيد قراءتك للقرآن؛ لأنك أصلاً للتو قد خرجت من رمضان فتتمسك بالطاعة حتى لا تأتي الأشهر الحرم وأنت غير مستعد.
مثال في السَّنَة: عندما يأتي رمضان نحدث أنفسنا أننا سنغتنم الفرصة وهو زمن فاضل وقصير فقط 30 يوم وفيه ليلة القدر وهي ساعات، وهذه مشاعر أنه زمن شدة من جهة أنه زمن قصير ولا بد أن أقوم فيه بأعمال كثيرة، ولا أضيعه على نفسي من هنا جاءت الشدة، وحتى نغتنم هذه الشدة المطلوب أن تكون قد تعرفت إلى الله في الرخاء.
الرخاء بالنسبة لرمضان: شعبان وما قبله. لذلك كان السلف يسمون شعبان: شهر القرآن؛ من كثرة ما كانوا يختمون فيه استعداداً لرمضان، إذا تعرفت إلى الله في الرخاء وبذلت جهدك مُستعينًا بالله، سيأتي عليك الشدة وهي رمضان، فتجد أن الله يسددك ويوفقك ويعينك ويشرح صدرك ويبارك لك في الوقت ويبارك لك في نومك، في أكلك، فتفعل ما لا تتصوره، في مقابل لو أنك دخلت الشهر معتمد على نفسك لم تتعرف إلى الله في الرخاء قد يكون: أول يوم، يومين، ثلاثة، أربعة، أقصى حد تصل له عشرة أيام ثم ينحدر حالك للوراء، وكلنا نشتكي من أنفسنا هذا الحال، أننا ندخل رمضان بحماس ثم ينطفئ الحماس مع أن المفروض عكس ذلك بالضبط؛ لأنك المفروض أنك تقوم بعبادات فيزيد إيمانك فتزيد الطاعة، فالإيمان يزيد بالطاعة فبعد عشرة أيام من الطاعة المفترض أن يزيد إيمانك، لكن ما يحصل أن الإيمان لا يزيد؛ لأن الإيمان يزيد على قدر قوة استعانتك في أن يزيد، إيمانك يزيد بالطاعة والطاعة تأتي بالاستعانة بالله.
أنا أستعين في رمضان ومع هذا لا أجد قلبي نقول: لأنه كان عليك الإتيان بقلبك في شعبان وما قبله في الرخاء، حتى يطاوعك قلبك في رمضان عليك أن تستعين. هذا مثال بالنسبة للسنة.

في الأسبوع: هناك رخاء وشدة: لو قلنا أن أيام الأسبوع كلها بالنسبة للجمعة تعتبر رخاء، ساعة الاستجابة يوم الجمعة تعتبر شدة، نهار الجمعة شدة، تريد إحضار قلبك وتقوم بالطاعات وتذكر ربك لأنه يوم فاضل، عندما لا تجد قلبك يوم الجمعة اعلم أنك ما كنت متيقظا طوال الأسبوع وقت الرخاء.

في اليوم الواحد: يوجد وقت رخاء ووقت شدة: الشدة وقت الصلوات، الرخاء بينها، ماذا تفعل بين الصلوات: كن ذاكراً ، شاكراً، تالياً، مستعيناً في أبسط الأمور: في نومك, وقومك, أكلك, شربك, دخولك, خروجك، استعين في دقائق أحوالك أدق ما تتصور من أحوالك، لو دربت نفسك على هذا طوال النهار فستأتي للصلاة تجد قلبك، ستجده في الفاتحة وفي صلاتك كلها لأنك تعرفت إلى الله في الرخاء فلن يخذلك الله في الشدة والنبى -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُكَ فِي الشِّدَّةِ))[16].
 وابن رجب له كلام جميل على هذا الحديث ذكره في كتابه جامع العلوم والحكم، سنذكر طرفا منه فقط، فمقصدنا الاستعانة وكيف تأتي، تعلم عن نفسك وتعلم عن الله، وهنا نقول القاعدة درب نفسك على الاستعانة بالله في صغير الأمور قبل كبيرها واعلم أن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة وهذا مناسبة إيراد قول ابن رجب.

يقول ابن رجب- رحمه الله-: "((تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُكَ فِي الشِّدَّةِ)) يعني أن العبد إذا اتقى الله وحفظ حدوده وراعى حقوقه في حال رخائه فقد تعرف بذلك إلى الله وصار بينه وبين ربه معرفة خاصة فعرفه ربه في الشدة روعي له تعرفه إليه في الرخاء فنجاه من الشدائد بهذه المعرفة وهذه معرفة خاصة تقتضي قُرب العبد من ربه ومحبته له وإجابته لدعائه فمعرفة العبد لربه نوعان أحدهما المعرفة العامة وهي معرفة الإقرار به والتصديق والإيمان وهو عامة للمؤمنين والثاني معرفة خاصة تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلية والانقطاع إليه والأنس به والطمأنينة بذكره والحياء منه والهيبة له وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون".
فمعنى أن يتعرف العبد إلى ربه في الرخاء: يعني يقترب إليه، يحبه، يتعبد له، يستعين به. وقرب الله للعبد يعني: محبة الله له فتكون لك معه معية خاصة: إجابة الله لدعائه.
 ومعرفة العبد لربه نوعان:
1.             المعرفة العامة: التي يشترك فيها كل المؤمنين، معرفة الإقرار به والتصديق والإيمان.
2.             المعرفة الخاصة: تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلية، يعني بها تحقيق التوحيد، لا يوجد في قلب العبد إلا الله والانقطاع إليه، والأنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له، وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون.
كما قال بعضهم: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل له وما هو؟ قال: معرفة الله -عز وجل-".
المقصود المعرفة الخاصة: معرفة كمال صفاته والأنس به، وحتى تحقق الاستعانة حقق هذه المعرفة، تعلم عن الله لتستعين به، فإذا تعلمت عن الله دربت نفسك على الاستعانة به وتعرفت إليه في الرخاء فعرفك في الشدة.

قال أحمد بن عاصم الأنطاكي: "أحب أن لا أموت حتى أعرف مولاي، وليس معرفته الإقرار به ولكن المعرفة إذا عرفته استحييت منه".
أي وقع في قلبك الحياء من الله أن تترك نفسك هملاً، تستحي أن تتصور أن الله غير قادر عليك.
نتأمل أوائل سورة الملك، يقول فيها تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:1،2]، قبل أن يقال لنا أن الله خلقنا ليبلونا أيكم أحسن عملاً ذكرت ثلاث صفات للرب سبحانه وتعالى وهي:
1)             أنه تبارك : بمعنى تعالى وتعاظم في كمال صفاته، وأنه هو الذي ينزل البركات.
2)             وأنه مالك الملك.
3)             وأنه على كل شيء قدير.
بعد هذا قيل لك يا عبد أنه خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحس عملاً. إذن وأنت تبتلى في هذه الحياة اجعل هذه الصفات الثلاث منك على بال.
أن الله كامل الصفات تعالى وتعاظم، وأنه مالك الملك لو أراد أن يعطيك شيء لا يستطيع أحد رد عطائه، ولو منعك الله شيء هل تتصور أنه منعك لأنه لا يملكه، أو لأنه لا يقدر عليه؟ كلا، بيده الملك سبحانه.
بالعكس لو حُميت من الأمراض ومُنعت من الحوادث هل لأنك أنت تستطيع أن تدفع عن نفسك العوائق؟ لو بقي غناك هل لأنك مالك الملك؟ لا، مالك الملك، القادر على كل شيء هو الله، فإذا فهمت أن الله ابتلاك في الحياة بأن تستعين به، وأنت تعلم أنه مالك الملك، وأنه على كل شيء قدير. إذن كلما مر على خاطرك أنك تملك اعلم أنه لا يملك على الحقيقة إلا الله، فاستعين بمن يملك .
كلما مر على خاطرك أنك قادر على شيء ادفع عنك هذا الشعور وافهم أنك لا تقدر على شيء أبداً، واعلم أن الذي يقدر على الحقيقة هو الله.
الضمائر عموماً تدل على الاختصاص يعني: هو وحده الذي على كل شيء قدير وغيره لا يقدر على شيء: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} طالما أنك عرفت هذه الحقيقة فيصبح صغير الأمور الذي تتصور أنه تافه، مثل: شخص جالس يريد أن يقوم ، ماذا يشعر تجاه القيام؟ يشعر أنه قادر عليه، وهنا المشكلة: أنت لست على شيء بقدير، وهو وحده سبحانه الذي على كل شيء قدير، هذا أمر صعب، ولكن درب نفسك إلى أن تستحي أن تأتي لحظة تظن فيها أنك قادر بدون الاستعانة، أنت لست بقادر أبداً وهو على كل شيء قدير، وأنه لما مكنك من غير استعانة ابتلاك وعاملك بحلمه.
تصوري الحياة جيداً: كلها بين رخاء وشدة، زمن العبد يستعين فيه بالله، وزمن يعينه الله فيه، أنت تستعين فيعينك، إلى أن يأتي الزمن الضيق فيعطيك الله من عنده، حتى تأتي آخر شدة يمر بها العبد: لحظة قبض الروح، اقرأ في كتاب الله من الذي ييسر له خروج الروح ويكون مرضياً عنه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف:13]، في الرخاء: قالوا ربنا الله ثم استقاموا, وفي الشدة وقت قبض الروح: تتنزل عليهم الملائكة.
فالحياة كلها بالنسبة للحظة الموت تعتبر رخاء، ولحظة القبض هي الشدة، ولتكون هذه الشدة يسيره ويتعرف الله إليك فيها طوال الرخاء تعرف إلى الله وقل: ربنا ثم استقيم.
رمضان، الأشهر الحرم: تعتبر بالنسبة لك شدة، بقية الشهور رخاء، تعرف إلى الله في هذا الرخاء، تقرب إلى الله استعين به، اطلب منه أن يعينك على أن تقول الأذكار، أن تقرأ حزبك أن تقوم الليل، في الشدة ستجد نفسك مستعين وفقت حتى للاستعانة.
في الأسبوع: الاثنين والخميس يعتبران شدة لمن منّ الله عليه بصيامهما، الجمعة: يعتبر شدة وبقية الأسبوع:رخاء، الصلاة: شدة، بقية اليوم: رخاء.
ماذا أفعل في الرخاء؟ في الرخاء طوال الوقت درب نفسك على الاستعانة، استعملها في صغير أمورك وكبيرها، وأنت قائم قاعد تقول: بسم الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنت معتقد أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، لما تقوم للوضوء: قيامك ستوفق فيه إلى أن تتبرأ من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، ينفعك الله بكل فعلته في الرخاء، يجمع عليك قلبك في الاستعانة، ممكن واحد يذهب يتوضأ وينتهي من وضوئه ثم يفتكر أنه ما استعان، أو يتوضأ ثم يقف في الصلاة ثم يفتكر أنه لم يقل الذكر بعد الوضوء، لا تتصور أن الذكر يعتمد على قوة الذاكرة، بل أنت مستعين منكسر أم لست مستعين؟ فيكون الناتج أن الله ينفعك في الشدة بما فعلته في الرخاء فيجمع عليك قلبك بالاستعانة وفيها.
وهذا الحديث شاهد لما تقرر ومؤيداً لهذا المعنى، ((وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، كُنْتُ قَلْبَهُ الَّذِي يَعْقِلُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بِها، ورِجلَهُ الَّتي يَمشِي بِها))[17] يعني يوفق فيما يسمع وفيما يبصر، وفيما يتحرك وفيما يمشي إليه، ولكن متى؟ ((وَلَا يَزَالُ عَبْدِي...)) أولاً في الرخاء تقرب إلى الله، فيسددك الله وقت الشدة.
                                          
القاعدة الرابعة :
ترجم أفعال الله بما يوافق الخبر عنه، لترى كيف يتعرف الله عليك في الشدة

تقول أنا تعرفت إلى الله في الرخاء فكيف سيتعرف الله علي في الشدة؟ هل تتصور التوفيق من الله يكون فوراً، فوراً عندما تتعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، فتوفق وتقوم بالطاعات، القضية ليست بهذا الشكل، لذلك جاءت هذه القاعدة.
درِّب نفسك على أن تكون دائماً مستعيناً، وأحضر قلبك لا لسانك فقط، واستعمل قاعدة: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، لو استعنت في الرخاء فإن الله سيسددك في الشدة ويصلح شأنك، ولكن هذا التسديد والتوفيق والإصلاح ليس له صورة معينة وتصور أنا أضعه في ذهني وأريده بعينه.
يعني مثلاً أقول: يا رب أنا أستعين بك على قيام الليل، وأنام ولا أقوم فكيف ستترجم عدم قيامك بعد أن استعنت؟ بعد أن تتعلم عن أسماء الله وصفاته وتتدرب على الاستعانة، لا بد أن تفهم تَعرُف الله إليك في الشدة كيف يكون؟
مثال: نضرب على هذا مثال اسم اللطيف: ما معنى اسم اللطيف؟ هو الذي يسوق إلى عباده الخير من حيث لا يعلمون، بل إنه يُقَدِر عليهم المكاره ليحملهم إلى الخير، وأحسن مثال لهذا قصة يوسف: {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] هم أرادوا أن يدفعوا يوسف عنهم، والله غالب على أمره في إظهاره، لكن المشكلة أن أكثر الناس لا يعلمون.
نفس القضية لدينا: الله يريد أن يلطف بك، ولطفه لك جاءك من باب المكاره، فترجمة هذا أن تفهم أنك لو استعنت وقمت الليل ربما أصبت بمرض العجب، فكسرك الله، واستعنت بكل قواك ولم تقم، المفترض أنك تشعر بزيادة فقرك، تقول استعنت ولم يعطيني الله، نقول: ترجم أفعال الله بما يوافق الخبر عنه، ألا تعلم أن الله لطيف فهو سيعطيك الخير ولكن ليس من الباب الذي تتصوره أنت.
ألا تعلم أن الله حكيم عليم بحالك، كم من عباد أعطاهم الله من المميزات ، طلبوا الصدارة في المواقف فحرمهم الله؛ رحمة بهم، يعني يكون عنده قدرة وطاقة ويقولون له: خذ هذا العمل، إذا قمت به نصدرك ونضعك في كذا وكذا فيفشل فيقول: قلتم لي أن استعين فاستعنت، مع ذلك فشلت، نقول له: الله أعلم بحالك، حكيم في فعله معك، لطيف ساق إليك الخير، وإن كان على مركب المكاره.

أنت لا تفترض صورة معينة لتعرف الله إليك في الشدة ، وتقول: أنا استعنت لا بد أن أقوم، لا بد أن أصوم...
أنت عليك أن تستعين وتتعرف إلى الله في الرخاء هذا هو دورك، وتعرف الله إليك في الشدة وبقاؤه معك ومعيته لك كيف تكون صورتها هذا أمر أنت لا تستطيع تحديده؛ لأن الذي يناسب غيرك لا يناسبك، مثلاً شخص يقول: طوال السنة أدعوا الله وأقول : يا رب أقضي رمضان في مكة وهو صادق ومستعين وأخذ كل الأسباب ولم يوفق، من المؤكد أن هذا هو الأنفع لقلبه-نكاد نقسم على ذلك-سَتُفتَن ولا تعرف كيف سَتُفتن، وكم عَلمنا الله -عز وجل- عن حكمته تمنينا أشياء ومنعنا إياها فأصررنا عليها فجاءتنا وأذاقنا مر اختيارنا، إذن أنت تعرف إلى الله في الرخاء، وتَعرُفهُ إليك في الشدة أمر لاتترجمه على هواك أو تقول كنت في شدة الله ما قواني على العبادة والطاعة، ترجم أفعال الله وبقاءُه معك في الشدة بما يوافق الخبر عنه.

مثلا جاءك شيء لا تستطيع تفسيره، لماذا يمنعني الله عن الطاعة مع أنها طاعة؟ فإن كنت لست فاهماً عن نفسك ولا تفهم العجب أنك ممكن أن تقع فيه أو فتنة من أي نوع. لا تفهم تفاصيل كثيرة، على أقل تقدير قل: الله -عز وجل- حكيم ما منعني إلا لحكمة بالغة.
وهذه القاعدة ضبطت القاعدة السابقة لها: أنت تَعرف إلى الله في الرخاء، من المؤكد أنه يتعرف إليك في الشدة، لكن كيف وبأي شكل وبأي صورة أنت لا تحدد ولا تصف الصورة.
فمثلاً: أنت فقير وتتمنى أن يكون لديك مال لتنفق، وتعرفت إلى الله في الرخاء فتصدقت كما في حديث عائشة بعنبة وبشق تمرة، كل هذا لتقول: يا رب أعطيني لأتصدق فأنا أحب أن أنفق في سبيلك، تعرفت إلى الله في الرخاء وأنفقت مما عندك وتصدقت به وكنت منتظر أن يعطيك الله مال لتنفقه في سبيله فما أعطاك، ففسره أن الله رحمك من أن تكون ممن وصفهم الله في سورة التوبة:
{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}، [التوبة:75-77] فتعلم عن الله.

نرتب ما قلناه من البداية: قلنا أن اختبارك ليس في قواك الذاتية بل في الاستعانة، وقوة الاستعانة تأتي من العلم عن حقيقة النفس والعلم عن الله، وأنت الآن تعلمت عن الله وتعلمت عن ضعفك، ولكنك غير قادر أن تستعين، فالخطوة التالية أن تدرب نفسك على الاستعانة في صغير ودقيق الأمور حتى تصل لكبيرها فتستعين، وافهم أنك لو تعرفت إلى الله في الرخاء واستعنت سيعطيك الله في الشدة ويساعدك ويفتح لك باب الطاعات، ولكن بأي صورة سيكون هذا من الله، أنت لا تعرف، ولكن كلما تعلمت عن الله ستفهم كيف يعاملك.
 وأنت ترى قوماً ابتلوا في أنفسهم بأمراض يقولون: لو كنا صحيحين ما تركنا الحرم، وهم قد ابتلاهم الله بالمرض فينعم الله عليهم بالصحة فترى من الكبر والعجب في الحرم من أفعالهم ما يجعلك تعلم أن مرضهم كان أحسن لهم.

إذا تعرف إليه العبد في الرخاء إذا لم يتعلم عن الله وعن حكمته وعلمه ورحمته، خاصة ونحن نسمع كثيرا من يقول: دعوت فلم يستجب لي، وهذه من أكثر المؤذيات لقلوب المؤمنين خصوصاً ونحن نتكلم عن الأبناء، فالله -عز وجل- عندما ابتلانا بالأبناء لم يتركنا هملاً بل أعطانا الوصفة العجيبة خاصة الأمهات، فالأم دوناً عن خلق الله لو دعوتي اُستجيب لدعائك في أي وقت، وقيل لك عندما ابتليت بأولادك ما ابتليت أنك ستشكلينه وتربيه ,أنت قلبك لا تستطيعي تشكيله فكيف تشكلي هذا،ولكن عندما ابتليت به، قيل لك: خذيه وخذي مفتاح يوصلك لصلاحه قيل لك دعاؤك فيه مستجاب. أين الذل والانكسار بين يدي الله؟ أين استعمالنا لمفتاح صلاح الأبناء ألا وهو الدعاء والتوسل، مفتاح صلاحهم في يد الأم والأب، وهو الانكسار بين يدي الله، في الذل عند الله، في الدعاء الذي لا يُقبل من أحد أن يقول دعوت فلم يستجب لي، لا تقل ذلك أبداً، أنت مهما طرقت باب الأولين والآخرين غير الله، لن يصلحوا أولادك ما يصلحهم إلا من خلقهم، فالآباء والأمهات بالذات يدعو لأبنائهم في أي وقت، وهذه ميزة أعطاها الله الآباء والأمهات فمعنى ذلك أنك مستعين.
ما معنى أن تستعين في تربية أبنائك؟ أن تعتقد أنه لا معين لك إلا الله، قلب أبناءك لا تمتلكه ولكنك ابتليت بهم من أجل أن يُسمع صوتك متوسلاً داعياً مستعيناً، فقل: يا رب، هذه هي قوة الاستعانة.
بماذا خرج من استعمل طرق التربية القديمة والحديثة والتقليدية؟ ما أصلح الأبناء إلا الله، إن كنت أنت نفسك قادر على أن تصلح قلبك وُكِّلتْ على أبنائك أن تصلحهم، لكن أنت تشهد أن قلبك الذي بين جنبيك لا تستطيع إصلاحه، فكيف تتصور أن الله يُحمِّلك صلاحهم؟! إنما حملك ما أعطاك {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].
فأنتِ كـ أُم أعطاك ِأن دعاءكِ مُستجاب، في أي وقت ليلاً أو نهاراً، فأين الاستعانة به، والأسوأ من عدم الاستعانة أن تقول: دعوت فلم يستجب لي؛ لأنك لا تعرف أن تترجم أفعال الله، اليوم تقول: يا رب أصلح قلبه، ثاني يوم يصبح شخص آخر.
أُم تعلم أن الله لطيف يسوق الخير رويداً رويداً في أضيق المسارات التي لا تتصورها ثم يخرج الابن من الفساد إلى الصلاح ويُشهدك على أنه كان في قلبه فساد ثم تحول إلى الصلاح بمنَّته وكرمه؛ لتعود وتقول: ليس لي إلا الله هو وحده المحمود على أن أصلح أولادي.
لا تترجم تعرف الله إليك في الشدة) كما تريد، أنت لا تعرف كيف يتعامل الله معك في الشدة، ولكن كلما تعلمت عن الله، استطعت تفسير تربية الله لك.
*                 وتأمَّل هذة الآيات {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].
*                 {ألَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: 55].
*                 {إنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنفال:34].
هذه مشكلتنا أن أكثرنا لا يعلم أن الله غالب على أمره، أكثرنا لا يعلم أن وعد الله حق، أكثرنا لايعلم أن أولياء الله هم المتقون وأن التقوى تساوي ولاية الله.
المقصد من هذه الأدلة أن تتصور أن الله وصف أكثر الناس أنهم لا يعلمون عنه، ابحثوا في كتاب الله عن المواطن الذي ذكر فيها الله - عز وجل- وصف الناس وأن أكثرهم لا يعلمون عن ربهم ولا عن صفاته، فسيكون الناتج: أن ربهم عندما يتعرف إليهم في الشدة لا يفهمون تعرفه إليهم في الشدة، فلا تكن من أكثر الناس الذين لا يعلمون ثم لا يؤمنون لأنهم لا يعلمون ثم لا يشكرون؛ لأن الله - عز وجل- جمع بين هذه الثلاثة في وصفه لأكثر الناس :
أنهم لا يعلمون؛  أنهم لا يؤمنون لأنهم لا يعلمون؛  أنهم لا يشكرون.


القاعدة الخامسة :
عالج نقاط ضعفك في الاستعانة

أي كيف أربط بين الاستعانة والأخذ بالأسباب؟
نأخذ مثال: تربية الأبناء، غرسك للقيم، نقول: هذا سهل أنا كأم يجب علي غرس القيم، ما القيم التي يجب أن أغرسها؟ ما القيم التي تناسب نفسية طفلى؟ ما القيم التي لا آثار سلبية لها إذا غرستها، مثلاً هو بطبعه كريم فأغرس فيه قيمة الكرم فيصبح مسرفاً، فالكرم مشاعر متوسطة بين البخل والإسراف.
إذا قلت: أنا دوري مع أبنائي غرس القيم فيهم، بالإضافة إلى الاستعانة بالله، نقول لك: هذه جملة خاطئة ، أصلاً غرس القيم لا يمكن أن يحصل بدون استعانة، لأن القيم نفسها من أين لي فهمها كما ينبغي؟ ومن أين لي بالقيم المناسبة لهذا الطفل دون هذا الطفل؟ نفس القيم المناسبة تسديد من عند الله فلو استعنت تُوفق. فالأطفال مختلفين في الطباع, تجدهم أشقاء في بيت واحد أحدهم كريم والآخر بخيل، واحد حنون والآخر جاف، واحد سَمح واحد عسِر. من أين لي الإصلاح؟ ما هي القيمة التي يجب أن أغرسها في هذا ليصبح لين وفي هذا ليصبح كريم؟ عن ماذا أكلمه؟ متى أكلمه؟ ما الموقف السليم؟ ما الكلمات التي سأقولها؟ كل هذا لا يستطيعه العبد وحده بل كله يأتي بالاستعانة.

التربية لا تأتي إلا بالاستعانة فقط ثم الاستعانة في داخلها يأتي كل شيء.
تستعين بالله على أن تأتي بكلام يناسب ولدك, فالمراهق لو منعتيه من الفعل الذي يريده كسر الدنيا، ولو تركتيه يفعل ما يريد زاد، شاوري من أردتِ مشاورته لن تجدي إلا إجابتين شخص سيقول لك: دعيه يفعل والآخر سيقول لك: امنعيه.
ما هو الصواب؟ ماذا أفعل؟ أنت لن تفعل إلا ما يكون ناتج تعلقك بالله واستعانتك به. ثم تأتي بعد قوة الاستعانة كلمات، ووقتها ووقعها في نفسه كل هذا ما أتى إلا بعون الله. ولن يوجد أثر لأنك اخترت الوقت المناسب والكلمات المناسبة والطريقة المناسبة. وليس لأنك استعملت مشورة فلان. لا تفهم هذا الفهم الخاطئ بل اعلم أنه ما سددك إلا الله.
لابد أن نوقظ في قلوبنا التوحيد، فما أرجع الأمة كاملة إلى الوراء إلا دفع التوحيد واندفاعهم عن باب التوحيد هذا سبب الرجعية التي نعيشها. وإلا فإن لنا في رسولنا أسوة حسنة: في سورة الأنبياء عندما أراد دفع العدو لم يقل أنا معي الحق ولابد من دفع العدو. بل توسل إلى الله وطلب منه أن يحكم بالحق، هذه هي النفوس الموحِدة. فالنصرة لا تأتي أبداً بكثرة العدد وقوة العُدة.

هناك سببين لتراجع الأمة والسببين اجتمعا في غزوة أحد وغزوة حنين:
الأول في أحد: وهو مخالفة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطالما أن الأمة مخالفة لسنة النبي وتبتدع ستعود للوراء.
والثانى في حنين: وهو الاغترار بالأسباب, والتفات القلب عن باب الله قليلة أو كثيرة.
وطوال الحياة ستبقى هاتان المشكلتان سبب لتراجع الأمة للوراء؛كأمة وأشخاص.
عالج نقاط ضعفك وانظر لنفسك والشيء الذي غاب من ذهنك تماماً الاستعانة فيه مثلاً: التربية- أنت ماهرة في الطبخ فلا تستعيني. أو أنت تستعيني في كل الطبخات إلا طبخة معينة لا تستعيني فيها لأنك واثقة من نفسك فيها.
سيظهر لنا أننا ضعفاء في الاستعانة تماماً. مع الأيام سنكتشف أن هناك نقاط معينة أنا بعيدة تماماً عن الاستعانة فيها.

أمثلة:
-                معلم طلابه مهذبين فيشعر أن هذا الفصل غير متعب هذا الفصل جيد. أصبح هذا الفصل نقطة ضعفك لأنك لن تستعين وأنت داخل إليهم!
-                أبناؤنا كل واحد فيهم بطبع، واحد فقط يسمع كلامي فأقول: أنا متأكدة أن هذا سينفذ ما أريد -دون استعانة- ابحث عن الأوضاع والأحوال التي تعاملها. هذه هي نقاط ضعفك وأبرزها للخارج، ولا تتصرف فيها إلا وأنت جامع قلبك فيها.
-                امرأة طوال الوقت تستعين لكن وقت الطبخ لا تلقي بالاً للاستعانة، كذلك حال استقبال الضيوف، وكأنها تقول ماذا يعني أن استعين بالله عليه؟! وإن كنت مستعينة يأتيك من يقول لك: ستحاربين، فيخذلوك في استعانتك.
-                انتبه وأنت ذاهب للوضوء قل بسم الله معتقداً أنك لله تتوضأ وضوء لا يقبل منك إلا إذا أعانك الله.
-                شخص ضعيف في الأذكار، يذهب عليه العصر والفجر وهو ما ذكر، أو يذكر لا يرى أنه محتاج أن يستعين بالله لكي يذكر, ذكر الله، قراءة الحزب، هذا يضيع على كثيرين لأنهم لا يستعينون ولا يشعرون لماذا لا يفعلون.

وهذا ما ذكرناه في القاعدة الثالثة: درب نفسك على الاستعانة، لتقوي استعانتك في كل حياتك وبالذات وقت العبادة، ابحث عن العبادات التي تقوم بها بدون استعانة لتعالجها.
أَبرِز نقاط ضعفك التي ترى أنك لا تستعين فيها، وافهمها وركز أن تجمع قلبك وتستعين فيها.

القاعدة السادسة :
ادفع عدو الاستعانة, وهما : الشيطان ،والنفس الأمارة بالسوء

أولاً : الشيطان: أعدى أعداء الاستعانة هو الشيطان؛ عندما تقول: نستعين بالله لنفعل كذا. فيوسوس لك ويقول: لماذا تستعين فالأمر يسير ولا يحتاج استعانة!

- امرأة في غرفة الولادة لأول مرة تلد تقول: سمعت صوتاً يحدثني في أذني. يقول لي: لا تقولي يا رب-لا تستعيني أو كلمة مثل هذه- هم سيعطونك كمامة وإبرة وستذهب الآلام تقسم وتقول: والله أسمعه صوتاً!
هذه لحظات الشدة الصعبة، عدوك أكره شيء له أن تستعين؛ لأنه يعلم أنك لو استعنت أمدك الله. فيثبطك يقول لك: يعني ما تستطيع حمل قلم فتقول بسم الله؟! سهل عليك، وإذا استجاب العبد مصيبة! فلا بد أن تتصور أنه يحدثك حديثاً يوهمك لما تأتي وتعالج ضعفك وتكون هذه النقطة ضعيفة.

مثلاً: يقول لك أنت طول عمرك تطبخين، وطول عمرك توفقين، طول عمرك يأتيك ضيوف، ما تحتاجين إلى استعانة.. بكلام مفهوم، يوسوس عليك، يأتي يقول لك أنت الآن لست بحاجة للاستعانة.  
أخطر عدو على الاستعانة هو الشيطان فادفعه بالاستعاذة والاستعانة.
الغالب أن الشيطان في الاستعانة يحدثك مباشرة يقول لك مثلا شربت نسكافيه، ونمت مبكرًا فستقوم إلا ولابد.فهذا من الشيطان حتى لا تستعين ويأتي البلاء وتقوم الليل وتأتي المصيبة وهي أن تثق في هذه الأشياء!
كلما تعلمت عن الله وكلما ضعفت الثقة في النفس، كان هذا خذلان للعدو، ولكن افهم أن هذا عدوك, وصوته مسموع لمن أدرك هذا وأنت تعتقد أن هذه نفسك تكلمك.
اعلم أن أبغض الأعمال للشيطان الاستعانة المورثة للعبادة, الغاية العبادة والوسيلة الاستعانة، فهو يقطع عليك السبب-الاستعانة- قبل أن تصل للعبادة.
وقد وصف الله الشيطان أنه عدو لنا، عدو يكلمك ليخذلك، يبث فيك ما يجعلك بعيداً عن أعظم العبادات التي هي الاستعانة.

ثانيًا : النفس الأمارة بالسوء: ثَمة علاقة بين النفس الأمارة بالسوء والشيطان, قال تعالى في سورة يوسف: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [يوسف:53].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}: أي: من المراودة، والهم والحرص الشديد، والكيد في ذلك. {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة وسائر الذنوب، فإنها مركب للشيطان، ومنها يدخل على الإنسان"[18].
لذلك نجد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذكر أن من حفظ لسانه وفرجه حُفظ دينه. فهذان الموطنان أكثر موطنان يحصل للنفس فيها دعوة, دائماً النفس تأمر بالسوء في هذان الموطنان.
إذن: النفس الأمارة بالسوء مركب الشيطان الذي به يدخل على الإنسان، لذلك هناك علاقة قوية بين الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
ثم جاء الاستثناء في الآية فقال: "{إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ}: فنجاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى، فلذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده".
ندور ونعود لنفس النقطة الاستعانة. يعني حتى نفسك الأمارة بالسوء لن تندفع عنك إلا بالاستعانة.
فالنفس الأمارة هي المركب التي يركبها الشيطان و يدخل به الإنسان ويوسوس له.

* أيضًا في سورة الإسراء ذُكرت العلاقة بين الشيطان والنفس الأمارة. قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء:53]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-: "وهذا من لطفه بعباده، حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال، والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة، فقال: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله، من قراءة، وذكر، وعلم، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف، مع الخلق، على اختلاف مراتبهم ومنازلهم".
 يأمر الله العباد أن يقولوا التي هي أحسن، لذلك فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه. لماذا يقول التي هي أحسن؟ لأن الشيطان ينزغ بينهم. ما وصف الشيطان بالنسبة للإنسان؟  عدو مبين, وما فعله ؟ النزغ.
"وقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} أي: يسعى بين العباد، بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم. فدواء هذا، أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم، لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم، فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]. وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم، وسعى في العداوة، فإن الحزم كل الحزم، السعي في ضد عدوهم، وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء، التي يدخل الشيطان من قِبَلِها، فبذلك يطيعون ربهم، ويستقيم أمرهم، ويُهدون لرشدهم"[19].

إذن لابد من تصور مقدار عداوة الشيطان. للشيطان له مركب هو النفس الأمارة بالسوء. وآية الإسراء دلت على أن له مركب آخر يركبه فيدخل على الإنسان من قلبه وهو الصحبة. الله -عز وجل- أمرنا أن نقول بيننا وبين بعضنا: التي هي أحسن يعني الكلام الطيب. وإذا لم تقل كلاماً طيباً ينزغ الشيطان بيننا.
فيستعمل الشيطان صاحبي فيوقعني فيما لا يليق. هنا الشيطان سيأتيك ليس من نفسك بل من جهة صاحبك. يقول صاحبك لك كلام سيء فتقول له أنت كلام سيء.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبو بكر ورد عنهما: أنهما مرّا برجل فقال له: كيف أصبحت؟ قال: الحمد لله. قال: هذا ما أردت.
يعني: سألتك ليس لأعلم عن حالك بل سألتك ليخرج من لسانك الحمد لله، قولوا التي هي أحسن. وهذه نعم الصحبة.
اليوم يستفز الزميل زميله ليخرج من الثاني السوء! الصحبة هنا كأنها عدو خلفي للاستعانة وليس عدو أساسي. العدو الذي يخذلك عن الاستعانة هو الشيطان والنفس الأمارة بالسوء. وقد تكون الصحبة بدافع من الشيطان مُخذلة لك عن الاستعانة.
تقول: بسم الله يا رب أعني. يقول لك صاحبك: لم كل هذا هل أنت ذاهب لتحارب. يخذل استعانتك. هو استجاب أصلاً للشيطان فجاءك ضرره من عداوة الشيطان لكما.
إذن إما أن تكون نفسي أمارةً بالسوء، أو الشيطان يركب نفس الأمارة بالسوء ويدفع عني الاستعانة. وهناك مركب آخر يركبه الشيطان لدفع الاستعانة وهو الصحبة. فبدل أن يكون الصاحب معين لصاحبه على الاستعانة يخذله. يقول: أنتم ناس معقدين. كل شيء تستعينوا فيه بالله، بسم الله. وتأتي الكلمات: متشددين، متعصبين، فلسفة...الخ.

يقول ابن القيم-رحمه الله-: " ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين ويدنو العبد به من الله تعالى في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو بالعمل"[20].
يعني عندما تبغض  نفسك لحظة واحدة تقترب من الله أضعاف ما تقترب إليه بقيامك بالعمل.

ولا ننسى أبدا: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} [الإنسان:1]. لابد أن تفهم نفسك، بل تقرب إلى الله بفهم حقيقة نفسك، تقرب إلى الله بمعرفة حجم نفسك, وكما قال ابن القيم تقرب إلى الله بمقت نفسك.

قال الآجري-رحمه الله-: "النفس أهلٌ أن تمقت في الله لأنها تدعوني لسلوك سبيل الضلال، وتحرمني عما يرضي الله، وتوقعني فيما يبغضه".



انتهى اللقاء والحمد لله..




[1] رواه مسلم.
[2] متفق عليه.
[3] رواه مسلم.
[4] متفق عليه.
[5] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
[6] المستدرك على فتاوى ابن تيمية، جمعه ورتبه محمد بن قاسم.
[7] رواه أحمد في مسنده وصححه الألباني.
[8] رواه أحمد في مسنده، تعليق شعيب الأرنؤوط: صحيح دون قوله " تحت العرش " وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين.
[9] رواه الترمذي في سننه وقال حديث حسن صحيح.
[10] رواه البزار والطبراني والبيهقي، قال الألباني: ضعيف.
[11] رواه الحاكم ، وحسنه الألباني.
[12] رواه أحمد في مسنده.
[13] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
[14]نفس المرجع.
[15] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
[16] رواه الحاكم والبيهقي والطبراني، وصححه الألباني.
[17] رواه البخاري.
[18] تيسير الكريم في الرحمن في تفسير كلام المنان.
[19] تيسير الكريم في الرحمن في تفسير كلام المنان.
[20] إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، فصل وفي محاسبة النفس عدة مصالح منها : الاطلاع على عيوبها ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.