الأحد، 1 فبراير 2015

التوحيد سبب للاستمتاع بالحياة

احمَدِ اللهَ أنّ التوحيدَ سببٌ للاستمتاعِ بالحياةِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نسأل الله أن يمتّعنا بدراسة التوحيد وأن يجعلنا من أهله سبحانه وتعالى وخاصته، وأن نقبل عليه بهذا التوحيد وأن ينفعنا به يوم نلقاه. اللهم آمين.
مسألة الاستمتاع بالتوحيد وبدراسته هذه مسألة حياتية
لما تقول: الحمد لله، وتأتي في سورة الفاتحة وتقول {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فما أول ما يُحمد سبحانه وتعالى عليه؟
الحمد: لفظة يُقصد بها الإشارة إلى كمال صفاته سبحانه وتعالى وجميل إنعامه
نتتبع كلمة (الحمد) في القرآن:
o       أول فاطر {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
o       أول سبأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}
o       آخر الزمر {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذا ما يقوله أهل الجنة نسأل الله من فضله.
o       {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} الأعراف:43
o       آخر الإسراء {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} هذا الموطن الأساسي الذي نريد شرحه، وتدور عليه بقية المواطن.
الذي يعيش آخر الإسراء يعيش آخر الزمر، نسأل الله من فضله.
لنبدأ من المقطع الأخير في الصفحة الكلام عن القرآن {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} ثم؟ {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا} ثم أتى وصف الذين آمنوا {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا} التسبيح {إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} كل هذا الكلام عن القرآن، لما يسمعوه يسبحون الله.
مثل ما فعلت الجن {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} متى وصلوا لهذه المشاعر؟ لما سمعوا القرآن عرفوا أنه تعالى جدّ ربنا، إذن التسبيح، التعظيم (تعالى) كل هذا أتى من فهمهم للقرآن
بعد ذلك {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} لاحظي أن الآية السابقة الكلام عن الأسماء، ثم {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} على ماذا يُحمد سبحانه وتعالى؟ {الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}
اجتمعت الثلاثة:
1.    التسبيح
2.    الحمد
3.    التكبير
هذا معنى سبحان الله والحمد لله والله أكبر. وكل معنى سبحان الله والحمد لله والله أكبر مجتمع في (لا إله إلا الله)
ماذا تفهم في لا إله إلا الله؟ لا معبود بحق إلا الله.
قال ابن عباس: الله: "ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين".
هناك فرق بين الألوهية والعبودية، فالعبودية ناتج الألوهية، وقد يعبّر بأحدهما عن الآخر على أن هذا مبدأ وهذه نتيجة أو هذه نتيجة لازم لها هذا المبدأ.
لفظ الجلالة الله أصلها (الإله) ومعناه: هو من تعتقد أنه كامل الصفات يستحق المحبة والتعظيم، إذا استحق المحبة والتعظيم
فيكون حالك بين يديه: ذليل، منكسر، عبد.  تعلم أنك ضعيف وهو القوي، أنك فقير وهو الغني، أنك عاجز وهو القادر، أنك عبد وهو الملك.  كل هذه الاعتقادات مبنية على معرفتك لصفاته.
فالإله هو المألوه الذي تألهه القلوب تعلقًا وتعظيمًا؛ لكمال صفاته يقف العبد بين يديه ذليلا، هذه صورة العبد (العبودية)
ننظر الآن لـ (الحمد لله)، نحمده على ماذا؟
نعود مرة أخرى للألوهية، مثل ما بين يديك آية الإسراء
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} كامل الصفات، لم يتخذ ولدا، لم يلد ولم يولد.
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} كامل الملك
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}  يعني لا يوجد أولياء يعينونه سبحانه وتعالى، لم يكن له ولي من الذل لكن له أولياء من المحبة، يعني يوالي الخلق من محبته لهم، لكن ليس يواليهم من الذل والحاجة.
أولياء الله: عباده الصالحين، ينصرهم ويؤيدهم، عباده الصالحين، إذن لم يكن له ولي من الذل يعني لم يوالي أحدا ولم ينصر أحدا لحاجة إليه، إنما محبة، وهو سبحانه وتعالى غني عن كل أحد.
قل الحمد ، وفي آخره {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} إذن أنت تكبّر الله بناء على ماذا؟
على معرفتك لكمال صفاته، ستعود مرة أخرى التكبير إلى لا إله إلا الله .
تأمّل .. بعد الصلاة كم مرة تسبح وتكبر وتحمد؟ 33مرة
وكم مرة تقول لا إله إلا الله؟ مرة واحدة.
لأن التسبيح يقع فيه التهليل، سبحان الله والحمد لله والله أكبر تفصيل لـ (لا إله إلا الله) يعني نحمدك على كمال صفاتك، نكبرك ونكبر صفاتك أن تكون مثيلة بصفات البشر، ننزهك عن صفات البشر.
يعني كل ما رأيت صفة كمال لأحد قل (الله أكبر)
كل ما رأيت عطاء الله نازل على أحد قل (الله أكبر).
أغنى واحد في تصورك انظر إليه وقل (الله أكبر)، يعني هذا الذي بين يديه لا شيء في ملكه، لو رأيت رحمة أحد لابد أن تكبر الله في قلبك، لو رأيت شفقة أحد لو رأيت .. وهكذا.
معنى ذلك نحن الآن أول ما نقول الحمد لله رب العالمين في سورة الفاتحة نحمده على كمال صفاته ولذلك يحمد الله على التوحيد
فعليك أن تعيش مستمتعًا بالتوحيد
مستمتع أن الله ما جعلك ذليلا لغيره
ما جعل عنقك في يد غيره
ما جعل رزقك في يد الخلق، لا رزقك من جهة العلم ولا رزقك من جهة المحبة، ولا رزقك من جهة الطعام والشراب، ولا رزقك من جهة السكن، ولا أي شيء في يد أحد أبدا، عنقك محررة من العبيد.
بيد من؟ بيد الملك العظيم كامل الصفات
شَرَفٌ لك أن تكون عبدًا لكامل الصفات
فهو (الملك) ملك لكن ليس مثل أي ملك بل هو: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} كما في نهاية سورة الحشر، وفي أول سورة الجمعة {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} يعني بالإضافة إلى السبع صفات التي في الحشر توجد الصفة الثامنة في الجمعة أنه حكيم سبحانه وتعالى.
تصوّر أيّ شَرَف يعيشه العبد لما يكون عبدًا لملك كامل الصفات منزّه عن النقائص، صفات كماله كلها كاملة سبحانه وتعالى
مؤمن: مصدّق لخلقه ما وعدهم، مؤمّن لهم من مخاوفهم
مهيمن: كل شيء بيده، كل شيء ملكه، قلوب العباد بيده سبحانه وتعالى كما أن كل شيء بيده
وهو رقيب على قلوب الخلق، فلا تحتاج معه إلى مظهر، بل تحتاج معه إلى مخبر.
جبار يجبر قلوب المنكسرين، يقصم الجبارين
عزيز سبحانه وتعالى أمره نافذ
متكبِّر على الخلق غني عنهم
هذه كلها صفات كمال يُحمد عليها سبحانه وتعالى.
فلابد أن تشعر أنك تستمع بالتوحيد؛ لأنك في أيّ وقت احتجت لست بحاجة إلى وسائل الاتصالات، لمّا تكون موحّدًا تعرف جيّدًا أن الذي يسخّر الأسباب هو ربّ الأسباب، والأسباب تكون تحت يدك ولا تنفعك، إذن وأنت موحِّد لو انعزلت في أيّ مكان، فإنّ معك واحد تقول له: أعطني، نجني، وفقني، احفظني.
لما قيل لأحد السلف فلان -من العقلانيين- أقام على وجود الله ألف دليل! قال: لا يحتاج وجود الله ألف دليل! يكفي وجود دليلا واحدا! قال وما هو؟ قال: لو كنت في بئر ماذا ستقول؟ يا الله! قلبك سيقول يا الله، ستناديه وحده لا شريك له.
معنى هذا أن التوحيد سبب للاستمتاع بالحياة، بهذه الكلمة؛ لأنك طول الوقت تقول لنفسك أنا لي ركن شديد
مهما ضاقت بي الأمور فإن لي من أشتكي له
مهما ضعفت فإنه لي قوي ألجأ له
تعرف كيف لما سيّدك ومولاك يعطيك حتى يغنيك! لما يكون سيدك ومولاك يرعاك، يحفظك، يناديك في الثلث الأخير (هل لك حاجة!) ماذا تريد؟! هذا كله يسبب لك الاستمتاع.
لذلك أنت تقوم وتجلس وتقول (الحمد لله) الحمد لله على كمال صفاته، الحمد لله أن الملك الذي أنا عبد له كامل الصفات، ثم كمال صفاته أثره جميل إنعامه علي، لكن في الأصل الحمد على كمال الصفات. ومنه يأتي الكلام حول الإسلام والإيمان والقرآن، هذا كله تابع.
ولابد أن تعرفوا ما الذي يجعل حياتكم هنية، أنت تمتّع بالتوحيد، تمتّع أنك تستطيع أن تشتكي وقت ما تريد إلى الملك العظيم الذي يملك كل أحد، وقت ما تريد، لا تحتاج إلى مواعيد ولا تحتاج إلى وقوف وانتظار ولا أي شيء، أنت فقط نادي يا الله! وهو قريب مجيب، حتى صوتك  لا يحتاج أن ترفعه، هذا من داخلك، كل هذا متعة، ولا الجري بالأقدام، ولا الجري بالأذهان، فالذي لا يعرف التوحيد لابد أن يعيش في شقاء.
إذن ما هي مهمّتكم؟
مهمّتكم أن تُشبعوا أنفسكم بالتوحيد، وتنشروه؛ هذا حقًّا رحمتك بالخلق.
استمتع بالتوحيد معايشة، ولما تعايش التوحيد ستنقله بكل هدوء، والله إن الذي يعرف الله، يكره نفسه أن يفكر في شيء مما في يد الخلق! يعني وقت ما فكر في شيء بيد الخلق يشعر أنه أبغض نفسه؛ لأنه كيف يكون معك الملك العظيم، وتذهب للعبيد تطلب منهم! كيف تذل نفسك؟!
لذلك هل ترون ما الغائب في العالم الإسلامي كله؟ غائب أمر مهم وهو مفهوم (العزة) لماذا؟ جواب واحد:
القوم لا يعرفون ربهم، ومن لا يعرف ربه سيعيش ذليلا!
كل واحد يكلمك عن إعادة الأمة لمصافها ويكلمك عن أننا نريد أن نتقدم ونتحضر، فقل له: لا يوجد إلا طريق واحد لا ثاني له، ماذا نفعل؟ (نوحّد الله)
ومن الشواهد على ذلك أحداث القادسية، اقرأ البداية والنهاية لابن كثير في أحداث غزوة القادسية وانظر كيف كلم المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- يزدجر، لما أتوا إلى الفرس فكان يزدجر يقول: لم نعرف أسوأ حالا منكم، ولم نعرف أسوأ ذات بين منكم، فماذا كان يقول لهم المغيرة رضي الله عنه؟
قال له: أنت تكلمت بصفة لست عالم بها! يعني ترا نحن أسوأ مما أنت تتصور، كنا نفعل ونفعل ، وديننا يقتل بعضنا بعضا وكنا نقتل أطفالنا لأننا نكره أن يشاركونا... لكن أتانا رجل منا ودعانا إلى التوحيد!
فانظر هؤلاء يدعون إلى التوحيد بعد كل هذا السوء! أصبحوا قادة! السبب أن العزة أن تكون عبدا لواحد
لذلك نقول تمتع بالتوحيد، عش وأنت مستمتع أنه في كل حركة عبادة الاستعانة الدائمة، أن معي أحد في كل وقت، لن يمرّ عليك الخوف أبدا، إنما كل ما زدت قوة بمعرفته فستجد أن ملجأك هو الله، حتى لو لم يكن معك أحد من الخلق.
كل ما يمر عليك ستجد نفسك مستمتعًا، طوال الوقت تقول هذا اختيار الله، هذا عطاء الله، هذا فضل الله... من رضي فله الرضا، إلى آخر قوانين كثيرة ستدخل في حياتك.
إذن أول ما يُحمد عليه سبحانه وتعالى على كمال صفاته، لهذا التوحيد من أول المحامد الذي نحمده سبحانه وتعالى عليها.
على ذلك من وقع في الشرك نقص حمده وربما نُقض حمده، إن اعتقد أن غير الله كامل الصفات ويحمد الله، معنى ذلك أن حمده في مكان ليس صحيحا، نقض حمده. فلما تقول (الحمد لله) ألف لام الاختصاص، الحمد كله لله، من تعتقد أنه كامل الصفات؟ الله وحده؛ لأن ألف لام للاختصاص.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.