الاثنين، 3 نوفمبر 2014

القرآن طريق التزكية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا هو لقاؤنا الختامي لهذا الفصل الدراسي أسأل الله -عزّ وجلّ- بمنّه وكرمه أن يجعله لقاءً مباركًا، سيكون موضوعنا إن شاء الله بيان أن القرآن طريق تزكية النفس، وهذا الموضوع تزكية النفس وتطهيرها موضوع من المواضيع العظيمة، ففي حياتنا نسمي هذا الموضوع أسماء مختلفة أو نشعر به حتى بدون أن نسميه، فمثلاً: إن كنت صادقاً مع نفسك وتتلمّس قلبك وتجد في قلبك شيء من الحسد، شيء من الغيرة، تجد في قلبك شيء من الكبر، تكتشف نفسك في مواقف، تشعر أنك تكره نفسك، تكره هذه الصفة فيك وتتمنى أن تطهّر نفسك منها، فرغبتك في التطهير اسمها (تزكية).
·                  ومن أسماء التزكية اليوم: (التنمية البشرية).
اليوم تستعمل كلمة التنمية البشرية مقابل تزكية النفوس، التنمية من معاني التزكية لأن التزكية بمعنى التطهير والتنمية.
-                  التزكية تحمل أمرين     تطهير
                         وتنمية
لكن التنمية البشرية تأخذ أحد أجزاء التزكية ، وهم أخذوا جزء التنمية وتركوا التطهير! من هنا جاء فساد برامج التنمية البشرية؛ فلما أبني على شيء فاسد أو شيء فيه ثغرات، ماذا ستكون النتيجة؟! لازم يكون أصلها ثابت وبعدين فرعها في السماء، لابد نقوم بعملية تزكية وبعدها أقوم بعملية تنمية وتحلية، أن تُنمّي نفسك بالخيرات هذا مقصد، لكن بعدما تطهرها وتزكيها.
إذن التنمية أحد الأسماء التي استعملت أمام التزكية وعلى كل حال لا تتصور أن مشاعر الرفض لكل جديد هي التي تسيطر علينا، المقصود كل شيء جديد لابد أن تفحصه، لكي لا تتناول سُمّاً بيديك، والقاعدة تقول -هذا التعريج في الهامش-:
·                  أن كل ما يتصل بإعمار الأرض مقبول، لأنه لا ثقافة له ولا جنسية له.
مثلاً تستورد آلات للحراثة، كنت زمان تستخدم الطريقة اليدوية اليوم تستخدم آلات الحراثة، هل آلة الحراثة عمل أهل الكفر لا يجوز استعمالها؟! لا، ليس هذا ديننا، كل شيء يعمر الأرض لا جنسية له ولا ثقافة له، أنت تستعمله كما تريد، نستعمل الأجهزة ومنها التعليم عن بعد هذا، منها أننا نستعمل الغرف الصوتية الذي منشأها وقاعدتها من عند الغرب، فلا تفهم أننا نرفض كل شيء يأتينا.
الآن في العالم تبتدئ نقطة البداية في الغرب، فيلتقطها الشرق وينميها ويرتفع بها فوق، هي حق لكل مجد ليس لها جنسية، ولو عدنا إلى الماضي نقول: في تاريخ استعمال الحساب والأرقام المسلمين هم الذين اخترعوا الصفر، هذا ميراث يتوارثوه الناس حق لكل مجد.  بقي ما يتصل بإعمار النفس..
·                  إعمار النَفْس حكراً على الإيمان، حكراً على الدِّين.
لا تأتي تكلمني على تنمية النفس، تنمية القلب الذي ينظر إليه الله، الذي من أجله أنزل القرآن وشرع الشرائع وتكلمني أني سأستورده، أنا لا أمانع امتزاج الثقافات الذي يتصل بإعمار الأرض لكن إلى أن تصل إلى النفس التي هي مركبنا إلى الوصول إلى الله هي حكر على الإيمان والقرآن، ومسؤوليتنا أن ننشر هذا الخير بين الناس لا أن نستورده.
وما قدم في الشرق والغرب برامج التنمية إلا ليدلك أنت على حاجتهم الماسة إلى التنمية البشرية، يعني هم في أمس الحاجة إلى التنمية البشرية، تقوم أنت تأتي والذي عندك كل أداوت التنمية البشرية وعندك كل الطرق والمناهج تأتي تستورد منهم! بدل ما تكون المسألة عكسية أنك أنت الذي تنشرها، أنك أنت الذي تتبناها فإن دينك يطهرك وينميك، وليست المسألة انتقاد لمجرد الانتقاد إنما التبصرة فيما يدور حولنا.

أيضاً من الكلمات التي تدور بيننا كلمة (جهاد النفس)، يعني أنت تقولين أنا أجاهد نفسي أن لا أفعل كذا أو أفعل كذا، أجاهد نفسي على البر، أجاهد نفسي على الإحسان .
ß             مجاهدة نفسك هذه عبارة عن بذل الجهد لتزكية النفس.
نريد أن نتفق أن القرآن هو طريق تزكية النفس:
 فيبقى الآن أن أجمع كل المفاهيم تحت اسم التزكية؛ لأنها ستلخص لك المطلوب منك،  المطلوب منك: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)  وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[1] فانتهى الأمر بهذه الصورة، الفلاح لمن زكى والخيبة لمن دسى.
بهذا ماذا يكون النتيجة؟ تكون النتيجة أن ملخص ما هو مراد منك أن تصل إلى التزكية.
من أين لك أن تزكي نفسك وتطهرها وتنميها وتصبح إنسان صالح؟ من القرآن، إذن تزكية النفس غاية شرعية، وهذه الغاية الشرعية القرآن منهجها، لا يطلب منك أمر ولا تدلّ على الطريق طلب منك أن تزكي نفسك، ما هو الطريق؟ القرآن، ولما نقول القرآن يجب أن يتبادر مباشرة والسنة .
نضيف إضافة الآن بعدها نبدأ في المناقشة التفصيلية إن شاء الله.

وكلمة الفلاح هذه كلمة عظيمة تدل على الفوز التام، لكن هل تتصور أن الذي زكى نفسه إنسان مثالي لا يقع منه خطأ وكأننا في المدينة الفاضلة؟ وكأن الكمال أصبح لمن زكى نفسه، هل هذا هو المقصود؟ بالاتفاق لا، والسبب في ذلك؟ أننا ربما نصاب بمرض طلب الكمال، ربما نصاب بمرض نفسي أو تكون فينا طبيعة نفسية، يعني الذي ليس فيه طبيعة يصبح مريض، ما هو هذا المرض؟ طلب الكمال. لماذا نسميه مرض؟ شيء جميل أن يتطلب الإنسان الكمال؟
نقول: أولاً الكمال ليس في طاقتك، ثم أن طلبك للكمال يجعلك إذا لم تنجح تنحدر، تسقط من علو، يعني جاهدت نفسك وبعد سنة سقطت في نفس الخطأ، جاهدت نفسك وعادت، جاهدت نفسك وعادت، تشعر أنه ليس فيه أمل، تقول أنا ربيتها وهذبتها وجاهدتها المفروض أبداً لا تقعي في الخطأ! بهذا تخالف بشريتك!.
هذا على نفسك فيأتيني أمراض من أنواع الوسوسة، يأتيني أمراض الوسوسة الآن يوسوس في طلبه للكمال، فيقف يتوضأ أكثر من ساعة، يقف يكبر أكثر من ساعة، وكله يريد الكمال، يقرأ الفاتحة عشرين مرة يريد أن يجمع قلبه فيها كلها، لابأس لم تجمع الآن تجمعها فيما بعدها ثم أنك تنتهي من الصلاة تقول استغفر الله ثلاث مرات فتطلب رباً غفور أن يسدد لك نقصك يغفر لك، يستر على نقصك، فكونك لا تفهم الأمر كما ينبغي تجعل التزكية وسيلة لتدمير نفسك.  ويأتيني ما يسمى بجلد الذات؛ هذا جلد الذات يعذب نفسه ليل ونهار وليتها على فائدة، وليته يجلدها من أجل أن تتقدم، إنما يجلدها فما يحصلها؟ تتأخر إلى أن نصل والعياذ بالله إلى أن يصل أشخاص مثل هؤلاء والعياذ بالله أن يتركوا الأعمال، ويتركوا الأعمال التي هي بمثابة الفرض والسبب؟ أنهم ابتدؤوا للنظر للأمر بصورة خاطئة.
فأنت تزكي نفسك تجاهدها، تزكي نفسك تطهرها، تزكي نفسك تنميها، على ما تستطيع والله ينظر إليك هل بذلت قصارى جهدك؟ أترى ذاك الذي  قتل 99 ثم أتمها بالمائة، لم يكن يعرف الطريق، دلّوه الطريق، اخرج من هنا خرج، حان وقت موته فمن شدة ما في قلبه من حب للتوبة في أحد الروايات أنه انزاح بصدره، يعني هو يقبض في لحظة الموت لكن من شدة حرصه على أن يتقدم ويذهب إلى البلدة التي هي بلد الطهارة، فناء بصدره يعني زحف، فكان الشبر كما ورد في الحديث أنّ ملائكة الرحمة وملائكة العذاب قاست، أمرها الله فقاست المسافة، فكانت هذه الزحزحة وهذا الشبر التي جعلت ملائكة الرحمة تقبضه.
 إذن لابد تعرف الله وأنت تزكي نفسك من الله الذي تعامله؟ غفور رحيم يريد منك أن تبذل جهدك وفي هذا لا تستطيع أن تخادع الله؛ هذه قدرتك مثلاً على قيام الليل، هذه قدرتك على قراءة القرآن تبذل جهدك تبذل لتقرأ القرآن،كل ما تستطيعه وفرته لنفسك ومع ذلك لم يخرج معك إلا هذا الله يريد منك أن تبذل، لكن النتائج على الله {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ} فعلى الله نتوكل في تسديد رمينا وسهامنا.
لا تشعر أن المطلوب منك أن تنجز، بل المطلوب منك أن تبذل
 ولذلك لا تنسوا هذه القاعدة العظيمة في تطهير النفس: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا}[2]، لا يكلفك إلا ما آتاك من قدرات وطاقات وإلا معنى ذلك أنك ستصل إلى حال اليأس من نفسك واليأس وهذا كبيرة من كبائر الذنوب، لا تيأس من روح الله ولا تيأس أن الله -عز وجل- يغير ما في نفسك، ولا تيأس في صفة نقص تبذل جهدك وتجاهد من أجل إصلاحها ولا يقبلك الله! على هذا المفهوم سأبني مفهوم جديد وهو أنك في هذا الطريق عليك أن تغفل الناس.
تغفل عن الناس لماذا؟ ما علاقة الناس بهذا الموضوع؟ مثلاً كنت بعيد عن الاستقامة ثم استقمت وبدأت تحفظ القرآن، بدأت تظهر مظاهر الاستقامة، أنت صاحب دين عندهم، وهم بعيدين تماماً، صدر منك خطأ بصورة من الصور كأنك ارتكبت الجريمة العظيمة هكذا أهل الدين هكذا أهل القرآن هكذا أنت المستقيم! يريدونك ملاكاً تمشي على الأرض فلما يريدونك ملاكاً وأنت تلاحظهم وتهتم بهم تظهر الظاهرة المخيفة التي ظهرت في طلاب مراحل الثانوية والمتوسطة، ما هي هذه الظاهرة؟ تقول لن أقول لأحد أني أذهب إلى مدارس تحفيظ، لن أقول لأحد أني مستقيمة، لأن كلمة مستقيمة سيحاسبوني على تصرفاتي فأصبح إظهار الاستقامة معيب، فإذا اخطأت ولاحظت الناس فقد أفسدت نيتك.
يعني أنا أبذل جهدي أن أصلح الأشياء أمام الناس من أجل خوفي من الانتقاد، ولا تأتي التزكية صادقة من أجل الله، تأتي التزكية من أجل الناس، الصورة الخارجية.
 إذن أنت في طريقك سائر إلى الله تبذل جهدك أن تزكي نفسك وتطهرها بالقرآن وهذا مطلب رئيس لا يمكنك أن تتخلى عنه فهو النتيجة من تعاملك مع القرآن، النتيجة من تعاملك مع القرآن أن تزكي نفسك، لكن لا تطلب لنفسك الكمال، اسعى لإصلاح نفسك ولا تطلب من نفسك الكمال، طلب الكمال الذي يسبب لك ترك الطريق، لكن الناس يطلبون منك الكمال؟ أنت أبذل جهدك أن تعامل الله، إذا عاملت الله ستر الله عليك، إذن أنت كل مقصدك أن ينظر الله إليك فيرضى عنك، عاملك الله بالستر، ستر الله عليك .
ومن ثم نريد أن نضع نفسنا في المكان العكسي، لما نكون نحن سائرين في الطريق ويكون حولنا من سبقنا في الاستقامة أو يكون عندنا معلمين أو مشايخ أو علماء لا يكون نظرتنا إلى الخلق نظرة كمال وبعدها يأتيك مثلاً خبر في صحيح البخاري عن الصحابة أن حصل بينهم خلاف، فتجد في نفسك عليهم وتشعر أنه كيف صحابة ويختلفوا؟! هذا دليل عكسي، هذا دليل على بشريتهم، كأنه يقال هذا الذي وصلك عن الصحابة أنهم اختلفوا دليل على بشريتهم وأنهم تعدوا هذه البشرية في مسائل كثيرة ولابد أن تبقى نقاط ضعف تربطهم باسم الله الغفور، تربطهم باسم الله  الرحيم .
فأنت الآن في الحياة تتعبد الله بكل أسمائه، تنكسر تطلب منه الجبر، تحُسن تطلب منه سبحانه وتعالى القبول، تأثم تطلب منه المغفرة، ((أن لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))[3] يعني من عَبَدَ الله بها دخل الجنة، فلابد أن يكون فيك كل الجوانب التي تتعرض فيها لأسماء الله، تخطئ يعاملك بعفوه، تذنب يعاملك بمغفرته، تبعد يعاملك بحلمه، تريد يعاملك بعطائه وهكذا، بحيث أنك تجد نفسك متعرضاً لـ 99 اسم في أحوالك.
فالصحابة رضى الله عنهم جميعاً الذين أثنى الله عليهم في القرآن والذين ورد ذكرهم حتى في التوراة والإنجيل، وشُبهوا في التوراة بتشبيه وشُبهوا في الإنجيل بتشبيه، هؤلاء الكرام من البشر كانوا في حال ثم نقلهم الله -عزّ وجلّ- إلى حال بما بذلوه مع أنفسهم في تزكية أنفسهم، فهم بالنسبة لنا كالنموذج الذي تنظر إليه فتقول: سبحان الله كيف تغيروا.
من أبسط الأمثلة التي تضرب في ذلك: المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه، لما وقف أمام كسرى  وجادله وكلّمه وكان من أشجع الصحابة الذين كانوا في القادسية، هذا الصحابي قبل أن يدخل فيبايع النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا الحدث -قبل أن يدخل المدينة- كان قاطعاً للطريق، حتى أنه يحكي في قصة إسلامه أنه قبل أن يدخل الإسلام مباشرة قتل جماعة من أصحابة كانوا معه في الطريق، يعني قتل قطاع الطريق الذين كانوا معه!.
هذا هو المدهش! أنهم لم يكونوا عاديين وبعدما جاء الدين زكّاهم أكثر، كانوا في أقصى الشمال فأتى الدين فنقلهم إلى أقصى اليمين، هذا هو المقصود، يعني هذا وجه الدلالة العظيمة، فلما يأتي أحد ممن أفسد قلبه بطلب الكمال ويلقي على هؤلاء وهؤلاء شبه على الصحابة يقول له: اقرأ في البخاري تسمع أنهم اختلفوا وتسمع أنهم كذا، نقول: هذا الاختلاف دليل بشريتهم، وبالعكس دليل على أننا نستطيع أن نسير في سيرهم، نحن لسنا جماعة أفلاطون وأرسطو ننتظر المدينة الفاضلة! نحن جماعة فهمنا القضية التي في الحياة؛ بشر فيهم صفات نقص وصفات نقصهم هذه أتى منهج لكي يكملوا أنفسهم به، فالمطلوب منك أن تتحسس صفات نقصك وابذل جهدك أن تكمل نفسك وأجرك على قدر جهدك، أجرك على قدر جهدك لا على قدر تتميمك للعمل، هذا فارق بينهم.
هؤلاء الصحابة كانوا أبعد ما يكونوا ثم اقتربوا حتى جلسوا على ناصية الشمس، هؤلاء ماذا تقول في حقهم؟ تقول: نعم القرآن رباهم وزكاهم حتى أنهم تخلوا عن كل ما كانوا فيه واستطاعوا أن يصلوا  إلى هذا المستوى .
ومن أجل أن تقترب الصورة هذه في أذهاننا، تخيلي أنت معلمة وعندك طالبة ترسب كل سنة في كل المواد، هذه السنة أتت ومن 12 مادة رسبت في مادة، ترين أنه تقدّم، والسنة التي بعدها نجحت في كل المواد وفي مادة جيد جداً، ترينه إنجازًا؛ لأنك تقارني الواقع بالماضي، لست واضعة صورة مثالية لهذا الشيء، نحن لا يمكن أن نصل إلى الممتاز في كل شيء.
انظر إلى نفسك كيف كنت تعامل الأحداث ولما دخل القرآن عليك ماذا فعل بك! لذلك كثير منا لما يكون صحيحًا هذّب نفسه يحصل له موقف ويقول: لو هذا الموقف مرّ عليّ قبل ما أعرف، ماذا كنت عملت! فأنت تعرف نفسك وتعرف نقاط ضعفك، مثلاً: بخلك، غضبك، غيرتك، تعرف نفسك، شخص يضع عينه على قلبه، فاهم ماذا تصرفاته، فلما يدخل القرآن ويهذبه ويجد نفسه في مواقف يجد نفسه اعتدل، مثلا كان في كل مرة لو حصل هذا الموقف يصرخ 15 دقيقة الآن صرخ 3 دقائق، هو يرى نفسه أنه أنجز، لو قارنت بين الآن وقبل، ترى أن هذا تقدم، وهذا معنى الكلام الأخير أنك لا تقيس نفسك بالناس، عامل الله.
ولذلك نِصف الدين ((مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ))[4]، والنصف الثاني أن تشتغل بما يعنيك، على هذا أنت المصلح لنفسك لا تطالب نفسك بالكمال، وإن كنت تنظر للصُّلاح وخصوصاً الصحابة الكرام والتابعين لأن من هنا ومن هنا ومن هنا سهام تضرب في هؤلاء الكرام يجب أن نردها كلها ونعتقد أن القوم قد انتفعوا بالقرآن وأثنى عليهم الله ومن أثنى عليه الله فلا قادح فيه، ولا نصدق هذا الكلام مهما اجتمعوا عليه، ولهذا من البرامج التي تغذي بها نفسك أن تبحث كيف ذُكر الصحابة في القرآن وتعتقد هذا وتعرف أن كل قادح في الصحابة فله نصيب من وصف الكفر على تفاوتهم في القدح.
المقصد أن أعداءنا استخدموا القدح في الصحابة وصنعوا هؤلاء صناعة علينا من أجل طعننا في أصولنا، فالذي يسمع منكم ما شجر بين الصحابة يقع في قلبه بغض للجيل العظيم ونحن نعلم أن منهج أهل السنة والجماعة عدم الخوض في ما شجر بين الصحابة، لأنك لو أردت أن تعرف الحقيقة ففيه ثلاثة أمور:
الأمر الأول : أن غالب ما يذكر في هذه الأحداث كذب، من صناعة الروافض المفترين .
الأمر الثاني : أن ما صح منها زيد فيه ونقص.
الأمر الثالث: النصوص الصحيحة القليلة التي صحت تدل على بشريتهم وبهذا نفهم الأمر.
فإذا كنت تريد أن تستقيم لا تجهد نفسك، عاملها بالرفق، انظر إلى عيوبها، هذّبها بالقرآن، عاقبها لما تترك الاجتهاد، لكن لما تفعل ما تستطيع ثم لا تصل فهذا أمر الله، هذا لو كنت أنت على نفسك .
لو نظرت إلى الكمّل من الخلق كمالهم بشري لا أحد مطلق الكمال، لأننا أصبحنا نسمع أن أحد يسمع كلام عن سيرة طلاب علم وبعدها يقدّر له أن يحتكّ بهم، الله عز وجل رزقه علماً ورزقه في نفس الوقت طباعاً ابتلي بها، تأتي تقيس الدين بشخص! يعني يأتي الشباب والشابات يتصلوا بأحد من هؤلاء -بأي صورة، يكلمه يراه.. إلى آخره- فيقول انصدمت، ويفتح لنفسه مجال في نقد الدين لأنه يرى بعض رجاله فيهم نقص، نقول أولاً: هذا الشخص بينه وبين الله، الأمر الثاني: من قال لك أن الخلق كُمَّل؟! أنت لست مطالب بالكمال ولا مطلوب منك أن تنظر إلى الناس بالكمال، تقول هناك أمور فاضحة خطيرة، نقول نعم الفاضح والخطير هذا ليس فيه خلاف، ما يخالف شرع الله هذا لا تغمض عينك عنه، لكن نحن نتكلم عن الطباع نقصد الأشياء التي تكون ناتجة الطباع، لما يأتي أحد ويكلمه ولا يرد عليه، ويكلمه ولا يجد استجابة كما ينبغي، فمثل هذا ليس فيه أحكام.
ß             ابذل جهدك في تزكية نفسك، واعلم أن منهجك هو القرآن: هذه المقدمة الطويلة نريد من خلالها أن نصل إلى هذه النتيجة وهو مطلوب منا تزكية أنفسنا، وتزكية أنفسنا منهجها القرآن، والمطلوب منك الاجتهاد، وفي الاجتهاد لا يمكنك أن تخادع الله، الله عز وجل يعلم من هو حقاً مجتهد ومن هو ضعيف الاجتهاد.

نقرأ هذا النص ومن خلاله سنتصور الصورة العظيمة هذه، صورة فيها نتيجة التزكية بالقرآن، هذا حديث ورد في صحيح البخاري كتاب الإعتصام، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنهَا أوصَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -الذي هو ابن لأختها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالت له ((لَا تَدْفِنِّي مَعَهُمْ وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ لَا أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا)) (لا تدفني معهم) تقصد من؟ تقصد مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبو بكر، أين تريد أن تدفن؟ في البقيع مع بقية نساء النبي صلى الله عليه وسلم،من أجل أي شيء؟ (لا أزكى به أبدا) كأنها من حرصها على نفسها وخوفها من أن تزكى بشيء ليس لها فطلبت منه هذا الطلب.
وهذا دليل على أن الذي يزكي نفسه ماذا يكون حاله؟ غاية في الذل لله والخوف، والخوف من أن يكون يزكى بما ليس فيه.
ابتدأنا بهذا النص لكي نرى كيف بلغ القرآن مبلغه من أمنا عائشة رضي الله عنها، وكيف بلغت تربية النفس علوها في مثل هذا الموقف؛ يعني هذا في مرض موتها، ولن تسمع التزكية، ولكنها مع ذلك خشيت أن يكون الأمر مجرد ظاهره أن تدفن معهم وهي في الحقيقة لا شيء، فهذا يمثل لنا نتيجة التزكية، من المؤكد أن نتيجة التزكية ليست العلو على الخلق، بل بالعكس نتيجة التزكية زيادة ذل وانكسار.
لذلك لا تنسَ أبدا ً{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}[5] لا تنس هذه الصفة أبدا، معناها أن قلوبهم امتلأت ذلاً وانكساراً فسلمت منهم حتى الأرض، سلمت من أي شيء؟ من الكبر؛ يعني الإنسان لما يرى نفسه شيء يمشي مشية التبختر، الذي في قلبه ينعكس على مشيه، وأهل الإيمان الذين اجتمع في قلبهم الذل لله مع التعلق به يمشون على الأرض مشياً هينًا.
هذا الفارق بين التنمية البشرية وبين التزكية القرآنية :
-                 التزكية القرآنية: تريد منك في نهاية الأمر صالحاً في نفسك، مصلح للمجتمع وفي هذا كله ذليل منكسر لله .
-                 والتنمية البشرية : تريد منك إصلاح نفسك بدون تطهيرها من عيوبها على افتراض أن لا عيوب لها.
 وبما أن ليس لك عيوب وستنمي نفسك فقط سيدخل إلى النفس ماذا؟ الإعجاب والكبر والإحساس أنك شيء، وقد مر معنا كثيراً أن بعض السلف كأن يقول : "من رأى نفسه شيء فهو عند الله لا شيء" هذا يجعلنا نفهم الفارق ونتصور النتيجة المطلوبة.

الآن نبدأ نفهم التزكية على وجه العموم من خلال النصوص، هذا النص اتفقنا عليه وهو قوله تعإلى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} فهمنا منه أن الفلاح نصيب من زكى والتزكية مطلب شرعي.
نبدأ الآن نقول التزكية تنسب إلى العبد، نقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} زكاها : إذن التزكية تنسب للعبد؛ لأنه هو الذي يكتسبها.
هذه الآية التزكية تنسب هنا لمن؟ {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أنفُسَهُمْ}[6] وبعدها الله عز وجل يقول ماذا؟ { يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}التزكية نسبت لمن؟ إلى الله، في الآية الأولى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} نسبت التزكية إلى الإنسان على أنه هو الذي يقوم بها، وهنا نسبت التزكية إلى الله على أن التزكية تنسب إليه لتفضله بها، اعملي رابط بين المعنى الأول والمعنى الثاني.
هذه التزكية من عند العبد ولا من عند الله؟ هذه تشبه الهداية، يعني أنت الآن تبذل جهدك في التزكية، بمعنى تنظر إلى قلبك، ترى أمراضك متى تظهر؟ في المواقف التي تحصل لك، تنكشف لك نفسك، ينكشف لك حسدك، ينكشف طمعك، ينكشف كبرك، ينكشف حبك للدنيا وتعلقك بها تنكشف أمور، ماذا ستفعل؟ ستبذل جهدك في هذا الموقف أن تعالج نفسك، مثلا: وقع في قلبك كبر رأيت الناس وألوانهم ورأيت الناس  وأشكالهم ورأيت الناس وألنستهم، وقع في قلبك الكبر تأتي بنفسك وتكلمها وتبذل جهدك أن تطهرها، هذا الجهد منك يقابله إن كنت صادقاً قبول من الله فإذا قبل الله جهدك ماذا يفعل الله لك؟ يزكيك، فهي تشبه الهداية، هناك هداية تسير فيها، تبذل جهدك وتسير تطلبها تطلب أسباب الهداية، إن كنت صادقا وهبك الله الهداية فأصبحت هداية التوفيق.
إذن التزكية إلى هنا هي عمل يجتهد فيه العبد مع نفسه ويجاهد، والتوفيق يأتيه من الله عز وجل، فيزكيه الله، يزكي الله عز وجل العبد ويعينه على إصلاح نفسه، وهذا طبعاً يكون على قدر صدق العبد وصبره واجتهاده.
انظري إلى هذه الآية وإلى ماذا تشير في مسألة التزكية، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} الخطاب لمن؟ للنبي صلى الله عليه وسلم، {صَدَقَةً} ماذا تفعل؟ {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}، تزكيهم أسند لمن فعل التزكية؟ أسند للرسول صلى الله عليه وسلم هنا، إذن سنقول التزكية تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الواسطة في وصول ذلك إلى الخلق، يعني النبي يزكي الخلق، كيف يزكيهم صلى الله عليه وسلم؟ علَّمهم كيف يتزكون.
فكأن الواسطة التي من خلاله عرفنا عملياً كيف تكون التزكية، ولذلك لا يمكنك أن تزكي نفسك دون أن تكون حريص على معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
à             إذن عندنا ثلاثة مفاهيم :
1- {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[7] أسندت التزكية للعبد؛ فالعبد يقوم بفعل التزكية.
2- {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}[8] أسندت التزكية هنا إلى الله، دليل على ماذا؟ على أن الله هو الذي يتفضل بها على عباده المجتهدين في طلب تزكية أنفسهم .
3- أسندت التزكية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيها إشارة أنه صلى الله عليه وسلم علّم البشرية كيف تكون التزكية بأفعاله، كأننا نقول لن تجد هذا نظرياً أنما تجده عمليا في فعل النبي صلى الله عليه وسلم، تجده عملياً في حياته، تجده عملياً في تربيته لأصحابه.
4- النقطة الرابعة ربما تحتاج إلى مزيد بيان، انظروا إلى إقامة الصلاة وبعدها قوله تعالى:{مَنْ تَزَكَّى فَإنمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}[9]ومثلها {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}[10]ماذا تقولون؟ أن الصلاة والزكاة هي وسائل للتزكية، سنقول التزكية تنسب إلى العبادة لأنها آلة في ذلك، أنت تصل إلى تزكية نفسك عن طريق العبادات.
نأتي إلى هذه الآية ونرى منها موانع التزكية : {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14)وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} هذا دليل على فلاحه ثم يقول سبحانه {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[11]، ماذا ستكون موانع التزكية؟ يعني أنت بطبيعتك تحب أن تطهر نفسك، بفطرتك السوية تحب أن تكون أذكى وأحسن، لكن ما الذي يمنعك من بذل جهدك مع قلبك؟ حبك للدنيا، إيثارك للدنيا، لأن التزكية الدافع الحقيقي لها أن تشعر أن بسبب تزكيتك يحبك الله.
مثلاً: من الأعمال الشرعية التي تسبب لك التزكية أن تحفظ نفسك من الكبائر، نتكلم عن أكثر كبيرة متداولة: (الغيبة) والناس يقعون فيها ولا يشعرون بخطرها أو يشعرون فتتفاوت نفوسهم في الإحساس بخطرها.
على كل حال وقت الغيبة في كلام يجري على لسانك، وأكيد أنك تفكر فيه قبل أن تقوله وترتبه من أجل أن توصل مشاعر معينة للذي أمامك تريده يكره فلان أو تريده يترك عمله هذه هي المقاصد، وغالباً نقوم بعملية الخداع خصوصاً من لهم علاقة بالقرآن والإيمان، يخادعوا أنفسهم في مسألة الغيبة، فيغلفوها بغلاف اسمه النصيحة، يغلفونها بغلاف اسمه نريد أن نصلح الأوضاع، هذه كلها أغلفة لهذه المصيبة، وهذا لا يمنع أن هناك حقيقة سماحية شرعية للنصيحة الخالصة وهناك حقيقة سماحية لمن ظلم أن يتكلم فيه حالات، لكن الحالات هذه كلها تعتمد على على صدقك.
على كل حال سأتكلم عن الحالات التي لا يسمح بها شرعاً، ما الذي يحصل عند الإنسان، أولاً: نحلل مسألة الغيبة، الغيبة هذه أنك تجد نفسك تريدها وقت ما تتكلم بها ومن المرادات إظهار نفسك أحسن من غيرك إلى آخر المرادات الخبيثة أو حتى أحيانا يكون من الإرادات اللامبالاة يعني لا أبالي للكلمة التي أضعها أين أضعها، فإذا شعر الإنسان أن حبسه لهذه الكلمات سبب لرضى الله فحبسها فقد زكى نفسه، ومن غلبه حب الدنيا في تلك اللحظة غلبه حب الدنيا وإيثارها وصعب عليه أن يحبس الكلمة بمعنى أنه فاقد أو عاجز بمعنى  أن حب الدنيا تغلب عليه فأخرج الكلمات.
مثلاً: إنسان نجح وأصبح مديرًا، نحن في مجلسنا نقول أن هذه الكراسي لا تبقى لأحد ولا تتصور أن أحد لما ينجح شرط أن يكون هو صحيح ناجح، فنعبر عن حب الدنيا وحب الكرسي لكن بطريقة مغلفة، ويكون في هذا غيبة هذا الشخص، الطعن فيه، وفي نفس الوقت لو سألت نفسك هذه الكلمات ما فائدتها الآن؟! كرسي وجلس عليه ومنصب وأخذه، وأنت ليس لك فيه حظ، ما الفائدة أن تقول هذا الكلام؟ فقط إخراج شيء من ثائرة النفس، كأنك لا تعرف أن صبرك وحبسك ورضاك بقدر الله كله طريقك إلى الجنة لكن يذهب هذا ويبقى في النفس إيثار الحياة الدنيا .
فعلى ذلك أنت خذ المواقف بالتفصيل وافهم هذا الأمر، في كل موقف يحتاج منك تزكية أنك لو جاهدت نفسك الآن فقد ارتفعت عند الله منزلة و أحبك الله، وأنك لو فعلت ما يخالف وتركت نفسك تتمتع بإخراج هذا الذي في قلبك من مرض أو بأي نوع من أنواع المتع المحرمة فقد أثرت الحياة الدنيا على الآخرة.
ومثل هذا الآن نحن وصلنا إلى حالة خطيرة جداً، الأجهزة التي نحملها مثلاً تكون محمل برنامج أذكار وبرنامج الأذكار غالباً تنزل على قواعد بيانات مجانية، فقواعد البيانات المجانية هذه لا تكون إلا معها الإعلانات، فتصور أنت تقرأ الأذكار وإعلان يدعوك إلى الفاحشة، لذلك ننصنح الناس الذين ينزلوا برامج شرعية أن لا ينزلوا أبداً على قواعد بينات مجانية، لأنهم يستغلونا، لأن قاعدة برنامج مجانية وتحت رابط يربط الشاب أو الشابة بموقع فاضح، تصور أنك أنت الآن شاب في ريعان شبابه ويتوب ويستقيم ويقرأ الأذكار وتأتيه نافذة منسدلة أو يأتيه بأي نوع من الأنواع دعوة إلى الفاحشة فهو في لحظة إما أن يؤثر الحياة الدنيا ويضغط ويكون لها لمسة، فيدخل إلى الفاحشة، ما السبب الذي جعله يضغط؟ إيثاره للحياة الدنيا أو على الجهة الأخرى يعلم أن الآن حبسه لنفسه دليله على حبه لله ويكون سبباً لحب الله له، وتصور كل المسألة لمسة، تمتنع منها أو تستمر فيها فهي لحظة يمتع نفسه بلذة النظر، لحظة يمتع نفسه بلذة اللمس، هذه اللحظة لا تتحرك إلا إذا آثر الحياة الدنيا ولا يمتنع عنها إلا إذا طلب رضا الله.

إذن هذه قاعدة: أن التزكية لا تستطيعها إلا إذا كنت تطلب حب الله وتنحي حب الدنيا لا تستطيعها إلا بذلك، لأن القرار هذا يأتي بالثواني لا تنجح فيه إلا إذا كان دائماً على بالك ذكرى الدار الآخرة، ولذلك في سورة مثل سورة الحاقة، يخبر ذاك العبد الذي أخذ كتابه بيمينه، يخبر عن السبب الذي جعله في هذا الموطن وأن يكون ممن يأخذ كتابه بيمينه، ما السبب؟ {أني ظَنَنتُ أني مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ}[12] فهذا الأمر إذا سيطر على الإنسان وأن الله ينظر إليه وأنه سيحاسبه، المعنى أنه سيلقى ربه وينظر إليه، يكلمه ما بينه وبينه ترجمان، ولهذا كان الصلاح بل رمز الصلاح الأنبياء والمرسلين اخلصوا بخالصة ذكرى الدار، بقاء ذكرى الدار على عقولهم، بقاء ذكرى الدار سبب لاستقامتهم، وخلاف ذكرى الدار ماذا يكون؟ تؤثرون الحياة الدنيا، إيثار الحياة الدنيا.
المقصود أن العبد من أجل أن يندفع إلى التزكية لابد أن يكون حب الله ومراقبته وأنه ينظر إلى قلبك، واليقين أنك ملاق حسابك هو الذي يسيطر على قلب الإنسان، في مقابل أن إيثار الدنيا والغرق فيها سبب لأن ينجر الإنسان من نوع ضعف إلى ضعف.
وقد كررنا مرار وتكرار أن معايشتك لهذه المشاعر وعدم إيثارك للدنيا لا يعني امتناعك من معاملتها، عاملها بيدك فأنت ستحصل على ما كتب لك، لكن لا تعاملها بقلبك، لا تجلس يومك وليلتك تتطلب مفقوداً،لا تبقى متعلقاً بخيال، إنما عامل الدنيا على أنها وسيلة للآخرة.
على كل حال هذه الحقيقة دائما تكرر أسأل الله أن تكون تامة الظهور، تفرقون بين كوننا أن لا نجعل الدنيا أكبر همنا وبين كوننا نعامل الدنيا، نعاملها لكن لا تجعلها أكبر همك.
الآن لو أكملنا هذا المعنى سنصل إلى أن أنه لابد أن تكون هذه التزكية لها منهج تسير فيه، وهذا المنهج الذي تسير فيه ستجد قواعده في القرآن، تجد قواعد التزكية في القرآن.
لو بدأت أتكلم عن قواعد التزكية لن ينتهي ولا سنين لو نريدها من القرآن بالتفصيل، لكن كأني أقول هذا نموذج وأنت اقرأ القرآن وليتبين لك كيف تزكي نفسك منه.

 نبدأ بهذه القاعدة من قواعد تزكية النفس :
{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }[13]
هذه قاعدة تزكي بها نفسك وتسير بها على الطريق المستقيم وسنقرأ حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يبين لكِ معنى هذه القاعدة، والحقيقة الحديث من أعجب ما يكون؛ الحديث في صحيح البخاري يقول فيه: ((الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ)) النقاش حول ماذا؟ حول الخيل، هل الخيل لكل من يملكها على حد سواء؟ لا، إلى ثلاثة أقسام (لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ).
قال : ((فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أو رَوْضَةٍ وَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا)) طيلها يعني الحبل الذي يربطونها بها.
((فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا -يعني اتجهت وقصدت مكان عالي - أو شَرَفَيْنِ كَأنتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أنهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أن يَسْقِيَهَا –هو لا يريد صاحبها وهي شربت- كَأن ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ)).
نبدأ بهذه الصورة المنطبقة للقاعدة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}: هذا رجل ربط خيله التي يملكها في سبيل الله، فخرج فيها في المروج أو الروض، يعني ماذا تفعل في المرج أو الروض؟ ترعى تأكل، فما أصابت في طيلها هو ماسك حبلها في ذلك المرج أو الروض كان له حسنات، يعني الآن هي سترعى من المرج من الروض التي هو لم يزرعها، لكنها لما تأكل هو خرجها من أجل أن ترعى، الأكل الذي تأكله له فيه هو حسنه من مبدأ المسألة، الآن قطعت طيلها قطعت حبلها وهربت وخرجت وصعدت وأصبحت تأكل، أيضاً له أجر، يعني في الأول كان يقودها ممكن تقولين أنه بسبب أنه يقودها يؤجر بذلك حتى لو قطعت (فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ كَأنتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أنهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أن يَسْقِيَهَا كَأن ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ)، فهو سيذهب لها ويجمعها فستكون هذه كلها في خطواتها في حسناته هو، ومرت بنهر شربت وهو لا يريدها أن تشرب خائف من ثقلها بالرغم من أنها لا يريدها أن تشرب وشربت وسقيت فمكتوب له الأجر في سقيها حتى وهو لا يريد.
فكأنه يقال انظر لهذا وانظر كيف قاعدة : {مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } وهذا يبين لك كيف كانت أمنا عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنه يتصدقوا بالعنبة، ويقولوا كم فيها من مكاييل الذر؟!
الآن الآية تقول لك {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} فهم ينظرون إلى العنبة وماذا يرون؟ يرون أنها مليئة بمثقال الذر كأنه يقال لا تستحقرها، إذا عملت مثقال ذرة خير تراه، لابد أن تراه.
 هذه قاعدة عظيمة تصلح لتزكية النفس، تصلحك، تصبح تعمل الخير بمقدار الذر، وهذا بمقدار الذر يعني لا يفوتك شيء وإذا أنشأت شيئاً مثلاً من النصوص التي تشبه هذا النص، الأجور المترتبة على عبد يزرع زرعاً من أجل حديقته فتأتي الطير تأكل منه، وتأتي الطير تأكل منه فله أجر إطعامها، فهذا الخير جر الخير.
على ذلك لا تبخل على نفسك في أن تردها ولو بمثقال ذرة، كأنه يقال لك فقط ردها، ابدأ في ردها عن الشر يعني لو قلت عشر كلمات شر وقدرت ترد نفسك عن واحدة بداية الخير .
والثاني فهي بذلك للرجل أجر ثم يأتي الثالث: (وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا- يعني يغتني بها- وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً - يعني ماذا يريد؟ يريد أن ينأى عن الناس ويعلو عليهم- لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ وِزْرٌ) ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم عن الخيل، ربطها بمعنى أنه حبسها، اشتراها وكون لها اسطبل، ربطها بمعني امتلكها.
بدأ النبي عن كلامه في الخيل، فلما انتهى من كلامه سأل عن الحمر، والحمر جمع حمار يعني هل أيضاً الحمار حاله مثل حال هذه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَا أنزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ)) الفاذة يعني لها معاني، الفاذة يعني آية ليست مثل غيرها من الآيات فذَّة، أو الآية التي فيها جميع الأمور الفردية قيسها عليه، من فذ يعني فرد، فكأنها تجمع جميع الأمور الفردية، فكل أمر فردي اجمعه على هذا، يعني هم سألوه الآن هل الحمر مثل الخيل فرد عليهم صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية تجمع لكم كل شيء، حمر أو غيرها أي أحد يعمل مثقال ذرة خير، يره، وأي أحد يعمل مثقال ذرة شرّ، يره .
يعني نحن نحتاج نناقش مع نفسنا، كم هذه الآية ستكون سبباً لتزكية أنفسنا، لأنه تزكيها يعني تصلحها وتطهرها وتنميها، فأنت الآن جالس في نفسك مع خلوة تهذبها تؤدبها تذكرها تمنعها تقلب عيوبها، هل تظن والله ينظر إليك ألا يكتب لك أجر هذا كله؟ ماذا تظن بربك؟ إذا عملت مثقال ذرة خير يره، ثم انظر أن العمل عمل القلب قبل أن يكون الجوارح، فمجاهدتك وتزكيتك اجعل هذه الآية قاعدة فيها لا يمكن أن تتقدم بمقدار ذرة أو تبذل الجهد بمقدار ذرة مع نفسك ولا تراه، بل ستراه.
وهذا يجعلنا نزيد معرفة عن الله، فإن من عظيم أسمائه سبحانه وتعالى اسم (الغفور الشكور) {إن الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَأنيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ(29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[14] هذه الآية في فاطر تأتي أولاً ثم يأتي بعدها في نفس السياق وهذا على لسان أهل الجنة {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ أن رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ}[15] فآمنا بمغفرته لذنوبنا وعاملنا بشكره لذرات حسناتنا، مثقال ذرة.
 فالمقصود أن جهدك وتزكيتك مع نفسك لابد أن تكون كما يعبرون إيجابية يعني ترى أن كل جهد ولو بمقدار ذرة يصلحك وترى أثره، وكل عمل خير ولو بمقدار ذرة يصلحك ولك أثره.
والمهم أنك تفهم أن عدوك متسلط عليك، فما أن تتقدم خطوة في إصلاح نفسك إلا ويردك يوقعك، يوسوس لك، فإذا تمسكت بالحبل يأّسك من إصلاح نفسك، وهذا السلاح يستعمل على كثير من الخلق، أنهم يبذلون جهودهم في أن يصلحوا، يأتي الشيطان يشعرهم أنه لا أمل، ولابد أن تعلم أن هذه كبيرة في حق الله، كبيرة أن تظن في الله أنك لا تتغير ولا تتعدل ولا تتهذب، فالله خلقك قابلاً لأمر التهذيب والتعديل فقط خذ من القرآن مجموعة قواعد تعايش نفسك بها، وكلما زدت علما، كلما زادت هذه القواعد عدداً، وتزيد هذه القواعد بياناً.
والآن نحن كم نقرأ هذه الآية الفاذة الجامعة، هذه السور من السور التي تكرر في القراءة في الصلاة أين هي كمنهج في التذكير وفي الحياة؟! أين هي وأنت تميط عن الطريق أذى ولو كان بمقدار ذرة، أين أنت عن هذا؟.
فالمقصود أن زيادة تدبرنا في القرآن وشعورنا تجاهه أنه نور وأنه يخرجنا من الظلمات وأنه يخرجنا من الخرافة وانشغال العقل بما لا يليق بالعقل إلى الخير والبركة، شعورنا هذا يجعلنا ننظر إلى القرآن ونفهم معانيه كما يليق به، فأسأل الله بمنّه وكرمه أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا.

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نبدأ جلستنا الثانية .. هذه قواعد في التزكية ماذا نقصد بها؟ لقاؤنا خاتمة لنقاشنا حول علاقتنا بالقرآن، فالقرآن يخرجنا من الظلمات إلى النور،  القرآن يخرجنا من الموت إلى الحياة، القرآن طريقنا لتزكية أنفسنا، والتزكية هي مقصودك الأخير، أنت هنا لابد أن تتصور حياتك على الطريقة الصحيحة، أنت هنا ابتليت بمجموعة من الطباع النفسية، ابتليت بمجموعة من الحاجات البدنية، ابتليت بأن هناك شهوات لها طريق حلال ولها طريق حرام، فالمطلوب منك أن تجاهد نفسك فتصلح طباعك، تجاهدها فتحملها على الحق والصواب، تجاهدها فتمنعها أن تشبع حاجاتها بالطريق المحرم وتأمرها أن تشبع حاجاتها بالطريق الحلال.
هذا هو وضعك هنا، فأنت ابتليت بصفات ابتليت بطباعك سواء  كانت هذه الطباع خير أو شر في نهاية الأمر تسمى مبتلى بطباعك:
ß             فأما طباع الخير فأنت مبتلى فيها أن تجاهد نفسك أن تستعملها لله.
ß             وأما الطباع التي فيها انحراف فأنت تجاهد على أن تستقيم هذه الطباع.
المقصود أن نهاية الأمر أفلح من بذل جهده مع نفسه يهذبها ولا يتركها على هواها ولا يخدعها، يخدعها هذه كلمة عظيمة، كثير منا يمارس مخادعة نفسه وهو لا يشعر، يكون في وجدانه أمر مخبأ كالجمرة تحت الرماد ويتصرف بسلوك وهو لا يلاحظ ما في وجدانه.
ومن أجل أن تتصور هذه المسألة نضرب مثال على الأطفال وقِس عليه ونحن كبار.. طالبة في الصف الثالث الابتدائي، تشعر بالغيرة من زميلتها، زميلتها مميزة مثلاً في كتابتها في مادة التعبير، فماذا تفعل هذه الصغيرة؟ تأتي فتقطر نقطة حبر على دفتر زميلتها، تأتي فتتهم زميلتها مثلاً أنها أخذت منها شيء، ويتطور الأمر فتأتي تقول لها: أنصحك لابد تنتبهي على نفسك من مرض الكبر، هذه الطفلة الصغيرة هل تدرك ما المثير لها؟ لا تدركه، لا تدرك أن نصيحتها سببها الأساسي غيرتها، ولاتدرك أن بقعة الحبر التي قطرتها إنما هي انفعال نفسي من الغيرة، يعني فيها شهوة أن تؤذيها لكن لا تعرف تفسير سبب الأذية.
ارفعي هذا على الكبير وانظري لما يكون الإنسان لا ينظر إلى نفسه وإلى حقائقها، فيتصور الأمور على غير حقيقتها فيتصرف تصرفات لا يضع يده على أصل المرض؛ يعني سلوك كثير من النساء مع أزواجهم العصيان، عدم قبول رأي الزوج، احتقار رأي الزوج، محاولة إظهار الزوج دائماً أنه على خطأ؛ دائماً عندنا عذر على هذه التصرفات، لكن تحولت المسألة عندنا إلى عقدة نفسية، أريد أن أكون أحسن منه بالقوة، فلما لا يأتي أحسن منه في العمل في المادة فماذا أفعل؟ أحقر رأيه في البيت، أظهر عيوبه، حتى لو ليس عندي الشجاعة أظهر عيوبه أمامه أو أمام أولاده، يعني لا أقدر أمامه ولا أمام أولاده أقول لنفسي ما عليك منه، لا عنده عقل يفكر ولا عنده أسلوب يتصرف وطائش، كل هذه عمليات ترضية لنفسي من مرض أنا أعيشه ولا أشعر به؛ ما أريد أن أكون حتى ند له، الآن وصلنا إلى درجة أن المرأة -إلا من رحم ربي- تريد أن تسيطر عليه، وهو يقول سمعاً وطاعة والنساء تخرج منهم فلتات تدل على ذلك.
المقصد أن عدم تزكيتنا لأنفسنا بسبب أننا لا نضع يدنا على مرضنا، لا نعرف مرضنا، المرض أصبح مثل الجمرة  التي في الداخل وفوقها رماد، لما أشعر أني أحب فلان فعيني لا ترى منه إلا الرضا لا أرى عيوبه ونقائصه، لما أريد أمتلك فلان ماذا أفعل؟ أجعل أي عيب من عيوبه شيء كثير وعظيم، ثم أشعره أنه لا حل إلا أنك تمشي ورائي لأصلحك، حب السيطرة يجعل الإنسان يعظم أخطاء الذي أمامه، ولما يعظمه تقول لن تصلح إلا لو أنت كنت معي! وهذا كله ليس لإصلاحه ولا لأي شيء وإنما لممارسه السيطرة، وكثيراً في البيوت يحصل هذا الأمر، المرأة لما تريد تسيطر على الرجل  تقول له أنت فيك عيب كذا وكذا وتعال معي أصلح لك أخطاؤك، وأنا أفهم في ذلك الأمر ويكون الدافع حب السيطرة.
المقصود فتش نفسك، كثير من الممارسات ممارسات مرضية ليس فيها إصلاح النفس، لكننا ماذا نفعل لأنفسنا؟ نقنع نفسنا أن  هذه ممارسة صحية؛ مثل المثال المشهور الذي دائماً يضرب، شخص في قلبه على أحد شيء فيخرج الذي في قلبه عن طريق النصيحة، يريد أن يتشمت فيه ويخرج ما في قلبه من شماتة، فماذا يسمي؟ ماذا يضع عنوان؟ النصيحة، هذه ليست نصيحة، هي هنا شماتة وأنا أسميها نصيحة، في الموطن الثاني سيطرة وأنا أسميها إصلاح، في الموطن االثالث غيرة وهو أصلاً الباعث على التصرفات كلها الغيرة، فهذا طبعاً لو بقيت في حياتي بهذه الصورة طبعاً لن تصير عملية تزكية لأن كل الأمراض متخبئة جمرة ومن فوقها الرماد .
ليس هناك مرآة تعكس ما في القلب من أمراض، ولكن هناك جهد، وأعظم الجهد أن تجمع قلبك على {اهدِنَــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}، أعظم جهد أن كل مرة تقرأ فيها الفاتحة يكون تركيزك العالي وقت أن تطلب من الله الهداية، فإن طلبك للهداية طلب يتضمن أسبابها ويتضمن بيان طريقها، ومن ثم سيتضمن بيان المشاكل التي عندي، معنى طلبك للهداية صدقاً أنك تقول يارب بيّن لي نقاط ضلالي من أجل أن أستطيع أن أهتدي فأصلح.
ونؤكد أن القرآن سيكون سبب لصلاح قلبك لو فتشت في قلبك، لو نظرت إلى قلبك نظر من يريد أن يعرف عيوبه التي ابتلي بها وهي مشتركة بينه وبين الناس ثم يصلحها، لأن الواحد منا يتسلط على بعض الخلق كما في قوله تعالى في وصف ذاك الذي أخذ كتابه بشماله، عنده مشكلتين {ما أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[16]عنده مشكلتين المال والسلطة، فالآن المال والسلطة أحد أسباب أمراض القلوب، السلطة أن تكون السلطان الأعظم؟ لا، السلطة حتى على المستخدمين، فأنت تجد مثلاً أحد تسلط على مستخدم واحد يعامله بالعنف، تأتي تقول له: الرفق الرفق، فيقول أن هؤلاء لا يصلح لهم إلا أن تعاملهم هكذا، هذا الجوب يستحيل أن تحصل تزكية في النفس، لو كنت تزكي نفسك كنت عاملته بالرفق، أنت ليس لك علاقة بما وقع منه، لك علاقة بما وقع في نفسك.
ولذلك فيما يروى عن معاوية رضى الله عنه، معاوية الخليفة كان في مجلس وحصل من خادم له إساءة، فقالوا له : ألا تأدبه؟ قال لهم : أأدبه بخسارة أدبي؟ يعني إذا أدبته لابد أن أقلّ أدبي عليه لكي يتأدب، فلا يأدبه بخسارة أدبة.
كأن الواحد قاعد يفكر في نفسه أنا في هذا الموقف والله ينظر إلي ماذا أكون؟ حلل حقائق المسائل، ما الذي حركك؟ كثير من الأحيان نتحرك وهناك مقصد خفي في الداخل أتجاهله، مادامت تتجاهله لن تزكي نفسك أبداً. إذن الصدق الصدق! من أجل أن تحصل التزكية، وهذا الصدق ليس بالأمر الهين، والصديقين درجة عظيمة أثنى عليها الله عز وجل في كتابه، والصدق هو المورد الذي بشر الله أهله كما قال سبحانه وتعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أن لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[17]، قد تقدم صدقهم وسبقهم عند ربهم.
صادق مع نفسه، يفتش عن حقائقه، فهذا معناه أننا نعيش على نَفس الصدق مع أنفسنا، لكن هل هو بهذه السهولة؟ بسرعة أستطيع أن أكتشف ما هي المحركات؟ ما هي الأسباب؟ نحن إذا تقدم بنا العمر ولم يكن سياستنا في التفكير مع أنفسنا الصدق سيصبح صعباً، لكن لا صعب مادام أنك تناجي وتنادي وتسأل وترجو .
ولهذا كم هذه الميزة العظيمة عظيمة عند الله (شاب نشأ في طاعة الله)، لماذا شاب نشأ في طاعة الله تحت ظل عرش الله؟ لأن الشاب الذي نشأ على طاعة الله حرك فؤاده من زمان حول الصدق، والذي عاش زمنا طويلا وهو يكذب ويكذب على نفسه  يحتاج جهد أكبر في إصلاح نفسه، لكن مع ذلك ليس شيء على الله بعزيز، من أول الكلام نقول لا نيأس ولا يُيَئِّسنا الشيطان إنما نبذل جهودنا ونسأله سبحانه وهو الرحمن الذي يعامل عبادة بالرحمة الرحمن الرحيم ذو الرحمة الواسعة والرحمة الواصلة، نسأله أن يعاملنا برحمته سبحانه وتعالى ويصلح لنا أنفسنا.
من العوامل المهمة جداً في تزكية النفس كثرة الدعاء.
اللهم أصلح لي قلبي، اللهم آتي نفسي تقواها زكها أنت خير من زكاها، هذه كلها أدعية يقولها الإنسان بلسانه وقلبه شديد العناية بالتزكية وليس كلام باللسان دون عمل بالقلب.
على كل حال نعود مرة أخرى للكلام حول قواعد التزكية، في القرآن آيات ونصوص لو تعاملت بها ستجد نفسك فيها شيء من الصلاح، تصلح رويدا رويدا.
من هذه القواعد قوله تعالى :
{إن أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأنفُسِكُمْ وَإن أَسَأْتُمْ فَلَهَا}[18]
وهي قريبة من قوله تعالى:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} وفيها من البيان المختلف عن تلك الآية العظيمة الفاذة الجامعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن هنا ليس مجرد عمل إنما ارتفعنا من مجرد العمل إلى الإحسان، أنت تستطيع أن تعمل خير وتعلم أنك تراه، وأعظم منه تستطيع أن تعمل خيراً بإحسان، سأقول إحسان بمعنى إتقان الآن، تعمل خيراً بإتقان، وتعلم أن هذا الإتقان إنما هو لنفسك.
هذه القاعدة ستدفع عنا الغَش الذي يكون في الأعمال خصوصاً أعمال القربى، فمثلاً طلاب يتعلمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم، يجتمعون كلهم في كونهم يعملون خيرا،  مجمتعين على دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، على دراسة البخاري على دراسة أحد هذه الكتب العظيمة، كلهم يشتركون في عمل الخير، والخير لهم، ذرة خير ستعود لهم، لكن يختلف هؤلاء الطلاب في درجة الإحسان، في درجة إتقان هذا العمل، فهذا الآن بات ليلته  معتني بألفاظ الحديث معتني بالكلمات إلى آخره، وأصحابه نيام، أصبحوا الصباح كلهم مجتمعين في مجلس شيخهم، شكلهم متساوين قرأوا جميعاً الحديث، وأيضاً استطاعوا أن يلتقطوا من هنا أو يلتقطوا من هنا معنى الكلمات وناموا ليلهم كله وهذا بذل جهده الليل كله يتعلم هذه الكلمات لما جلس في مجلس شيخة شكله مثل شكل الباقين،  ليس هناك فرق بينهم، وحتى لما جاءت المعاني قالوا وقال سواء؛ لو كان الأمر بهذه الصورة لغش كل إنسان نفسه بسهوله يعني لو في النهاية سيستوي من سهر ليله باذلاً ومن نام ولم يعمل كان كل الناس ماذا يفعلون؟ يعملون الأعمال على ظاهرها، لكن هذه القاعدة ماذا تقول لك؟ ليس فقط من يعمل مثقال ذرة خير يره بل هناك أمر جديد، من أحسن في عمله حتى ولو لم يتبين لمن حوله أنه أحسن فهو قد أحسن لنفسه وإن لم يستطيع أحد أن يميز إحسانه.
ولا تظن  أن في موقف القيامة محسن متقن ويبذل من أجل الله مثل من عمل مهملاً،  لا تظنهم يستويان أبدا، فإحسانك إنما هو إحسان لنفسك وهذه الآية لو قمت بها كما ينبغي في قلبك لن تستخسر عملا قمت به، الآن عندنا مشكلة أنت قمت بإحسان فتجد الناس يذموك، فيصبح البعض يستخسرون الإحسان في الناس، يقول خسارة فيكم أعمل لكم كذا وكذا، طبعاً لو أصبحت خسارة فيكم الإحسان تصبح مصيبة، أنت لم تحسن إلا لنفسك.
ولذلك تأتي الاختبارات معلم يحسن إلى طلابه، يشتكون آخر السنة (يريدنا أن نفهم المنهج كله، يريدنا أن نحفظ الأدلة التي تدلنا على طريق ربنا)! هذا الكلام بالتفسير المنطقي، فيأتون لمثله ويؤذوه، هذه الأذية أتتك اختباراً لهذه القاعدة، أنت أصلاً لا تفكر فيهم أنت تفكر في نفسك، أنا أحسن وأتقن وإحساني وإتقاني لنفسي.
ولهذا منتشر بين الناس من يقوموا بأعمال -الشابات خصوصا- تكون في مكتب وتعمل وتكون ضابطة لعملها باذلة فيه والثانية ليست مثلها، تقوم تقول لها لابد تفعلي كذا تقول لها لا تصيري متشددة، فأصبح إتقان العمل تشدد! .
فنهاية الأمر الآن خذ هذه القاعدة وزكي بها نفسك، استقيم على الصواب والحق واعلم أنك إن أحسنت، أحسنت إلى نفسك.
مثلا: طلاب علم يطلب منهم شيخهم طلب، يأتوا موظفين يطلب منهم رئيسهم عمل ثم يتقنوا ولا يأخذ منهم الواجب، اعلم أنك أتقنت  ليس من أجله إنما لأن الله ينظر إليك.
هذه القاعدة ماذا ستفعل في نفوسنا؟ تدفعنا للقيام بالعمل طلباً لرضى الله وانتظار أن يكون الإحسان أثره على نفوسنا.
لما مات النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن عباس رضي الله عنه لم يبلغ الخامسة عشر، فكان يقول لصاحبه: هلم نجلس مجالس العلماء فيقول له: هل تظن أنه يحتاج إليك؟ يعني لا أحد يحتاج إليك، وهؤلاء الكبار متوافرون، فدارت الأيام وأصبح ابن عباس كما هو معلوم عَلَمٌ، لما أحسن ابن عباس أحسن لمن؟ لنفسه.
وورد في كلام هذا الصاحب أنه كان يقول: قد فاز الفتى، يعني ماذا؟ يعني بعد أن تقدم عرف أنه فاز.
فأنت لما تحسن لا تحسن لأي أحد، أنت تحسن لنفسك، بالعمل الذي تقدمه لغيرك تحسن لنفسك، سواء أحسنت قمت بعمل متعدي النفع أو قاصر في النهاية الإحسان لنفسك، كأن شخصاً يبني لنفسه بيت، لما يكون البيت لك لابد أن يكون جهدك وبذلك كما ينبغي، فأنت تبني لنفسك بيت تحسن فيه .
فهذا يجعل العبد وهو يقوم بالأعمال لا يطلب رضا غير الله وإنما يطلب رضا الله، فإذا علم أن الله ينظر إلى عمله أحسن وعلم أن إحسانه يعود إليه.


من قواعد التزكية:
{وَأن أَسَأْتُمْ فَلَهَا}
مثلا شخص غضوب وآخر استفزه، فيصب عليه غضبه، في الحقيقة أن كل من حولهم انكشفت لهم عورة هذا الغضوب ووقع في قلبهم حزن على من وقع عليه الغضب، فالإساءة والتعدي و الغضب المصبوب هذا إنما هو إساءة على من؟ عليك .
الطرف الثاني مهما كان فيه إيذاء فالإيذاء محدود، لكن الإساءة هي لك، أنت أسأت لنفسك، كشفت عورة قلبك والإنسان أسوأ ما عليه أن تكشف له عورة، فلما تسيء لابد تعرف أن الإساءة لا تتعدى بغيرك، حتى لو كانت إساءة متعدية، لا تتعدى بغيرك بمعنى أن الله يجبر قلب من أمامك، يرد عنه شرّك، لكن الإساءة الحقيقة لنفسك.
 وهذه قاعدة في التزكية من أجل ذلك لا تخرج كلمات قبيحة من لسانك لأن هذه إساءة لك، لا تمد يدك على شيء من الخلق لأن هذه إساءة لك .
 لأن نحن اليوم استهوتنا جداً مسألة كشف عورات الخلق، استهوتنا جداً مسألة التجسس والتحسس، يعني لابد يصبح لنا أرقام سرية على أجهزتنا لا يفتشوا رسائلنا، هكذا وصلنا! فأصبحت كبيرة التجسس في نظر الناس عادية لكن أنت تضع من أمامك في موقف محرج لماذا؟ وما غايتك من أن تفتش؟ وهذا الكلام ليس له علاقة بالأم وأبنائها هذا كلام آخر، أنا أتكلم عن الأنداد، الذي أصبحنا نخاف نضع جوالنا في مكان، كل قصص الناس أصبحت عند هؤلاء وعند هؤلاء، هذه الإساءة لمن؟ لنفسك، وطبعاً تصبح مصيبة كبيرة من يكون في حكم ولي أمرنا، بمعنى أن المرأة تأثم وترتكب كبيرة من كبائر الذنوب لما تتجسس على جوال زوجها، إذن هذه إساءة لمن؟ لنفسك، وأنت بهذا الفعل قد أظهرت نفسك متجسساً متدخلاً فيما لا يعنيك، فترد نفسك لما تستهويك، أحياناً ليس لي خاطر في التجسس، لكن أحب أفتش أحوال الناس، نقول أنت مسيء وقد أسأت إلى نفسك، لابد تعرف حدودك .
على كل حال هذه الجوالات أصبحت كالكاشفة في البيوت، كأن واحد ينظر من عين على بيت، لأن الناس للأسف تهاونوا وأصبحت جوالاتهم تحمل من الصور والتسجيلات، يعني أحياناً نقول ما لا يليق، هم مخطئين أنهم فعلوا هذا الفعل خطأهم هذا يعود إلى أنفسهم، وأنت تصبح مخطأً وتصبح مجرماً وتصبح ارتكبت جريمة وكبيرة.

من قواعد التزكية:
ما هو المفهوم العام من هذه الآية؟ اليوم الغالب تستعمل على عكس غالب مفهومها الرئيسي، أنك تريد أن تتغيروا إلى الأحسن غيروا ما بأنفسكم،  لكن هو مفهومها الأساسي خلاف ذلك، ولا بأس حتى الثاني صحيح لكن مبدأها الأساسي ماذا؟ بمعنى أنت الآن في نعمة زوج مطيع وبيت واسع، مثلاً يظهر منك ملل على النعمة، ملل في تنظيف البيت وأنه واسع، وملل من أبناء الحمدلله بصحتهم وعافيتهم لكنهم كثير، فلما يأتي الإنسان إلى نعمة الله ويكون شاكراً وذاكراً ثم يبدأ يتغير، أول ما تأتيه نعمة البيت الواسع منشرح الصدر سعيد به  يشكر الله عز وجل عليه وهكذا ثم يبدأ بالانقباض لأسباب ليست منطقية، لكنها بلاءات هل تحمد الله أو لا تحمده، فيتغير نفسه على بيته ويتغير نفسه على زوجه وعلى عمله وعلى سيارته التي تحمله وعلى سائقه الذي يوصله، يتغير ما في نفسه يعني يخرج من الشكر إلى البطر، ماذا يحصل إذا تغير الذي في نفسك؟ تزول النعمة، تزول بعينها أو تزول بركتها؟ تزول بركتها فتصبح هذه النعمة شقاء عليك.
أين قاعدة التزكية هنا؟ كأنه يقال لا تسمح لنفسك، لا تستسلم لنفسك أن تمل من عطايا الله فتتركها تمل، وأيضا تعبر بلسانك عن الملل، وكم من المرات يكون الواحد فينا على وجه التذمر في المجالس من بيته الواسع ومن أولاده.
الإنسان قد يكون عنده من المشاكل النفسية ما تجعله سريع الملل من الأشياء نقول التزكية هنا أن تهذب نفسك، لا تتركها تمل من الأشياء، يعني هي تبدأ بالملل أنت لا تتركها تمل، ذكرها وأدبها وهذبها، لأنك ما إن تبدأ تمل من الأشياء والخيرات إلا يفقدك الله بركتها وتذهب؛ لا بيت واسع تنتفع منه ولا أولاد كثير تنتفع منهم ولا سائق ولا سيارة ولا شيء.
مثلاً لما تأتي المرأة ونتيجة أن أولادها ضغطوا عليها لأسباب أتعبوها أكثروا عليها كلام بعد أن كانت أيمة في بيت أهلها وزوّجها الله ورزقها الأبناء، تأتي تقول أنا كنت في بيت أهلي معززة مكرمة مرتاحة منكم! فهذه الكلمات التي تطلق على اللسان سيكون أثرها زيادة نزع البركات، ما الحل؟ لما تبدأ نفسك بداية الملل لا تتركها تمل.
مثل طلاب العلم الآن يتمنون على الله أن يفتح الله لهم أبواب للعلم، يتمنون على الله أن يفرغوا للعلم، يعطيهم الله العلم، هل ستأخذ العلم تسقاه عسلا؟ لازم تأخذ العلم وفيه المرارة والتعب، فتأتي أيام الاختبارات لطلاب العلم ويبدؤون يدرسون ويصبح عندهم مشاعر ما الذي أدخلني في هذا الطريق! لا تترك نفسك تمل فتستجيب لها {إنّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنفُسِهِمْ }كنت مشتاقاً للعلم كنت تحبه كنت تريد طريقه يسره لك، هل بعد أن يسره لك أول ما يمر على خاطرك شعور بالملل تفجر هذا الشعور وتتركه ثم ينطلق حتى على لسانك! لكن هذا الذي يحصل في كل شيء.
مريض يبحث على أحد يدخله المستشفى من أجل أن يتعالج ودخل وقالوا له لابد أن تنام 4،5 أيام، فيملّ .
المقصد أن تزكية النفس ألا تتركها على هواها
 ولا تترك الملل، وهذا  الشعور من أخطر المشاعر، لا تترك الملل يدب إلى قلبك فيملؤه على النعمة ثم تجد لسانك ينطق بها:
ولا تنسَ أبدا قوم سبأ، قوم سبأ هؤلاء نموذج خطير يتكرر كل يوم، الله عز وجل بارك لهم وأنعم عليه ثم قالوا {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} لما تقرئين القصة تتعجبين، واحد عنده عقل يقول باعد بين أسفارنا؟! نريد كل شيء قريب، يكون منعم عليك فتتغير نفسك تجاه نعمة الله فيغيرها الله عليك، يغيرها بمعنى أن تزول بركتها، يغيرها بمعنى أن لا ييسر لك الذهاب، يغيرها بمعنى أنك لا تجد وسيلة للذهاب إليها .
ملاحظة في الهامش: أننا نفسر مثل هذه المواقف -التفسير المتفق عليه بين النساء- أنه عين وحسد، لانفسرها أنها أمراض في قلوبنا هي التي أفسدت علينا نعم الله، نعم الله لا تفسد من الخارج قدر مما تفسد من الداخل، أنت تتغير على نعماء في خاصتك في عقلك في قدرتك، أنت تبطر تفسد النعمة يكون الجزاء أن تفسد عليك النعمة ولا أحد يحتاج من الخارج يعينك ولا أي شيء من الداخل حصل الفساد.

من قواعد التزكية:
هذه القاعدة متصلة بالصدق من جهة ومتصلة بالتفتيش من جهة أخرى، بمعنى أن من قواعد تزكية النفس وتطهيرها وعلاجها ألا تخادع نفسك، لا تخادع نفسك ويجب عليك أن تكون صادقاً .
والمخادعة إنما تكون بإلقاء المعاذير لكثير من التصرفات غير اللائقة؛ يعني مثلاً تجد في قلبك كراهية لأحد، فتعطي نفسك أعذاراً لهذا الفساد الذي في قلبك، تجد في قلبك حسد فتعطي نفسك أعذاراً له، تجد في قلبك غضب تقول هم أغضبوني، هذا كأنه واحد سائر في الطريق وأشارت الإشارة حمراء فيقول هي قطعتني وليس هو الذي قطعها! هي أتت في طريقي كأن المفروض تبقى خضراء لأمشي فلما أصبحت حمراء  قطعت علي الطريق! هذه الصورة غير المنطقية هي نفسها لما يأتي واحد يغضب على آخر ويرفع صوته ويشتاط غضباً، ثم نقول له لا تغضب لا تغضب، فيقول هو أغضبني! طبيعي أن يأتي في طريقك من يغضبك،  أنت متى ستختبر في تزكية نفسك؟ لما يأتي في طريقك واحد يغضبك، الذي يأتيك يغضبك سيظهر وقتها هل زكيت نفسك وتزكيها أم لا .
هذا الكلام ناقشناه في الأول حول الصدق، القاعدة واضحة
مما يمنع من تزكية النفس إلقاء المعاذير.
إلقاء المعاذير لأي شيء؟ إلقاء المعاذير لتصرفاته، فلا يفتش في نفسه، ولا يصلح نفسه، فتبقى نفسيته كما هي.
المشكلة ليست فيمن أمامي، المشكلة أني على نفسي بصير ولو ألقيت مائة عذر، لكن على الحقيقة أنا يجب أن اكون واضح ولا أختلق لنفسي المعاذير.
إذن من قواعد تزكية النفس : أن تكون صادقاً ولا تلقي لنفسك المعاذير لأن إلقاء المعاذير يمنعك من تزكية النفس، يمنعك من الباطل أو العيب الموجود في داخلك.

من قواعد التزكية:
وهذه قاعدة عظيمة جداً، لو دخلنا في تفاصيلها تَطيب النفوس وترضى عن الله.
مافائدة هذه القاعدة؟ ما علاقتها بتزكية النفس؟ أولاً نقرأ الآية لكي تتصوروا علاقة هذه الآية بالقضاء والقدر : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أن نَبْرَأَهَا أن ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[21] لاحظي مختال فخور هاتان الصفتان ضد التزكية تماماً، ما علاقة الإيمان بالقضاء والقدر بالتزكية؟ إذا فهم الإنسان القضاء والقدر علم أن كل الاختبار دائر حول تزكيته لنفسه.
بتفصيل أكثر الآية تدلك على أن كل شيء مكتوب، ما أصاب من مصيبة خير كانت أو شر، { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، كل شيء كتب عند الله، مادام أن كل شيء كتب عند الله أنا اختباري في أي شيء؟
اختبارك في الطريق الذي تصل به إلى هذا المكتوب..
الله عز وجل كتب كل شيء، نصيب كل إنسان في هذه الدنيا مكتوب، من اللقمة التي يأكلها إلى ما يلبس إلى أين سيموت وأين سيدفن.. كل هذا مكتوب، طيب مادام مكتوب أنا ما دوري في هذا المكتوب؟ دورك كيف تصل إلى هذا المكتوب، ولكي تتمثل الصورة نضرب مثال:
افترض أنك تريد شراء بيت ولكي تشتريه كأي شيء حولك تريد أن تحصل عليه لابد أن يكون له طريقان: طريق من جهة الخير وطريق من جهة الشر، وتصور البيت أنه هو هذه الطاولة وفي طريق من اليمين طريق الخير وفيه طريق من الشمال طريق الشر.  البيت عندي فرضيتين عليه: فرضية أنه كتب لك، وفرضية أنه لم يكتب لك، ندرس الفرضية الأولى أنه كتب لك، إذا كان مكتوب لك وهذا الأمر غائب عنك، ماذا ستفعل لتحصل على البيت؟ إما تأتي من طريق اليمين وإما تأتي من طريق الشمال، يعني ماذا تأتي من طريق اليمين؟
يعني من طريق الحلال من طريق الاستعانة والدعاء، يعني من الطريق الذي يرضي الله، والذي فيه تعلق وزكاة للنفس هذا هو طريق الخير.
وطريق الشر يعني تدخل في الربا وتدخل في الرشوة وتدخل فيما حرم الله وأنت مليء بالطمع في البيت ولاتزكي نفسك بالتعلق بالله، سواء مشيت من هذا الطريق اليمين الخير الذي فيه تزكية للنفس مشيت في طريق الشر الذي فيه رشوة في النهاية هذا قد كتب لك ستحصل عليه، في كل الحالتين ستحصل عليه،  لكن مرة وأنت مزكي نفسك ومرة وأنت قد دسيتها ودسيت الخير الذي فيها.
إذن معنى هذا أن إيمانك بالقضاء والقدر ماذا سيقول لك؟ سِرْ في طريق التزكية وزكِّ نفسك، وستحصل على ما كتب الله لك.
افترض أن هذا غير مكتوب؟  سنقول سرت في طريق التزكية ستصل فلا تجده، سرت في طريق التدسية ستصل ولا تجده. ما مكسبك إذا  من التزكية؟ ليس مكسبك أن تحصل على الشيء، فهو قد كتب لك ..
مكسبك أنك زكيت نفسك والله نظر إليك وأنت تزكيها.
 ما فائدة هذا الإيمان على التزكية؟ فائدة عظيمة، يعني تصور إيمانك بالقضاء والقدر كيف يجعلك تكون هادئاً، تختار ما يرضاه الله،تعلم أن حاجتك إلى البيت هذا الذي تريد أن تشتريه إنما هو حاجة ألقيت في قلبك وأتت في طريقك لتزداد انكسارا وذلاًّ ودعاءً وسؤالاً، ماحصلت لك هذه الحاجة واحتجتها إلا لكي تتقي وأنت في طريقك لهذا البيت تتقي فجوراً، تتفي رشوة، تتقي قرضاً ربوياً، كل هذا ماذا سيفعل لك في النهاية؟ سيزكي نفسك وفي النهاية سيكون ما كتب لك ستأخذه وما لم يكتب لن تأخذه.
أنت رابح في هذا أي شيء؟ التزكية، فمعرفتك أن القضاء والقدر واقع يجعلك تسير هادئ، يجعلك تسير وأنت لا تتنازل عن مبادئك، يجعلك تسير وأنت تنظر ما الذي يرضي الله حتى لو بطأ سيرك.
مثلا معاملة قرضية ربوية تحتاج أسبوع ليس لها وقت وهناك  قرض غير ربوي من صديق مثلاً يحتاج سنة، فأنت تقول سنة وأزكو فيها أو أسبوع وأدسّ نفسي فيها؟ فعينك الآن على طريق التزكية وليس على المراد.
تخيلي هذا المثل من أجل أن يتم الأمر: الجماعة لما يسافرون في الطائرة يأخذون رقم المقاعد ويجلسون في الاستراحة وينتظرون الإعلان، أعلنوا عن الطائرة، لو أنت من ركابها ستقوم بهدوء وتذهب إلى الطائرة، وترى جماعة معك في الطائرة يدفعونك ويدخلون الطائرة مسرعين! أنت تقول لنفسك أنا أعرف مجلسي، يعني أنتم لما تسبقوني وتدفعوني كل واحد يعرف كرسيه، في النهاية كل واحد يعرف كرسيه، ما في داعي للعجلة من جهة، ولا فيه داعي للتدافع والصراع إذا كان كل شيء مكتوب على البطاقة أين مكانك لماذا الصراع؟! سأسير بهدوء وأصل مكاني ومكاني محروس لا أحد سيأخذه بدل عني.  لكن لايوجد عاقل يرى مثل هذا الموقف ويبقى جالساً في مكانه إلى أن تقلع الطائرة!
ولذلك لما يقال لك أشعر أن القضاء والقدر الإيمان به يجعلني ألا اتحرك! يقول أنت لا تعرف الحقيقة، نقول نحن خلقنا بفطرتنا حارثين همامين، أول ما نريد شيء نتحرك مباشرة، بقي أن تؤمن بالقضاء والقدر لكي تهذب حركتك، حارث همام يعني ما أن ترغب إلا تتحرك، ولن تغير طبيعتك ولا فطرتك ولا شيء يغيره لما يأتي  الإيمان بالقضاء والقدر ماذا يفعل في حراثك وهمك؟ يؤدبه يلطفه يزكيه، لا يحصل صراع، نحن نعاني اليوم من الصراع حتى في العمل الدعوي الناس يتصارعون، وأصبحت الغايات والأهداف فيها تقلبات.
المقصد الآن أن الإيمان بالقضاء والقدر من أعظم ما يسبب تزكية النفس؛ لأن الإنسان كثيراً ما يخسر زكاة نفسه بطمع يطمعه، يعني تأتي في موقف وسمعت أن فلانة وفلانة سيترقّون وأنا اشعر أني أستحق الترقية، فآتي في المكتب وألقي كلمة على واحدة من فلانة أو فلانهة كأني أقول لا يستاهلون، فالطمع أني أترقى خرج مني كلمة ضد التزكية، لو كنت أؤمن بالقضاء والقدر لحبست تلك الكلمة التي هي ضد التزكية.
فمرادك للتزكية يجعلك تسير باذلا جهدك أن تسير في كل رغائبك والأطماع التي تريدها في طريق التزكية، وهذا لابد أن يكون، يعني أنت أصلاً لا تظهر زكاتك من تدسيتك لنفسك إلا وقت رغباتك وقت لما تريد شيء، ممكن وقت ما أريد شيء ممكن تسقط كل قيمي العليا وأتخطى هذا كله لأصل إلى مرادي وأكون وصلت لهذا إلا لما دسيت نفسي.
وإذا كان الإنسان مؤمن بالقضاء والقدر وأن تزكيته لنفسه هي المقصودة سيسير مؤدبا لنفسه مزكياً لنفسه متأكد أن هذا الشىيء ماذا سيحصل؟ سيجده ويقع له.
فالإيمان بالقضاء والقدر من أعظم قواعد تزكية النفس؛ لأن أطماعنا تظهر عيوبنا، فوقت الطمع نتنازل عن عيوبنا، فلما يقال لك ترى طمعك هذا ستحصله إن كان مكتوباً لك، فقط امشي في طريق تزكية نفسك.
على كل حال الموضوع يحتاج مناقشة أكثر من ذلك لكن المهم أن يكون واضح لنا قواعد تزكية نفسك، وأنت اقرأ القرآن وانتفع من دراستك له بأن تحوله إلى مجموعة قواعد تصلحها نفسك.
أسأل الله عز وجل بمنّه وكرمه أن يجمعنا ونحن في خير حال .




[1] سورة الشمس
[2] الطلاق7
[3] رواه البخاري (2736) ومسلم (2677)
[4] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
[5] سورة الإسراء63

[7] سورة الشمس9                                  
[8] سورة النساء49
[9] سورة فاطر 18
[10] سورة الليل 18
[11] سورة الأعلى 14-16
[12] سورة الحاقة20-22
[13] سورة الزلزلة 7
[14] سورةفاطر 29-30
[15] سورة فاطر34
[16] سورة الحاقة 28-29
[17] سورة يونس 2
[18] سورة الاسراء 7
[19]الرعد11
[20] سورة القيامة
[21] سورة الحديد 22-23

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.