الأحد، 16 نوفمبر 2014

كلمات تصف الحياة


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي بفضله ينتفع العباد بكلامه، فهو -سبحانه وتعالى- الذي يحبّب إلينا الايمان ويزيّنه في قلوبنا، وهو الذي يبغّض إلينا الكفر والفسوق والعصيان، فالفضل أوّلًا وآخرًا له -سبحانه وتعالى-،  ليس للعباد على العباد فضل، بل الفضل كله له -سبحانه وتعالى-.
فهو الذي أنزل كتابه وأرسل رسوله وجعل كلمات نبيّه -صلى الله عليه وسلم- منيرات في القلوب، بل جعل هذا القرآن العظيم ينتفع به الخلق كلهم، ألم تسمع إلى الجن يقولون: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}[1]، فها هو القرآن يقع في قلوب الصادقين فينتفعون به، لا ينفع في الحقيقة إلا كلام الله وكلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- فإذا أتى لقلوب صادقة -وهذا شرط مهمّ جدًّا- نَفَعَ الله بهذا الكلام، وإذا أتى لقلوب ليست بصادقة، حَجَزَ الله -عز وجل- الفهم عن كل كاذب، وكل مستكبر.
ولذلك تسمع في نصوص كثيرة أنّ هذا القرآن هُدى، لكن لمن؟ مثلًا في سورة البقرة للمتقين، وفي سورة القصص قال الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-:{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} لمن؟ {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[2].
إذن شرط الانتفاع بكل هذه الأخبار التي في القرآن والتي جرت على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تكون صادقًا، تريد أن تهتدي؛ لأن جزاء الصدق أن يشرح الله الصدر لفهم كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
على ذلك لابدّ أن نتّفق أنه ليس للخلق أبدًا أي فضل على أحد، إنّما في الحقيقة الفضل كله لله، فلمّا تأتي لاسم عظيم من أسمائه وهو اسم (المنّان)، تفهم أنه هو الذي يمنّ على خلقه بأن يشرح صدورهم للعلم، وهو الذي يمنّ على خلقه أن يجمع قلوبهم للانتفاع، فيمكن أن تكون موجودًا ببدنك لكن لا ينتفع قلبك بهذا العلم إلا أن ينفعك الله به، وهذه قاعدة غاية في الأهمية.
إذن خرجنا بنتيجتين:
1.                أنّ كلام الله وكلام رسوله تامٌّ في النفع، وأنّ هذا القران يهدي للتي هي أقوم، لكن لا يهتدي للتي هي أقوم إلا مَن كان صادقًا.
2.                أنّ الله -عز وجل- هو الذي يمنّ على عباده، يشرح صدورهم لأن يسمعوا الكلام، فمهما كان الذي يكلّمك بليغًا ومهما كان الذي يكلمك صاحب أسلوب، إذا لم يشرح الله صدرك لأن تفهم فلن تفهم،  فلهذا يبقى تعبُّدنا لله -عز وجل- باسمه المنّان، فنقطع علائقنا بالخلق، ولا نتصور أننا لو سمعنا لفلان أو فلان سننتفع، لكن لو مَنّ الله علينا وشرح صدورنا ووهبنا في هذه اللحظة قدرة على الفهم فهِمنا، وإذا لم يهبنا قدرة على الفهم لم نفهم مهما كان مَن يكلّمنا. وهاهو النبي -صلى الله عليه وسلم- وها هم كفار قريش، أتظن بليغا أكثر منه -صلى الله عليه وسلم-؟ أتظن فصيحا أكثر منه؟ أتظن صادقا أكثر منه؟ لا، ومع ذلك قال الله -عز وجل- عن بعضهم: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}[3]. القرآن عليهم عمى، مالسبب؟ ما صدقوا  فما شرح الله صدرهم، إذن اصدق يشرح الله صدرك.

هذا كلام مهم جدا لأننا نريد أن ندخل على موضوع أسميناه (كلمات تصف الحياة) أسأل الله -عز وجل- أن ينفعنا بهذه الكلمات والتي هي من كلام نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وعلينا أن نتفق أن هذه الحياة مِنّةً مِنْه -سبحانه-، فالله هو واهب الحياة وهو الذي يصف لنا الحياة بكلامه أو بكلام نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو العلم، فالعلم: قال الله، قال رسوله، قال الصحابة أولو العرفانِ.
في هذا اللقاء سيكون كلامنا عن وصف الحياة ولكن من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.
سنقف أمام الحديث أولًا ثم نعلّق عليه بحيث يتبيّن لنا أين وصف الحياة.

عن سَهْلِ بن سَعْدٍ السّاعدي رضي الله عنه، قال: جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له:
((يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ))
هذا خطاب مِن جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا شيء من الوحي. ثلاث جمل هي ملخص الحياة.كم ستعيش؟ عش ما شئت أن تعيش، ففي النهاية أنت ميت، أحبب مَن شئت، وفي النهاية لابد أن تفارقه، ثم اعمل ما شئت -و ها أنت تعمل ولازلت تعمل كادحا- لكن اجعل بين عينيك أنك مجزيّ به.
ثم يقول جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
((واعْلَمْ أَنّ شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ))[4]
الثلاثة الأولى وصف مجمل للحياة، ثم الجملتان الأخيرتان من الحديث طريق للشرف والعز.
ومن الضروري أن تكون هذه الجُمل الخمس موجودة في عقولنا قبل أن نبدأ في شرحها.
لابدّ أن نتفق على أمر مهم: هذه الحقائق التي ذُكِرت في الحديث ليست جديدة، فكل الناس يعلمون -بدون أي حاجز في هذا الفهم- أنهم سيعيشون وسيموتون، لكن انظر للجُمل، فكل جملة تكون التي بعدها أقلّ يقينا منها.
كلنا على يقين تام أننا مهما عشنا سنموت، يأتي بعد ذلك قوله: (أحبب مَن شئت فإنك مفارقه)، وهذا الأمر أقل من جهة اليقين؛ بمعنى كلما كان الإنسان قليل التجربة ظنّ أن محبوباته باقية لايفارقها، ثم الأمر الذي بعده (واعمل ما شئت فإنك مجزي به) كلما كان الإنسان أقلّ تجربة ظنّ أن أعماله التي يعملها ستذهب ولن يُجزى عليها في الدنيا ولا في الآخرة.
ننظر للثلاث النصوص بنظرة أخرى: نحن غالبا نهرب من هذه الأمور الثلاثة، نهرب مِن ذكر الموت ومِن تصور الفراق ومِن تصور الجزاء، وكثيرًا ما أشعر أني لو أحببت أحدًا فلا أُذكّره بالموت حتى لا أنكّد عليه، وهذه ليست خدمة له بل غرور، خاصةً لو كان الإنسان في حال مِن اللهو، مِن البُعد، مِن المرض، نحن لانقول له أنه سيموت فهو يعلم ذلك، لكن بقاء ذِكْر الموت يُصْلِح الحياة لو استعنّا بالله، وهذه الحقيقة التي يُفترض أن نخرج بها.
نأتي للجملة الأولى في الحديث:

((عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ))
متى يكون ذكر الموت مُصلحًا للحياة؟ لو استعنا بالله. نحن غالبًا نتخيّل أنّ الموت عدم، بينما الحقيقة أنّ الموت مخلوق كما أن الحياة مخلوقة، والدليل كلنا نحفظه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[5]. ذِكْر الموت -هذه الحقيقة- سببٌ لصلاح الدنيا، ولا تتعامل معه بصورة أنه وسواس يخيفك فيعيقك عن العمل، فغالبًا ما يتحول الموت نتيجة هذه المشاعر إلى قاطع عن العمل بدلًا من أن يكون دافعًا للعمل.
المفترض أن ذِكْر الموت يُصلح الحياة، وذلك بأن تَعْلَم بأن الموت مخلوق سيمرّ عليك كما أن الحياة مخلوقة مرّت عليك،كنت لاشيء ثم أصبحت في بطن أمك شيء، هذا الشيء خلق الله فيه الحياة، ثم تأتي اللحظة التي يخلق الله فيها الموت فيك فتنتقل من مكان إلى مكان، بمعنى أنك حيّ في الدنيا يعيش بدنك وروحك في مكان واحد، تختلط بالخلق، هذه الحياة، لكن في الموت لا، روحك هي التي تعيش وتذهب وتعود، أما بدنك فتقلّ الحاجة إليه، يقلّ إلى أن يصبح غير موجودًا. وأرواح أهل الإيمان في متعة، حيث أنها بين أن تكون في حواصل طير في الجنة أو مترددة بين الجنة وبين الجسد، بمعنى أنك ستدخل إلى نوع حياة أخرى، فماذا تفعل؟ افعل ما يجعل القادم أحسن من الماضي.
اعلموا أنّ الموت ليس له علاقة بصحيح ولا مريض ولا صغير ولا كبير ولا غني ولا فقير، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما قيل له: (يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت) هذا يعني أنك ميت في الوقت الذي قُضي لك أن تموت فيه.

النقطة الأولى: (اجعل ذِكْر الموت مِن الإيمان وليس مِن الشيطان).
لأن الشيطان يذكّرك الموت لكن بصورة مخيفة، والحقيقة أن هذا الموت لا يكون مُخيفًا إلا على مَن استقبلته ملائكة العذاب، لكن إذا استقبلتهم ملائكة الرحمة فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فملائكة الرحمة في لحظة القبض تقول لك: لا تخف فأنت ستذهب لمكان مُريح، ولا تحزن فالذين تركتهم سيكون الله وليّهم، لا تحمل همّهم.
كيف تميّز بين ذِكْر الموت مِن الإيمان ومِن الشيطان؟ الشيطان يجعل ذكر الموت وسواسًا يُرهبك، يخيفك، يمنع حركتك. بتعبيرنا: يُدْخِلك في اكتئاب، والمفترض أن ذِكْر الموت لا يُدخلك في اكتئاب وإنما يجعلك تستعدّ، ولهذا لو دخلت على اكتئاب فالزم الاستعاذة، ولو ما دخلت في اكتئاب فأول ما تتذكر الموت تتذكر  أوسع باب تدخل به على الله: الاستغفار والتوبة صادقا.
إذن اجعل إيمانك هو الذي يذكّرك بالموت وليس الشيطان؛ لأن الشيطان يجعلك تستوحش مِن الموت وتُبغضه، ولذلك عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ))  قَالَتْ:  فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ.  قَالَ: ((لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ))[6]، وَصَفَ لها -صلى الله عليه وسلم- ما هو الحَدَث وقت قبض روح الإنسان، تبشره الملائكة إذا كان مِن أهل الإيمان أن لاخوف عليهم ولاهم يحزنون.
إذن لاتهرب من ذكر الموت، ليس الحل الهروب، (عش ما شئت فإنك ميت) هذه حقيقة لا تهرب منها، لكن استعمل هذه الحقيقة بطريقة تُصْلِح حياتك، فذِكْر الموت يُصْلِح الحياة إذا استعنت بالله. لابد أن تعرفوا أنه بدون ذِكر الموت ستفسد الحياة، لكنك طول ما تَذْكُر الموت ستَصْلُح حياتك.
متى يكون ذكر الموت نافعًا؟ إذا ردّك عن مظلمة الخلق، إذا جعلك تطرق الباب الواسع الذي تدخل به على الله، فالموت المفترض أن يذكّرك بالاستغفار والتوبة لأن هذا أوسع باب تدخل به على الله، فلو تذكرت الموت الآن ولا تستطيع أن تتحرك مِن مكانك لأي سبب فالذي ينفعك في هذه اللحظة أن تلزم الاستغفار والتوبة فيمحو الله -عز وجل- عنك ذنوبك.

النقطة الثانية: (تعلّم عما ستلقاه بعد الموت مِن أجل أن تستعد له وتخطط للأعمال التي يجب أن تفعلها).
فلو سألتك: صِف لي القبر؟ لا تقل لي أنه ضيق وتراب، فالقبر له مساران: أحدهما أنه يصبح واسعًا مثل سعة الأفق، تحتاج أن يكون عندك المعلومات التي تعرف بها كيف يكون واسعًا سعة الأفق، وكيف سيعاملك الله لما تأتي في هذه اللحظة وكيف ستعاملك الملائكة، لابد أن تفهم ذلك جيدا وليس مجرد معلومات تقرؤها وأنت خائف، أو معلومات تتعامل معها ليس على درجة من اليقين، فذكر الموت يُصْلِح الحياة لما تستعين بالله فتتعلّم عن الموت.
لا تتركه حقيقة مجهولة، إنما تحتاج أن تَعرف أن الملائكة تنزل فتبشر هذا الرجل الذي يعمل الصالحات وتطمئنه وتفعل له كذا وكذا، لاتعش تتمنى على الله الأماني، ليست هكذا القصة، إنما القصة أن هؤلاء الملائكة يعاملون أولياء الله، وأولياء الله يعملون الأعمال التي يحبها الله، إذن أنت في الحياة ستخطط لأعمال تجعل قبرك سعته كسعة الأفق، ستخطط لأعمال تجعل ملائكة الرحمة هي التي تعاملك، ستخطط لأعمال تجعلك في ظل صدقتك لما تقترب الشمس مِن الخلق يوم القيامة، ستخطط لأعمال تجعلك تَرِدْ حوض النبي –صلى الله عليه وسلم- لما يخرج الناس عطاشا ويقبلون على حوضه -صلى الله عليه وسلم- وترى قوما يُردّون عن الحوض، فتكون أنت ممن ورد حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا.
الناس لما يعرفون أنهم سيُقبِلون على فترة فيها ارتفاع الأسهم وانخفاضها أو إرتفاع الذهب وانخفاضه، ماذا يفعلون؟ يخططون، فالتخطيط أمر طبيعي وقدرته موجودة فينا.
إذن الأمر الأول: اجعل ذِكْر الموت يُصْلح حياتك بأن تجعله يأتي مِن الإيمان وليس مِن الشيطان، فلا يكون وسواسًا يكدّر عليك حياتك، بالعكس، اجعله سببًا لكي تخطط لهذه المرحلة مِن حياتك، فهو مرحلة مِن حياتك، الموت ليس عدما إنما مخلوق كما الحياة مخلوقة، فإذا كان الموت مخلوق كالحياة فهذا يعني أنك ستُقْبِل على شيء جديد فلابد أن تخطط لتنجح في هذا الأمر، وكلما جاء ذكر الموت ادخُل على الله مِن الباب الواسع، فأول ما تذْكُر شيئًا من ذنوبك لا تنتظر إلى آخر الليل حتى تستغفر عنه، إنما في هذه اللحظة كلما تذكرت تب واستغفر. وقد قال جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (عش ما شئت فإنك ميت) أي أن هذه حقيقة لا يمكن أن تدفعها، ولا يَصْلُح ونحن في حال مِن الترف والراحة أن نغش بعضنا بعضا، فلا أحد يأتي بسيرة الموت حتى لا ينكّد على شاب صغير أو شخص كبير أو مريض، بل ذِكْر الموت يُصْلِح الحياة إذا استعنا بالله، فنستعين بالله أولا ولا نجعل ذكر الموت ذكرًا وسواسيًا، لأن هذه حقيقة ستحصل ولابد أن نؤمن أننا سنواجه ما سنواجه.
الأمر الثاني: أن نعرف الحقائق التي ستواجهها معرفة مَن يريد أن يخطط للقادم، فهي ليست معلومات ولا مسابقات ولا إثراء، إنما حقائق لابد أن تعاملها على درجة من اليقين، ونحن في الدنيا لدينا اختياران {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[7]. فعندك صوت يدفعك للحق، وصوت يدفعك للباطل، وكذلك لما تسمع عن الآخرة سترى قوم تستقبلهم ملائكة الرحمة، وقوم تستقبلهم ملائكة العذاب. ماذا فعلوا مِن أجل أن تستقبلهم ملائكة الرحمة؟ افعل مثلهم، ثم:

النقطة الثالثة: (كن قويًا في حسن الظن بالله).
لأنه ورد في الحديث: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ))[8]، لكن اجعلها مع النقطة السابقة، فلا تظن وأنت مهمل، ولا تظن وأنت نائم على فراشك لا تعمل، إنما اجعل ذِكْر الموت من الإيمان، ثم تعلّم عن الحقائق التي ستلقاها، وخطّط لأن تكون في أُنْسٍ في قبرك، خطّط للحظة التي تسْكَر فيها العقول.
ما معنى سكرة الموت؟ غياب العقل، أي أنك ستعمل لحظة الموت ما كنت معتادًا أن تعمله، فهل أنت معتاد على ذِكْر أو شكر؟ أم على الاهتمام بآراء الناس وبأوضاعهم؟ فقد ترى شخصًا في نزعة الموت ثم يشعر أن أحدًا سيدخل عليه بيته، فيقول لأولاده: رتبوا البيت وافعلوا وافعلوا. لماذا؟ لأن ما عشت عليه مهم، فحتى لما يغيب عقلك سيكون مهمّا عندك، ووقت الموت تظهر الحقائق.
كأنه يُقال لك: راجع نفسك, ما المهم وما الذي اعتدت عليه؟ مثل امرأة مريضة في المستشفى كانت طوال عمرها تهتم بضيوفها، فكانت تشير لبناتها في كل حين: صُبوا لهم قهوة وضعوا لهم كذا. وهي تعاني من الآلام، ويقال لها: أريحي نفسك. وهي لا تستطيع أن تريح نفسها لأن هذا الذي يغلي في قلبها. وهكذا لحظة الموت! فيمَ كنت تهتم؟ فيمَ كنت تفكر؟ لحظة الموت سيحدث هكذا.
فخطِّط لأعمال تؤنسك في قبرك، خطّط لأعمال تجعلك مِن الصدّيقين، اهتم بالصدق لأن الصدّيقين لايقفون في الحشر ليُحاسبوا، إنما مثل السبعون ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، ويقال بأن السبعون ألفًا حققوا التوكل الذي مبدؤه الصدق، فلا تجعل ذلك أماني وإنما تخطيطات.
أنت تقرأ في كتاب الله مَن يُبشر بالمغفرة ومَن يُبشر بالجنة، انظر لصفاتهم التي وردت في القرآن، وابذل جهودك لتتحلى بها، ولا تكون كل حياتك: يارب ارزقني بيت وأولاد ونجّحهم ووفقهم ويارب نقضي الصيف في المكان الفلاني! فنجد أنفسنا مِن أول ماعرفنا الحياة والدعاء ونحن حتى نقترب من الموت كل تفكيرنا في الدنيا {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}[9].
إذن القاعدة تقول بأن ذكر الموت يُصْلِح الحياة إذا استعنا بالله، وليس دائما ذكر الموت مُصْلحٌ للحياة، لأن الشيطان يعمل على أن يُدْخِلك في الاكتئاب، فيُدخِلك في الاكتئاب إذا لم يكن عندك مال، فإذا كان عندك أموال فيُدخلك في اكتئاب لأن ليس عندك أولاد، وإذا عندك أولاد ولم يَصْلُحُوا أدخلك في اكتئاب لأنهم لم ينجحوا، فهو يُخرِج لك مِن تحت الأرض شيئًا يُدخِلك بسببه في اكتئاب، فيذكّرك الموت ويخوّفك منه، يذكّرك به ذكرى شيطانية تجعلك تكتئب، فنحن سنحاربه ونجعل ذكر الموت مبنيًا على الإيمان. يقينا نعلم أننا سنموت، ويقينا نعلم أن الذي يموت لايعدم بل يمكن أن يكون أنيسًا أكثر مِن الأحياء! ويكون قد جَاوَرَ ملِك الملوك فهو في حال مِن الهناء! ولذلك مات شاب صغير لأحد الشعراء، فقال الشاعر في تعزية نفسه:
جاورتُ أعدائي وجاور ربه            شتان بين جواره وجواري
نحن في الدنيا نجاور بشرًا كلهم نقائص ومؤذين، فلما يجاور ربه شتان بين جواره وجواري، هذا لمن عَرَفَ حقيقة الموت وعَرَفَ أنه ليس مجرد عدم إنما مخلوق جديد تدخل فيه ويدخل فيك، وهذا المخلوق الجديد متى ينفعك الله به؟ إذا خططت في الدنيا. فهل نستطيع أن نقول لما نلاقي الله بأننا ما كنا ندري ما سيحدث فلذلك لم نستعد؟ لا، لأن بين يدينا العلم كله، عندنا الكتاب والسنة، فأين نحن عما سنواجه؟!
لما يأتي تاجر ويضيع فرصة تجارية، يُقال له: أين أنت؟ لمَ لا تقرأ الجرائد؟ وما بك لاتدري عن أحوال البورصة؟ يُلام!
فأنت مقبل على الموت كذلك، فماذا تفعل به؟ اجعل ذكراه سببًا لصلاحك. كيف؟ إذا استعنت بالله..
فالنقطة الأولى أن تجعل ذِكْر الموت من الإيمان، تؤمن أن الناس على قسمين عندما يموتون: قسم مِن أهل الإيمان وقسم مِن أهل الكفر والنفاق.
النقطة الثانية أن تعرف الحقائق التي ستكون يوم قيامتك أنت -أي مِن لحظة موتك- وتعرف ما هي صفات الشخص الذي يُؤنس في قبره، الذي تكون سكرة موته على ما يحب الله، الذي تستقبله الملائكة فتقول له لاخوف عليهم ولاهم يحزنون، لكن مشكلتنا أن قلوبنا تعرف المسألة وتلتفت عنها. فمثلا الصفّان اللذان أمامي الآن، الناس تذهب وتجيء أمامهم، فماذا يحصل لهم؟ أبصارهم تلتفت وهم لايشعرون، لا يشعرون أنهم يذهبون معهم ويروحون ثم يعودون وكأنهم لم يفعلوا شيئا، وكأنهم لم يؤذوا أنفسهم، ولكنهم آذوا نفسهم خصوصا أنهم كانوا يسمعون كلامًا متصلاً ولا أحد سيعيده لهم مثلا. وهكذا نحن نفعل: تأتينا الأخبار وراء الأخبار، والمواقف وراء المواقف ترشدنا لله والدار الآخرة، ولكن قلوبنا تلتفت عن الله، ونتعامل مع الأشياء حولنا كأنها باقية!
النقطة الثالثة أن تقوّي حسن ظنك بالله لأن الله عند ظن عبده. كيف تقوي حسن ظنك بالله؟ تعرفه وتعرف رحمته ورأفته سبحانه وتعالى. انظر كيف يقول الله تعالى في سورة البقرة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}[10] يريد أن يميت نفسه من أجل أن يرضى الله، يذهب يمينًا وشمالاً حتى يرضى الله، فماذا يقول الله؟ { وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[11] فما يرى في قلبك صدقًا في طلب رضاه وتعلقًا به إلا يرأف بحالك ويوفقك إلى ما يحب هو -سبحانه وتعالى- ويرضى، فلا تظن أنك تُقْبِل جادًا وتبذل جهدك وتستفرغ قواك ثم لايعاملك برأفته، بل يعاملك بتمام رأفته -سبحانه وتعالى-.

النقطة الرابعة: (ادفع عنك قُطّاع الطريق).
مِن أجل أن تَذْكُر الموت ذِكرًا يُصْلِح الحياة ادفع عن نفسك قُطّاع الطريق، والذي يتعبنا هم قُطّاع الطريق، وكل شخص منا عنده قُطّاع طريق مختلفين، غالبنا مشكلتنا صُحبتنا، فتكون قد نضجت -وليس شرطًا بالعمر إنما نضجت نتيجة تفكيرك وتدبرك وتأملك- وترى زملاءك الذين يعيشون معك لازالوا في مرحلة الطفولة مِن جهة تعلّقهم بالدنيا، تجتمع معهم فيعلّقوك بالدنيا، وأنت تقول لهم: لا نتعلق بهذا كله فسنذهب ونتركه. فمباشرة ينقلبون عليك ويقولون لك: أنت مكتئب وتريد أن تنكد علينا فقُم نذهب لمطعم أو للسوق لنغيّر جو. هذه الحلول حتى يخرجوك من حالة الاكتئاب!
ما الحل؟ النضج العقلي يُسهّل عليك أن لايأخذك أحدهم خلفه، وإنما تبقى ذاكرا على أي شيء ستُقبِل
ازدد علمًا عن الله -عز وجل- وعن لقائه، واستعد وأنت تعلم أن الله -عز وجل- يوم القيامة يُدخِلَك في كنفه فيكلمك ليس بينك وبينه ترجمان، لما تعلم هذا الشيء تستعد للقاء الملك العظيم، وكلما زاد استعدادك للقاء الملك العظيم -بمعرفته ومعرفة ما ستُسأل عنه ...إلخ- سيصبح عندك مِن النضج العقلي ما لايوازيه الناس الذين يعيشون معك.
المقصد أننا نحتاج أن ندفع عن حياتنا قُطّاع الطريق. مَن هم أكثر قطاع الطريق الذين تتصورونهم؟ يقول ربنا في سورة طه: {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}[12] أي لا يصدنك عن الآخرة.
-                   وأكثر صاد قاطع للطريق هم الصحبة.
-                   ثم يأتيك شيء عظيم جدًا وهو نفسك التي بين جنبيك –الهوى-.
كيف تدفع قُطّاع الطريق عن نفسك؟
1.                تعرّف على الله.
تعلّم عنه، اجعله ركنك الشديد، كلما تعلّمت عن الله كفاك وشعرت بنضج في تفكيرك، فأصبحت الأمور تأخذ حجمها، فتعلم أن كل شيء رزق مِن الله، فلا تتشوف للدنيا وتشتاق لها وتتعب حولها.
2.                تعرّف على الدنيا.
كلما تعرّفت على الدنيا نضج تفكيرك تجاهها، فكم من مرة قيل لك فيها أن الدنيا متاع الغرور؟ أتعلم ماذا يعني أنها متاع الغرور؟ كرجل ذهب للسوق واشترى متاعًا وأكله، ثم انفضّ السوق، فلم يصبح هناك سوق ولا بائع، وعاد إلى بيته فرحا بمتاعه، ولكنه وجد أنه غُر وغُش، فالأكل كان فاسدًا مثلا. هذا حال شخص يجري وراء الدنيا ثم إذا جاءت لحظة الموت وجد أن كل ما معه لا شيء !
وهذه الآية في سورة الحديد تعرّفك بكلام مختصر عن الدنيا، حصر الله -عز وجل- الدنيا في خمسة أمور: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}[13]. فأنت في فترة من حياتك كنت لاعبًا، ثم في فترة من حياتك لاهيًا، ثم في فترة من حياتك تهتم بالزينة، ثم في فترة من حياتك تتفاخر، وفي فترة من حياتك تتكاثر، أو الخمسة مع بعضها البعض، فبدنك لاعب، وقلبك لاهٍ، وغير مهتم إلا في الزينة الخارجية، وكل تفكيرك أن تفخر على غيرك، وتريد دائمًا أن تكون أحسن مِن هذا وأحسن مِن هذا، ثم تتكاثر.
فبهذه الصورة تحوّل الشيء الذي ليس له قيمة إلى شيء له قيمة. تعال قل له: خطط لقبرك وللأنس فيه، يقول لك: لا تنكد علي!
يقول الله -عز وجل- في وصف الدنيا: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} الكفار يعني الزراّع، وأعجب الكفار نباته أي أعجب الزراع زرعه، أي أنه زرع بهيج، والذي يفهم في الصنعة يعرف أنه غاية في الجمال، ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما! لو كان حطاما وانتهى لانتهى الأمر، لكن في الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، فلا يوجد غير واحد مِن طريقين: إما هذا أو هذا، فكأنه يُقال لك: خطط لنفسك.
وحتى يكون ذكر الموت مُصلحًا للحياة لابد أن أرد عن نفسي قطاع الطريق، فهم أيًّا كانوا يزينون لي الدنيا، فحتى تدفعهم تعرّف على الله وعلى ما عند الله، تصور جنة عرضها السماوات والأرض، وتصور المنازل بين الناس عند الله، إذا سُئلت ماذا تتمنى في الدنيا؟ تقول: وزير، طبيب، أمير. وفي الجنة تقول: أهم شيء أدخل الجنة! هل تعرف الفرق بين المنازل يوم القيامة؟ الذين في المنزلة الأدنى يرون الذين في المنزلة الأعلى كما نرى نحن في الدنيا الكوكب الدّري، أترى كيف هو بعيد فلا ترى إلا لمعانه فقط؟ كذلك الذين في المنزلة الدنيا يرون الذين في المنزلة العليا.
ولذلك لا يتحسر أهل الجنة إلا على وقت لم يقضوه في ذكر الله، لأنهم يعلمون أن تسبيحة تثقل الميزان فترفع درجة العبد، فتأتي الحسرة!
ولهذا في سورة الفجر يقول: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[14].  الآن اكتشف أين هي حياته الحقيقية، لكن في توقيت غير مناسب!
وفي سورة الحديد ذَكَرَ -سبحانه وتعالى- أرزاقنا وأنها مكتوبة، ثم قال:{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[15]. فأنت لما  تنضج نضجًا فكريًا عقليًا، تجد أن الألعاب التي يلعب بها الأطفال لا تناسبك، ولما تذوق مثلا شوكولاتة من الأماكن الشهيرة، ماذا ستكون قيمة باونتي وجالكسي التي تُباع في الدكان؟
المقصد أنك لما تنضج عقليا وترتفع وترتقي من الداخل، لاتشعر بأن هذا الذي في الأسفل أصلا متعة، إنما سيمتعك أمر آخر، ستأتيك المتعة ولكن ليست بنفس الطريقة، وهذا أمر واقعي. فأنت تتذكر لما كنت ترى أفلام الكرتون وتعجبك، وبعدما تَكْبُر تقول: ما هذا الذي كنت أفعله؟ هكذا الأمر في الدنيا.
لو ابنتك المراهقة واعدت إحداهن على العشاء ولم يتيسر لها الذهاب، يمكن أن تجدها تبكي لأنها لم تذهب، بينما أنت إذا حدث لك مثل هذا وقد كبُرت، تقول: ما لم يحدث اليوم يحدث غدا، وإذا لم يحدث فهذا أمر غير ضروري وليس هناك إشكال.
فهاهي أنفسنا وهاهي نفس اللذة ولكن لما نضجنا تغيّرنا. نحن نريد هذا النضج، فأنا لا أتكلم عن الزهد إنما أتكلم عن النضج،  فالنضج يقلل من قيمة التوافه ويُفهمك هذه الخمسة {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}.
ذِكْرُ الموت يُصلح الحياة فيجعلك أنضج ويجعل اللذائذ مختلفة، فلما تطوف مثلا في الحرم وتأتيك هذه الرياح اللطيفة فتدخل في أنفاسك، تشع حينها كأنك ملكت الدنيا، ولو مثلا ذهبتُ أنا وابني وأسكنته في أحسن مكان في مكة، وقلت له: (نريد أن نزيد ليلة). سيقول: (لا، أريد أن أذهب إلى البلد فلديّ كذا وكذا) وكله لهو ولعب! وأنت تقول له: (أين عقلك؟) هذه الفوارق طبيعية، بيد أن هناك صغار لكنهم ناضجون، وهناك كبار لكن..!
إذن نتعامل معه قطاع الطريق معاملة الناضج، والناضج عنده نوع انفصال بين أسلوب تفكيره وتفكير غيره، فهو يعلم ماهي الحقيقة، والأشياء عنده تأخذ أحجامها بناءً على أنه أولاً يعرف الله، وكل مَن عَرَفَ الله استراح، وثانيا يعرف الدنيا ويحصرها في هذه الخمسة، واقرؤوا السياق حتى تتصوروا وتروا كيف أن الله كتب كل شيء، ثم قال لك: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} فالمكتوب سيأتيك وتذوقه، والغير مكتوب لن يأتيك، فلا تُحزن نفسك هنا ولا تصل هناك لدرجة الغرور كونك ملكت شيئا.
3.                اعرف الناس، واعرف حدّهم عندك وثقلهم.
لأني أحيانا أريد أن أشتري خاطر هذا فأضيّع نفسي، وأريد أن أُرضِي هذا فأضيّع نفسي، وما أريد أن يغضب هذا فأضيّع نفسي، وأدور حول رضاهم ! ثم لما آتي عند الحقوق أجد نفسي لا أتعامل معها وإنما فقط أجامل هذا وهذا !
قال الفضيل بن عياض: "مَن عرف الناس استراح، فلا يطرب لمدحهم ولا يجزع لذمهم، فإنهم سريعوا الرضى سريعوا الغضب   والهوى يحركهم"
فليس مِن المعقول أن تضيّع نفسك لأجلهم، ولن يرضوا ! فلو فعلت كذا سيقولون أسرف، ولو فعلت كذا سيقولون بَخِل، ولن ننتهي !
عامِل أهل الحقوق مِن أجل الله، ولا تهجرهم، اطلب رضا الله، وإذا رضي الله أرضاهم، لكن لا تفكر فيهم هم.
لذلك ورد في الحديث: ((إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ))[16].
فإذا رأيتِ زوجكِ أصبح ضدك، فتعلقي أولا بمن يملك قلبه، واسأليه أن يشرح صدره، وأن يوفقك للوصول إلى رضاه، فيصبح غضبه عليكِ بابًا من أبواب العبادات، فهو يغضب وأنتِ تعبدين الله، تسألين الله أن يُعيد قلبه إليكِ، فلم يصبح زوجكِ صادًا لك عن الطريق بل أصبح ممهدًا للطريق، لو توجهتِ له مباشرة قد تحدث مشكلة حقيقية، فهو لن يرضى وأنا سأنشغل عن الآخرة، الدنيا  لا تمشي مني إليك مباشرة، إنما هي: مني إلى الله، ومِن الله لك.

النقطة الخامسة: (استعمال عبادتي الاستعاذة والاستعانة).
مما يجعل الموت مُصلحًا للحياة استعمال عبادتي الاستعاذة والاستعانة. هاتان النقطتان غاية في الأهمية.
لا تأتي إياك نعبد إلا مع إياك نستعين، يعني درِّب نفسك أن تطلب العون مِن الله، أن تجعله كافيك. ولهذا  ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الْإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ)) فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،  فَقَالَ لَهُمْ:  ((قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا))[17]. أرشدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- للاستعانة بالله، للتوكل على الله، لجعل الله -عز وجل- كافيهم ما أهمهم.
الآخرة تهمك وهي هم من همومك، فاطلب مِن الله أن يكفيك. معنى ذلك أن مبدأ الأمر ومنتهاه هو التعلق بالله، أن تستعين بالله، مبدأ الأمر ومنتهاه أن تكتفي بالله، أي أن تسأل الله أن يرشدك إلى أعمال صالحة تكون سببًا لنجاتك وقتما تلقى الله. فتبقى الدائرة كلها حول تعلقك بالله.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ورد في صحيح البخاري: ((مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا))[18]، والسوط هذا أقل من نصف متر، وهو خير من الدنيا وما فيها! خير من الدنيا يعني منذ أن خُلِقت الخليقة إلى قيام الساعة، فكل النعماء التي تعرفها والتي لاتعرفها لا تساوي نصف متر في الجنة! فهذا مما يزيد حقارة الدنيا والشوق إلى الجنة.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((وَلَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا))[19] غدوة أو روحة تعني الجهاد أو أي عمل مِن أجل الله، خير مِن الدنيا وما فيها. فانظر مثلا لركعتي سنة الفجر، هي خير من الدنيا وما فيها.
ويؤيده قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ))[20].كل هذا يُشعرك بأن الدنيا لا تستحق منك هذا التعلق.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر: ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ))[21] وكان ابن عمر يقول: ((إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ))[22] فكلما تمتعت بالصحة، تذكّر زمنًا قد لا تكون فيه صاحب صحة. وكلما تمتعت بالحياة تذكّر وقت لابد أن تفقد فيه هذه الحياة.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً))[23] أي انتهت الفرص كلها ! يعني لا أعذار عند هذا العبد أمام الله، فقد بلغ الستين عامًا وهو لازال على حاله.
هناك مَن يقول: (سأنتظر على الأقل الخمسين). نقول: أولا من عاش في شبابه وقوته وفتوته على شيء، فقليل ما يستطيع تغييره.  ثانيا: مَن قال لك أنك ستكون مِن أهل هذا الحديث؟ مَن قال لك أنك ستبلغ الستين؟ !

نأتي للجملة الثانية في الحديث:
((وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ))
يؤيد هذا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الْأَمَلِ))[24] أي لا تظن أنّ الإنسان لما يكبُر وهو لم يعالج نفسه سينتهي عن حب الدنيا، هذه المحبوبات التي شغلت قلوبنا أغلبها دائرة حول الدنيا، ولذا يُقال لك (أحبب مَن شئت فإنك مفارقه) سواءً أشخاص، أموال، أماكن، أوضاع، مساكن، لابدّ أنك ستفارقها أو هي تفارقك!
والجملة الثانية من الحديث متفرعة عن الأولى، يعني (عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه)، والفرقة لابد أن تكون في الدنيا سواء أنت تزول عن الشيء أو الشيء يزول عنك، والموت مِن أهم أسباب الفرقة لكن ليس هو السبب الوحيد.
فقد يكون لك خليلٌ حبيبٌ قريبٌ شَغَلْتَ قلبك به، وبعد زمن يسير يتحول هذا المحبوب إلى عدو، فتفترق عنه! وبالتأكيد مرت عليكم مثل هذه الحالات، بل حتى مع الأبناء يحدث هذا، فتجد الابن محبوبًا عند أمه وله مكانة، ثم تفرح به وتزوّجه، ثم يحصل منه أو من زوجته مشاكل، وفي النهاية يبقى بالشهر والشهرين لا تراه! نعم هذه قطيعة مِن جهة شرعية، لكن من الجهة الكونية أني أحببته ثم فارقته برغم أني مازلت حية وهو كذلك.
وكم مِن الزملاء وصلوا في علاقاتهم لأعلى الدرجات وفي كل مكان يذهبون مع بعضهم البعض، ثم افترقوا مع وجود كل واحد في مكانه، ولم يفترقوا افتراقًا طبيعيًّا وإنما تحول الحب إلى عداء! الناس يتغنون بأن الوفاء ذهب ولم يصبح هناك وفاء..
ولكن لابد أن نعرف أن الله توعّد مَن امتلأ قلبه بغير الله -تعلق قلبه بغير الله- أن يعذبه بهذا المحبوب، فهذا المحبوب الذي تعلقت به سيتحول عليك سوط عذاب. قال -سبحانه وتعالى-: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا}[25].
والجهاد في سبيله يبدأ بالجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر كما قال أبو حنيفة: "عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" فمجاهدة العدو هي الأصغر، ومجاهدة نفسك وصد قلبك أن يدخل أحد إليه فيزاحم حب الله هو الجهاد الأكبر.
أنت تقول: لا إله إلا الله، يعني ليس عندي محبوب أتعلق به غير الله، فلما يمتلئ قلبك بغير الله، يقول الله لك: (فتربصوا)، يعني انتظروا وترقبوا أن تتحول هذه المحبوبات لسوط عذاب تُعذبون به.
هل هذا يعني أن لا نقوم بعمل علاقات مع الخلق؟ هناك حد طبيعي، المهم أن لا تتعلق، أن لا تجعل أحدا من دون الله هو محور الحياة فتدور حوله، فَلَكُكَ الذي تدور حوله، وغالبًا ما تنحرف هذه العلاقات، فلا يوجد أحد نحبه بهذه الصورة إلا ولابدّ أن تحدث حالة من الإنحراف بشكل أو بآخر.
فعلى العبد أن يرحم نفسه مِن أن تتحول محبوباته إلى سبب لعذابه، فلا تجعل نفسك رهينة لها.

سائلة تسأل: هل يدخل في ذلك الدعاء لهم بإلحاح والصدقة عنهم بالخفاء؟ هل هذا يدخل في التعلق؟
الجواب: هذا ليس له علاقة ولا يعتبر تعلقا، فلو نتكلم عن أبنائنا مثلا، نحن نحب لهم الهداية، وهذا ليس تعلقًا بقدر ما هو حب لله، فأنت تحب لهم الهداية وتحبها لأولاد المسلمين أيضا، مثلا وقفت عند الإشارة ورأيت شبابًا يدخنون، فتدعي لهم بالصلاح والهداية، وترجي مِن الله أن يردّهم إليه ردًّا جميلًا، فمشاعر الهداية هذه وأن يكون الخلق عبيدا لله تبدأ من الأقربين للأبعدين، صحيح أنها أقوى في الأقربين لكنها أيضا للأبعدين، وليست دائرة حولك لأني أحبك، إنما لأني أحب الله وأحب أن يكون هؤلاء عبيدا لله.

اتفقنا على أن هذه المحبوبات لابد أن يحصل بينك وبينها مفارقة، فماذا تفعل في نفسك؟ لا بد أن تعلم أن الله زين لك شيئًا من الشهوات، فلا تجعل قلبك مشغولًا بحبها، إنما تناولها بالقدر الذي يكفيك، ولا تجعلها مدار الحياة ومحورها.
لابد أن تعلم بأن الأشياء التي تحبها ستفارقها، وعلى هذا سنأتي بالمعنى العكسي: (عليك أن تحب مَن لا تفارقه).
((عَنْ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: ((يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى))[26] بكلام مختصر: الذي يأخذها وهو مستشرف -وهو شديد الحب متعلق- شديد الحب للمال ومثل هذه الأشياء التي زُينت، لا يُبارك له فيها، ولا يشبع، أما الذي يأخذها بطيب نفس، راضٍ بما قُسم له، لايجري، لايستشرف، لايتعلق، سيعطيه الله وهو مُبارك.
ولهذا نحن دائما نقول لأنفسنا: الشيء الذي أتمناه وأشتهيه وأفكر فيه وأحلم به لا يأتيني، وما لا أفكر فيه يأتيني،كل شيء بالعكس في الدنيا!
لا ليست الدنيا بالعكس، إنما الحديث يفسر لك هذه الحقيقة، فأي شيء تستشرفه -تتعلق به- كأن تقول مثلا: أنا لا أستطيع العيش لو ما اشتريت سيارة، تجد أن السيارة تأتيه لكن لا يُبارك له فيها، يأتيه البيت لكن لا يُبارك له فيه، يوجد مثل هؤلاء الأشخاص اللحوحين، ففي بداية العام تذهبين للسوق لتشتري لهم الأغراض والملابس والأحذية، وهناك مَن يلحّ ويقول: (أحضري كذا وهاتي كذا)، والثاني مسكينٌ ضعيف، الذي تأتي به يقبله مباشرة، النتيجة معروفة: الأول لا أجد له في السوق ما يريده، وإن وجدته ينقطع أول ما أحضره له، والثاني يرضى بما قُسم له فيُبارك له فيه.
هذا النص في صحيح البخاري يصف لك الحقيقة، بل حتى الطعام تشتهيه وتلح عليه ولو لم تجد سائقك بحثت عن سائق الجيران، وإذا لم تجد سائق الجيران بحثت عن كذا وكذا، وفي آخر الأمر لما يأتي الطعام تجد أن لا رغبة لك فيه، أو يكون غير لذيذ، أو نسوا أن يُحضروا معه كذا وكذا.
هناك مِن الناس مَن لا يعرف تفسير مثل هذا، وكلٌ حسب نضجه العقلي، فهناك مَن فيقول: (أنا ليس لي حظ في الحياة) مثلا، أو (أنتم لا تحبونني)، المطلوب منك أن تعرف التفسير الصحيح، وحتى في التربية تفسر لأولادك بهذا المعنى.
النتيجة: أحبب مَن شئت فإنك مفارقه، كل ما زُيّن لك لو أخذته باستشراف وتعلُّق لا يُبارك لك فيه، وكل شيء أخذته بطيب نفس ولست متعلقا مستشرفا، يُبارك لك فيه.
الاثنان سيأتيهما نصيبهما -الذي استشرف والذي طابت نفسه- لكن نصيبٌ مباركٌ وغيرُ مُبارك.
هناك شرح لهذا الحديث. قال أهل العلم: (وأحبب مَن شئت مِن الخلق فإنك مفارقه إما بموت أو غيره). والمعنى: تأمل مَن تصاحب مِن الإخوان عالمًا بأنه لا بد مِن مفارقته، فلا تسكن إليه بقلبك، ولا تطعه فيما يعصي ربك، فإنه لابد من فرقة الأخلاء كلهم إلى يومٍ قيل فيه: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[27]. فإن كان ولابد فأحبب في الله مَن يعينك على طاعة الحق تعالى، ولا تعلق قلبًا عرف مولاه بمحبة سواه.
قال بعض العارفين: "مَن أحب بقلبه مَن يموت، مات قلبه قبل أن يموت" مات قلبه لأن حياة القلب حب الله، فكأنه يقال لك: فرّغ قلبك مِن حب غيره حتى يبقى قلبك حيًا بحبه -سبحانه وتعالى-. وما مِن أحد في الدنيا إلا ضيف، وما في يديه عارية، فالضيف مُرتحل والعارية مردودة.  
قال أحدهم: "وفراق المحبوب شديد، فينبغي على العاقل الواعي أن يحب من لا يفارقه وهو الله تعالى، ولا يحب من يفارقه وهو الدنيا، فإنه إذا أحب الدنيا كره لقاء الله، فيكون القدوم بالموت على ما يكره، والفراق لما يحب، وكل من فارق محبوبا فيكون أذاه في فراقه بقدر حبه وأنسه، وأنس الواجد للدنيا أكثر من أنس فاقدها".
كأنه يقال: أحبب مَن شئت فإنك مفارقه، وهذا أمر صعب عليك، فمادام هو صعب ينبغي أن تحب مَن لا يفارقك وهو الله، ولا تحب مَن يفارقك وهو الدنيا وأهلها.
الإنسان لما يجد الدنيا ثم يفقدها، يكون ألمه أشدّ من الذي ما عنده هذه الدنيا، فلا تكثر تعلقاتك وتجد نفسك في لحظة رهينا لها فما تستطيع أن تعايش الحياة مع فقد هذه التعلقات.
قال العلماء: "القصد بهذا –وأحبب من شئت فإنك مفارقه- تأديب النفس عن البطر والأشر والفرح بنعيم الدنيا، بل بكل ما يزيله الموت، فإنه متى علم أن مَن أحب شيئا يلزمه فراقه، ويشقى لا محالة بفراقه، شَغَلَ قلبه بحب مَن لا يفارقه وهو ذكر الله، فإن ذلك يصحبه في القبر فلا يفارقه، وكل ذلك يتم بالصبر أياما قلائل، فالعمر قليل بالإضافة للحياة الآخرة، وعند الصباح يحمد القوم السرى".
أي لما يأتي الصباح وهم قد مشوا في الليل، يجدون أنفسهم في الصباح قد بلغوا المنزل الذي يريدونه، فيحمدون الله أن مشوا في الليل وما باتوا، فالدنيا كلها أيام قلائل فلا تعلق قلبك بأهلها فتجد نفسك رهينا لها، وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه.

وصفة عملية مِن أجل ألاّ أتعلق بشيء:
1.                تحسَّس قلبك وانظر بماذا أنت متعلق.
لسنا سواءً في التعلق، فهناك مَن صديقاتهم أو جيرانهم هم نقطة تعلقها، وهناك مَن أزواجهم، وهناك مَن أموالهم هي نقطة تعلقهم، وهناك مَن أشكالهم هي نقطة تعلقهم، فتجدها طوال النهار متعلقة بالمرآة، مفتونة، وهناك مَن أبناؤهم نقطة تعلقهم ... الخ، وهذا لا يمنع الجمال لكن نحن نتكلم عن الفتنة، عن التعلق. فتحسس قلبك وانظر بما أنت متعلق حتى تبدأ في علاجه.
2.                انظر لممارسات التعلق.
فمثلا لو تعلقتِ بزميلة تجدين أنكِ طوال الوقت تريدين أن تكلميها وتجتمعي بها. ولو تعلقتِ بالزوج فتجدين أنكِ تحققين معه وهو داخل المنزل وهو خارجٌ أيضا، تفتشين جواله، وتوسوسين أين ذهب، أحيانا لا يكون التعلق بشخص، ربما بيت، ربما وظيفة، ربما مرتبة عند الناس، قد يتعلق بالمدح، فتجد المرأة تطبخ وتطعم الجيران من أجل أن يمدحوها، أو تفعل الأعمال الخيرية حتى يمدحوها، وإذا لم يمدحوها تمرض وتنام على الفراش ...الخ. لابد أن تتحسس بأي شيء أنت متعلق.
3.                اكبح نفسك عن الممارسة.
إذا اكتشفت أنك متعلقة بجارتك، ولما تذهب هذه الجارة تشعرين أن الدنيا سوداء، أو زميلة، اكبحي نفسك عن الممارسات، فإذا كنتِ تكلمينها 5 مرات مثلا، خفضي عدد المكالمات، كأنه دواء تتراجعين عن استخدامه لكن بأسلوب حكيم، لابد أن نكبح أنفسنا عن ممارسات التعلق.
4.                اشغلي نفسكِ بطاعة الله.
فليس الحل حتى تكبحي نفسك بأن تبحثي عن أحد آخر تكلمينه، أو تلتفتين لتعلق مِن نوعٍ آخر، إنما اجعلي مكان الفراغ طاعة.
5.                خوّفي نفسكِ أن الأخلاء سيصبحون أعداء.
وأنا لا أحب أن أعاديها يوم القيامة، لذا خففي هنا من التعلق بغير الله حتى لا تتحول هذه العلاقة إلى عداوة في الدنيا قبل الآخرة.

نحن بدأنا نعالج نفسيا مِن آثار انقطاع التعلقات..
تأتيني مثلا بنت في العشرين من عمرها ولها زميلة قد تعلقت بها، ثم انقلبت زميلتها عليها مرة واحدة، فبعدما كانوا يدخلون سوية ويخرجون سوية ويشترون سوية، تغير الحال، فتشتكي زميلتها للناس آملة في أن قلبها سيعود، ولن يعود. دخلت في إكتئاب، فنعالجها مِن الاكتئاب لأن زميلتها ذهبت!  ولو كانت هذه القاعدة مستعملة ما كانت دخلت في اكتئاب، أنتم لا تتصورون إلى أي درجة تأتينا الحالات المصابة بالاكتئاب من أجل هذه العلاقات، والعلاقة قد تبتدئ سوية وتنتهي غير سوية، ويمكن أن لا تصل لحد أنها غير سوية لكن من شدة التعلق.
أليس عندنا حالات انتحار في المستشفيات نتيجة أن المرأة رأت زوجها قد رأى امرأة ثانية أو فعل كذا وكذا؟ هذا كله تحت هذه الجملة مِن الحديث (أحبب مَن شئت فإنك مفارقه).
وأيضا في الأخوّة في الله، تتلبس علينا ويكون فيها نوع من المخادعة. وليس هناك علاقة أشد وثوقا من علاقة الزوج بزوجته، حتى الأخوّة لم تصل لهذا الحد، ومع ذلك نقول: قد تنحرف العلاقة بين المرأة وزوجها لما تدخل باب التعلق، فتُجازى المرأة بزوجها، والأخوّة من باب أولى.
ونحن نخاطب الأخوّة أكثر مما نخاطب غيرها لأن أحيانا أنا أخترع  العمل الصالح حتى أخرج معها وأجلس معها، وليس من أجل الله.
مرت علي حالة -أسأل الله أن يحفظ للجميع ما وهبه- فقدت ولدها، شاب ربما عمره 21 سنة، فقدته مِن تسع سنوات سابقة، قابلتها وكأنه مات بالأمس من كثرة البكاء والاكتئاب، وهو ليس ولدها الوحيد، عندها غيره، وتجد إهمال للزوج وإهمال الأبناء الباقين، فدخلت طور اكتئاب. تقول: كنت متعلقة جدا به، وأحس أنه كل شيء، وأني لا أستطيع أن أعيش من دونه. فهذا هو الحب الشديد وإحساس أنه كل الحياة، وإذا جعلتِ خاطر الموت يمر، تشعرين أنك يمكن أن تموتي ولا يموت هو، تشعرين أنك يمكن أن تجزعي مِن الإحساس بفقده. هناك حالة طبيعية، و اعلموا أن المصيبة ينزل معها الجبر. أسأل الله أن يحفظ علينا ما وهبنا ولا يفتنّا في ديننا، لكن المقصود أن هذا نوع محبة قد يُفتن فيها الإنسان.

سائلة تسأل: ماذا عن شدة الحب والخوف على الأبناء؟ الخوف المبالغ فيه في كل شيء. 
الجواب: تعلمي عن الله أنه كافي، أنه وكيل، ونعم الوكيل، أنه حفيظ، حتى لا يتحول لوسواس وتعلق. يردّ عن قلبك هذا معرفة الله، فلا أنا أحفظهم ولا أي شيء. وهناك أم في أحد دول الخليج تقول أنها حريصة على ألاّ يذهب بأولادها أحد إلى المدرسة إلا إياها، وتخاف أن يركبوا مع أحد ويحدث لهم حادث، وكأنهم لما يركبون معها لا يحدث لهم حادث، ثم ابتليت وفقدت أحد أبنائها بسبب خطأ هي أخطأته في القيادة، فجُمع عليها مصيبتان: فقده، والخطأ عليها 90%. تخيلوا هذه المشاعر، أن أكون أنا السبب ! ودَخَلَت في وسواس أنها السبب، وهذا نوع ابتلاء حتى تطهر قلبك من التعلقات. فحتى لو كنت معهم في قلب الحدث والله ما أستطيع أن أنفعهم. لابد أن نفهم عجزنا عن نفعهم ونسأل الله باسمه الحفيظ أن يحفظهم.

سائلة تسأل: في تربيتنا لأبناءنا هل نحرص على غرس هذا الشيء فيهم؟ أننا لا ننفعهم وأنهم في وداعة الله.
الجواب: نعم، فهذه امرأة في الحج قبل الماضي، أتت رياح شديدة جدا في منى، والناس الذين كانوا على تلال منى كاد الهواء أن يُسقط عليهم خيامهم. طفلتها صغيرة بعمر 7 سنوات، أتت مقبلة مهرولة خائفة من أصوات الخيام والحديد، فأقبلت على أمها خوفا مِن أن يسقط عليها وتموت. كل الأمهات كانوا يقولون لأبنائهم: (لا تخف أنا معك، لا تخف أنا معك). لكن هي كانت تقول لابنتها: (لا تخافي الله معنا)، والبنت تمسك بيديها، فتقول لها الأم:  (أنا لا أنفعك، لا ينفعك إلا الله، لا ينفعك إلا الله). فَنَفَعَهَا الله، حَفِظها الله، واستكانت الطفلة. ففي الرخاء وفي الشدة لابد أن تبين لهم أني لن أنفعكم، وليس كما يقول البعض: (طول ما رأسي يتنفس الهوا لا تخف مِن كذا)! وأناس آخرين عندهم رصيد في البنك فيقولوا: (مادام أنا موظف فلا تخف)!

وقد قيل: "لابد لكل إنسان مِن مجاهدة فراق ما يحبه وما به فرحه من أسباب الدنيا، وذلك يختلف باختلاف الناس، فمن يفرح بمال أو جاه أو قبول في الوعظ أو بعز في القضاء والولاية وبكثرة الأتباع في التدريس والإفادة يترك أولا ما به فرحه ثم يراقب الله حتى لا يشتغل إلا بذكر الله والفكر فيه، ويكف عن شهوته ووسواسه حتى يقمح مادته، ويلزم ذلك بقية العمر، فليس للجهاد آخر إلا الموت".
تخيل! حتى مَن يعظ الناس، لو كانت فتنته في التعلق بالوعظ وحب كثرة الأتباع والناس، لابد أن يكف زمنا حتى يعالج قلبه.
تأتينا الجملة الثالثة في الحديث:

((وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ))
نقسم الجزاء إلى قسمين: جزاء في الدنيا وجزاء في الآخرة.
جزاء الآخرة واضح.
جزاء الدنيا: كم شق الناس طريقًا في حياتهم وظنوا أنهم لا يحيدون عنه؟ مثلا شخص مستقيم يرى أهل المنكر، هي متحجبة وترى المتبرجات، فتقول: (أليس عند هذه دين؟ كيف يتحمل قلبها أن تفعل كذا وكذا؟) انتقادٌ لأشخاص، وليس شرطًا أن يكون كلامًا مسموعًا، إنما يكفي أنه دائر في القلب. هذا الانتقاد ستُجازى أنت به، ولا تقل لي بأن هذا حرقة على الدين، فالحرقة على الدين كلام آخر، إنما أقصد الكبر والعجب، وهذا يدل على أمور كثيرة: تظن أنك اهتديت بنفسك، وتظن أن بيدك ثبات نفسك، وتنسى أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. تتسارع بالحكم على الخلق وكأنك مكلف بهم. أنت مكلف بحرقة على دين الله وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر والدعاء لهم، أما الحكم عليهم فليس من اختصاصك أبدًا، ولابد أن تُجزى !
وكم عشنا مواقفًا، فهاهي مساعدة (وكيلة) في المدرسة، وهناك طالبة لها زميلة تشاهد أفلامًا وتفعل كذا وكذا. فتأتيني أم الطالبة وتقول: (مدرستكم هذه مليئة بأناس يفعلون كذا وكذا، ويبدو أن أم زميلة ابنتي لا تربيها). ثم لاتدور السنة إلا وابنتها تفعل أسوء مما فعلت زميلتها ! اعمل ما شئت فإنك مجزي به. تدور الأمور حتى تذوق طعم ما تقول ! تنتقد فتقع فيما تنتقد ! وهذا من رحمة الله، أنك تذوق حتى تتأدب وتمشي على طريق ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)).[28] والذي يعنيك أن تدعي للقوم وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وليس بأن تنتقدهم على الفعل.
وهذه مشاعر ربما بسيطة لكنها عظيمة عند الله. الكبر والعجب شيء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على الخلق أمر آخر تماما.
وقس على ذلك فإنك مجزي به. تُحسن يحسن الله إليك. يقول ابن عباس "لو انطبقت السماء على الأرض لوجد المتقي أبوابا يخرج منها" لا يمكن تتقي ويضيق الله عليك، لابد أن يوسع عليك، اعمل وستجد الجزاء هنا في الدنيا قبل الآخرة، هنا في الدنيا كله ذوقٌ فقط للجزاء، ولا يمكن أن يكون شخص محسن كالمسيء في الجزاء في الدنيا.
انظر ليوسف -عليه السلام-، صاحباه في السجن يقولان له:{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[29] فهل تظن أن إحسانه ضاع؟ في آخر القصة يقول: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[30] تكون محسنًا وتريد وجه الله ثم يختبرك الله في صدق إرادة وجهه، فلا يقع لك مايقع لعوام الناس فتقول: اليوم المعروف لا ينفع أحدًا، اليوم الناس ليس فيهم وفاء، اليوم مُدّ يدك بالمعروف فتُعضّ يدك، إلى آخر الفلسفات الواقعية، افهم الحقيقة، (اعمل ما شئت فإنك مجزي به) لا يمكن أن تفعل معروفًا ويضيعه الله. ستقول: (ولكن الواقع يقول هذا)، تعال إذن لنفسر الواقع..
أنا مثلا عملت معروفًا ووجدت منكرًا، أحسنت ووجدت ضده. يُفسر هذا بإحدى ثلاث أمور:
1.                اختبار مِن الله لصدقك.
فمثلا عندكِ خادمة، وقد حكت لكِ عن أوضاع بلدها، فحزنتِ عليها وقلتِ: (سأعطيكِ هذا هبة مني لكِ وأرسليها لأهلك) في الصباح وأنتِ خارجة تقولين لها: (لا تنسي أن تفعلي كذا وكذا) فتقول: (أنا والله اليوم مريضة ولا أستطيع أن أعمل) قد تقولين: (أنا بالأمس فعلت لكِ كذا وكذا فهل هذا جزاء المعروف!) لماذا حدث لكِ ذلك؟ هل لأن جزاء الإحسان إساءة وفي هذه الأيام لا يوجد شخص وفي؟ الحقيقة أن هذا اختبار لصدق إنفاقك في سبيل الله، فأنتِ تقولين أنكِ أنفقتِ مِن أجل الله، فيأتي مَن أنفقتِ عليه ويتمرد عليكِ، أنت أنفقت في الأصل مِن أجل الله، فإذا تمرد الطرف الآخر أو لم  يتمرد فلا تعد على صدقتك فتبطلها بالمنّ، لا بالكلام ولا بقلبك، إنما تقول: عرفتُ أن الله يختبرني.
إذن (اعمل ما شئت فإنك مجزي به)، فلا يمكن أن تحسن فيضيع الله أجر المحسنين. ماذا إذن عما يحصل في الواقع؟ الذي يحصل في الواقع أحد ثلاثة أمور: إما أن الله يختبرك فتأتيك الأمور عكس ما كنت تتصور.
2.                أو تنقلب عليك المسائل لأنك لست بصادق.
لأن دسيسة في قلبك جعلتك تفعل هذا الفعل، مثلا: إمرأة تدرّس أولاد الجيران أو أولاد عمومتها المواد الصعبة، وتبذل جهودها في ذلك، ثم أول ما ينجحوا ينكرونها ولا يقولون لها حتى أننا نجحنا، ثم تقول: هل هذا جزاء الإحسان! نقول لها: ماذا أردتِ في الأصل؟ وليس هذا هنا اختبارًا للصدق، فربما هو أصلا لا يريد إلا الثناء فحرمه الله مراده، فجوزي بعكس مراده!
مثلا على الغداء اليوم تقومين بعمل صنفين أو ثلاثة مع الحلويات، وذلك حتى تجلسين على الغداء وتقولين له: (اليوم أنا ذاهبة لمكان وأريدك أن توصلني) فإذا قال لكِ: (لن أوصلكِ) تقومين أنتِ وتحملين أغراضك! معنى ذلك أنكِ أصلا فعلتِ الإحسان بدسيسة، أي من أجل شيء، أما إذا عملت العمل لله لكن التفت القلب لثواني، فجاهده يُصرف، جاهده فهذا دليل أنك صدقت.
نحن لا نأتي من بطون أمهاتنا صادقين، إنما تُعرض علينا الفتن ثم تنقسم القلوب إلى قسمين:  قلب أشربها أي استمر معها، وقلب أنكرها، أي شعر بها مباشرة فأنكرها، فنكتت فيه نكتة بيضاء. الجهاد هو الحل.
لابد أن تعرف (اعمل ما شئت فإنك مجزي به) في الدنيا قبل الآخرة، ولكني أُحسِن الآن وأقول: ما بالي أُحسِن ولا يُحسَن إليّ؟ مع أني لا أنتظر الإحسان من الناس إنما من الله لكن مع ذلك ينقلب الناس عليّ؟ إما أنه اختبار لصدق مرادك، وإما الأمر الثاني وهو أنك أصلا أحسنت بدسيسة، أي أحسنت لشيء تريده من ورائه، فالجزاء أن الله يعاملك بنقيض قصدك، والشيء الذي كنت تنتظره لا يأتيك.
3.                وقد يُحسِن المحسِن ولا يُحسَن إليه حفظًا لأجره يوم القيامة.
وهذا من باب حفظ إحسانك وأجرك إلى يوم الدين. كأنه يقال: إحسانك الذي تذوقه الآن في الدنيا يُخاف أنه قد يكون أنقص مِن أجرك الذي في الآخرة، فربما حُبس لك الأجر مضاعفًا في الآخرة، وفي الحديث: ((مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُوا غَنِيمَةً إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ))[31] كأن أجرها ثلاثة وتعجلت بالغنيمة والسلامة ثلثي أجرها في الدنيا، وهذا وجه خلاف طويل عند العلماء.
وبالضد: اعمل ما شئت مِن انتقاد وسوء، ستذوق مُرّه هنا قبل يوم القيامة، ولذلك عجّل بالتوبة لأن التائب يُمحى عنه آثار ذنبه، ونحن نقول في سيد الإستغفار: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ))[32] أستعيذ من شر ما صنعت، يعني ألتجئ إليك أن تدفع عني أثر ما صنعت، فإن لما صنعتُ آثارًا في الدنيا والآخرة، وأنا أؤمن بذلك.
مما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}[33] ويؤيده ما ورد في البخاري في كتاب الرقاق في باب الأمل وطوله، قوله -سبحانه وتعالى-: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[34] أي أنك لابد ستجازى، وهذه المجازاة إما أن تكون في الدنيا أو في الآخرة بأن تُزحزح عن النار.
وفي المقابل يقول تعالى لغير أهل الإيمان:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[35] يعني سيرون جزاء ما عملوا.
وقد قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[36] لابد أن يراه، والمقياس بالذرّ! فمن يعمل مثقال ذرة مِن شر أيضا سيراه، وليست هناك ذرة تذهب، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر في الدنيا أو في الآخرة.

وُصفت الدنيا لنا بثلاث وصوفات:
1.                عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ
2.                وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ
3.                وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ
فالدنيا لا تخرج عن هذه الثلاثة: عن حياة يلحقها موت، وعن محبوبات يلحقها فرقة، وعن أعمال يلحقها جزاء.
ثم دُللت على طريق تفعله في الدنيا فتكون موصوفًا بالشرف والعزّ، فإذا أردت أن تكون في الدنيا من أهل الشرف، هذا لا تُمنع منه، لكن الأهم من ذلك ما منزلتك عند الله، وقد مرّ معنا حديث أنّ لكل عبد صيت في السماء.
الجملة الرابعة في الحديث:

((واعْلَمْ أَنّ شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ))
ما وجه كون قيام الليل شرفًا؟ سبب كونه شرف أن بقيام الليل ستكون لك مكانة لكن عند أهل السماء، فيصبح لك صيت -سمعة- في السماء، وأثر هذا الصيت في السماء قبولك في الأرض.
فهل تريد أن تكون من أهل الشرف في الدنيا؟ لا تطرق أبواب الخلق لكي يرفعوك أو يمدحوك، الطريق إلى هذا الصيت وهذه الرفعة هو أن تسلك طريق ربك، وهذا مِن أسلم الطرق التي تُبعدك عن الرياء.
لماذا قيام الليل دونا عن غيره؟ لأنه يبعدك عن الرياء وملاحظة الناس، ولذلك كن حذرا، فإذا كان بينك وبين الله خبيئة عمل لا تعلنها، اجعلها سرًا بينك وبين الله، لا تقل: (أصلا أنا قمت الساعة الثالثة وما نمت إلا من بعد الفجر)، لاتقل ذلك بالتصريح ولا بالتلميح، وإذا أردت أن تفيدهم فأخرج لهم أحاديثًا عن قيام الليل وكلمهم عن فعل الصحابة وعن التابعين، لكن ليس أنت!
وإذا سألك أحدهم: هل تقوم الليل؟ درّسه درسًا اسمه ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ))، وهذا مثلما يحدث في رمضان، تجدهم يسألونك: كم جزءًا قرأت؟ إذا سألكِ أحدهم: كم عمرك؟ ماذا ستقولين؟ ستعطينه درس ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)) إذن اعتبري أنه سألك كم عمركِ وانظري ماذا ستقولين، لن تردي أليس كذلك؟
لابد أن تتصوروا لماذا (شرف المؤمن قيامه بالليل) فالشرف أي أن يصبح لك مكانة عند أهل السماء، عند الله وملائكته. فإذا أصبحت لك مكانة وصيت وسمعة عند أهل السماء ألقي ذلك في الأرض، فجاء شرف الدنيا من شرف مكانك عند الله.
وهذه قاعدة لا تنساها: منك إلى الله، ومن الله إلى الخلق.
فإذا أردت أن ينشرح صدر أبنائك للدين، فالأمر منك إلى الله ومن الله إليهم.
وإذا أردت أن تشرح صدر زوجك لك فكذلك.
نحن نتعلق بالله أن يرزقنا الأسباب لنقوم بها بالحقوق، نتعلق بالله أن يشرح صدور أولادنا للدين، أما نحن فليس بيدنا شيء، لابد أن نعرف ضعفنا وعجزنا وفقرنا إليه، فنحن دائما فزعون إليه.
هذا تفسير لسؤالنا: لماذا قيام الليل شرف؟ لأن صيتًا في السماء يساوي قبولا وصيتا في الأرض، فترتفع منزلتك عند الخلق عن طريق الله لمّا تعامله خالصًا.
إذن لماذا القيام دونًا عن باقي الأعمال؟
1.                لأن فيه خبيئة عمل.
2.                لأن القيام يُقرأ فيه بالقرآن، فيحصل فيه شيء من التدبر، والقيام بالقرآن سبب لزيادة الإيمان، وزيادة الإيمان سبب لمحبة الرحمن. كلما زدت إيمانا جعل لك صيت في السماء ووقع القبول في الأرض.
3.                القيام سبب لإنارة قلب الإنسان وإنارة بيته. فقد ورد أن الملائكة تنظر إلى الأرض فتجدها ظلماء، كما أنكم تنظرون إلى السماء ظلماء، والبيوت التي يُقرأ فيها القرآن كالنجوم في السماء، فالملائكة تراها كالنجوم، وهكذا يأتي الشرف والمكانة.
مما يجعل الشرف في قيام الليل أن الله -عز وجل- ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟ معنى ذلك لو اعتقدنا يقينا نزوله -سبحانه وتعالى- واعتقدنا يقينا نداؤه لخلقه ما كان يفوتنا وقت النداء، لكن أثقلتنا الدنيا مِن جهة، وثقُلنا نحن عن هذا الاعتقاد.
قدر ما تستطيع راجع اعتقادك في صفات الله، ومن ضمن الصفات التي تتيقن بها أنه -سبحانه وتعالى- ينزل نزولاً يليق بجلاله، وأنه ينادي خلقه، رغم يقيننا أنه في غنى عنهم، لكن هذا من آثار وده لخلقه: أنه يناديهم وهو مستغنٍ عنهم.
ما هو القيام؟ القيام هو انتصاب القامة، ولما كانت هيئة الانتصاب أكمل الهيئات استعير ذلك للمحافظة على الإنسان نفسه في الصلاة ليلا، فمعنى قيام الليل أي المحافظة على الصلاة في الليل وعدم تعطيله باستغراقه في النوم أو اللهو، فأصبح قيام الليل من الدوام.
قال أحد العلماء: "قام على الأمر دام وثبت" يعني قام على الأمر إذا دام وثبت،  فهل معنى ذلك أن قيام الليل سيكون شرفك بمجرد أنك تقوم قيامًا متقطعًا؟ أو بأن تكون دائم القيام إلا في حال السفر أو المرض أو بالنسبة للنساء العذر؟ لما يكون هناك سفر أو مرض يُكتب للعبد أنه قائم، والعذر معذور فيه. إذن هذا الشرف يحصله المؤمن بالمداومة، وعلى ذلك: ما الذي يشغلك عن المداومة؟ النوم؟ اللهو؟ السهر؟

نتفق على أمور إن شاء الله تسبب لنا المداومة على قيام الليل:
1.                أول الأمر وأهمه: الحمد على نعمة ثلث الليل الأخير.
لابد أن تشعر أن هذا الوقت مِنّة من الله {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[37] يعني لأزيدنكم -في هذا الموطن- انتفاعًا بهذا الذي حمدتم عليه، فتحمد الله عزوجل وتشكره على أنه جعل هذا الثلث الأخير وقتًا لنزوله -سبحانه وتعالى- وأنت معتقد أنه متكبرٌ مستغنٍ عنك، وأنت الفقير،  فتتأمل في المسألة: أنا الفقير وهو الغني وهو ينزل يناديني ! أشكره وأحمده أن جعل هذا الوقت وجعله بهذه الصفة.  
2.                أحتاج حتى أداوم على قيام الليل الشعور بالفقر التام لله.
فمَن الذي يترك وقتًا ينادي الله فيه؟ المستغني، ولذلك مَن الذي يُيسّر للعسرى؟ الذي بخل واستغنى وكذب بالحسنى، فالذي يستغني عن الله ويشعر أنه هذا الأسبوع لا توجد عنده حاجة ليقوم، أي أنه يقوم في الطوارئ فقط، أو لو كانت هناك مشكلة أو مرض! لو حدث ذلك وقمت فجزاك الله خيرا لكنك لن تدخل في هذا الوصف؛ لأن شرفه قيامه بالليل يعني دوامه على هذا الفعل.
إذا وقفت بين يديه عشرة دقائق فقط فانظر إلى النور الذي سيقع في قلبك، والهداية التي تقع في قلبك، والهموم التي تزاح من نفسك، أمر يفوق الوصف ! مَن ذاق قيام الليل لايستطيع أن يعبّر عنه.
فكن حامدا شاكرا لله على هذا الوقت حتى لو ما قمت، كلما ذُكّرت بقيام الليل احمد الله أن جعل لهذه الأمة قيام الليل، وجعل من صفاته -سبحانه وتعالى- أنه ينزل إلينا،  ثم أشْعِر نفسك دائما بحقيقة فقرك وحقيقة حاجتك، وإذا ما استطعت أن تقوم فتعبّد الله بمقت نفسك، مقتها لأنها ثقيلة ليست راضية أن تقوم.
3.                تعبّد الله -عز وجل- بعبادة الاستعانة، ولا تعتمد على الأسباب.
فأنت تعاير الساعة، وإذا لم تكن عندك عبادة الاستعانة فستدخل في معركة مع نفسك إذا رنّت الساعة، فإذا اعتمدت على الأسباب ستنام وتترك القيام، فالساعة ترن وتقول لك: هل تريد غفوة؟ وأنت تقول: نعم غفوة 5 دقائق، وتنام، وتعتمد أن الساعة سترن، وتغلقها المرة الثانية، وتغلقها إلى أن يؤذن الفجر! ماذا يقال لك؟ لا تعتمد على الأسباب، إنما كن مستعينًا بالله.
عندما تضع رأسك على الوسادة لا تقل لنفسك: أنا اليوم نمت جيدًا ولست متعشيًا وعايرتُ الساعة فأكيد أني سأقوم، ثم تجد أنك لا تقوم! هذا اعتمادٌ على السبب، عاير الساعة لا مشكلة لكن بشرط أن لا يقع في قلبك أنها هي التي ستوقظك، برغم أنها سبب لكن أحيانا كثيرة السبب يخذلك! فلا تعتمد عليها وهذا أهم شيء، لأنك تعد لنفسك أسبابا ثم تظن أن بها لابد أن تقوم، فهذه لم تصبح أسبابًا إنما اعتماد. ويُمنع أن تعتمد.
أذكّركم قبل أربعة عشر قرن سابقة: كيف كان يقوم الناس؟ اعتمادًا واستعانة بالله. أما نحن فيوم عن يوم نكسل، بل حتى ساعاتنا كسلانة مثلنا وتقول لنا: هل تريدون غفوة؟ حتى ساعاتنا تطبطب علينا. لا تنسوا أن (إياك نعبد) تأتي بعدها (إياك نستعين)، وانظروا ما هي أسباب السلف، ستجدون أن أسبابهم الاستعانة، وأيضا هناك سبب آخر وهي النقطة الرابعة:
4.                أكثر مِن الاستغفار.
فكلما أكثرت من الاستغفار فُتح لك أبواب الطاعات.
واعلم أن ما يُفتح لك من باب القيام سر فاحفظه بينك وبين الله، يعني لما يتيسر لك ويُفتح لك لا تتكلم، لا تحكي للناس، اجعلها خبيئة عمل.





الجملة الخامسة في الحديث:

((وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ))
ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم والترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ))[38] الاستغناء عن الخلق يبدأ من كف البصر عما في أيديهم إلى كف القلب عن التعلق بما في أيديهم، أي بصرك ولسانك وقلبك.
البصر أكبر مشكلة عندنا، ويشترك في هذا الذي يملك والذي لا يملك، فهو يعرّض استغناءه عن الخلق ببصره للهتك، أي أنه بدل أن يصبح مستغنيًا عن الخلق، يصبح في حاجة إليهم. كيف؟ خاطب الله عز وجل نبيه في كتابه -وكل مَن يصلح لهم الخطاب- {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}[39] ما المطلوب منك؟ كف عينيك عما في أيدي الناس، عما متّع الله به الخلق من ملبوس، مال.. أيًّا كان، كُف بصرك عنه، ولا تتبعه بعينيك، لا تتبع أحوال الخلق، ولا ترى هذا عنده ماذا وهذا ماذا عنده.
نحن من كثرة الفتنة الحاصلة، لو كان هنالك مطعم مشهور في البلد والناس تمر عليه، تجدهم يقولون: مثل هذا كم يكسب في الشهر؟ فيقوم بعمل معادلة، ولو مر على مدرسة أهلية مثلا يقول: كم طالب عندهم؟ ويحسب كم يأخذ منهم وكم يعطي المدرسين ثم يخرج الناتج بأن الصافي لهم في السنة كذا وكذا! فهذا مَدّ بصره وفكره وقلبه ويده وكل شيء إلى ما مُتّع به غيره، وغيره قد فُتن بهذا.
المقصد أنك لابد أن تعرف أن عزك هو وقتما ترد بصرك وقلبك ولسانك عن أي شيء عند الخلق.
استسهالنا لهذا الأمر ووضع الأعذار الكثيرة له يسبب أن نفقد عزنا الذي هو من عطايا الله لنا.
مثلا بجانبك امرأة ترتدي ساعة، أو ترتدي خاتم، أو فرشت بيتها .. إلخ، تشعرين أن تقليب بصرك في بيتها شيء طبيعي، وطبيعي أيضا أن تسأليها من أين أتت به، كل هذا عندنا شيء طبيعي وهو ليس بطبيعي، بل أُمِر النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن يصلح له الخطاب ألا يمد عينيه إلى ما مُتع به غيره، وهذا يختلف عن الحسد، هذا بمجرد أن تمد بصرك وتقلب عينيك في الدنيا.
كأنه يقال: عيناك قد خُلقت للتدبر والتفكر فيما يزيدك إيمانا وليس فيما يعلقك بالدنيا.
فنحن من آخر الكلام سنعود لأوله: عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه، فلا تعلق نفسك وتولعها بالدنيا، وتقول: أريد خاتم مثل تلك وساعة مثل تلك وفرش مثل هذا. وهناك مَن يقول: أنا أسأل الناس حتى أوفر بحثي في السوق. نحن سنأتي لأنفسنا بمئة عذر لهذا المد،
المقصود أن تستغني عن الخلق بثلاثة أمور:
1.                لا تمد بصرك
2.                لا تشغل قلبك
3.                لا تطلق لسانك.
اجعل من الحياء أني أنظر للناس وللذي عندهم، استحي يجعلك الله عزيزا.
هذه كلمات تصف الحياة.. حتى تصبح عزيزا عند الناس استغني عن الخلق، استغني عن سؤالك بلسانك، استغني عن النظر ومد البصر، استغني أن تشغل قلبك بأشيائهم، وكلما استغنيت أغناك الله، فمَن يستعفف يعفه الله، ومَن يستغني يغنه الله. أما عكس هذا فزيادة تعلق بالدنيا، في نهاية الأمر مطلوب منك أن تغض بصرك وتصرف قلبك عن الانشغال بما عند الناس وتكف لسانك عن السؤال.

أسأل الله عز وجل أن ينفعني وينفعكم بما سمعتم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





[1] [الجن:1-2]
[2] [القصص:3]
[3] [فصلت:44]
[4] رواه الحاكم في ”المستدرك“ (كتاب الرقاق/ عش ما شئت فإنك ميت/ 8038). ورواه البيهقي  في ”شعب الإيمان“ (التاسع والثلاثون من شعب الإيمان/ 10145). ورواه الطبراني في ”الأوسط“ (4429) (9/ 483). وحسّنه الألباني في ”السلسلة الصحيحة“ (2/ 505).
[5] [الملك:2]
[6] رواه البخاري ومسلم في  صحيحيهما.
[7] [البلد:10]
[8] مسند الإمام أحمد، وصحيح ابن حبان، تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح.
[9] [البقرة:200]
[10] [البقرة:207]
[11] [البقرة:207]
[12] [طه:16]
[13] [الحديد:20]
[14] [الفجر:24]
[15] [الحديد:23]
[16] رواه مسلم في صحيحه.
[17] رواه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده، وقال الألباني: صحيح.
[18] رواه البخاري في صحيحه.
[20] رواه البخاري في صحيحه.
[21] رواه البخاري في صحيحه.
[22] رواه البخاري في صحيحه.
[24] رواه البخاري في صحيحه.
[25] [التوبة:24]
[26] رواه البخاري في صحيحه.
[27] [الزخرف:67]
[28] رواه أحمد في مسنده، والترمذي وابن ماجه في سننهما، وقال الألباني: صحيح.
[29] [يوسف:36]
[30] [يوسف:90]
[31]  رواه ابن ماجه في سننه وقال الألباني: صحيح.
[32] رواه البخاري في صحيحه.
[33] [الانشقاق:6]
[34] [آل عمران:185]
[35] [الحجر:3]
[36] [الزلزلة:7]
[37] [إبراهيم:7]
[38] رواه مسلم في صحيحه.
[39] [طه:131]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.