بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين, الحمد لله الذي يسر لنا
هذا اللقاء وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً مرحوما..
هذا لقاءنا الأول
بعد العودة من الحج نسأل الله عز و جل أن ييسر اللقاء المباشر إن شاء الله مع أخواتنا
في جدة.
لقاءنا إن شاء الله
في هذا الخميس سيكون حول الحديث العظيم الذي عده أهل العلم نصف الدين؛ وهو حديث إنما
الأعمال بالنيات، و قال بعض أهل العلم أن أصول السنن في أربعة أحاديث، و ذكر منها ( إنما الأعمال بالنيات ) ، و اختلف كلام العلماء حول
هذا الحديث فمنهم من قال:
·
أنه نصف الإسلام
·
و منهم من قال أنه ثلثه
·
و منهم من قال أنه ربع الإسلام.
على كل حال هذا الحديث
مهما شـُرح لا زال يحتاج إلى جهد في بيانه و في فهمه و في استحضاره
في أحوال العبد؛
ولذلك نتذاكر هذا الحديث علَّ الله عز وجل أن يشرح صدورنا، و أن ينفعنا به
أول الأمر: اعلم
أن مراد الله من عمل الخلائق هو الإخلاص، ماذا يريد الله عز و جل من عمل الخلائق؟
مراد الله من عمل الخلائق الإخلاص
و الإخلاص منـّة
من الله يعطيها الله عز و جل الصادقين, والإخلاص هو حياة القلب، وهو الوظيفة الأولى
على كل عبد أراد طاعة الله؛ الوظيفة الأولى على كل عبد أراد طاعة الله هو الإخلاص ،
لذلك كان أول ما يتعلمه العبد: يتعلم النية.
o
قال يحيى بن أبي كثير : تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل
o
و قال الثوري : كانوا يتعلمون النية للعمل كما يتعلمون العمل.
o
و قال سفيان بن عيينة : قال رجل من العلماء اثنتان أنا أعالجهما منذ ثلاثين سنة : ترك الطمع فيما
بيني و بين الناس ، و إخلاص العمل لله عز و جل.
و كلام كثير لأهل
العلم تجده مثلا في " حلية الأولياء " و تجده أيضا في " صيد الخاطر
" ينقل عن السلف كيف كانوا يعتنون بنياتهم ، و كيف كانوا يتعلمون هذه النية
o
قال أبو إسحق الآجُرّي لعبدون الزجاج : يا غلام لأن ترد إلى الله عز و جل من همّك ذرة، خير لك مما طلعت عليه
الشمس، و قال له : أعز شيء في الدنيا الإخلاص ، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي
فكأنما ينبت على لون آخر.
فهذا الخوف كله مصدره
حقيقي وليس تهويلا ولا وضع الشيء في غير مكانه ، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله
عليه و سلم أنه خرج على أصحابه و هم يتذاكرون الدجال فقال لهم : (( ألا أنبؤكم بما هو أخوف عليكم من الدجال؟)) أو كما قال صلى الله عليه و سلم
ثم أخبرهم أنه يخاف عليهم الشرك الخفي.
فأنت تعلمين حجم
خطر الدجال ومع ذلك النبي صلى الله عليه و سلم يخاف على صحابته الكرام الشرك الخفي
أكثر من خوفه من المسيح الدجال.
فهذه إشارة إلى أن
تخليص النية وإخلاصها مما يصعب و يشق على الإنسان، لكن إذا اعتنى بذلك لابد أن يوفقه
الله.
قبل أن أدخل في التفاصيل
أنبهكم على مسألة غاية في الأهمية عند مناقشة مسألة الإخلاص والنيات، كثير من الناس
يخرج من درس يتكلم عن الرياء وعن الإخلاص، فيشعرون أنفسهم أنهم في حالة وسوسة ، فيبدؤون
يشكون في أعمالهم، و تزداد عندهم درجة الخوف، ويرون أنهم كانوا في سلامة و هدوء قبل
أن يسمعوا عن نياتهم.
و ربما صادف هذا
قلبا ضعيفا ازداد الأمر إلى درجة أن الإنسان يفكر في أحيان كثيرة في ترك العمل
فمن هنا يرى القوم
أن الأحسن عدم إفراد كلام عن الإخلاص وعن الشرك، المقصود الشرك الأصغر الرياء، وإنما
يدخل في كلامنا عن الأعمال.
و نقول و الله أعلم
أن هذا ليس صوابا و أنك لو احترقت من أجل نيتك فهذا خير وبركة وأجر، فعالج هذا الاحتراق،
اجعل هذا الاحتراق سببا لأمرين:
الأمر الأول : الاجتهاد في طلب القبول؛ فلو مر على خاطرك أنك فيما مضى من أعمال أردت
الناس، أو أنك لست متأكدا أنك أردت الناس لكن مر على خاطرك هذا الأمر وخائف أن تكون
أردت الناس و ما أردت الله فاجتهد في طلب القبول، اجتهد في طلب القبول من الله, واسأله
سبحانه و تعالى أن يعاملك باسمه الغفور، فيغفر لك تقصيرك و زلاتك و بعدك عن مراده ،
و اسأله أيضا أن يشكر لك قليل العمل ، و يضاعفه لك أضعافا كثيرة.
فهذا الأمر الأول
الذي تعالج به الخوف الذي في قلبك حول هذا الخوف إلى سبب للاجتهاد في طلب القبول.
الأمر الثاني : اجعل هذا الخوف على نيتك سببا لأن تحرص عليها وأنت داخل إلى الأعمال،
و أن تدعو الله عز و جل أن يرزقك نية صالحة ترضيه.
و أما الشيطان فإنه يريد منك أحد أمرين :
ü
إما أن تترك العمل وأنت تجاهد على عدم تركه ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
ü
و أما أن تدخل العمل و أنت غير معتن بنيتك و هذا أسوأ من الأول.
و على كل حال النية
هي رأس الأمر وعاموده وأساسه و أصله الذي يبنى عليه، و هي روح العمل و قائده، و سائقه،
و العمل تابع لهذه النية يُبنى عليها، يصح بصحتها، و يفسد بفسادها؛ أي إذا فسدت النية
من المؤكد أن العمل فاسد، فماذا تريد من عمل فاسد تبذل فيه الجهد و أنت آثم عليه لست
مأجورا ؟!
على كل حال هذا التنبيه
أقوله لأن كثير حتى من طلاب العلم يلوم بعضهم بعضا على طرح موضوع الإخلاص بدقة، لأنه
يخشون من الوسواس أن يدخل على الناس و هذا أمر صحيح؛ صحيح أن الوسواس يدخل على الناس
في الغالب بعد الكلام عن النية، لكننا نقول عالج هذا الوسواس، عالجه بطلب القبول بعد
انتهاء العمل، و عالجه بطلب أن يرزقك الله بنية صالحة قبل الدخول في العمل.
و كما تعلمون أن النية في كلام العلماء تقع بمعنيين :
·
بمعنى تمييز العبادات بعضها عن بعض ، فأنت بنيتك تميز صلاة الظهر من نافلة
الظهر، و صلاة الظهر من صلاة العصر، و تميز صيام رمضان من صيام غيره إلى آخره.
·
و المعنى الثاني للنية، و هو المقصود و هو تمييز المقصود بالعمل.
فالمقصود في بحثنا
هذا المعنى: تمييز المقصود بالعمل هل هو لله وحده أم لله و لغيره؟ أم لغير الله فقط؟
ولفظة النية ترد في كتاب الله عز و جل بلفظة
ü
الإرادة
ü
وأيضا بلفظة الابتغاء
{ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ
}[1]
وأيضا يأتي بلفظة الابتغاء { إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى
}[2]
الآن اتفقنا أن مقصودنا
في هذا البحث هو النية التي تميز المقصود بالعمل هل هو لله؟ أم لغيره؟
ويرد هذا المعنى
للنية في كتاب الله بلفظ الإرادة و بلفظ الابتغاء أي ماذا تريد من عملك؟ هذه هي نيتك
أنك تريد رضا من؟ تبتغي بهذا العمل وجه من؟
نأتي الآن إلى الكلام حول فضل النية.
أولا : يُبعث الناس على
نياتهم؛ ولذلك يخسف الله بالجيش كما ورد في الحديث و فيهم العمال والتجار من لا يكون
له علاقة بهذا الجيش الذي ينوي قتال أهل مكة، فسألت عائشة رضي الله عنها الرسول صلى
الله عليه و سلم عن هؤلاء الذين لا علاقة لهم بالأمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
يبعثون على نياتهم أو كما قال صلى الله عليه و سلم.
وورد في حديث جابر
رضي الله عنه أيضا: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه))[3].
و في حديث أبي هريرة
: ((إنما يبعث الناس على نياتهم))[4].
وأيضا في لفظ آخر
لحديث جابر: ((يحشر الناس على نياتهم))[5]
فعلى ذلك اعلم أن
الناس يحشرون و يبعثون على نياتهم؛ فلذلك تأتي الفضائح ، و تظهر حقيقة ما في
السرائر, ومن جهة أخرى يدل هذا على فضل النية فقد تموت مع القوم, و هم ما هم في التعلق
بالدنيا و إرادتها، وأنت تريد الآخرة فيبعثك الله على ما قام في قلبك، فهذا من فضل
النية.
أيضا من فضلها أن
من كانت الآخرة همه؛ أي ونيته، واجتمع قلبه محبا للآخرة لا يريد إلا الآخرة كما ورد
في الحديث : ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه
، و جمع له شمله ، و أتته الدنيا و هي راغمة ، و من كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره
بين عينيه ، و فرق عليه شمله ، و لم يأتيه من الدنيا إلا ما قدر له))[6]
وفي حديث ابن مسعود
قال : سمعت نبيكم صلى الله عليه و سلم يقول : ((من جعل
الهموم هما واحدا هم المعاد ، كفاه الله هم دنياه ، و من تشعبت به الهموم في أحوال
الدنيا ، لم يبال الله في أي أوديتها هلك))[7]
إذن إذا كانت نيتك
و إرادتك و همك فيما تأخذ و تذر الله و الدار الآخرة, وكانت همومك هما واحدا كفاك الله
هم دنياك.
وهذا من مصالح النية؛
أن الله مطلع على الذي يهمك ، و الذي تجري وراءه و تعتني به فإن كانت الآخرة كفى الله
هم دنياك، و إن كانت دنياك هي المهمة، لم يبال الله بك.
و
أيضا من منافع النية : أن الخلود في الجنة
سببه نية العباد، كيف هذا ؟
نعم هذا الخلود في
الجنة والخلود في النار أيضا.
o
قال الحسن : "وما خلد أهل الجنة في الجنة وأهل النارفي النار بالنيات"
كيف يُفهم هذا الأمر
؟
لو سأل
سائل مثلا:لم يعذب الله الكافر
بالخلود في النار مدة لا نهائية و الناس يتصورن
بالعدل أن الله يعذبهم بمقدار المدة التي كفروها, ونفس الأمر بالنسبة للمؤمن لم يطع
الله إلا مدة محدودة، و أحيانا يمكن أن يُسلم في وقت متأخر من حياته و يمكن أن يُسلم
و يموت ولم يسجد لله سجدة فكيف يكون هذا أجره الخلود في الجنة و هذا جزاؤه الخلود في
النار ؟
يجاب عليه : أن السبب
في ذلك أن المؤمن ينوي أن يطيع الله أبدا فجوزي بالخلود جزاء نيته والله عز و جل مطلع,
والكافر كان عازما و ناويا الكفر أبدا فجوزي بنيته.
المؤمن ينوي أن يطيع
الله أبدا فجوزي بالخلود جزاء نيته، و الكافر كان عازما وناويا الكفر أبدا فجوزي بنيته،
ولذلك الله عز و جل قال : {و لو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه و إنهم لكاذبون}[8]،
فعلم من ذلك أن العبد على قدر نيته، و صدقه في هذه النية ستكون معاملة الله له فهو
سبحانه المطلع عليه.
أيضا
من فوائد النية : أن حفظ الله للعبد
وإعانته له على قدر نيته.
قال ابن عباس رضي
الله عنهما : "إنما يُحفظ الرجل على قدر نيته".
و كتب سالم بن عبد
الله إلى عمر بن عبد العزيز : "اعلم أن عون الله للعبد على قدر النية، فمن تمت
نيته تم عون الله له، و إن نقصت، نقص بقدره".
أي أن حفظ الله و
عونه لك على قدر ما معك من نية ، فإذا تمت نيتك ، تم حفظ الله لك ، و إذا نقصتك نيتك
، نقص حفظ الله لك ، و نقص عون الله لك.
أيضا
من فوائد النية : أن المرء يبلغ بنيته
ما لا يبلغه بعمله.
وفي الحديث عن أنس
بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في عزوة ، و المعروف أن هذه
الغزوة هي غزوة تبوك التي نزلت فيها سورة التوبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن بالمدينة أقواما
ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ، قالوا : يا رسول الله و هم بالمدينة
؟ قال : و هم بالمدينة حبسهم العذر))[9]
وهؤلاء الذين نزل
فيهم قول الله تعالى : { وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا
مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ
وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ
}[10]
فهؤلاء بلغوا بنيتهم
مالم يبلغوا بأعمالهم, فسبحانه وتعالى وهو الكريم المنان المطلع على خبايا النفوس،
يرفع الراغب الصادق الذي منعه العذر إلى درجة العامل.
ولذلك من سأل الله
الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء و إن مات على فراشه.
و في الحديث : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا
اشْتَكَى الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ قِيلَ لِلْكَاتِبِ الَّذِي يَكْتُبُ عَمَلَهُ اكْتُبْ
لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ إِذْ كَانَ طَلِيقًا حَتَّى أَقْبِضَهُ أَوْ أُطْلِقَهُ))[11]
أي إذا كان مريضا
يكتب له مثل ما كان في عمله ، لأنه كانت نيته أن يعمل هذا العمل.
وهذه الأحاديث مشهورة
معروفة، ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل
صحيحا مقيما))[12]
كل هذا يدلك على أن ما تحمله في نيتك سيكون سببا لمضاعفة أجورك ومعاملة الله لك باسمه
الشكور.
·
قال داوود الطائي : "البَرُّ همته التقوى" أي أن الشخص الذي يعتبر من أهل البر ستكون
همته التقوى, فلو تعلقت جميع جوارحه بالدنيا ، لردته نيته يوما إلى نية صالحة, وكذلك
الجاهل بعكس ذلك.
و هذا كله يجعلنا
نفسر قول الإمام أحمد : "انو الخير فإنك بخير
ما نويت الخير".
و العبد ما دام أنه
ينوي الخير لا بد أن يحفظه الله.
أيضا
من فوائد النية : أنها تطيب العمل
و هي سر العبودية؛ ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه و أخرجه ابن المبارك في الزهد : عن
معاوية رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : ((إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه ، و إذا فسد أسفله
فسد أعلاه))[13]
فما أسفل عملك ؟
أي ما أصله؟ نيتك؛ نيتك هذه أسفل عملك أي أوله وهو قاع الإناء، فإذا صلح هذا القاع
الذي هو النية صلح بعده العمل.
ولذلك إن كنت صادقا في ابتغاء مرضاة الله، ومرادك وجه الله تجد
نفسك أحذر ما تكون من البدعة لماذا ؟
لأنك تعلم أن رضاه
سبحانه و تعالى لا يكون إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه و سلم ، فهو لم يرسل لك نبيه
لتخترع أنت بعده، أو تهمل نبيه فترى أن لك بابا يوصلك إلى الله غير النبي صلى الله
عليه و سلم، و لذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
: "لا ينفع قول إلا بعمل ، و لا ينفع قول و عمل إلا بنية ، و لا ينفع قول
و عمل و نية إلا بما يوافق السنة"
إذن القول لا ينفع
دون عمل لا بد أن يكون معه عمل، و القول و العمل لا ينفعان دون نية، فأنا ممكن أن أدعي
الصبر بكلامي ثم يأتي الموقف فأتصبر، ففي أول الكلام أقول : أنا لو حصل لي كذا سأصبر
ويأتي الموقف وأصبر، لكن هذا كله مقصدي منه أن يراني الناس صابرة؛ فلا ينفع قول بلا
عمل، و لا ينفع قول و عمل بلا نية.
ثم اعلم انه لا ينفع
قول و عمل و نية إلا بما يوافق السنة، لأن نيتك لو كانت صادقة لا يمكن أن تخالف سنة
النبي صلى الله عليه و سلم.
و مثل هذا الكلام
قاله سفيان الثوري، و المهم أن تفهم أن الذي يطيب أعمالك هو نيتك، و هذه النية لو كانت
صادقة ستكون لا بد موافقة للسنة.
أيضا
من مصالح النية الصالحة: أن نية الخير باقية
أبدا لا تتوقف.
فأنت تتقلب في نيتك
و أنت فراشك، فهي من الأعمال المتصلة التي تتوقف أبدا؛ فكلما صدقت و لو كنت على فراشك
في إرادة عمل صالح كتب لك ، و وُفقت إليه و لو بنيتك.
و النبي صلى الله
عليه و سلم يقول : ((لا هجرة بعد الفتح ، و لكن جهاد ونية))[14]
أيضا
من مصالح النيات : أن قاصد الخير يثاب
بنيته و إن لم يصب المراد تماما, وفي هذا نوضح حديث النبي صلى الله عليه و سلم الذي
ورد في البخاري و مسلم
(( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
قال رجل : لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته ، فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون :
تصدق على سارق ، فقال : اللهم لك الحمد ، لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في
يد زانية ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد ،
على زانية ؟ لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته . فوضعها في يدي غني ، فأصبحوا يتحدثون :
تصدق على غني ، فقال : اللهم لك الحمد ، على سارق ، وعلى زانية ، وعلى غني ، فأتي
: فقيل له : أما صدقتك على سارق : فلعله أن يستعف عن سرقته ، وأما الزانية : فلعلها أن تستعف عن زناها ، وأما الغني : فلعله يعتبر ، فينفق مما أعطاه الله
))[15]
فأنت إذا قصدت القيام
بفعل خير شرعه الله أصلا، لكن هذا الفعل لم يقع الموقع المناسب فإن صاحبه يثاب بقصده
ونيته.
ومثل هذا لما مثلا
في الموقف الذي حصل لأهل جدة أسأل الله عز و جل أن يكشف عنا وعن المسلمين الغمة, كان
في أماكن كثيرة من الأماكن المتضررة كان هناك أعمال خيرية في عدد من الأماكن، كانت
هناك أماكن لأعمال خيرية، مثل مدارس التحفيظ، وكانت تلك الفترة بعض منهم جمعوا أشياء
للحجاج على أنهم يرحلون بها إلى مكة ذهبت -سبحان الله ذهبت مع ما ذهب-، لكنها وقعت
عند الله نحن على يقين أنها وقعت عند الله، و إن كانت كمادة ذهبت لكنها، نسأل الله
أن يقبلها من أصحابها عند الله وقعت.
أيضا
من مصالح النيات: أن العبد يستطيع
أن يجمع بين النيات في العمل الواحد.
وكما يقول أبو طالب المكي : "إنما يكون للعبد من ثواب
الأعمال على حسب ما يهب الله تعالى له من النيات ، فربما اتفق في العمل الواحد نيات
كثيرة على مقدار ما يحتمل العبد من النية ، و على مقدار علم العامل ، فيكون له بكل
نية حسنة ، ثم يضاعف كل حسنة عشرة أمثالها ، لأنها أعمال تجتمع في عمل واحد."
وهذا يجعلك تأتي
إلى الأعمال، و خصوصا التي فيها نفع متعد أو اختلاط بالناس، و تقع يها نيات ما استطعت
ذلك، وسأضرب مثالا قريبا وهو مثال المكوث في الحرم.
المكوث في الحرم
المكي أو المدني هذا بنفسه نعمة؛ أن تجد إلى هذا المكان المبارك وسيلة وسبيل، أولاً:
اسأل الله أن يمتعنا بالأمن و الأمان فيهما و بسهولة الوصول إليهما؛ فأنت في قعودك
في المسجد يمكن أن تنوي فيه نيات كثيرة ، فيصبح من فضائل أعمال المتقين أن تدخل هذا
البيت و أنت معظم له ، و تعلم أنه بيت الله ، فتأتي بقلبك إلى بيته زائرا
معظما ، محترما له
، و هذا يكون في المسجد الحرام و في غيره من المساجد لكن أعظمها على الإطلاق المسجد
الحرام ، فيكون في قلبك أنك داخل إلى بيت ربك ، فتعظمه ، و تحترمه ، و تتعامل معه معاملة
من زار عظيما
ثانياً: تنتظر الصلاة بعد
الصلاة ، فيكون هذا نوع من الرباط .
ثالثاً: تعتكف و تجعل همك على الله، و تنوي كف سمعك و بصرك و أعضاءك عن الانشغال
عنه سبحانه و تعالى ، فتدفع الشواغل الصارفة بالاعتزال في المسجد.
ولذلك من أكثر الأخطاء
التي نرتكبها أننا نذهب إلى بيت الله، و نشتغل بالجوالات، ونشتغل بالناس، فنضيع علينا
أجر عكوف قلوبنا و اعتكافها على الله.
رابعاً: التجرد لذكر الله، أو لاستماع ذكر كما قال النبي صلى الله عليه و سلم
: (( من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو
يعلمه - أي أنك تذهب تريد أن تتعلم أو تعلم -، كان له كأجر حاج تام حجه)) [16]وهذا
الحديث إسناده جيد
و في الصحيحين :
((من غدا إلى المسجد أو راح ، أعد الله له في الجنة نزلا
كلما غدا أو راح))[17]
طبعا هذا الكلام
نعلم أنه يخص الرجل أصلا، لكن نقول إذا تيسر لنا وصلنا في الحرم النساء موجودن في الحرم
على الأقل يكفون شرهم عن الناس، و يلزمون مكانهم
ولا يؤذوا المسلمين, و أنت ترى أن النساء فيهم من الجهل العظيم فتكون أحدى نياتك التي
تذهب بها للحرم خصوصا طالبات العلم بأمر بمعروف، ونهي عن منكر؛ لأنه من المؤكد أن في
الحرم ترى من يسيء صلاته، أو يتعاطى مالا يحل ل فترشده فيكونون في ميزانك تدخل بهذه
النية.
من أجل ذلك لما تذهب
للحرم كن مستعدا راجع في أحكام الصلاة، راجع الأدلة لما تذهب هذه المرة وترى أخطاء
اكتبها وسجلها، فإذا أتيت المرة القادمة وتكررت تكلم الناس عنها .
أيضا من النيات التي
تجمعها وأنت داخل للحرم .
خامساً: أن تستفيد أخا في الله، و أنت ترى في الحرم كثيرا هذا أمر نكاد نكتب فيه
مجلدات، كيف أن الله يجمعنا بطيبين مباركين من شتى أنحاء العالم الإسلامي.
والذي يؤسفنا أننا
في أحيان كثيرة لما نرى أمامنا أو وراءنا من هؤلاء و يتعارف عليهم أناس من أهل هذه
البلاد؛ أي أن أهل هذه البلاد يتعارفون على الذين من الخارج ثم ماذا يتكلمون؟ خصوصا لو تبادلوا مطعوما كل واحد
يعطي الثاني طعاما من طعامه، ففي النهاية يتحول الحرم إلى مطبخ يتكلمون كيف تطبخون وكيف تفعلون؟!
وأحيانا يكون هذا
بابا لجَر عاطفتهم فأهم شيء نيتك, وأحيانا تعطين لمن بجانبك شيء من القهوة ويكون يناسبها
فتقول كيف تفعلونه؟ كلمتين مختصرتين تقول عملية سهلة ويمكن كذا وكذا، على نية أن يبدأ
منك كلام عن الدين، عن الاستقامة عن الله، عن المعرفة به، عن إهداءها كتابا فهذه من
النيات العظيمة.
أيضا من النيات التي تنويها:
سادساً: أن تدخل إلى بيت الله تاركا الذنوب حياء منه سبحانه و تعالى.
على كل حال هذه طريقة
تكثير النيات تحتاج إلى شيء من العلم، فحتى بعض أهل العلم قالوا : أن استعمال الطيب
المباح يمكن أن تجمع فيه نيات حسنة .
o
مثلا: أن تنوي بذلك اتباع سنة النبي صلى الله عليه و سلم؛ لأنك تعلم أن
النبي صلى الله عليه و سلم يتطيب؛ أن تكون حريصا على أن لا تتبع هواك في التطيب ، فلا
تتطيب و أنت خارج -والكلام عن النساء طبعا- لا تتطيبي و أنت خارجة فيشمك الرجال، لكن
تطيبي في مجتمع النساء, فتحرصين على الطيب وأنت موافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
o
أيضا نقصدين بالطيب عندما تجتمعين بالنساء دفع الروائح التي تؤذي المخالطين،
و تقصدين أيضا حسم مادة الغيبة عن المغتابين، فأنت تعلمين أنهم عندما يتضررون من الرائحة
يتكلمون ، فتقع الغيبة، فلا تعرضيهم للغيبة.
o
و أيضا لو كنت مقبلة على طاعة مثل قراءة القرآن الملائكة تتأذى مما يتأذى
منه ابن آدم ، فتطيبي من أجل أن لا تتأذى الملائكة تعظيما و توقيرا لهؤلاء المحبوبين
في الله، فحبك للملائكة حب لهم في الله، و أنت تعلمين أنهم يستغفرون لك على قدر صدقك
وإيمانك وقربك منه سبحانه وتعالى.
فأنت ترى مسألة تكثير
النيات أمرا عجيبا حتى في المباحات تستطيع أن تكثر نياتك، المهم المسألة تحتاج على
علم.
و من أعجب ما قرأنا
كلام الشافعي في مسالة الطيب : "أن من طاب
ريحه زاد عقله"
أي بمعنى أن الريح
الطيبة تفتح الدماغ.
على كل حال المقصد:
أنك إذا تعلمت لن تعجز عن جمع النيات وخصوصا في الأعمال التي فيها اختلاط بالناس، ستجد
أبوابا كثيرة من النيات تستطيعها والموفق من وفقه الله.
على كل حال ذكرنا
فيما مضى الكلام عن فوائد النية بقي أن تعرف في هذا الباب أن النية تكون في كل شيء،
و لن تكلف ما لا تستطيع، فأنت في كل شيء لا بد أن تنوي، لا يمكن أن تتحرك إلا ومعك
نية، لكن المهم اجعل نيتك لله وانهض بنيتك إليه.
قال
الثوري لعلي بن الحسن : "اعمل بنية،
و كل بنية، واشرب بنية"
وعن
ابن المبارك يقول : "سألت الثوري
عن الرجل يصلي أي شيء ينوي بصلاته؟ -أي ماذا يريد- قال : ينوي أن يناجي ربه "
أي عندما تدخلين
للصلاة نيتك أن تصلي لكن ماذا تريدين من ورائها؟ أن تناجي الله أن تقفي بين يديه.
لذلك الذي يفهم هذا
الأمر يدخل الصلاة و يقرأ الفاتحة على أنها تحية الملك؛ على أنك تحيين الملك سبحانه
و تعالى ملك الملوك .
وعن
عمر بن ذر قال : "ربما قيل
لإبراهيم التيمي : تكلم ، فيقول : ما تحضرني نية"
أي لا يستطيع أن
يتكلم إلا و النية تسبقه.
وعن
مكي بن إبراهيم قال : "دخلت على
سفيان بن سعيد يوما، و بين يديه رغيف، و كف زبيب -حفنة من زبيب- فقال لي : ادن يا مكي
، قلت: يا أبا عبد الله ، دخلت إليك غير مرة وأنت تأكل فلم تدعني قبلها، قال : اليوم
حضرتني نية"؛ أي ما دعاه حتى حضرته نية التقرب إلى الله بإطعامه.
على كل حال المقصد
أن كل شيء تعمله تدخل فيه النية وأنت المطلوب منك أن تتفقد نيتك و ترعاها.
قال
نعيم بن حماد : "ضرب السياط
أهون علينا من النية الصالحة!"
هذا يدلك على صعوبة
استحضارها؛ لكنها يسيرة على من يسرها الله عليه .
الآن ظهرت لنا فوائد
النية و ظهر لنا كيف أن النية نحتاجها في كل شيء، و كيف أن المطلوب منا أن نتفقدها
دائما، لكن هل تتصور أن استحضارها، و الإتيان بها أمر يسير سهل؟
اتفقنا فيما مضى
أن فيها من الصعوبة الشيء الكثير ماذا أفعل من أجل أن أجمع قلبي على نية صالحة؟
نقول : – و الله أعلم – أنك تحتاج أولا إلى علم, فما فقد
الناس الإخلاص إلا بسبب أنهم ما علموا كيف تؤتى العبادات !
§
إذن أولا : لا بد أن يكون معك علم، فما هو الإخلاص؟
الإخلاص كما قال المناوي : "تخليص القلب من كل شوب يكدر صفاءه"
تخلص قلبك من كل
ما فيه من شوب، و أمراض تجعل قلبك وقت قيامك بالعمل ملتفتا إلى غير الله, فلابد أن
تعلم ما هي الأمراض التي يمكن أن تصيب قلبك ؟ متى يكون؟ كيف الحركات؟
فبذلك تحقق الإخلاص
وهي صدق النية مع الله عز وجل.
فأنت وأنت مخلص تريد
بطاعتك التقرب إلى الله سبحانه دون شيء آخر من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس،
أو محبة مدح من الخلق، أو أي شيء آخر سوى التقرب إلى الله, فأنت تصفي عملك من ملاحظة المخلوقين، وتصفيه من
إرادة أحد غير الله.
فكان أول شيء يجب
عليك أن تتعلمه حركات القلب، فالأمراض التي في القلب يمكن أن تكون مشوشة لإخلاصك، ثم
إذا تعلمت لابد لك من الصبر، الصبر على ماذا؟
هنا نحتاج الصبر على هذه الطاعة العظيمة؛ وهي تخليص القلب
من إرادة غير الله
الصبر على منع القلب
من إرادة غير الله فأنت إلى هنا تحتاج العلم وتحتاج الصبر, وتحتاج أيضا الصدق؛ لأن
العبد ربما تصور نفسه أنه يريد وجه الله بهذا كله و هو كاذب، و تأتينا الصعوبة هنا
و هي العلاقة بين الصدق و الإخلاص و ما الفارق بينهما؟ و كيف يكون الصدق؟ وكيف يكون
الإخلاص ؟
على كل حال: الصدق
هو الأصل والإخلاص فرع و تابع له، و كما مر سابقا معنا في شروط لا إله إلا الله, الإخلاص
لا يكون إلا بعد الدخول في العمل, أما الصدق فيكون بالنية قبل الدخول في العمل هو باعثك.
و لذلك الله عز وجل
أمر نبيه كما في سورة الإسراء أن يطلب منه أن يدخله مدخل صدق، و يخرجه مخرج صدق{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي
مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً
نَّصِيراً }[18]
فأنت خروجك لأداء
العمل؛ انبعاثك من مكانك هذا يحتاج صدق, وقت دخولك في العمل هذا يحتاج منك إلى إخلاص.
فعلى ذلك أنت تحتاج
أن تكون صادقا في أنك تطلب مراضي الله, ثم إذا وصلت إلى مراضيه لا تحرك قلبك يمنة و
يسرة بل اطلبه وحده سبحانه و تعالى.
على كل حال: الآن
تبين لنا أنني يجب أن يكون معي علم بالأمراض التي يمكن أن تصيب القلوب، وبالشوائب التي
يمكن أن تدخل في قلبك، وبالمظاهر التي يمكن أن تدل على أنك تريد غيره، وتحتاج أن تصبر
على هذا كله، و تحتاج أن تحرر نيتك السابقة في كونك صادق أو كاذب, فهذا كله يبعثنا
على الدوران من جديد حول مسألة العلم.
نريد أن نعلم الإخلاص
والشيء في الغالب لا يُعلم إلا بضده فسنذكر علمنا بالإخلاص كيف يكون؟
ذكرنا باختصار كيف
يمكن للإنسان أن يحقق الإخلاص، وقلنا أننا نحتاج إلى:
ü
علم
ü
و صبر
ü
و صدق
أذكر نقاطا أخرى
نصل بها إلى الإخلاص تفصيلية أكثر، ثم أعود إلى العلم وماذا أحتاج أن أتعلم من أجل
أن يكون الناتج أن أكون من أهل الإخلاص؛ أي سأعود مرة أخرى إلى عنوان (الطريق إلى الإخلاص)
كيف يأتي ؟
أولها كما اتفقنا: العلم.
لكن العلم بماذا؟
العلم بالإخلاص وضده ألا و هو الرياء أي لا بد أن أتعلم عن الإخلاص وعن الرياء ولنقل
: سأتعلم عن الإخلاص وضده ... هذه الأولى
أ : من الطريق الى الإخلاص العلم
1- سأتعلم الإخلاص
و ضده.
2- سأتعلم أسماء
الله و صفاته، و كيف يكون التعبد لله بهذه الأسماء و الصفات .
فجهل الإنسان بالله مورثه الالتفات عن باب الله، فسأتعلم الإخلاص و ضده، وسأتعلم
أسماء الله عز وجل وصفاته وكيف أتعبد له بهذه الأسماء مثلا في قوله تعالى : { َاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
}[19]
هذا يرهب القلب أنه سبحانه و تعالى مطلع على ما قام في قلب العبد, فعلمك أن من أسمائه
السميع، البصير، العليم، هذا كله من أسباب استقامتك على الإخلاص.
انتهينا الآن من
العلم، ننتقل إلى الخطوة الثانية من خطوات الطريق إلى الإخلاص:
ب- الصبر و الاستعانة بالله العلي القدير، و الانكسار
بين يديه، و التعوذ من الرياء و ويلاته.
فتصبر على طاعة الله،
وتصبر عن أن يلتفت قلبك لغيره, وتستعين به سبحانه وتعالى وهو العلي القدير، و تنطرح
بين يديه طالبا أن ينجيك من هذا البلاء العظيم.
ج- الصدق في إرادة
الآخرة، وهذا الصدق في إرادة الآخرة يأتي بعدة أمور منها :
أولا : التفكر في زوال
الدنيا وسرعة فنائها، و الله عز وجل كرر في كتابه وصف الدنيا, وأنت في سورة الكهف تكرر
كل جمعة مثل هذه الحياة الدنيا كيف أن الله عز و جل ضرب له مثلا { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ
مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا }[20]
و في سورة الحديد
وصف الله لك الدنيا بأنها { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ
وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ
مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ
اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ
}[21]
فالذي يجعلك صادقا في إرادة الآخرة هو تفكرك في زوال الدنيا.
ثانيا : من أجل الصدق لا
بد أن تكون خائفا من سوء الخاتمة وعذاب القبرو أنت تعلم أن الناس يبعثون على نياتهم
، يبعث كل عبد على ما مات عليه فإذا كان عملك ليس خالصا لله عز وجل سيكون هو ذاك الرجل
الخبيث الذي يتمثل لك في الآخرة يتمثل لك في قبرك.
إذن مما يجعلك صادقا
ويدفع عنك الرياء خوفك من سوء الخاتمة؛ لأن إرادة الناس والالتفات لهم و حهم ، وحب
رضاهم ، والتوجه لهم بالأعمال الصالحة كل هذا من أسباب سوء الخاتمة, فكن صادقا في إرادة
الآخرة و تذكر سوء الخاتمة.
ثالثا : ضع الآخرة نصب عينيك ، و انظر إلى نعيم المخلصين
، و انظر إلى هوان المرائين و اعلم أن الجنة فيها مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين
السماء و الأرض ، وكما قال النبي صلى الله عليه و سلم: ((الجنة
بناؤها لبنة من فضة و لبنة من ذهب ، و ملاطها المسك الأذفر ، و حصباؤها اللؤلؤ و الياقوت
، و تربتها الزعفران ، من يدخلها ينعم لا يبأس ،
و يخلد و لا يموت ، لا تبلى ثيابهم ، و لا يفنى شبابهم))[22]
وكما ورد أيضا في
صحيح مسلم : ((إن في الجنة سوقا يأتونها كل جمعة ، فتهب ريح الشمال ، فتحثو في وجوههم
و ثيابهم فيزدادون حسنا و جمالا ، فيرجعون إلى أهليهم و قد ازدادوا حسنا و جمالا ،
فيقول لهم أهلوهم : والله لقد ازددتم حسنا و جمالا ، فيقولون : و أنتم و الله لقد ازددتم
بعدنا حسنا و جمالا))
إنّ في الجنة كما
ورد في الحديث : ((ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر
على قلب بشر))[23]
وفي الحديث : (( موضع سوط في الجنة
خير من الدنيا وما فيها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها))
[24]
لا تَبع هذا الغالي
بالحقير التافه، و بكلمة من الخلق الذين في حقيقتهم ليسوا بشيء، فتذكر الجنة، تذكر
النار ، و خف من مقت الله و غضبه ، هذا كله يجعلك صادقا.
رابعا : خف من مقت الله
و غضبه و السقوط من عينه ، و خف من حبوط عملك ، و اعلم أن الخلق ليسوا بشيء كما قال
الرجل للنبي صلى الله عليه و سلم : ((يا رسول الله إن مدحي زين و ذمي شين ، فقال :
ذاك الله))
من أجل ذلك لا تبغ
جاها وجاهك ساقط عند الإله وكن للمقت حذارا كيف تطلب عند الخلق مكانة وأنت عند الله
ساقط لست بشيء ؟
بل تفكر في سرعة
الدنيا و زوالها و فنائها، و هذا يجعلك تتصور أن الدنيا لا تستحق منك بذل الجهد, وأيضا
لابد أن تكون خائفا من عذاب القبر، خائفا من سوء الخاتمة و لا بد أن تضع الآخرة نصب
عينيك ترى نعيم المخلصين و هوان المرائين.
ثم إذا تحقق لك هذا
-ألا وهو العلم و الصبر و الصدق- استعن بالتالي يكن عونا لك لكي تصل إلى الإخلاص.
مما يعينك على الإخلاص
:
خامسا: الحرص على إخفاء
الأعمال.
سادسا: ترك الطمع فيما في أيدي الناس
و اليأس منه، فأنت لو كنت طامعا فيما في أيدي الناس ستجد نفسك محسنا لصورتك عندهم ،
فتدخل في الرياء.
سابعا: مما يعينك على الإخلاص
، العزلة الشرعية أي بمعنى لا تجد نفسك كثير
الخلطة بالناس ، فالعزلة رأس الحمية عن الدنيا، و العزلة الشرعية معناها : ترك كثرة
الخلطة.
o
قال ابن الجوزي
: "من أراد اجتماع همه و إصلاح قلبه
، فليحذر من مخالطة الناس" هو يقول -في هذا الزمان- فكيف في زماننا؟
على كل حال : مجالسة
أصحاب السوء لا بد أن تلوث القلب ويتحول الإنسان إلى أن يتزين أمام هؤلاء فيصعب عليه
الأمر و يتشتت قلبه؛ لكن صاحب أهل الدين وهذا مما يعينك أيضا على الإخلاص.
ومع ذلك هؤلاء: أصحاب
الخير والإخلاص، لابد أيضا عدم ترك النفس تكثر الخلطة بهم، فيتحول هؤلاء إلى سبب للرياء
لأنك لما ترى الطائعين العابدين، قد تتحمس نفسك للطاعة معهم، لكن يقع عليك حب لإظهار
نفسك بينهم ، فاحذر من هذا.
تاسعا: قراءة تراجم أهل
الإخلاص كما يقول السلف : كم من أناس موتى تحيى القلوب بذكرهم، و أناس أحياء تموت القلوب
برؤيتهم, والمقصود هنا أن لا تذهب للقصص و الحكايا، لكن اقرأ سير هؤلاء السلف، في إخلاصهم،
و في حرصهم على الاستقامة وبعدهم عن الرياء.
أيضا من الطريق إلى
الإخلاص :
عاشرا: محاسبة النفس و
مجاهدتها و مخالفة الهوى و هذه الطريق سنتناقش فيه مناقشة مفصلة قليلا ، لكن أذكر لكم
النقطة العاشرة ثم أعود إلى هذا.
الحادي عشر: اعلم
أنه لا سبيل للشيطان على المخلصين، فتحصن منه بالأوراد الشرعية، و الأذكار المروية
عن النبي صلى الله عليه و سلم ،و النبي صلى الله عليه و سلم ذكر أن قول (لا إله إلا
الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير) من آثاره أنها تكون
لك حرزا من الشيطان ، إلى غير ذلك من الأذكار.
المهم أن الرياء
من طرق معالجته التحصن من الشيطان، لأن الشيطان هو الذي يلفت نظرك إلى الناس، وإلى
قيمتهم، وإلى مكانتهم، فيدخل عليك هذا الباب.
نعود الآن إلى محاسبة
النفس ومجاهدتها و مخالفة الهوى ونقول : أن الإنسان لما يقوم بالعمل يعرض له في عمله
آفات، فأنت تحتاج أن تحاسب نفسك من أجل أن تدفع هذه الآفات، فحاسب نفسك بعد العمل.
نتكلم الآن عن المحاسبة
بعد العمل فأول آفة تصيب الإنسان بعد العمل؛ رؤية العمل وملاحظته؛ أي ترى نفسك أنك
عملت عملا و تراه شيئا كبيرا فأخرج نفسك من رؤية العمل.
ما الذي يخرجك من رؤية العمل؟ المطلوب منك أن تخرج نفسك من رؤية العمل؛ لأن أول الآفات التي تصيب الإنسان
كما اتفقنا أنه يرى عمله ما الذي يخرجك؟
الذي يخرجك مشاهدتك
لمنة الله عليك و فضله و توفيقه لك وأنه بالله لا بنفسه.
و لذلك لا تنس قوله
تعالى : {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[26]؛
فهذا فضل الله على القلوب, و انظر إلى قوله تعالى : { وَلَكِنَّ
اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ
الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }[27]
فهذا فعله سبحانه و تعالى .
و انظر إلى أهل الجنة لما دخلوا الجنة ماذا قالوا
؟ { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا
كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ }فكل الأفعال التي تفعلها
من الأصل منة الله.
الله عز و جل يقول
لنبيه : {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ
إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }[28]
هذا فضل الله على رسوله في تثبيته على الحق .
وإسماعيل عليه السلام حتى لما أراد وصف صبره ما نسبه
إلى نفسه ، قال : { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ
سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }[29]
فأرجع الأمر إلى الله عز و جل مشيئته، فكأنه يقول هو الذي يرزقني الصبر على هذا .
وكما قال يعقوب عليه السلام : {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
}[30]،
فحتى هذا الصبر الجميل لا أستطيعه بنفسي, إنما كل خير أفعله فهو مجرد فضل الله و منته
علي، وإحسانه ومنته وهو المحمود عليه سبحانه و تعالى فلا تر أعمالك ، إنما انظر إلى
منة الله عليك، هو الذي من عليك بسمعك وبصرك، و هو الذي من عليك بإخلاصك و رجائك و
خوفك و تلاوتك للقرآن وعملك الصالح.
إذن؛ حاسب نفسك بعد
قيام العمل، و خلص نفسك من رؤيته و اعرف نفسك
و اعرف أن العبد يسير إلى الله بين أن يرى منة الله عليه وبين أن يرى عيب نفسه
لذلك أنت في سيد الاستغفار تقول : ((اللهم أنت ربي لا
إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهد و وعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت
-هذا مطالعتك لضعف نفسك و عيبها- أبوء لك بنعمتك
علي -هذا مطالعتك لفضل ربك عليك-))
فلا تنس أنه هو الذي
حبب إليك الإيمان و زينه في قلبك، وأنت من أجل أن تحرر هذه المسألة جيدا تأمل الملائكة
الذين يسبحون الليل و النهار لا يفترون ماذا يقولون ؟ ما عبدناك حق عبادتك .
و الخليل عليه السلام
الذي له المقامات العلي في التوحيد؛ الذي تصبر على النار وسلم ولده للذبح يقول : {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ
}[31]
والنبي صلى الله
عليه و سلم يقول : ((ليس أحد منكم ينجيه عمله . قالوا
: ولا أنت ؟ يا رسول الله ! قال : ولا أنا . إلا أن يتغمدني الله منه بمغفرة ورحمة))[32]
وأبو بكر رضي الله
عنه يقول : "وهل أنا وما لي إلا لك يا رسول الله."
و عمر رضي الله عنه
يقول : "لو أن لي طلاع الأرض لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر!"
وهذا كله يجعلك مكسورا
بين يديه سبحانه و تعالى ترى أن المنة كلها لله ، قول عمر هذا في صحيح البخاري كتاب
: فضائل الصحابة .
فإذا أراد الله عز
و جل بك خيرا أشهدك منته وتوفيقه و إعانته لك، فلا يقع في قلبك شعور برؤية عملك، أو
أنك فعلت ما عليك ،بل يبقى قلبك معلق تطلب منه القبول.
لذلك الأمر الثاني من الآفات التي يمكن أن تصيب الإنسان
:
أن يتصور أن عمله
يستوجب على الله أن يعطيه الأجر, وربما فهم أحد خطأ قوله تعالى : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ }[33]
فتصور أن الباء هذه (بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ):
باء العوض والمقابلة، و الحقيقة أنها باء السببية ، فدخول الجنة محض تفضل ومنة من الله
لكن هذا التفضل والمنة من الله على عباده له سبب أتيت به أنت وهو العمل الصالح الذي
وفقك إليه الآن أنت فكر في نعمة التوحيد التي أسبغها الله عز و جل عليك- نسأل الله
أن يحفظ علينا هذا التوحيد-.
لو أن الشيطان الرجيم
دخل إلى قلبك وأفسد عليك توحيدك من الذي يرده إليك؟!
ولذلك احذر من أن
تكون من هؤلاء القوم الذين قال الله فيهم : {يَمُنُّونَ
عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}[34]
لا تتصور أنك مستحق للجنة، لو أنت عددت عمرك، لو عشت سبعين سنة و أنت تنام 8 ساعات
يوميا، و تأكل و تشرب و تدخل و تخرج و تقوم بأعمال الدنيا وتتكلم بالجوال، فانظر ماذا
يبقى من السبعين سنة ! ربما لا يبقى إلا تسع سنوات خالصة بمعنى بالدقائق والحسابات.
هذه التسع سنوات
الآن هل تستحق تسع سنوات عبادة هل تستحق الجنة و الخلود فيها؟
أنت ترى الناس يعملون
في الدنيا و يكدحون من أجل أن يشتروا قطعة أرض، أو يشتروا شقة أو عمارة، و لا تصل أعمالهم
في العمر هذا إلى مرادهم في شراء تراب في الأرض .
فلا بد أن تعلم وتحاسب نفسك جيدا ، أن هذا العمل لولا قبول الله له ، لما
كان شيئا.و لذلك تأتي الآفة الثالثة من الآفات التي
نحاسب أنفسنا عليها :
رضانا عن أعمالنا:
أي نحج ، و نصوم ، نجد في قلوبنا رضا عن الأعمال وهذا أمر عجيب، يدل على جهلنا، والحقيقة
أن هذه من أعظم الآفات التي لابد أن نحاسب أنفسنا عليها.
قال بعض السلف: آفة العبد رضاه عن نفسه ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها
و من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور.
و هذا لا يأتي بالوسواس
قدر ما يأتي بقوة طلب القبول، وانظر إلى صفوة الخلق، خليل الرحمن، كيف بعدما رفع قواعد
البيت يطوف حوله و يقول : {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا
إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }[35]
.
وانظر إليه صلى الله
عليه وسلم خليل الرحمن و هو في هذه المرتبة : {وَالَّذِي
أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[36],
فهذا الأدب وهذا التواضع والنبي صلى الله عليه وسلم الذي قضى عمره كله في الدعوة منذ
أن بعث إلى أن مات، لما أعلم بقرب موته في سورة النصر، قيل له : فسبح بحمد ربك و استغفره
إنه كان توابا.
و الله عز و جل يقول
عن المتهجدين بالليل {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ
وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }[37]
يقول السلف :
"مدوا صلاتهم إلى السحر فلما كان السحر مالوا إلى الاستغفار."
كأنهم ماذا لما مالوا
إلى الاستغفار؟ كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم، أي يستغفرون استغفار عبد كان السابق
له كأنه جريمة.
و انظر بعد الحج
والتطهر من الذنوب { ُثمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ
النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[38]
وهذا شأن الصالحين
أنهم كثيروا الاستغفار بعد الانتهاء من الأعمال لماذا؟ لأنهم لا يرضون عن أعمالهم،
و يرونها تقصيرا في حق ربهم، و مع إحسانهم يخافون المقت، وهم يناجونه بطلب العفو ليلا
و نهارا، فلذلك لا بد أن تحاسب نفسك، و لا ترى الرضا على عملك فإذا لم تر الرضا عن
عملك ، أي لا تراه و لا ترى أنك بعملك تستحق الجنة ولا تسكن إليه ، كل هذا يحركك إلى
ثلاثة أمور :
1- إلى سؤال الله القبول.
2- إلى كثرة الاستغفار بعد العمل الصالح.
خصوصا أننا خرجنا
بعد مواسم طاعة ، فوجب علينا أن نقوم بهذين العملين بتكرار ، كلما تذكرت الحج و أيامه
سواء كنت حاجا أو كنت في البلد صائما طائعا مقبلا، اطلب من الله أن يقبلك واطلب منه
المغفرة
ثم العمل
الثالث:
3- أكثر من سؤال الله أن يرزقك الصدق و الإخلاص ،فهو من
أرزاقه ، فهو الذي من عليك بالإخلاص كما وفقك للعمل الصالح.
و هذا في الحقيقة
الذي نريد أن نخرج به من هذا اللقاء أننا قبل الأعمال وبعد الأعمال معتنين بنياتنا،
فقبل العمل لابد أن نعلم أنه لابد أن يكون الإخلاص معنا في كل عمل، فنجتهد في أن نمنع
نفوسنا و قلوبنا من أن تلتفت لغيره ، و نسأله أن يرزقنا الإخلاص.
ثم إذا انتهى العمل:
نسأله القبول ونستغفره سبحانه و تعالى، و نسأله أن يرزقنا الصدق والإخلاص فيما مضى
و فيما هو آت لا زال الكلام عن الإخلاص يحتاج إلى الكثير، لم نكن نتوقع في هذا اللقاء
أن نتكلم عن كل شيء ، لأن هناك ما هو ضد الإخلاص، و يكون غاية في الخفاء، و هو جارح
للإخلاص مانع له، لكن المقصود أن تعلم أن النقاش حول الإخلاص يحرك قلبك للعناية بحركة
قلبك.
ثم كما كررنا : ومما
يجعلك كثير الاستغفار ، كثير طلب القبول لا بد أن تشعر لما تطلب القبول بماذا ؟ لأن
عملك ناقص لا تراه شيئا، لا يصلح أن تتقدم به لله طالبا منه أن يرضى عنك بهذا العمل.
و انظر إلى حالنا
في الحج سيتبين لك ضعفنا و نقصنا و قلة جمع قلوبنا على ربنا، و مع هذا نأتي نقول: هذا
عمل عملته، و هذا حج لم أتركه كل سنة.
لا ترَ عملك شيئا؛ إنما اطلب من الله أن يعاملك بعفوه ومغفرته
وأن يقبلك
فهو الذي ابتدأك
بالنعمة وهو المشكور سبحانه و تعالى على أن أتم لك المنة.
أسأل الله عز و جل
أن يرزقنا جميعا الإخلاص وأن نكون من المقبولين، و أن يتقبل ضعيف عملنا, أسأله سبحانه
وتعالى أن يجعلنا جميعا من الصادقين المخلصين المقبولين, و أن يتقبل منا ضعيف العمل
و أن يعاملنا بعفوه و رحمته و مغفرته و شكره سبحانه و تعالى.
هو القادر على ذلك
و هو الذي تتوجه القلوب إليه طالبة ذلك ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, أسأل
الله عز وجل أن يجمعنا على خير حال بهذا يكون
انتهى لقاءنا .
الحمد لله كثيرا ..
[1]
آل عمران152
[4] الراوي: أبو هريرة المحدث:
الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو
الرقم: 3426خلاصة حكم المحدث: صحيح
[5] الراوي: جابر بن عبدالله
المحدث:
الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو
الرقم: 3427خلاصة حكم المحدث: صحيح
[6] الراوي: أنس بن مالك المحدث:
الألباني
- المصدر:
صحيح
الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2465خلاصة حكم المحدث: صحيح
[7] الراوي: عبدالله المحدث:
الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة
أو الرقم: 3330خلاصة حكم المحدث: حسن
[9] الراوي: جابر بن عبدالله و أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة
أو الرقم: 2036
خلاصة حكم المحدث: صحيح
خلاصة حكم المحدث: صحيح
[11]
الراوي: عبدالله
بن عمرو بن العاص المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة
أو الرقم: 343
خلاصة حكم المحدث: صحيح
خلاصة حكم المحدث: صحيح
[12]
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع
- الصفحة أو الرقم: 799
خلاصة حكم المحدث: صحيح
خلاصة حكم المحدث: صحيح
[13]
الراوي: معاوية بن أبي سفيان المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع
- الصفحة أو الرقم: 2320 خلاصة الدرجة: صحيح
[14] الراوي: عبدالله
بن عباس المحدث: البخاري
- المصدر: صحيح البخاري - الصفحة
أو الرقم: 2783خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[15]
الراوي: أبو
هريرة المحدث: البخاري
- المصدر: صحيح البخاري - الصفحة
أو الرقم: 1421خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[16] الراوي: أبو أمامة المحدث:
المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة
أو الرقم: 1/84 خلاصة حكم المحدث: إسناده
لا بأس به
[17]
الراوي: أبو
هريرة المحدث: البخاري
- المصدر: صحيح البخاري - الصفحة
أو الرقم: 662 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[22]
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع
- الصفحة أو الرقم: 3116خلاصة حكم المحدث: صحيح
[23] الراوي: أبو
هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح
البخاري - الصفحة أو الرقم: 4779 خلاصة
حكم المحدث: [صحيح]
[24] الراوي:
سهل بن سعد الساعدي المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:
6415خلاصة الدرجة: [صحيح]
[25] الراوي: عبدالله بن عباس
المحدث: الألباني - المصدر: صحيح
الجامع - الصفحة أو الرقم: 2587 خلاصة حكم المحدث:
صحيح
[32]
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو
الرقم: 2816
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.