الإحسان ُفي رمضان
ألقي يوم الثلاثاء 22 شعبان 1431 هـ
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاة
والسلام على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحَمْدُ للهِ الذي يسّر لنا هذا اللقاء،
وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعله لقاءً مُباركًا مَرْحومًا، اللهمّ آمين.
لقاؤنا اليوم إن شاء الله سيكون عنوانه: الإحسان في رمضان.
أوّلاً قبل أن نتكلّم عن طريقة الإحسان في
رمضان نتكلّم عن معنى كلمة الإحسان، هذه
القيمة العظيمة.
ما معنى الإحسان؟
عندما نسمع كلمة رمضان يمرّ في الخواطر أن
المقصود تقليصًا على درجة الإحسان التي هي من مراتب الدين، ويظنّ الإنسان دائمًا
أنّ الإحسان درجة بعيدة عنه، فينظر للمسألة بهذه الطريقة! أنّه لابد أن يكون مسلمًا،
ثم يترقّى إلى أن يكون مؤمنًا، ثم يترقّى إلى أن يكون محسنًا، وهذا التفكير يَحْرِم
القوم خيرًا كثيرًا!
ما وجه الخير الذي يُحرمه القوم؟
أن العبد يستطيع أن يكون محسنًا في تفاصيل
حياته، حتى إذا جمع الإحسان في التفاصيل أصبح محسنًا مجمَلا، فكأننا نقول أن الإحسان
عبارة عن الإحسان في التفاصيل، فتحسن في صلاتك، وتحسن في صيامك، وتحسن في صدقتك... وعندما تجمع تفاصيل
الإحسان بعد ذلك تكون محسنًا على وجه العموم.
إذًا معناها أن الإحسان عمل يستطيع أن يقوم به
الإنسان.
تنبيه: كل الناس يستطيعوا أن يكونوا محسنين، لا
يطلق عليه لفظ محسِن إطلاقًا لكن يكون أحسَنَ في صلاته، أحسن في صيامه، أحسن في
قراءته للفاتحة، ونحن بأنفسنا نستعمل هذا اللفظ.
مثلا: ابنك عندما يعرف قراءة الفاتحة ولا يعرف
قراءة بقية السور ماذا نقول عنه ؟ أحسن في قراءة الفاتحة.
هكذا وأنت تدخل في الصلاة ممكن أن تحسن في
التكبير لكن ما تحسن في قراءة الفاتحة والركوع، وممكن أن تحسن في قراءة الفاتحة
لكن ما تحسن في السورة التي بعدها أو في الركوع أو في السجود وهكذا...
إذن الإنسان يستطيع أن يحسن وأن يجمِّع لنفسه
نقاط إحسان إذا استطاع أن يدرِّب نفسه على الإحسان في المسائل القليلة أو في
المسائل المنفصلة يوفّقه الله فيحسن إجمالاً في الدِّين كلّه.
أين مكان الإحسان؟
مكان الإحسان قلوب العباد، يعني الإنسان بقلبه
يصبح محسنا.
نبدأ أولا بتقرير أن رمضان شهر للإحسان.
فما
الإحسان أولا ؟
الجواب : هو فعل ما هو حَسَن، أي : تفعل فعلا
موصوفا بأنه حَسَن.
كيف نستعمل كلمة [ أحسنت ] ؟
أي فعلت فعلا أنت فيه محسِنا، يعني أحسنت فعلا، إذن الإحسان فعل ما هو حسن.
فانظر
إلى حياتك كلها و أنت تتقرب إلى الله، ستجد أن في كل فعل من أفعالك يمكن أن يقال
لك أحسنت !! أحسنت قراءة الفاتحة، أحسنت الركوع فعلا، أحسنت السجود، و هكذا...
يعني الإحسان فعل ما هو حسن بطريقة حسنة و هو قربة إلى الله،
أي أن اجتهادك في أن تكون محسنا سيكون قربة إلى الله عزوجل.
نرى من النصوص والأدلة التي
مدح الله فيها الإحسان :
§
ورد في الحديث : أن
رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ((إِنَّ
اللَّهَ كَتَبَ
الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ))[1] أي أنك تستطيع أن
تكون محسنا في كل شيء، أي أن كل شيء تتقرب به أو تفعله ستجد فرصة للإحسان فيه.
§
ومن ذلك آية سورة النحل التي تدل على أن
الإحسان قربة لله عزوجل، قال الله تعالى : {إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}[2]، وأي فعل أمر سيكون عبادة
وقربى له.
إذن الإحسان قربى وعبادة معناها أنك وقت قيامك
بالأعمال يُطلب منك أن تتعبد الله بالإحسان فيها، تتقرب إلى الله بالعبادة و تتقرب
إليه أيضا بالإحسان في العبادة.
{وَأَحْسِنُوا}، أحسنوا : فعل أمر و
هذا يكفي أن تعرفي أنها عبادة.
واعلموا أنكم لو أحسنتم
أحبكم الله ...
يعني انظر كل ما بذلت جهدك في أن تحسن في العبادة
فأنت تتقرب إلى الله خطوة من أجل أن يحبك، فحصيلة
الإحسان محبة الله.
§
أيضا من النصوص : قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[4]
إذن هذا كله يدفعك إلى الإحسان، سيحبك الله لو
أحسنت. سيكون الله معك لو أحسنت.
لذلك لابد أن تهتم بالإحسان:
o
لأنه أمْر وعبادة
o
ولأنه سبب لمحبة الله لك
o
ولأنه سبب لمعية الله لك
وكفى بهذه الأسباب سببا لأن تعتني به.
ننظر الآن إلى النتيجة من
الإحسان :
في سورة المرسلات ما جزاء الإحسان؟
يقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا
هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[5].
إذًا انظري
لهذه الأربعة :
1.
الله عز وجل أمر بالإحسان، إذن هو عبادة ـ
2.
الله عز وجل يحب المحسنين.
3.
الله عزوجل مع المحسنين.
4.
الله عزوجل سيجازي المحسنين بهذه الجزاءات
العظيمة.
إذًا الإحسان أمر رُغِّب فيه في الشريعة على
كل الأفعال.
ومِن أجل أننا مُقبِلون على الموسم القادم -الذي
نسأل الله عز وجل أن يبلغنا ويبلغكم رمضان- نحن نناقش كيف نكون محسنين في هذا
الموسم، وإلا هذا الإحسان لا ينقضي بوقت، طول الوقت مطلوب منك أن تحسن.
لماذا سنناقش الإحسان في
رمضان بالذات ؟
انظري لآية المرسلات ما أولها؟ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ}
عودي إلى الوراء وانظري في النحل {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا}
لاحظي أن التقوى أتت مع الإحسان.
فكري في رمضان، ما المقصد
العظيم من صيام رمضان ؟
لعلكم تتقون، فكانت التقوى من أعظم مقاصد
رمضان، من أعظم مقاصد الصيام، وهذه التقوى إنما تأتي لو أحسنت في الصيام، فلن تصل
لأن تكون متقيًا إلا إذا كنت محسنا.
لنرى الصلاة من أجل أن تتصور : الصلاة ما أهم
آثارها ؟
أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
أنت ترى أن هناك كثيرون يصلون ثم يقررون في
صلاتهم لأن يقعوا في الفحشاء والمنكر مجرد ما يسلموا من الصلاة ينتقلوا إلى
الفحشاء والمنكر !! لماذا ؟!
لأن صلاتهم خَلَت من الإحسان ؛ لذلك الأثر لم
يحصل أنها تنهاك عن الفحشاء والمنكر.
في رمضان الأثر المرغوب : التقوى، من أجل أن تخرج
من رمضان متقي، وليس متدهور حالك، لابد أن يكون في رمضان حالك أنك محسن في صيامك، محسن
في أعمالك، فتكون النتيجة أنك تتقي.
لذلك انظري في المرسلات: أولها : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ}.
آخرها وصفهم : {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ} وصفهم أنهم كانوا محسنين.
إذًا التقوى من لوازمها أن تكون محسنا، وبالعكس
طالما أنك محسن إذًا النتيجة ستخرج أنك متقي
يعني الإحسان هو
مسبِّب التقوى.
فأنت لن تصل من صيامك أن تكون متقيا وتصل
للغاية إلا لو أحسنت في الصيام.
لذلك دائما نسأل أنفسنا، لماذا يأتي أول يوم
العيد وتتدهور حالنا كأننا ما صُمنا كل الشهر؟
لا تأتوا بأعذار أنكم نائمون وأنكم.. إلى آخر
الكلام ؛ لأن الذي في قلبه التقوى لا يهون عليه أبدا أن ينام عن فرض، لا يهون عليه
أبدا أن يسهر في الليل ولم يوتر.
نحن بعد أن ننتهي أول يوم العيد نجد أنفسنا أننا
لم نوتر حتى ثاني يوم العيد، فبعد قيام طويل حتى الوتر ممكن أن يفوت علينا !!
هذا لا يمكن أن يكون حال المتقين ؛ لأن المتقي
زاد يقينا فيصل إلى يقين أنه سيلقى ربه فيتقي كل ما يغضبه ويتقي كل حال تبعده.
أصبح يحب الله ويعرف ماذا يعني أن الله يحبه
فيتقي أن يُحرم من هذا الحب.
من غير المعقول أن يكون طول الشهر كان متقيا
ومرة واحده ينقلب ويكون غير متقٍ! لا يُقبل هذا.
ثم أنك تعلم يقينا أن الإيمان يزيد وينقص، ولما
يزيد الإيمان معناه ذلك أن العمل الصالح الذي تعمله سبَّب لك زيادة الإيمان.
مثلا : اليوم أول يوم في رمضان صام الناس والصيام
عمل صالح، المفروض أنه يزيد إيمانك، وغدا صيامك يصبح أفضل من صيامك البارحة يعني اليوم
الثاني أحسن من اليوم الأول، واليوم العاشر أحسن من اليوم الأول ؛ لأنك جمعت من
الأعمال الصالحة إيمانا فزادت فيك قوة العمل الصالح، فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص
بالمعاصي، فالمفروض لما أصل ليوم عشرين يكون زاد إيماني ومن ثَمَّ زادت أعمالي.
أنت ترى المنحنى يصعد لأعلى أم أنه ينزل لأسفل
وينكسر ؟
وإذا نزل لأسفل وانكسر معناه أنه لم يزد إيمانك،
معناه أن هناك خلل في الطريق الذي تسيره، وهو ترك الإحسان.
ومن
أجل ذلك كان من المهم جدا أن تعرف كيف تقضي يوما صائما وأنت محسن، محسن في صيامك ومحسن
في قضاء ساعات يومك، لذلك استعملنا هذا الاسم في رمضان.
يعني لماذا نقول الإحسان في رمضان ؟
لأن هذه العبادة هي التي تُسبِّب لك زيادة
الإيمان، وإذا زاد الإيمان أول يوم زادت الأعمال ثاني يوم وإذا زادت الأعمال زاد
الإيمان وهكذا... فأنت في منحنى مرتفع مستمر في منحنى الزيادة.
لكن أن تصل في الوسط وتجد نفسك منقطع فهذا معناه
أنه يوجد خلل في طريقك وأنت تسير.
أقسام
الإحسان :
الإحسان ينقسم إلى قسمين وكلاهما فرصته في
رمضان عظيمة.
1.
الإحسان في عبادة الخالق.
2.
والإحسان إلى المخلوقين.
أنت افهم أنك طول رمضان وأنت بين النوعين من
الإحسان، وكلا الطريقين في رمضان يسير واضح.
أما الإحسان إلى
المخلوقين فهذا أمر ترى أبوابه مفتوحة من جهة إفطار الصائمين ومن جهة
الإنفاق، وقد وُصِف النبي صلى الله عليه وسلم وإنفاقه وجوده كالريح المرسلة، بمعنى
أنه له قوة في الإنفاق حتى أنه ما يبقى عنده شيء من كثرة الإنفاق.
نبدأ في الإحسان في عبادة الخالق لأن على أساسها سيكون الإحسان
إلى المخلوقين.
الإحسان
في عبادة الله سيكون في :
القصد وفي العمل وفي الوقت
يعني أنت ستكون محسنا في عبادة الله في قصدك أي
: نيتك، أي : ما قام في قلبك.
أول الإحسان وأهمّه: التفتيش في هذا القلب، ثم
يأتي الإحسان في عملك، ثم يأتي الإحسان في تفريق ذلك في أوقاتك، يعني ما يأتي وقت
وتنقطع عن صفة الإحسان بل ترى يومك كله مكانا للإحسان.
نرى المسألة بالتفصيل أكثر :
تحتاج من أجل أن تكون محسن في
عملك ـ سواء كان في قصدك أو أثناء العمل أو وقت العمل ـ في رمضان ثلاثة أمور :
(1)
أن تهذّب عملك بالعلم.
(2)
وتُبْرمه بالعزم.
(3)
وتصفّيه من العقم.
·
تهذيبه بالعلم:
ما معنى تهذيبه بالعلم ؟
أي أن كل عبادة تريد أن تقوم بها لا بد أن
تعطيها حقّها في معرفتها، في تعلمها، لا تكن مقلدا في شيء من الأعمال.
وانظر مثلا لتقليد أناس كثيرين في مسألة
العمرة فترى أخطاء متكررة !! وسببها أن الناس يذهبون ويعودون مقلدين !!
هذا جزء من المقصود، لكن الجزء الأعظم أن تهذب
عملك بالعلم عن الله، فكلما زدت علما عن الله كان عملك أحسن، لأن الإحسان أن
تستشعر وقت الصيام أن الله إليك ناظر، وعليك مطلع، إلى قلبك ناظر.
قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :)) إِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ
إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُم))[7]
فمن أجل أن تكون محسنا لابد أن يجد في قلبك حب
لطاعته، فَرَحا بقدوم الشهر فرحا بأن أحياك إلى أن وصلت له، ويجد تعلّقك ورجاؤك به
أن يقبل منك، وذلا وانكسارا بين يديه سبحانه وتعالى.
وهذا سيأتي كلما ازددت علما عن الله، وكلما
ازددت علما عن الله كلما كان قلبك ساحة عملك.
الإشكال أن كل تركيزنا على خطط عملية، وهذه
الخطط مهمة لا بأس و نحن نقول أبرِمه بالعزم، لكن قبل أن نتكلم على هذه الخطط نقول
: أنت مُقبِل على مَنْ تريد أن تعبده، فلابد أن تعرف عن أسمائه وصفاته ما يجعلك معلقا
به وذليلا بين يديه ؛ لأن في كثير من الأحيان تقوم بالعبادات وتشعر كأنه هم و انطرح
عنك! والله عزوجل ينظر إليك وأنت تراه همًّا! وأنت تعتقد أنك ارتحت منه! ينظر إليك
وإلى قلبك، يعلم هذه المشاعر، مطلع عليها، فانظر لسوء الأدب مع الله ؛ لذلك العبد
يفقد كثيرا من عزمه وقوته التي ابتدأ بها لأنه كأنه يعبد الله مُتَخَلِّصا من
العمل.
مشاعر التَّخَلُّص لا تأتي إلا من الشيطان وعندما
تتركها تستقر بقلبك والله ينظر إليك لست مجاهدا ولا باذلا جهدك أن تطردها، فمِنْ ثَمَّ
أين يأتي الإحسان؟!
سأتكلم عن بر الوالدين، مع الفارق الشاسع لكن
فقط من أجل أن تتصور: لما يخدمك ولدك ويشعر أن خدمتك هَمٌّ عليه ويرمي لك الكأس،
ويدفع لك الأشياء مع أنه يكون قام بعمله تمام لكن كل مشاعره لك (خَلِّصني!)، مشاعر
الضجر، فما مشاعر رضاك أنت عنه ؟
لست راضٍ عنه مع أنه قام بعمله ؛ لأن الضجر لا
يناسب البر، لا يناسب الإحسان إلى الوالدين، لا تكون محسنا بذلك ؛ لأنك وإن عملت
العمل مجردا لكن في قلبك الضجر.
ولله المثل الأعلى، عندما يأتي عبد يتعبد
للملك الذي هو على كل شيء قدير، الذي أغناه وأقناه وأعطاه ورزقه من كل ما يريد، لابد
أن يكون ذليلا مقبلا فرحا أن فتح له الباب وإلا كثيرون أناس محرومون من هذا الباب،
فعدم شعورك أنَّ الفضل لله أنْ هداك وأنَّ الفضل لله أنْ عصمك من الانحراف وأنَّ الفضل
لله أنْ جعلك على بابه وليس على باب أحد غيره وأنَّ الفضل لله أنْ قوى بدنك على
القيام بالأعمال، تنسى هذا كله ثم تقوم بالعمل وتدفعه إلى الله دفع المتضجر !! وهو
ينظر إلى قلبك وأنت في هذه الحال !! على هذا لا تستحق لا وصف أنك محسن ولا وصف أنك
متقرب ذليل، بل وصف عبد أتى إلى مولاه ومالكه وخالقه فأساء الأدب معه.
إذن هذه الحال يأتي بها الشيطان فحتى تطردها
من قلبك، ماذا تفعل ؟
الزم الاستعاذة فعدوك عدو الإحسان فالشيطان إذا
ما استطاع معك أن يكسِّلك عن العمل الصالح لا بد أن يُفقدك الإحسان.
لذلك انظر من أول التراويح إلى آخرها كم خطة
عمل كتبتها للغد، كم من مشاريع دارت هنا، كم من مجالس شورى تعاونت أنت و الشيطان
فيها ؟ كثير!! لماذا ؟
لأنه
ما ثقل بدنك عن القيام يثقل قلبك عن الإحسان.
فقبل أن تدخل على هذا الشهر ابذل جهدك اقرأ وتعلم
عن الله، اعرف وتعلم عن الملك العزيز الجبار المتكبر، لابد أن تفهم ما معنى أن تسبحه
وتنزهه سبحانه وتعالى، لا بد أن تفهم أنك في قبضته محيط بك، بل السماوات والأرض في
يمينه كخردلة في يمين أحدكم، لا بد أن تعظِّمه كما ينبغي له من تعظيم، وإن كان
مهما عظمته {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[8]، لكن لابد أن تحرك
القلب بالعلم عن الله، الإحسان يأتي لما تعرف
أنت تعبد مَن؟ تعبد العظيم القريب المطلع المحيط الباطن،
كل هذا العلم يجعلك تهذب قلبك، يصبح قلبك ميدان المجاهدة، وليس للقيام بالعمل
فقط.
انكب هذه الأيام على العلم عن الله، هذب نفسك وقلبك بالعلم
عنه ما استطعت إلى ذلك سبيلا، اسمع عنه وافهم من هو، لابد أن تتصور حالك وأنت
بين يديه ذليل وأنه ينظر إليك ويرى ما في قلبك ويعلم إن كنت فرحا مقبلا بعبادته أم
متثاقلا كسلانا وأنت مقبل عليه، ابذل جهدك أن تعرف تفاصيل ما تقول.
سنبدأ أولا بالكلام عن الفرائض: اعلم أنه لا
محبوب أكثر عند الله من الفرائض؛ حتى لا يحتال عليك الشيطان.
انظروا عندما يصلي الناس في مساجد ولا يدركون
العشاء ويدركون التراويح ماذا يفعلون ؟
يأتوا لصلاة العشاء ينقرونها نقرا لا خشوع ولا
طمأنينة من أجل أن يدركوا التراويح فالشيطان أدخلهم في مهزلة ولأنه لا يوجد علم فما
هُذِّب العمل بالعلم ؛ لأن العلم يقول لك اجمع كل قوتك في الفرائض ؛ لأنها أحب الأعمال
إلى الله.
وهذا معناه أن نهار رمضان مكان عظيم للإحسان، فلا
تنم ثلاثة أرباع اليوم لتجمع نفسك للقيام! لا؛ لأن نفس النهار هذا مكان للمجاهدة
والعمل الصالح والقيام بالأعمال القلبية والأعمال البدنية، لكننا نترك وقت القيام
بالفريضة -وهي الصيام- مهملا ولا نملؤه بالأعمال الصالحة، ونؤجل كل جهدنا لليل! النهار
فيه نوافل وفيه صلاة الضحى وفيه الجلوس لذكر الله عز وجل وفيه الوقت المبارك من
بعد الفجر إلى الظهيرة، وهذا أطول.
أين
أنت من تدبر القرآن و تلاوته ؟! كل شيء تؤجله لليل! والنهار هو وقت القيام بالفريضة
وهو وقت الصوم، والصوم يحتاج منك قلب حاضر وليس قلب نائم، فهذا كله يقلل من وقت
احتسابك للعمل.
لا بأس خذ وقتك في أن تنام، ولكن تأخذ وقتك
والناس يوقظونك للظهر الساعة الثانية! نعم هذا الحاصل أن الناس يظنون أن النهار لا
بأس أن نقضيه نوما.
الوقت الفاضل في رمضان هو وقت قيامك بفريضة
الصيام، وهي أحب الأعمال فالمفترض أن تكون في هذا الوقت أجمع ما يكون قلبك، وهذا
لا يمنع النوم لكن ليس بهذه الصورة التي نراها.
لابد أن تكون نشطا في وقت كاف قبل صلاة الظهر وتنتفع
بهذه الأوقات بصلاة الضحى وغيره، وانظر لحالة شخص استيقظ من النوم وذهب يصلي الظهر،
لا زال يتثاءب في الصلاة لم ينتهي من نومه بعد، فمعناها أنه جاء عند الفريضة فأنهكها.
المفروض تجمع قلبك وتذكر الله عز وجل وتلزم لا
حول ولا قوة إلا بالله وتطلب منه الحول والقوة، إلى أن تقوم إلى سنة الظهر إلى أن
تقوم إلى فريضة الظهر، إلى أن تصلي ما بعدها من سنن وكل هذا لا يمنع أن
تأخذ في الوسط راحة، لكنها الراحة التي ترى من ورائها جدّا ليس الراحة التي
مسموح لك أن تفعل هذا كله.
يستثنى من ذلك المرضى وحالات أخرى، لكن نحن نتكلم عمن رزقهم
الله الصحة والشباب والطاقة، هذا كله يجعلك شاكرا أكثر من غيرك، ما دام أن الله
رزقك الصحة ورزقك الخدمة لأن هناك كثيرون مخدومون في بيوتهم، فيقومون ليخترعون
فكرة لعمل كذا وكذا من الطبخ، هذا النهار بنفسه شريف في حكم الصيام، فلا
تفكر في الليل فقط ولا يأتي النهار وتشعر أنك تريد أن يأتي الليل حتى تنتهي، بل إن الوقت الشريف الأصل هو
وقت قيامك بالفريضة، فما بالك تحبس نفسك عن الانتفاع بوقت الفريضة ؟! ثم لما يأتي الليل لك
منه النصيب الأعظم في التقرب والتعبد لا بأس.
إذًا لما تريد أن تحسن أول شيء تقوم به الآن
في رمضان أن تكون عينك على الفرائض، يعني فريضة الظهر، فريضة العصر، فريضة المغرب،
فريضة العشاء، فريضة الفجر، هذه قم بها واجْمع قلبك، حتى الآيات التي تريد أن
تقرأها في الفريضة لو استطعت اقرأ معناها قبل أن تقرأها لا تتوقَّف على سورة معينة
فالذي قرأته بالبارحة وأول البارحة نفس الشيء، وتقرأه تلقائيا لا تدري ما تقول، اجعل
رمضان نقطة تغيير لنفسك، ثم اعلم جيدا أن كثيرا من الفرائض لما يُحسَن فيها تـُفتح
لك أبواب النوافل، يعطيك الله القوة و العافية أن تقوم بالنافلة، لكن لا أحد يضع
عينه على النافلة والفريضة ما قام بها، وما أن تقول
إياك نعبد و إياك نستعين و أنت جامع قلبك إلا و يعطيك الله على قدر صدق استعانتك.
الفرائض التي تقوم بها في رمضان
:
§
نهار رمضان : تقوم فيها بفريضتين :
الصيام الصلاة
في كل اليوم
هاتان الفريضتان ابذل جهدك أن تصل بها إلى
أعلى درجة من الإحسان، لا تضيع وقتا أبدا في الوسط إلا وأنت قلبك متعلق به.
كلما تذكرت
أنك صائمًا ، كن لِربِّك راغبًا.
معنى ذلك اقفز بقلبك إلى الله وافزع إليه واطلب
منه أن يقبلك وأن يعينك وأن يجعلها كفارة لما مضى من أعمالك وأن يثقل بها ميزانك.
و كل ما تذكرت أعد نفس الأمر، إلى أن ينظر
الله إلى قلبك وقد أحسن صنعا؛ لأنه المكان الذي ينظر الله إليه، صحيح أنك مانع نفسك
من الأكل والشرب لكن قلبك الذي يعبد، قلبك الذليل المنكسر قلبك يريد الرضا ويطلب
المنزلة العالية عند الله فلابد أن ينظر الله إلى قلبك وأنت أشد شوقا إلى رضاه.
فكلما تذكرت أنك صائم أعد نفس العملية، وكلما زادت
هذه العملية التي عملتها كلما بلغت درجة الإحسان في هذه الدقيقة التي أحسنت فيها فتصور
أنك تجمع قلبك في هذه الدقائق الطويلة وكلها فيها إحسانا، يبارك لك، بهذه الطريقة يزيد
الإيمان.
لا تقول لا أحد يُذكِّرني أني صائم من أجل
لا أشعر بالجوع، كلا، المفترض أن تشعر بالجوع من أجل أن تقول يا رب أنا أتقرب إليك
بهذا الجوع فارضى عني.
كل تفكيرك أن هذا الصيام سبب لإبعادك عن النار،
وسبب لتثقيل ميزانك يوم القيامة فتلقى الله فيجازيك جزاءً لا تحتسبه ؛ لأنه على قدر إحسانك يكون الجزاء.
فتخيل أنك عامل، أنك ناصب، أنك تعبان لأي
سبب لابد أن يكون قلبك معلق ورغم هذا الجهد كله لكن مع ذلك انتظر الأجر الكبير من
الله عز وجل.
إذن هذّب عملك بالعلم: وأول العلم أن تملأ
قلبك علما عمن تعبده، وخصوصا ردد على ذهنك أنه سميع بصير قريب مطلع، أنه سبحانه وتعالى
محسن يحب المحسنين، أنه سبحانه وتعالى سيدينك يوم الدين ويحاسبك على ما فعلت فأنت
تحمل هَمّ لقائه ما بينك وبينه ترجمان، يسألك فتجيبه، هذا كله تحمله فتُحضِّر من
الآن للسؤال جوابا.
مِنْ العلم: الفرائض وأن الفرائض تسبق النوافل
عنايتك بها والإحسان فيها أهم من عنايتك بالنوافل.
في
ثنايا كلامنا عن الفرائض تكلمنا عن الصيام وتكلمنا عن الصلاة، نعيد الكلام عن
الصلاة لأهميته:
دائما
ضع في ذهنك وأنت تدخل في صلاة الفريضة، وأنت داخل رمضان وتريد الإحسان فيه، ضع في
ذهنك أنها آخر صلاة، وأنك تريد أن تحسن ما استطعت إلى ذلك سبيلا، اقرأ الفاتحة ما
استطعت وأنت جامع قلبك، لا تكرر السور التي تقرأها كل يوم، راجع قبل أن تدخل صلاة
الفرائض سورة من السور المحفوظة سابقا كما ينبغي لتقرأها و أنت جامع قلبك، اجتهد
أن يكون تسبيحك في الركوع مفهوم ما معنى أن الله عظيم، ويكون تسبيحك في السجود
مفهوم ما معنى أن الله الأعلى وأنك بين يديه ذليلا أنك إليه فقير أنك تطلب منه أن
يقبلك فهذا أول الطلبات وأهمها.
المقصود أن تعتني شديد العناية بالفرائض
أولا.
يأتينا بعد ذلك : من علمك أن تعلم أن
الله عزوجل من فضله وكرمه أن جعل هذه النوافل فاذا أتتك المنة لا تبخل على نفسك، كَثِّر
على نفسك ما استطعت إلى ذلك سبيلا وإذا ما كنت تصلي الضحى صلي من الآن وإذا ما كنت
توتر طول السنة أوتر الآن، قم الليل صل السنن وحافظ عليها واشعر أن تضييعك للسنن
كأن عبدا أُهدي إليه هدية فدفعها، اشعر أنك محروم لما مُنَّ عليك بباب للقربى وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به وأنت فرطت فيه لكن لا تنس التوازن، أولا الفرائض
ثم هذه النوافل التي هي نعمة من الله.
ثم
يأتيك الأمر العظيم الذي هو من أعظم أسباب زيادة الإيمان وهو تدبّر القرآن، هذا
العمل العظيم في شهر القرآن شهر الإحسان من أعظم الأعمال التي تزيدك معرفة بالله.
ولهذا
أنت لا تنقطع عن المعرفة، قبل أن تدخل رمضان تتعلم عن ربك وطول الشهر وأنت تزداد
علما عنه.
وهذه
إجابة سؤال دائما يتكرر والله العليم بالصواب، ماذا أفعل أأقرأ كثيرا وأختم أم
أتدبر فيطول علي المقام ؟
نقول اعمل
الاثنين معا، اجمع ما استطعت في الإحسان
سبيلا.
تعال إلى وقت فاجعل هدفك تكرار ختم القرآن ؛
لأن تكرار الختم يسبب لك سهولة ويسر القرآن عليك وكلما كررت القرآن كلما زدت تنبها
ولا يعني هذا أنك مغمض العينين وتترك التدبر يوجد فرق بين كلمة التدبر وبين كلمة
الفَهَم.
الفَهَم أي أن كل آية أقرأها أفْهم ما هي هذه
الآية فقط هذه الآية، وأن أعلم الكلام عن مَنْ، وليس أني أقرأ أول الصفحة ويكلمني ربنا
عن نوح وهود عليهما السلام ثم عندما أصل للأخير أكون لا أعرف هو نوح أم هود أم مَنْ؟!
ليس هذا المقصود ليس معنى أني أقول لك اجعل ختمة تسري فيها للقراءة والختم تتصور
أن المفهوم أنك ما تفهم ماذا تقرأ.
هناك فرق بين التدبر والفهم، التدبر هو أن تقرأ
مثلا قصة أصحاب الجنة وتعيد وتزيد فيها تأتي بالكلام من الأول للأخير ومن الأخير للأول
لفهمه، وكأن تقول مثلا هنا فعل ( يصرم، صرم، صارمين ) لهم علاقة ببعض، و(حَرَدَ،
حَرْد) هذا هو التدبر تأتي بالكلام من أوله لآخره حتى تفهم أول القصة لآخرها، أو
أن تقول مثلا لماذا ذُكِر موسى هنا وهنا لم يُذكر هذا هو التدبر.
ليس أنك تضيع و تسرح تقرأ بلسانك وعقلك هناك
يخطط، هذا يكاد صاحبه أن يكون لاعبا، احذر من هذه القراءة.
قد يقول قائل إذًا عندما أجد نفسي سرحان أغلق
المصحف وانتهى الأمر!
كلا، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وتحصن به
أن يدفع عنك العدو لا تستسلم له، اجعل الله ينظر لك وأنت تجاهد ؛ المجاهدة من أخص
صفات المحسنين.
آخر
آية في العنكبوت : {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[9] فمعناه هذا أن طريق
الإحسان هو المجاهدة.
معنى هذا عندما تجد نفسك قد ضعت ولم تعرف هل
هو نبي الله نوح أو نبي الله هود أو الكلام عن من، لا تدخل سباق مع أحد، بل عد إلى
الوراء واقرأ من البداية إلى أن تصل من هو وإلى أن تعرف ما يجعلك فأنت لا تتسابق ولكن
{وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[10] والمغفرة لا تكون إلا و
أنت تحسن ما تقرأ فالإحسان في قراءة القرآن درجتين:
درجة صاحبها يفهم ما يقرأ وهذا في الدنيا وهذا
الأصل وليس كونه ضائع لا يعرف ما يقول.
ودرجة صاحبها يقوم بعبادة التدبر وهذه العبادة
أعلاه أن يفهم أنه انتقل من هذه السورة لهذه وهنا الكلام عن قارون وهامان ما الجامع بينهم، وهذا لا بأس من البطء
فيه لكن المهم النتيجة.
إن لم تستطع الزم الاستعاذة، افتح القرآن
وحارب عدوك واعلم أن الله عز وجل ضعَّفَهُم حبسهم في رمضان فبقي عليك أن تحارب هوى
النفس، وتحارب وتدفع عدوك من الداخل.
إذن اتفقنا
على أربعة : تعلم عن الله اعتن بالأولويات بالفرائض ثم بالسنن النوافل ثم قم بهذه
العبادة العظيمة أن تتعلم تتعلم كيف تقرأ القرآن.
·
أبرم العمل بالعزم:
يعني مثلا أيقظك الله ساعة التاسعة صباحا الحمد لله وأنت جالس في مكانك ثم
تأتي الساعة التاسعة والربع ثم تأتي الساعة العاشرة إلا ثلث طول هذا الوقت وأنت
تقول فيه سأقوم وأصلي الضحى قبل أن يأتي الظهر، ثم تأتي الساعة العاشرة ثم العاشرة
والربع ثم العاشرة والنصف وأنت هذا كله تقول فيه سأقوم وأصلي الضحى قبل أن يأتي
الظهر، ثم تقول : أصلا هو نافلة لا إشكال في تأخيره !! هذه المشاعر التي تأتيك !!
ما ينفع ما يصلح من أجل أن تكون محسنا.
وأنت فاهم كون أن الله أيقظك وعندك القوة والطاقة وعندك سعة من الوقت أن
هذه نعمة فأبرم عملك بالعزم.
سنرى من نصوص كتاب الله عزوجل ما يدلك على هذا
الأمر وسنناقشه بالتفصيل ؛ لأن الإبرام بالعزم هذه نقطة فيها ضعف شديد عندنا مع أن
الله قد صفَّد عنا كبار الشيطان، لكن بقي علينا كما ذكر أهل العلم صغارهم، وبقي
المصيبة الأعظم عندنا وهي الكسل، لذلك لابد أن نعالجه بالإبرام.
o
يقول الله عز وجل في سورة محمد : {فَأولَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ
وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ
خَيْرًا لَهُمْ}[11].
هذه خطة لك لتعرف كيف تكون من أهل العزم أول
الأمر سنقرأ من تفسير الشيخ السعدي رحمه الله وفي آخره سيأتي مقصودنا.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله : ندبهم تعالى إلى ما هو الأليق بحالهم، فقال : {فَأولَى لَهُمْ طَاعَةٌ
وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} أي: فأولى لهم أن يمتثّلوا الأمر
الحاضر المحتم عليهم، ويجمعوا عليه هممهم، ولا يطلبوا أن يُشرع لهم ما هو شاق
عليهم، وليفرحوا بعافية الله تعالى وعفوه.
لأنهم طلبوا أن يجاهدوا والعمل المفروض عليهم
تركوه، مثلما أنت جالس هكذا تقول وقت الضحى المفروض أن تصلي الضحى فتقول اليوم إن
شاء الله أصلي 21 ركعة في الليل إن شاء الله اليوم بعد المغرب أختم القرآن... اترك
العمل الذي في الليل وفكر في الآن ؛ لأن هذه أصلا أحد حيل النفس والشيطان.
{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} أي :
جاءهم الأمر جدّ وأمر محتم.
يعني وقت قيامك بالعمل.
ففي هذه الحال لو صدقوا الله.
نريد
أن نعرف ما معنى أن يصدق الله عز وجل ؟
قال : بالاستعانة به ثم ببذل
الجهد في امتثاله.
أي حتى تصدق في عزيمتك، أنت الآن تريد أن
تتعلم وأن تبرم هذا الإحسان بالعزم ـ استعن وابذل، يعني يوجد عبادتين، والعبادة
العظيمة المفقودة في الغالب الأولى وهي الاستعانة، أما العبادة الثانية موجودة
فتجدها تتوضأ ثم تقوم وتلبس ملابس الصلاة لتصلي الضحى ثم تذهب وتأتي إلى الساعة الثانية
عشر وعشرة دقائق وبعد أن يذهب وقت الصلاة تتصل هل خرج وقت الضحى أم لا؟ فيحصل مثل
هذا لأن هناك بذل جهد لكن النقطة الأولى غير موجودة وهي الاستعانة.
أحيانا تأتي مشاعر أني أستطيع وسأفعل وسأصلي وأعاند
نفسي ثم أجد نفسي تائهة لا أدري أين ذاهبة، لذلك كلمة (
لا حول ولا قوة إلا بالله ) كنز من كنوز الجنة ؛ لأنها تدفعك للقيام
بالأعمال؛ لأنها تجعلك صاحب قوة للقيام بالأعمال؛ لأنك تقول لا حول لي ولا قوة على عبادتك
يا رب إلا أن تعطيني الحول والقوة.
فكلما أقبلت على وقت فاضل للقيام بالعمل فلا
يفتر لسانك عن قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) لأنها تكسبك
أمرين :
الأمر الأول : كنز من كنوز
الجنة ذكر مبارك.
الأمر الثاني : يَدُبُّ فيك
القوة والنشاط ما يناسب قوة تعلقك بالله فترى أمرا عظيما قضاه الله بأن أعطاك الله
الحول والقوة.
ولا يقع في قلبك شك أنك إذا تعلقت به خذلك
أبدا، قُلْها والزمها كلما أقبلت على عمل سواء في أمر الدنيا أو الدين وانظر آثارها على كل الحياة.
كلما أقبلت على أمر واستصعبت أمر اجعل قلبك
قبل لسانك ذليلا عند الله، كن صادقا محسنا في قول لا حول ولا قوة إلا بالله ليس
كلمة على اللسان فقط، بل حقيقة أنا لا أستطيع أن أقوم بعمل لو ما أعطيتني يا رب
الحول والقوة، لا أستطيع أن أحرك ساكن ولا أسكن متحرك لو ما أعطيتني الحول والقوة
يا رب، أنا العبد الضعيف و أنت القوي الذي تمد عبادك بالحول والقوة إن أردت مدني
يا رب بالحول والقوة {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}.
الآن وقت المغرب وقت ضياع عندنا، الناس يركزوا
في الظهر والعصر وممكن في العشاء أما الفجر فيه النعاس، وفي وقت المغرب نرى الأمور
مخلوطة فتجدني مشغولة ماذا سأفعل وماذا سأنظف، خصوصا النساء يكثر فيهم الضياع، فأنت
الزم أن تطلب من الله الحول والقوة أن يجمع عليك شتات قلبك وعيِّن في عقلك وقت ما
تقول لا حول ولا قوة إلا بالله ماذا تريد.
يا رب اجمع علي شتات قلبي واجعلني من المحسنين
في صلاتي وفي قراءتي وفي صيامي وفي قيامي بالعمل لا حول لي ولا قوة لا على القيام
ولا على الإحسان إلا أن تعطيني الحول والقوة، وكرر كرر بسم الله
توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي
المقابل ابذل الجهد في امتثال الأمر.
{لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} من حالهم
الأولى، وذلك من وجوه : يعني ماذا ستفعل
في الليل في القيام لا تجلس وقت صلاة الظهر وتقول في العصر سأقرأ كذا وكذا أنت
الآن ركز في العبادة لحالية لماذا ؟
لأنه {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} من حالهم
الأولى، وذلك من وجوه منها :
أنّ العبد ناقص مِن كل وجه، لا
قدرة له إلا إن أعانه الله، فلا يطلب زيادة على ما هو قائم بصدده،
يعني ركز في الشيء الذي أن تقوم به.
ومنها: أنّه إذا تعلّقت نَفْسه
بالمستقبل ضَعُف عن العمل بوظيفة وقته وبوظيفة المستقبل.
يعني لا تفكر في المستقبل ؛ لأنك لو فكرت في
المستقبل فإنك لا تقوم بالذي أنت تقوم به الآن ولا بالمستقبل ؛ لأنك تضعف.
أما الحال ß فلأن الهمة انتقلت عنه إلى غيره.
أي أن عقله وهمته انتقلت من صلاة الظهر إلى
صلاة العصر والعمل تبعا للهمة.
وأما المستقبل ß فلأنه لا يجيء حتى تفتر الهمة
عن نشاطها فلا يُعان عليه.
إذًا تعبد الله عز و جل كل وقت بوقته.
ومنها : أنّ العبد المؤمِّل للآمال المستقبلة،
مع كسله عن عمل الوقت الحاضر، شبيه بالمتألي الذي يجزم بقدرته على ما يستقبل مِن
أموره، فأحرى به أن يُخذَل ولا يقوم بما همّ به ووطّن نَفْسه عليه.
أي أن
شخصا كسلان، يقول : في الليل سأفعل كذا وكذا، وفي المستقبل كذا، بعد المغرب سأفعل
كذا وكذا، نقول أن هذا يجزم أن عنده القوة، إذن افعل ما أردت فعله الآن.
إذًا إبرام العزم يكون وقتيا
حاليا كل عمل بوقته.
تبرم عزمك بالاستعانة و الإقدام على العمل.
فالذي ينبغي أن يجمع العبد همّه
وفكرته ونشاطه على وقته الحاضر، ويؤدي وظيفته بحسب قدرته، ثم كلما جاء وقت استقبله
بنشاط وهمِّة عالية مجتمعة غير متفرِّقة، مستعينًا بربِّه في ذلك، فهذا حري
بالتوفيق والتسديد في جميع أموره.
لما تقوم الفجر وتصلي سنتها وتصلي الفرائض ثم
تجلس تذكر الله الوظيفة الآن أن تذكر لا تقول أول ما أنتهي أفتح المصحف وأقرأ كذا
وكذا، الآن أنت اجمع قلبك على الذكر الحالي، لا تتكلم عن الخطط المستقبلية، وعندما
تفرغ اطلب من الله أن يعطيك الحول و القوة أن تفتح المصحف و تقرأ كذا وعندما ما
تفرغ اطلب من الله الحول والقوة على أن تصلي ركعتين، فكل عمل بعينه ؛ من أجل تجمع
قلبك على الإحسان ؛ لأن أحد مظاهر الكسل أن تتأمل أن تفعل العمل في المستقبل وأنت
تارك للوظيفة الحالية.
إذا ثلاثة في للإحسان في العمل
:
(1)
تهذيبه بالعلم.
(2) إبرامه بالعزم.
(3) تصفيته من العقم.
نحن
لا زلنا في إبرامه بالعزم.
انظري إلى جهة أخرى :
قال ابن القيم رحمه الله: "أَنّ
الرّجْلَ إذَا حَضَرَتْ لَهُ فُرْصَةُ الْقُرْبَةِ وَالطّاعَةِ فَالْحَزْمُ كُلّ
الْحَزْمِ فِي انْتِهَازِهَا وَالْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا وَالْعَجْزِ فِي
تَأْخِيرِهَا وَالتّسْوِيفِ بِهَا وَلَا سِيّمَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِقُدْرَتِهِ
وَتَمَكّنِهِ مِنْ أَسْبَابِ تَحْصِيلِهَا فَإِنّ الْعَزَائِمَ وَالْهِمَمَ
سَرِيعَةُ الِانْتِقَاضِ قَلّمَا ثَبَتَتْ".
لذلك جمِّعها على نفسك في نفس وقت العمل.
"وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ
يُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَ لَهُ بَابًا مِنْ الْخَيْرِ فَلَمْ يَنْتَهِزْهُ".
يعاقبه بماذا ؟ "بِأَنْ
يَحُولَ بَيْنَ قَلْبِهِ وَإِرَادَتِهِ فَلَا يُمْكِّنُهُ بَعْدَ من إرادته عقوبة
له".
حتى تفهم المسألة، لو
تركت اليوم سنة المغرب لسبب ليس مقبول أو لسبب لا قيمة له، ثم فعلتيه غدا وبعد غد
فعلتيه كل هذه الأيام باختيارك، بعد بعد غدا لن تستطيعي أن تقومي به، يمنعك الله بمانع
ليس تحت تغييره ؛ لأن الله عزوجل قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}[12]
لذلك ابن القيم يقول لك : أَنّ الرّجْلَ إذَا حَضَرَتْ لَهُ فُرْصَةُ الْقُرْبَةِ
وَالطّاعَةِ فَالْحَزْمُ كُلّ الْحَزْمِ فِي انْتِهَازِهَا
وإذا لم ينتهزها وَاَللّهُ
سُبْحَانَهُ يُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَ لَهُ بَابًا مِنْ الْخَيْرِ فَلَمْ يَنْتَهِزْهُ
فالله يعاقبه بأن يحول بين قلبه وإرادته، فلا يمكِّنه بعد من إرادته ؛ عقوبة له فمن
لم يستجب لله و للرسول إذا دعاه حال بينه وبين قلبه، فلا يمكنه استجابة بعد ذلك.
إذًا أنت من أول الأمر من أجل أن تكون محسنا
لا بد أن تعتني بكل الفرص التي تأتيك، معنى ذلك أن الإحسان سيكون طول الوقت مهم.
كل ما أتتك فرصة اجمع قلبك على الإحسان فيها
اجمع قلبك على قراءة الفاتحة محسنا وعلى التكبير محسنا ؛ لأنك إذا تركت جمع قلبك
وأنت مختار كسلان فغدا لن تستطيع أن تجمعه لن تأتيك فرصة الجمع، وهذا من مكائد
الشيطان عادة، فلو صليت الظهر جيدا وأنت جامع قلبك ووجدته، يأتيك العصر ويقول لك :
يكفيك الظهر، أحسنت بما فيه الكفاية.
هذا الكلام سببه أن الإنسان يرى أن الإحسان تَفضُّل
منه، أي أنه لا يلزمه الإحسان فقط يقوم بالعمل ويرميه ليس كأنه مطلب وعبادة وقربى؛
لأن العبد ما له من صلاته إلا ما يعقل، فإذا ما كنت محسن ولم تعقل فالجزء الذي أنت
فيه ليس لك.
معنى ذلك أن العبد لا بد أن ينظر إلى مسألة
الإحسان وجمع القلب وقت القيام بالعبادة على أنها نعمة من الله يجب اغتنامها.
أنت الآن تمكنت من الإحسان وعقلك صافي اجمع
قلبك على الإحسان سترى أن من عطاياه أنه يجمع لك قلبك بعد ذلك منة منه ولذلك تعرف
إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، أنت الآن و أنت في رخاء اجمع قلبك وابذل جهدك وستأتيك
الشدة وقت المغرب ؛ لأن المغرب من الشدائد التي نمر بها، وقت ما تشعر فيه أنك ضائع
تجد أن الله لمَّ عليك شعث قلبك.
لأنك كنت محسنا فلابد أن يكون جزاء الإحسان الإحسان
ويجمع عليك قلبك ويذكِّرك بالطاعة ويفهمك ويجعل قلبك ارق ما يكون.
كلما سرت في طريق الإحسان كلما
زاد القلب رقة و انتفاعا.
بقي علينا الأمر الأخير الخطير وهو :
·
تصفيته من العقم: مما يجعله
عقيما.
الإنسان يأتي بحسنات أمثال الجبال، ثم يقع من
أنواع الكبائر التي تهلكه وتهلك هذه الحسنات، فانظر إلى جريمة مثل جريمة المنّ، كثير من الناس الله
عز وجل أعطاهم حب للإحسان إلى العباد !! عندهم مال وفرص يستطيعون أن يحسنون بها ودائما
بيوتهم مفتوحة لكن قلوبهم ممتلئة مَنَّا على الناس، فانظري إلى جبال الحسنات التي تراه كلها
تذهب بهذا المنّ!
انظري عندما يكون شخص عنده بستان وكله خُضْرَة،
ثم تصيبه نارا فتحرقه، هذا مثل حسنات عبد بذل الجهد و أطعم الطعام ثم صلى و الناس
نيام ثم أصبح ممتنا على الخلق!
هذا المَنّ التي هي الكبيرة ممكن أن تكون
باللسان أو بالجَنَان، والجنان أهون حالا من اللسان لكنها محرقة للحسنات
كلها، يجعل الجهد الطويل
الذي بذلته ذهب.
ومثله أيضا أن يأتي عبد بكبيرة الغيبة، بكبيرة
النميمة يطلق لسانه بعد جبال من الحسنات تأتي تجده يفلت بكلمة يتكلم على أحد
مستهينا، كل هذا الآن عقم لشخص يريد طريق الإحسان.
فكأنه يقال لك : احذر ثم احذر ثم احذر من
الكبائر المحيطة بك.
كلنا نعلم أن هناك فرص لكبائر يعيشها، الحسد
يحرق الحسنات كما تحرق النار الحطب، ثم أعظم من هذا كله ما ترى من عباد صالحين
ابتعدوا عن المعاصي و لزموا الطاعات فأصيبوا بالعجب! فتأتي هذه الكبيرة التي تكاد
تكون قاطعة لكل أنواع الإحسان التي يعملها العبد وتذهب بأعماله ؛ لأنك أنت الآن كنت
تقول لا حول ولا قوة إلا بالله لا أستطيع أن أعمل شيء إلا بقوتك يا رب أنا عبد
ضعيف ثم في لحظة ترى نفسك طائعا عابدا أحسن مِنْ إخوانك.
ولذلك نرى نوع من التنافس لم تسمح به
الشريعة لكن خدعنا به ترى ناس كثيرون يتسابقون و يتبارون معا، مَنْ أكثرهم يختم أو
يذكر فدائما عقلك بدلا من أن يكون معلقا برضا الله يكون معلقا بسبقهم ثم تسبقهم فتعجب بنفسك،
تكون أهلكت نفسك فهذا كثير، ولا نريد أن نشوش عقولنا بذكره لأنه
أحيانا كثيرة يسبب الإحباط ؛ لأنك تجد نفسك محاط، يعني في لحظة تقع في المن وفي
لحظة تقع في الكبر وفي لحظة تقع في العجب، وكل هذا من أمثال الذرة التي تدخل
فتتركها و تستجيب لها، مباشرة نريد ما الحل؟!
أُصبت بأحد أسباب العقم التي تقطع عليك آثار إحسانك،
فماذا عليك ؟
عليك بالثلاث :
1)
سرعة العود والتوبة والإنابة.
لا تبطئ ولا تطيل مباشرة في لحظة شعرت أنك أحسن من هؤلاء مباشرة بدون تفكير
بدون ما تحل المسألة أنيب إلى ربك استغفره، اعترف بفضله، أعد على نفسك أنك بدون
حول الله وقوته لا شيء وأنه امتن عليك وأعطاك، ذكر نفسك بأصل الأمر بأصل ضعفك و
انكسارك و ذُلَّك.
كثيرا ما يصاب العبد بقواطع الطريق فيُختبر هل
يعود بسرعة إلى ربه أم يستمر وينسى فأول الأمر أسرع بالتوبة والإنابة.
2) مباشرة عالج نفسك وعالج هذه الثغرة بعبادات
زائدة.
هذه العبادات لم تكن تسير فيها، يعني أنت تقرأ
جزء مثلا بعد كل صلاة ثم أُصبت بعجب أو أُصبت بكبر أو بحسد أو وقعت في أحد هذه
الكبائر المصائب مباشرة اقرأ جزئين أو ثلاثة أو تَصدَّق أو قم فأحسن لأي أحد
تستطيعه أو سارع إلى بر الوالدين وأكثر من برك دائما أو ابحث عن أي طريق تسد به
هذا الخلل الذي وقع منك ؛ من أجل أنك تخاف أن يغضب عليك الله فتخرج من حِمَاه.
فهذه حال شخص متعلق يريد رضا الله و يخاف أن
زلة تمنعه عن رضاه فيعود يتوب ويستغفر وبسرعة يقوم بأعمال عل الله عز وجل ينظر له
نظر الرحمة فيرحمه و يقبله ويقربه.
إذًا 1) التوبة الاستغفار، لا أن تقول استغفر
الله بكل برود لا بد أن تشعر نفسك أنك ارتكبت جرما يهدم لك جبلا من الحسنات ؛ لأن
العبد يأتي بحسنات أمثال الجبال ويأتي وشتم هذا وأخذ مال هذا وضرب هذا ونحن أغلب
الوقت في مواقف مثل هذه ما نشعر فهذه فتهلك العبد، وهذا الكلام يقال للكبائر و
للصغائر.
لأنه كما مثل النبي صلى الله عليه وسلم مثل
الصغائر بقوم نزلوا وادي وأرادوا أن ينضجوا طعامهم فأتى هذا بعمود وهذا بعمود ـ
بخشبة صغيرة ـ فاجمعوها وأشعلوا بها النار فأنضجت الطعام هذا مثل سيئة من هنا
وسيئة من هنا، صغيرة من هنا وصغيرة من هنا ثم هذه حسناتك التي في القدر تحترق،
فأنت سارع.
ثم 2) سارع إلى عمل جديد ما كنت تعمله عَلَّه
يسد ثغرة في خطأ.
3)
كن دائما مستغفرا سواء شعرت بذنبك أو لم تشعر ؛ لأن الخلل من طبع البشر ولهذا نحن
بعد أن ننتهي من الصلاة نستغفر الله.
فأكثِر من الاستغفار يُزال عنك ما لا تدركه من
أخطاء ؛ لأن هناك ما لا ندركه من أخطاء فنمشي وندفع الناس، ونمشي بالحرم ونجد أنفسنا
ندفع امرأة كبيرة دون أن نشعر فالزم الاستغفار علَّ كثرة الاستغفار تكون سببا
لمحو الذنب.
على كل حال : نحن هكذا تكلمنا عن الثلاثة
النقاط باختصار، الآن نختم لقاءنا بالكلام حول :
ماذا
نفعل وقتما نجد فتورا في نفوسنا ؟
الفتور
هذا هو لحظة سكون العبد، أي : أنه لا ينشط للقيام بالعمل الصالح، لكن الذكر
باللسان والعبادة القلبية وتذكير الإنسان نفسه بنعم الله وشكرها، هذا أمر لا يحتاج
منك إلى عمل وطاقة، فأول ما تفتر نفسك الزم الذكر.
والذكر نوعان :
1) ذكر باللسان، وهذا معروف تقول : سبحان الله
والحمد لله... إلى آخره.
2) وذكر
بالقلب و الجَنَان.
وذكر
القلب مِنْ أعظمه تقليب النعم، يعني وأنت مسترخ وما عندك طاقة تفعل شيء، ذكِّر
نفسك أنك في أعظم نعمة أنك من أهل الإسلام، ذكِّر نفسك أنك في أمن وأمان وصحة وأن
هذا كله أتاك من غير حول منك ولا قوة، ذكر نفسك أن الله عز وجل امتن عليك بوالدين،
امتن عليك ببيت، امتن عليك بزوج، امتن عليك بأبناء، ذكر نفسك حرِّك في قلبك شعورك
بالنعم فترى قلبا ساجدا منكسرا عند ربه ترى قلبا ذليلا عند ربه، واعلم أن تقوية
تحريك القلب بهذه الصورة لا بد على المدى الطويل أن تنشطك للطاعة.
يعني أنت في حال الفتور الزم الذكر ولا تستسلم،
لا تأتي عليك لحظة في رمضان أو ساعة أنت منقطع مبتور عن الله لابد أن تكون إما
عابدا أو ذاكر أو تاليا أو مصليا أو محسنا إلى الخلق لابد أن تفتح على نفسك باب
للطاعة وقت فتورك.
الآن الذكر سواء كان بالقلب أو باللسان هذا
نوع. وهناك جهة أخرى وهي جهة الإحسان إلى الخلق، وهذا من أقوى ما تُنشط الخلق،
يعني أنا الآن عندي ربع ساعة أو نصف ساعة أشعر أني همدان لا أستطيع أفعل شيئا، في
هذه الربع أو النص ساعة افتح جوالك و اكتب من صحيح البخاري من كتاب الدعوات دعوة
من السنة وأرسلها للقائمة، وإذا كنت فتران امسك كتاب التفسير مكان ما قرأت ووجدت
آية معناها عظيم اكتبها وارسلها وأنت في نيتك أن تحسن إلى إخوانك فيحسن الله إليك إن
أحسنت.
بمعنى لا تدع فرصة للإحسان في زمان رمضان إلا
فعلتها، ثم هناك الإحسان بالإطعام، والإحسان بتوجيه الأبناء وأمرهم بالمعروف
ونهيهم عن المنكر، والإحسان بتعليم الجاهل، والإحسان بترطيب قلوب المصابين...
أبواب لا نهاية لها.
المهم
لا تجعل دقيقة تضيع من وقتك في رمضان وأنت لا تجمع قلبك على طلب رضا الله ؛ لأن
الإحسان من ميزاته أن المحسن يطلبه في كل وقت وليس نصف النهار محسن والنصف الآخر
أنت لست تدري هذا لا يصلح.
وانظر إلى الزمن على أنه أنت وكلما
ذهب منه جزء ذهب إلى الله جزء منك، فتكون قدَّمت بين يديك إلى الله طريق.
فعلى هذا لا بد من اغتنام الدقائق واللحظات
ولابد من اغتنام الأنفاس.
واعلم أن مقدمة هذا الإحسان كله قبل أن تدخل
رمضان أن تلزم التوبة من الآن إلى أن تلقى هذا الشهر المبارك رمضان الزم التوبة ؛
لأن الذنوب هي العوائق عن الإحسان..
[1] ـ "رواه مسلم" (كتاب الصيد والذبائح/ باب الأَمْرِ
بِإِحْسَانِ الذَّبْحِ وَالْقَتْلِ وَتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ/ 5167).
[4] ـ [النحل: 128].
[5] [المرسلات: 41-43]
[7] "صحيح مسلم" (كتاب البر والصلة
والآدب/ باب تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ وَخَذْلِهِ وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ
وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ/ 6708).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.