الأحد، 5 أبريل 2015

الوسائل المفيدة للحياة السعيدة - اللقاء الأول


أُلقي في الشرقية يوم الإثنين 19 / 3/ 1433هـ
 
نقل لكلام الشيخ الذي تم شرحه في هذا اللقاء:
الحمد لله الذي له الحمد كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
أما بعد:
 فإن راحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم، فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه، فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالاً ومآلاً.
ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى، الذي يسعى له كل أحد.
فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة، وحيى حياة طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحيي حياة التعساء. ومنهم من هو بين بين، بحسب ما وفق له. والله الموفق المستعان به على كل خير، وعلى دفع كل شر.

1- وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار.
وسبب ذلك واضح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.
- يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه. أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها.
- ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم منه بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبر النبي --صلى الله عليه وسلم-- عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".
فأخبر --صلى الله عليه وسلم-- أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره. لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر فيتفاوتان تفاوتاً عظيماً في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح. هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والآخر يتلقى المحاب بأشرٍ وبطرٍ وطغيان. فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتته من جهات عديدة، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالباً، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى، قد تحصل وقد لا تحصل، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضاً قلق من الجهات المذكورة..


                                       
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد الله الذي يسَّر لنا  هذا اللقاء، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركًا مرحومًا.. اللهم آمين.
اليوم وغدًا موضوعنا الكلام حول هذه الرسالة العظيمة التي كتبها الشيخ السعدي -رحمه الله- وهي بعنوان
~ الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ~
الكلام حول الحياة السعيدة تشتاق النفس إليه كثيرًا خصوصًا وأن الناس اليوم يعيشون أزمات متكررة، ودائمًا تسمع عن أمراض نفسية وأصبحت كلمة (الاكتئاب) من الكلمات المتداولة, والحزن والضيق كلام متداول..
فهل إلى مخرج من سبيل؟ نعم، السبيل واضح وله أسبابه الشرعية التي لابدّ من نشرها، سنقرأ من الرسالة التي بين أيديكم وهي سهلة يسيرة، ومجرد قراءتها تبيّن معناها.
يقول الشيخ:
الحمد لله الذي له الحمد كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
أما بعد: فإن راحة القلب وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد.
يعني كل  الناس من مطالبهم الرئيسة أن تذهب هموم قلوبهم وغمومها، وعلى ذلك لابدّ أن تبقى ذاكرًا أن قلبك الذي هو محلّ نظر الربّ سبب رفعتك عنده أو سبب عكس الرفعة، فمصدر صلاحك في الدنيا والآخرة هو قلبك، كما هو معلوم أن ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))[1], فلذلك كان القلب من أهميته أن انشراحه سبب لسعادة الإنسان، وانقباضه سبب لغمّة الانسان.
وبه تحصل الحياة الطيبة ويتم السرور والابتهاج، ولذلك
يعني لراحة القلب وسروره  أسباب، ذَكَر  ثلاثة أسباب..
ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية.

من أجل أن يكون قلبك مرتاح هناك ثلاثة أنواع من الأسباب:
1-      دينية
2-      عملية
3-      طبيعية
أسباب دينية: يعني تدخل على نفسك مجموعة مفاهيم دينية تسبب لك أن ترى الدنيا بصورة صحيحة.
أسباب طبيعية: أي تجدها في الحياة, يعني كل الناس إن وجدوا هذه الأسباب أصبحوا في سرور.
أسباب عملية: تقوم  بها من أجل أن تدخل السرور على نفسك.
ولا يمكن اجتماعها
يعني الأسباب الثلاثة
كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم فإنها وإن حصلت لهم
ويعني إن حصلت لهم شيء من هذه الأسباب
وان حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه، فأتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالا ومآلا.
هذا الكلام معناه أن ليس فقط أهل الايمان يصلون إلى السعادة, ممكن أن يصل غيرهم إلى السعادة.
لكن هناك مشكلتين عند غيرهم.
1-      أن تناولهم للسعادة صعب, وأنت بطريقة أيسر تستطيع أن تصل إلى نفس النتيجة.
2-      لا تثبت أقدامهم على أرض السعادة.
يعني يبذلون الجهد الكثير من أجل أن يسعدوا، وأنت تبذل جهد أقل وتصل، حتى لما يصلون لا تثبت أقدامهم على هذه السعادة.
ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى، الذي يسعى له كل أحد.
فمنهم من أصاب كثيرا منها فعاش عيشة هنيئة، وحيي حياة طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء.
 قسّم الناس إلى أقسام:
1)    قسم أخذوا الأسباب كلها فعاشوا عيشه هنيئة.
2)    قسم تركوا الأسباب وعاشوا عيشة الشقاء.
3)    قسم أخذ جزء وترك جزء, حياته ستكون بين السعادة والشقاء.
 ثم بدأ بأول سبب:
وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأُسُّها هو: الإيمان والعمل الصالح
يعني أول وأهم الأسباب التي تجعلك من السعداء هو الايمان والعمل الصالح.
فأخبر تعالى في ذكر العبد الذي يعمل صالحا بالحياة الطيبة في هذه الدنيا  وسيبقى أجره على الله في  الآخرة.
المعنى أنك لا تظن أبدًا أن الاستقامة على الدين تطيب آخرتك ولا تطيب دنياك، هذا من وحي الشيطان, بل الاستقامة على الدين سببًا لصلاح الدنيا والآخرة، لكن الناس لا يفقهون سنة الله.
انظري لسورة الضحى لما يخاطب الله عز وجل نبيّه -صلى الله عليه وسلم- يقول له سنته في الحياة أن كلها عبارة عن أزمات تبدأ ضيقة ثم تتسع يقول له سبحانه وتعالى  {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى}[2]  هذه الآية تحمل معنيين:
 الأول: سنّة الله في الحياة أن كل أمر تدخله يبدأ ضيقًا ثم يتّسع، يقول سبحانه وتعالى للنبي صل الله عليه وسلم: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[3] يعني أول الأمر ضيق ثم يتحول إلى سعة {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى}[4] فالمقصد إن كنت مؤمنًا وتعرف الله، تعرف أنّ بعد هذا الضيق فرج, وتكرر على نفسك أن آخر كل أمر لابدّ أن يكون خير من أوله, لأن الله يقول {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى}.
المؤمن يعرف الله وإذا عرف الله طابت حياته, كل الإشكال دائر حول أن عدم الإيمان أو ضعف الإيمان سببه عدم معرفة الله.
كيف تؤثر عدم معرفة الله على الحياة؟ الله يربيك ليلًا ونهارًا, فإذا لم تعرف الله فلن تعرف يربيك على أي شيء, لن تعرف يريد أن يوصلك إلى أي شيء, لن تعرف سنّته في معاملة خلقه, لما يجهل الانسان هذا كله يصبح أمام لُغْز لا يستطيع تفكيكه, فإذا عجز عن تفكيك حياته وأسباب الضيق وأسباب السعة, ويقول لماذا تبدأ الأمور بالعكس ثم أجد أن بداية كل أمر في ضيق وأتخذ قرارات على أساسات البدايات؛ لأنه لا يعرف الله دائمًا قراراته على البدايات.
مثلًا هذه شابة تزوجت، لو ما تعرف أن سنة الله أن كل بداية لأمر هو الضيق ثم يتّسع، وبداية الأمر ليست  يوم أو يومين إنما بداية الأمر في الحياة الزوجة السنة والسنتين والثلاثة والأربعة والخمسة سنين، ثم تتحول الحياة إلى سعة لابدّ، الذي  يعرف الله ويعرف سنّته تطيب حياته, وتعرف الله لما يقوى إيمانك, فكلما قوي إيمانك، هذا دليل أنك تعرف الله.
{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}
الإنسان كيف يستقبل الأقدار التي تجري عليه؟ وقت ما يكون مؤمن يعرف الله بصفاته وأسمائه وأفعاله, يعرف أن من أسمائه أنه لطيف قريب مجيب من أسمائه أنه جبار, أتظنّ أنه ينكسر قلبك ولا يجبره لك! أنت فقط  قل له يا جبار وترى كيف يجبرك جبرًا، ألا ترى أن من جبره النسيان؟ كم من الأمور دخلنا فيها وفقدنا شيء عزيز علينا وقلنا الدنيا ستصبح سوداء إن لم يكن هذا موجودًا، ثم جبرك جبرًا، ثم عشت حياتك وأتت السعادة وهذا المحبوب مفقود..
أنت ترى أن النسيان من آثار جبره، يُجبرك بأن تنسى، فمن لم يعرف الله لابد أن يشقى، لا يكون الإنسان سعيدًا إلا بمعرفة الله، ولذلك لابد أن نضع يدنا تمامًا على هذا السبب؛ لذا نقول السبب الرئيس للسعادة هو الايمان والعمل الصالح.
نحن غالبًا نركز على العمل الصالح, يعني مثلًا يقول أشعر بضيق فيعمل أعمالًا يجد نفسه حتى بعد الأعمال في ضيق, ثم يقول أنتم قلتم لي سينشرح صدرك لما تصلي، وقلتم صُم، تصدّق، قُم الليل، اقرأ القرآن.. سينشرح صدرك!
والحقيقة أن العمل الصالح تابع للإيمان، والإيمان أساسه معرفة الله ومعرفة من تعامل, القضية ليست مجرد أن تسعى ببدنك, أصل سعيك هو بقلبك ولا يسعى القلب إلا بمعرفة الله.
تسمع الله وهو يخبرك عن نفسه أنه الملك العظيم القدوس السلام، ألست تكرر بعد كل صلاة (اللهم أنت السلام ومنك السلام) لو آمنّا باسم السلام فقط لطابت الدنيا؛ لأنك تقول له أنا أعلم أنك سالم من كل نقص وعيب, لا يمكن أن يكون شيء من صفاتك فيه نقص، بل صفاتك كلها كاملة، فمَنْعُك ليس من بُخل إنما من تمام الحكمة, أترى كيف حبس يوسف عليه السلام وله الكرامة عند ربه حبسه بعض سنين لكي يخرج في أحسن حال.  فلا يمكن أن يكون  الكامل إلا سلامًا سبحانه وتعالى، سالم من كل نقص وعيب.
لو عرفت لماذا أنت تردِّد اسمه الصمد عندما تقرأ سورة الاخلاص بعد كل صلاة وفي أذكار الصباح والمساء, لكي تقول لنفسك برغم ضعفي وبرغم فقري وبرغم عجزي وبرغم النقص الذي فيني، لكن الإخلاص كنزي؛ لأنه  سيسبب لي الركون إلى القوي العزيز الغني القادر سبحانه وتعالى.
دائمًا تقول لنفسك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ}[5] تقول أنا لست لوحدي أنا في الأرض واحد لواحد في السماء، وهو كامل في صفاته سيِّد قد كَمُل في سؤدده، ركني الشديد, فما تجد نفسك في وحشة ولا ضعف, وطول الوقت معك من تركن إليه، من تتّكل عليه، من تطمئن وتستأنس بقربك منه، لو تعرف ما معنى الصمد، ما معنى رب الناس، وملك الناس، وإله الناس، لو تعرف أنك عبد في الأرض لملك في السماء يعطيك لا يأخذ منك, ولهذا لو عرفت صفات الملك لتمّت لك السعادة.
إذن من أهم أسباب السعادة الإيمان، العمل الصالح تابع للإيمان.
ما هو الايمان؟
 رأس الايمان وحقيقته معرفة الله، من اين تعرف الله؟من أسمائه وصفاته.
وأنت تردِّد ليلًا ونهارًا أسماءه وصفاته, وأنت تقول {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ}، و أنت تقول {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، تقول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} .. إلى آخره.
كيف سيتصرف شخص يعرف الله ؟ يخبرنا الشيخ -رحمه الله-
وسبب ذلك واضح: فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة.
لما يدخل الايمان إلى القلب يصلحه، على ذلك ماذا تظن في قلبك قبل الايمان؟ القلب عبارة عن ماذا؟  القلب عبارة عن مكان مليء بالأمراض، أنت ابتليت بالأمراض, الله يخلق الخلق ويخلق لهم طباعهم وهي تدور بين الخير والشر,  لكن غالبا الطباع بدون الايمان تميل إلى أن تتحول ضد الانسان.
حتى كرم الانسان، يعني كريم وهي صفة حسنة يمكن أن تتحول ضده فيصبح مبذر ويصبح مرائي، يصبح يكرم من أجل أن يثني عليه الخلق وهذا الرياء، أو يكرم فيزداد الناس طمعًا فيه فيكره الكرم، فممكن تتحول الصفة الحسنة بدون إيمان إلى صفة سيئة ضد الإيمان، لكن لما يدخل الايمان يصلح ما في القلب من فساد.
معرفة الله مثل الماء الذى ينزل من السماء،  يقول الله عز وجل: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}[6]  الأودية عبارة عن قلوبنا، والماء الذي نزل من السماء عبارة عن العلم به سبحانه وتعالى، والماء الذي نزل من السماء يخرج الأمراض، هكذا العلم عن الله يخرج الأمراض من قلب العبد.
لذلك قال الشيخ:
وسبب ذلك واضح: فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب ..
فإيمانك وعملك الصالح أول أثر له أن يصلح قلبك ويخرج أمراضك مثل الحسد، الحقد.. لما تشعر بالضيق لأن أحد أتته نعمة فتقول لنفسك, أليس الله هو الرزاق..كما رزقهم يرزقني الذي يناسبني وتتفكك الأمراض بمعرفة الله.
القلب ممتلئ  بالأمراض, ويصلح القلب عندما يأتي العلم مثل السيل, يخرج الأمراض إلى الخارج ثم يفككها، وأنت تقوم بعملية التفكيك عندما يدخل قلبك علم عن الله, مثلا شعرت بحقد تجاه شخص، تردّد على نفسك ألست تحب أن يعفو الله عنك أليس الله قال: {إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً}[7] .
إذن الايمان يصلح القلوب.. فالقلب يكون شديد التعلق بمحبوباته، ولما تفهم ((أَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ))[8] تعرف أن الحياة مهما طالت لابد أن المحبوبات تفارقك، مهما طال الوقت، حتى أن بعض الفُرقة عجيبة غريبة, شخص أحبه تمام المحبة ثم استيقظ  الصبح أبغضه! لكي يحقق الله هذه السنة ((أَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ)).
إذا عرفت هذا الأمر، تهون عليك المحاب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ((أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا ، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا))[9] أنت تفهم الحياة لا تجعل سعادتك رهنًا لمحبوبات لابد أن تفارقها لا تجعل سعادتك بهذه الصورة، إنما أحبب من لا تفارقه أن يكون أنيسك في كل وقت، فكل هذا ناتج الايمان، كلما آمن العبد وعرف الله، أصلح قلبه وقلبه هو مصدر سعادته.
عليك أن تفكِّك نفسك تفكيكًا، ناقش نفسك مناقشةً، تأخذ العلم مادة خام، تعرف أن الله صمد أنه وهاب أنه لطيف أنه جبار، تفهم هذا كله، وكلما حصل لك شيء تأخذ قلبك وتعالجه وتعالجه، تناقشه تقنع نفسك وتحاوره، لكن وأنت جاهل ما تعرف الله، لا تعرف تحاور نفسك، فالسعادة منبعها من الداخل لا من الخارج.
أدخل على نفسك علم صحيح وهو علم الايمان، وسترى كيف تعالج جروحك، والموفَّق من وفَّقه الله.
فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.
يعني أنت الآن تملأ قلبك إيمانًا بالله ومعرفةً به, قلبك سيواجه الأقدار أيًّا كانت أحزانًا أو سرورًا،  فمن أجل أن تتعامل معها كما يحب الله، لابد أن تمتلئ بسلاح وهو معرفة الله وهي الإيمان والعمل الصالح.
الإيمان بمعرفته بالقلب والعمل الصالح بالجوارح, كلما عملت صالحًا وسجدت اقتربت، وكلما اقتربت ناجيت، وكلما ناجيت الله أول مردود عليك أن قلبك يزداد إيمانًا، إذن الايمان والعمل الصالح دائرة، ويزيد إيمانك قلبك عندما يمتلئ عمل صالح، كأن معك سلاح تواجه به الأقدار خيرها وشرها, كأن معك مادة تفسر بها الأحداث وتترجمها.
يتلقون المحاب والمسار بقبول لها
يقبلون الذي يعطيهم الله.  أحيانًا نشعر أن المحاب لا ينبغي لها جهد، المحبوبات في الدنيا لابد أنها مشوبة بالكدر، حتى المحبوب مشوب بالكدر ويأتي واحد منا لا يعرف هذه القاعدة يأتيه اكتئاب, يقول أنا ليس لي حظ في الدنيا حتى عندما أفرح لابد أن أتنكدـ حتى الفرح يحتاج إلى جهد, نقول هذه الصفة في محاب الدنيا تذوب لو عرفت كيف تعاملها.
أمثلة حول عدم قبول النعم:
·      عندما تولد ابنتي بالسلامة والحمد لله وخرجت من الأزمة, والولادة روح تخرج من روح , خرجت وطابت، ثم نمسك الطفل الذي رزقنا ربنا فنقول عينه صغيرة، أنفه كبير، رأسه كذا..! هذا أول دليل على أنك لا تعامل الله كما يحب ويرضى، هؤلاء المؤمنين يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، لا يوجد أحد يعيب النعمة.
·      عندما يدخل الأبناء للمنزل ظهرًا والحمد لله نحن في أمن وأمان ونأكل ونشرب.. ثم يقولون لا يوجد إلا هذا الطعام! هؤلاء تمرّنوا على يد الكبار انتقاد النعمة, هم لم يقولوا هذا الكلام على الطعام لكن أصبحت سياسة حياة، فعندما يكون أسلوب الشخص أنه كل ما أتت عليه نعمة انتقدها ويقول لو كانت كذا وناقصها كذا، نكون هنا بدايوة الخروج من الحياة الطيبة، لأن أول شرط في الحياة الطيبة وقت ما تأتيك المسار أن تقبلها كما هي.
·      فتاة تقدّمت في العمر ولا زوج لها، ثم جاءها زوج فقبلته ودخلت إلى الحياة الزوجية، فكل يوم تُخرج عيوبه، ثم نخبرها  أنها في نعمة وأصبح لها بيت بعد أن لم يكن لها.. فتقول (لكن) وتضع قائمة من النواقص، وهذه عين عدم الرضا عن الله.
القضية أنك تعامل الله، فهذه عين عدم الرضا عن الله، ولابد أن تكون سبب لشقاء الإنسان.
المحاب أصعب من المكاره في التعامل معها؛ لأن المكاره حولك من يعينك على الصبر عليها، لكن المحاب حولك من يقلل قيمتها, قوم حساد وقوم لا يعرفون الله، فلما تأتيك النعمة يقللون من قيمتها.
وشكرٍ عليها، واستعمال لها فيما ينفع
هناك قوم معهم إيمان ويعلمون أن الله من صفاته أنه حكيم ويقسم الأرزاق على ما يناسب الخلق، ويقسم العطايا التي تكون سببًا لصلاح حياة الإنسان, فأول ما تأتيهم المسار يقبلون ثم يشكرون.
عليك أن تَقْبَل ولا تنتقد، إذا كنت تعيب، فهذه النعمة ما شكرتها كما ينبغي، لذا اقبلها واعلم أنها أتتك في الوقت المناسب تمامًا, لن تنفعك إذا تقدّمت دقيقة أو تأخّرت دقيقة، ما تنفعك إلا في الوقت الذى أعطاك الله، أي نعمة تقول فيها بنقص فأنت تتهم الحكيم في حكمته.
لو أنّ شخصًا أتته عطية من مَلِك، ورسوله واقف عند الباب وأصبح يقلّبها ويقول لكن ولكن..! هل يستطيع أن يفعل مثل هذا؟  لا، بل سيقول يكفي أنها جاءت من عنده ويكفي اهتمامه بي..  ولكن  الملك العظيم الرب الكريم كامل الصفات الوهاب الذي أنت بدونه لا شيء,  أهذا ردّك على عطاياه !
فأول السعادة الإيمان, الإيمان يجعلك تعامل عطايا الله بالقبول ثم الشكر, ثم هذه العطيّة لا تطغى بها، استعملها فيما ينفعك, ولذلك كل عطيّة بليّة يختبر الله فيها رضاك عنه، يختبر شكرك له، يختبر انتفاعك به، واعلم أنّ الحكمة مناطة بالشكر، فكلما كنت شاكرًا، دلّ على أنّك حكيم.
الرابط بين الحكمة -ضدّ السَّفه- وبين الشكر: الحكيم كلّما قلّ عقله، قلّ شكره، وكلّما زاد عقله، زاد شكره.
ودليله في سورة لقمان حيث أخبرنا الله أنه آتى لقمان الحكمة قال سبحانه وتعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي}[10].
فهناك علاقة بين الحكمة والشكر {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}[11]، من قال أن الله في حاجة لشكرك! شُكْرك لنفسك.
مثلًا صغير سفيه لا يعرف حقائق الأمور وتعطيه شيء بذلت الجهد من أجل أن تعطيه إياه وهو لا يقدّره, ثم تقول له لأن عقلك ما تصوّر وما استوعب قيمة ما أعطيتك لذلك أنت لست شاكرًا.
نبض قلوبنا ليس بيدنا، نَفَس رئتنا ليس بيدنا، حركة أقدامنا ليس بيدنا، فنحن لا حول ولا قوة لنا إلا بالله، فعندما لا تشعر بهذا كله تأتيك عطايا الله منه، يأتيك الحول والقوة منه سبحانه وتعالى وأنت ترى نفسك كأنك تملك الشيء, فالنتيجة أن تقول من الطبيعي أن قلبي ينبض ورئتي تتنفس ورجلي تمشي! كل هذا من الطبيعي ومن أين أتى الطبيعي وهي عطية من عند الله تستوجب الشكر!
هل من الطبيعي أن تكون مبصرًا؟ ما بال من أصيب؟ ما بال من ولدوا ولا يستطيعون أن يسمعو؟ فكل النقائص في الدنيا تقول لك: كل ما تملكه عطية من الله متّعك الله به.
فعندما تصبح حسّاسًا تجاه النعم معناه عندك عقل تفكر، وكل نقص تراه أمام عينيك يجعلك ترجع إلى نفسك وتقول الحمد لله الذي وهبني هذا الشيء, الحمد لله الذي أعطاني, فيصبح عندك سمع وبصر يترجم الحقائق ويكون عندك عقل يدركها, أصبحت حكيمًا وأول ما تصبح حكيمًا لابد أن تكون شاكرًا.
قم بزيارة المستشفيات لتننظر كيف أعطاك الله الاستواء النفسي والبدني, أولئك عند الله مأجورين وكل واحد على حسب بلائه, لكن أوجد الله النقائص في الأرض ليعلم أهل الكمال أن كمالهم عطيّة, ونقص أهل النقص طريقهم للجنة, فكلما زدت عقلًا وحكمةً زدت حساسية تجاه النعم.
انظر من يدرس صعوبات تعلم لابد أن يشكر الله كثيرًا! الصعوبات ليس لها علاقة بالذكاء والتخلف العقلي ولا يخلو منها أحد، إنسان قدرته طبيعية وذكاؤه طبيعي لكن عنده خانة واحدة في عقله أقل من باقي الناس، وإذا تريدون معرفة نعمة الله عليكم وتخرجون أولادكم من صعوبات الدراسة لابد أن تعرفوا أن الناس قدرات, يغطي كل إنسان شيء ويعرف أن الموهبة تأتي من الله.
المقصد من أجل أن تكون سعيدًا لابد أن تقبل نعمة الله ثم تشكر النعمة ثم تستعملها فيما ينفعك .
فإذا استعملوها على هذا الوجه، أحدث لهم -من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين- أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها.
فالنعمة تُدخِل عليك السرور لكن الذي  يدخل السرور عليك أكثر أن تعاملها كما يحب الله، فلا تحول النعمة إلى نقمة عليك.
من أجل أن تبقى النعمة عليك وتجرّ سرور آخر، استعمل هذه الثلاثي معها:
1-  ارضى بها
2-  اشكرها
3-  استعملها فيما ينفعك
وسترى أن الله يشرح لك صدرك لهذه النعمة, فالنعمة نفسها تشرح صدرك وهذا التعامل مع النعمة يبقي انشراح الصدر طويل المدى. قد يأتي شيء تفرح به في أول الأمر ثم ينقلب عليك؛ لأن الذي فرحت به من الأقدار قد لا يُستعمل فيه ما يريد الله من الرضا والشكر والعمل.
نقف وقفه أمام كلمة الشكر ونرى كيف يكون الإنسان شاكرًا؟ 
يكون شاكرا  بالقلب واللسان وكيف يكون ذلك ؟
هناك ثلاث خطوات في الشكر:
الأولى: نسبة النعمة مجردة، لا تتكلم عن أحد وأنت تتكلم عن نعمة الله، ولا تتكلم على الأسباب ولا تثني عليها، أولا تنسبها إلى الله نسبة محضة.
الثانية: تحمده إما حمدًا بصيغة الحمد، وإما بدوام الثناء على كمال صفاته.
الثالثة: الشاكر دائمًا ذاكر للعطايا.

أول الشكر ورأسه: أن تنسب النعمة نسبة محضة أي خالصة لله؛ لأن الله يخبر عن قوم يعاملهم بعطائه كما أخبر في سورة هود ويكشف عنهم الشر وماذا يقولون؟  {ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}[12]
ماذا تعني ذهب السيئات عني في الواقع يعني؟ كأن السيئة مشيت على رجليها، كأن لا صارف للشر،كأن لا مذهب للمرض، واضحة كيف هيا  الالفاظ؟ يحصل فيها حالة من الانزلاق بعيد عن الشكر، يصبح أول الشكر نسبة النعمة نسبة محضة إلى الله، يعني ما أعطاني هذا من فضل ربي ما رزقني إلا الله إلا الله ما شفاني إلا الله.
ولا تَمِلْ قلوبكم للحديث عن الأسباب، فالأسباب ما وهبها إلا الله ولا نفعك بها إلا الله {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}[13] أنت لا تشكر التربة الخصبة ولا الشمس المشرقة ولا الهواء ولا المطر ولا السحاب، بل تشكر من نفعك بها، من جَمَع لك هذا (فَلَق الحبّة، أخرج الثمرات..).
اسمع ما قال ابراهيم عليه السلام في قومة يقول لهم كلام عن الله، كلام يدور في حياتنا، يطعمني ويسقين {وإذا مرضت فهو يشفين} هو وحده، وفي الحديث ((يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ))[14].
يعني لا أنت أطعمت نفسك ولا كسيتها ولا أنت هديتها كلها بمنته المحضة لا جاءت بنفسها ولا أنت أتيت بها، إنما وهبك إياها موهبة ولذلك يقول لك { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ}، {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ}، هذه العوامل كلها تعتبر ثلاثي, هذا ما تحرثون من فواكه وخضروات والنار والماء هذه ثلاثي الطبخ، هذه الثلاثة من أين جاءت؟ من الله. إذن ما تطبخه وتطعمه أطعمك إياه.
النسبة المحضة لله، فلا تُدخل الطبيب ولا المزارع ولا الشركة.. ولكن لو أن العامل أتاك بماء فلا تسبّه ولا تطرده بل قل له شكرًا بطرف لسانك، والحمد كله لله.
لكننا نرى ضعف اليقين حولنا، تجد الناس قلوبهم ممتلئة حمدًا لمن مدّ يده، والحمد كله لله، ولو مُنعت مِن الله ترى كل السخط على هذا الشخص!

الخطوة الثانية : أن ينطلق هذا على اللسان فنراك ذاكرًا مثنيًا على الله في كل مكان، وهذا معنى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[15].
فمثلًا شخصٌ يقول ربنا نجّانا، حمانا، يسّر لنا، ثبّتنا.. كل الثناء لله، وشخص آخر يذكر قصة مأساوية نصف ساعة ويحكي تفاصيل المتاعب ثم في النهاية (الحمد لله خرجت!) هذا ليس مِن {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}, كل اللطف الذي مرّ بك حدِّث به عن الله، فسِّر الأحداث التي تدور حولك بما تعرف عن أسمائه وصفاته.
كذلك في تربية الأبناء أخبرهم أن السفينة التي تجري في البحر ما أجراها إلا الله, حتى الرياح في الجو ما جعلها تهب إلا الله، هذا أصل الشكر، أن تنسب النعمة محضة إلى الله, وأن تحدِّث بكمال صفات الله، الشاكر هو الذي يتحدِّث عن الله برضا في كل مكان، تجده يكلمك عن الله راضيًا, ويقول آوانا، أعطانا، سقانا، لطف بنا، أخرجنا من الأزمات، كل هذا تثني عليه وتحمده.
فهل تعرِف الملِك العظيم؟ هل تعرف أنه قدّوس وسلام ومؤمن ومهيمن لا يخلف وعده إذا وعد خلقه {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[16]؟
ولهذا لابدّ وأنت شاكر تتيقّن بوعده ويكون أمام عينيك قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[17].

الخطوة الثانية : الشاكر دائمًا ذاكر للعطايا.
وكيف ذلك يكون؟  مثلا آخر الشهر الذي مضى أفلسنا، ثم ربنا أعطانا من حيث لا نحتسب,  من ثم هذا الشهر نعيد نفس الأزمة فتقول لنفسك في هذه الأزمة مثل ما أعطاني الشهر الذي  مضى سيعطيني هذا الشهر, فالشاكر ذاكر، لا ينسى العطايا.
أما غير الشاكر ينسى عطايا الله, وينسى أنه نجاه بالأمس و رزقه قبل الأمس، وأعطاه.. فهل يتركه اليوم؟!
كثير من الموظفين والموظفات دخلوا في سوء الظنّ, أريد أن أبني بيتًا قبل أن يتركوني أولادي! وأبني لي مستقبلي, هل الذي  حماك في بطن أمك وأخرجك صغيرًا وأطعمك وسقاك ثم بلغت هذه القوة هل سيتركك! من وظّفك؟ من علمك؟ من أعطاك المال؟ أليس هو الله! كيف سيتركك!  كما تولّى أمرك في الأولى سيتولاك، لكن لمن؟ لمن أحسن الظن.
يأتي من يقول لكن يوجد في الواقع كذا وكذا.. تذكّر أنا عند ظن عبدي,  من ظنّ أن ربه يتركه في آخر حياته، سيأتيه ظنه، والذي أحسن الظن بربه وتعلق به ولم يكن همومه أن يبني هنا, سيأتيه ظنه .
أنت تعرف أنك ذاهب آخر حياتك، فالمفروض أن تفكر في حسن الخاتمة, وتفكر في لقاءربك الذي ستكلمه ما بينك وبينه ترجمان.  وأنت الآن تفكر بتأمين المستقبل, أين تؤمِّن مستقبلك هنا أم هناك؟! ثم  بعد هذا تجد الحياة ضيقة، ثم ترى ناسًا يضيعون عشر سنين وخمس عشرة سنة بأخذهم  قرض على عشرين سنة! تضيق على نفسك وأولادك على وقت لا تضمن بقاءك فيه! كل هذه سياسة لا تناسب من كان مؤمنًا، كل مؤمن يقول {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} سيزيدني قناعة وليس شرط مالاً، بل تزيد قناعاتي عن الدنيا وتقلّ اهتماماتي وطمعي، فيقلّ صرفي فتطيب لي الحياة.
أول ما يأتيك القدر الذي يسرّك، عليك أن:
1- تقبله ولا تنتقده
2-  ثم تشكره
3- ثم تستعمله فيما ينفعك .
وستلحقك مسرات زائدة على المسرة الرئيسة.
نأتي لهم وهم يتلقون المكاره.. يقول الشيخ أول سبب من أسباب السعادة الايمان بالله والعمل الصالح، الذي يؤمن بالله ويمتلئ معرفة بالله يعامل الأقدار كالتالي : أي مسار تأتيه يتعامل بالمعاملة الثلاثية السابقة.
أما المكاره، قال:
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمورا عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه.

نرى شخص تعرض للمسارين مسار المقاومة ومسار الصبر .
مسار المقاومة معناه: أن العبد لا يقع في قلبه يأس من روح الله أبدًا، ولا كفر بنعمة الله؛ لأنه كما أخبر سبحانه وتعالى أن بعض الخلق يؤوس كفور يجمع بين صفتين كما في هود، ومعنى  يؤوس يعني ييأس أن هذه النعمة تعود مرة أخرى.
كلما كان العبد مؤمنًا، ظنّ في ربه ظنّ جميل، ما يظن في ربه إلا خيرًا، ينزع النعمة يختبرك ووراء نزعها مصالح أعظم مصلحة من نزع النعمة, لو نجحت في الاختبار جاءك أحسن منها, إذن المصائب والمضار لابد أن تعرف أن لها مسارين في التعامل:
1.    معاملة المقاومة : تقاوم اليأس، فاليائس عبد يشك في قدرة الله.
2.    ومعاملة الصبر : يعني الشيء الذي لا مردّ له تعامله بالصبر.
مثلا أنت في وظيفة وفي مدرسة قريبة وجميلة ومباركة ومجاورة لبيتك ومديرة مناسبة.. فتنتقل المديرة لمدرسة أخرى، تقولي من أين لي بمديرة مثل هذه؟ نقول الذي وهبك الأولى يهبك الثانية.
امرأة عندها عاملة في المنزل لها عشر سنين دربتها وعلمتها ثم ذهبت، فتعامل الله باليأس تقول من أين تأتيني واحدة أحسن من هذه أو مثلها! الذي أتى بالأولى يأتي بالثانية.
الله عز وجل يأخذ منك ليعطيك أحسن، وفي الوسط أنت مختبر بين النزع والعطاء، تحسن الظن أو تيأس من روح الله أو تكفر بالحياة التي عشتها وتعامل الله معاملة اليائس وتظن به شرًّا وتظن أنه لن يعطيك! أحسن الظن فهو عند ظنك.
أنت تراه شرا وتعمى عن رؤية الخير فيه، يعطيك نفس القدر، لو نجحت في الاختبار يبصرك بخيريته وإذا لم تنجح تعمى عن خيريته.
وصف الله في كتابه أن بعض الخلق إذا نزع الله منهم النعمة أصبح يؤوس كفور.  يؤوس يعني ييأس أن الله يبدله نعمة أحسن من التي فاتت, لكن لما تنزع منك النعمة افهم سنة الله , وهي تنزع النعمة وتبدل بخير منها وفي الوسط بين النزع والعطاء فترة اختبار, إن أحسنت الظن وكنت واثقًا في قدرته أعطاك عطاء مدهشًا، وإن أسأت الظن أعطاك وعميت عن رؤية عطائه.
لما تنزع النعمة وأنت قوي في أمَلِك في الله وقوي الثقة في قدرة الله، تجد نفسك تقاوم وتدفع اليأس لأن اليأس يأتي من الاكتئاب.
ألا ترى عطاء الله ليوسف عليه السلام، حُبس ولما أعطاه، أعطاه عطاءً مدهشًا! هذه من سنة الله..
ألا ترى أن أمورًا تُحبس عنك زمنًا ثم تأتيك من كل باب؟ أتعرف لماذا حصل لك كذا؟ لكي يقال لك أن كل ضيق وراءه فرج وأن عطاء الله بعد الضيق عطاء مدهشًا، إذا أعطى أدهش سبحانه وتعالى.
قدرة المَلِك سلام أن يكون بخيلاً، بل هو سبحانه وتعالى تامّ الكرم، يده سحاء الليل والنهار، يعطي عباده بلا حساب لكن يعطيهم ما ينفعهم ويصلحهم، ثم إذا نجحوا -وأسأل الله من فضله في الجنات- يكون العطاء المطلق لا يقطعه شيء، لكن هنا في الدنيا العطاء محدود.
من أجل أن تنجح إذن في المكاره من أجل أن لا تتحول المكاره إلى سبب إلى الاكتئاب,كل ما تستطيع أن تقاومه من المكاره قاومه وذلك الذي ليس وراءه فوت عامِل الله فيه بالصبر، فإن عاملته بالصبر عاملك بالجبر, حتى إنك ترى المفقود  كأنه صفحة حياة انقلبت وكأنك لا تقرأها ولم تقرأها سابقًا! فجَبْره يفوق الوصف.
يذوق جَبْره مَن تعلَّق به جابرًا لكن لا تطرق أبواب الناس تظنّ أن الجبر عندهم, واعلم أن هذه العطايا تعطى لمن كان معه إيمان، فكلما زاد إيمانك، زاد جبر الله لقلبك، كلما آمنت أن الله هو الذي يجبرك زاد جبره، ولذلك نحن  في السجدتين نقول واجبرني، هذا طلب دائم لأنك طول الحياة تتكسر، أتعرف تكسيرات القلوب لماذا؟ لتبقى واحد في الأرض لواحد في السماء، لو اجتمعت هذه القاعة و لو اجتمع الناس ولو اجتمعت هذه الدولة وهذه الأرض لتجبر قلب عبد ما استطاعوا.
ولذلك تجد عند بعض أشخاص يُحرمون الجبر! فهناك امرأة مات لها ولد من تسع سنين ولسبب أو لآخر ما جبرت، كانت تحكيني تفاصيل موته كأنه بالأمس حصل الحدث! لتعرف أن هذا النسيان والجبر من العطايا، فلا تجعل الناس حولك يشوّهون لك الجبر!
فقد تجد نفسك الحمد لله وقت هذه الأزمة أتت وذهبت وأنت صابر ثم تعدّيتها ومارست حياتك الطبيعية، ويأتي الناس  يقولون لك كأن ما مات عندك أحد! كأن ما صار لك شيء!  الخلق يثيروك على الرب, يكفروك نعماءه, اعلم أن الله  ينزل المصاب وينزل معه جبره، فمن شرح صدره لاستقبال الجبر جبره الله, والله هو الذي يحبس قلب العبد أن يتمزق،  وكم مررنا بأزمات لما ننظر إليها الآن من بعيد نقول كيف مررت بها! كيف صبرت كيف تحملت كل هذا! وهذا  من آثار جبره سبحانه وتعالى للخلق.
ليس المصاب الوحيد الموت، هناك أنواع من المصابات, إذن لما تنزل عليك المصابات ينزل معها جبر , افتح قلبك من أجل استقبال الجبر وهذا من عطاياه، كلما زدت إيمانًا زادك الله جبرًا.
إذن الصبر أمر لا تتكلّفه, أول ما تستقبل الحدث احبس نفسك ذاك الوقت القليل وترى كيف يصبّرك الله، من تصبر صبّره الله، وكيف يصبّره؟ ينزل على قلبك الجبر وهذا الجبر يدفع عنك الاكتئاب ويدفع عنك رياح الذاكرة، فنحن أحيانا يجبرنا الله فنقوم بإخراج صور ونخرج الذكريات ونراجعها.. فنحن بهذا نكسر الجبر، هذا كله ضد ما يحب الله.
 المطلوب أنك تتعامل مع الأقدار كما يحب الله، فاذا كانت خير وسرور لا تكن أشرًا بطرًا وإذا كان مما يزعجك لا تكن يؤوسًا كفورًا جازعًا من أقداره، عالجها كما يحب الله, سيتحول الأمر إلى أن تنكشف عنك الغمّة، وتدخل إليك السعادة والاستقرار النفسي.



سؤال من إحدى الحاضرات: هل يعتبر الإنسان يعترض على قضاء الله إذا تكلم في المشكلة (الفضفضة)؟
الفضفضة أكبر مشكلة نعيشها، هذه الفضفضة تكبّر لك الموضوع، لما تعيشي المسألة بدون ما تسمعيها غير لما تقوليها لنفسك فتكبر، فلما يكون بين المرأة وزوجها مشكلة وانتهى الحدث وذهب ونسيتي الكلام الذي قاله, ثم تتصلي على أحدهم وتفضفضي, عندها تتذكرين, فلما تعيد على نفسك الكلام أنت أول شخص يتأثر وتزيد عندك المشكلة، هذه الفضفضة احبسوها.  اعبدوا الله بالتوحيد؛ أي لواحد اشتكي، أنا عبد هنا في الأرض اشتكي لواحد في السماء, ولا  تتكلم إلا في حال المشورة، والمشورة أن تخبر واحد فيه صفات معينة, لا تخبري أخت لا تحب الرجال أو حصل لها موقف معهم  وتخبريها القصة وتختاري كيفما شئت! لأن طلب الشورى عبادة لابد أن تكوني فيها تقية, لا تشاوري شخص يعطيك رأي على هواك أنت.

يقول:
 كما عبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال: ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)) [رواه مسلم].
المؤمن الشخص الوحيد الذي ينتفع بكل ما يمرّ عليه لأن إيمانه يفسّر له الأقدار التي تجري عليه، يقول لنفسه لما يأتي ما يعجبه أن الله يعاملنا بفضله,  لما يأتي ما لا يعجبه يقول لنفسه أن الله يختبرنا ويبتلينا يريد أن يرفع مكاننا يريد أن يمحّصنا, فأنت مع الأقدار وأنت مؤمن ترى آثار صفات الله في عطايا الله.
كم مرة وأنت في مكانك ما تكلمت إنما مرت على خاطرك أمنية فأعطاك! الله سبحانه وتعالى معك يسمعك ويراك ويعلم حركة قلبك التي لم تنطق بها، ثم يعطيك على أمانيك, إذا كان قريب أقرب من كل شيء إلى كل شيء كيف على غيره تتّكل وكيف بغيره تتعلّق وكيف يكون في قلبك ثقة في غيره! حتى تشرح وجهة نظرك لأحد ما وتطلب منه شيء أحيانا تتعب لكي يعطيك الشيء الذي يوافق مرادك، نترك الله الملك العظيم القريب المجيب ونعلق قلوبنا بالخلق!
قال:
فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره.
أي شيء يأتيك من مسرة أو مكروه فهي فرصتك وأجرك وبركتك متى؟ لما تتعامل معها كما  يحب الله.
لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر، فيتفاوتان تفاوتًا عظيمًا في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح. هذا الموصوف بهذين الوصفين
أي الإيمان والعمل الصالح  .
يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة،
كل هذا يزول لأنه يعامل رب يعرف كمال صفاته.
وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار.
والآخر يتلقى المحاب بأشر وبطر وطغيان، فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، -طماع وخائف-  ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتتة من جهات عديدة، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالبا، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى، قد تحصل وقد لا تحصل، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضا قلق من الجهات المذكورة.
هذا كله في الأشياء التي يحبها, فالذي يكون ناقص في الايمان كيف يتلقاها؟ يتلقاها بِأشر وبطر وطغيان يعني أول ما يعطيه الله يستغن عن الله، يظنّ نفسه أنه مادام تملك إذن لن يحتاج.  وممارسة الاستغناء لا نملّ من تكرار شرحها لأنها أول ما ذكر سبحانه وتعالى من الأخلاق الفاسدة عندما نزلت أول سورة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصف الله عز وجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم خلق يفسد على الإنسان حياته {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[18] الاستغناء هذه ممارسة قد يعيشها الإنسان بتكرار وهو لا يشعر، تكون في أمس الحاجة لعطيّة الله, يعطيك الله تجد نفسك مستغن عن الله بما أعطاك الله!
مثلًا: تصوّري عندك ضيوف وطعام العشاء ليس على عدد الضيوف,  بعد ما تجهزي العشاء تقولين بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا يارب جمّلنا.. كل هذا لأنك تجد الأكل قليل، ولكن في المرة الثانية أتاك الضيوف والأكل كثير عندها ما يحتاج دعاء ولا حتى بسم الله!
مثال آخر: عندما أطبخ لأول مرة الأكل، والزوج ينتظر ويريد أن يقيس مقدار النجاح، أقول بسم الله وأدعو الله، أما في المرة العاشرة من الطبخ لا توجد كلمة بسم الله، واضح الاستغناء.
فأول ما يعطيك ويغنيك وييسّر لك الأمر ردة الفعل المباشرة أن تستغني عنه، هذا كله من ضعف الإيمان، وما أتاك من النعيم لا يبارك لك فيه إلا إذا كنت متعلقًا بالله الذي أعطاك النعيم أما أن تستغني عنه من المؤكد أنه سيتحول النعيم إلى عذاب عليك.
قال يصبح عنده عندما يستغنى صفتين (الطمع والهلع)، الهلع مثلًا أم لا يوجد لديها أطفال ثم رزقها الله أولادًا, وهو الذي وهب بعد خمسة أو عشر سنين, فتبقى الأم خائفة وتقول أنا لم آتي بهم بسهولة! لو كنت مؤمنًا سترى أن الذىي وهبك هو الذى يحفظه لك، الذي أعطاك العطية يحفظها لك، أما تبات الليل والنهار وأنت قلق فهذا معناه أنك لا تؤمن أن الوهاب هو الحافظ، تتوكل على نفسك تتصور أن ربنا أعطاني وعلي الحفظ, القلق الشديد من ضعف الايمان.
النساء يتعبدن بعبادة الاستيداع، تعرف التفصيل وتستودعه ولا تستطيع أن تنام! هذا ليس صدقاً إيمانا بالله إنما هذا ضعف في الإيمان شكاً في قدرته سبحانه وتعالى، هذه المشاعر لا تسيطر عليكم.
نعمة الزوج، تقوم بعمل برج مراقبة عليه! كل مرة تسأله وتبحث في جواله.. ثم  تقول لابد أن أحافظ على زوجي! كأنها هي التي ستحافظ على زوجها, منك إلى الله ومن الله إليه ثم منه إليك، أتتصور أن قلبه ملكك! لو فعلت ما فعلت ما يملكه إلا الله.
ضعف الإيمان أورثنا تصرفات واضحة في دلالتها على الضعف وللأسف كل المجتمع موافق عليها.
كل ما وهبك الله من نعم لا تعامل الله معاملة من هو هلع خائف، النعمة التي وُهبت لك الله هو الذي يحفظها، المطلوب منك أن تتعلق به وتشكره وتسأله وتقول أنا على يقين يارب أنك كما وهبتني ستحفظ علي وإيمانك أنه حفيظ يجعل العطايا لا كدر فيها.
وُصف الإنسان أنه {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ}[19] الخلل أن تستسلم لصفة ولا تجاهدها.
إلا المصلين: المصلي المؤمن الذي آمن والذي يؤمن يدافع لمثل هذا الهلع لا يستسلم له، ونحن نقول هذه صفة للمؤمن وليست لغيره، هو الذي يصبر ولا يهلع، الذي ليس معه إيمان يستسلم لصفته الرئيسة التي ابتلي بها.
لما الله ابتلاك بالهلع وأخبرك عن نفسك من أجل أن تجاهد هذا الخوف، والخوف يأتيك من نفسك ومن الشيطان.  كلما خوفك الشيطان حاور نفسك والشيطان, قل استودعته الرحمن الذي بيده ملكوت كل شيء ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم, يعني السماوات والأرض ومن فيهنّ في يمينه سبحانه وتعالى كخردلة في يمين أحدكم، أتظنه ليس قادرًا على حفظك وحفظ ما وهب لك؟! الذي وهب هو الذي يحفظ, فالخوف في معاملة عطايا الله دليل نقص الإيمان، وغير الخوف يوجد الطمع.

سؤال من إحدى الحاضرات: كيف يكون الاستيداع ؟
قولي استودعتك الله، وفي قلبك الثقة بالله أنه حافظ، اقرئي في اسم الحافظ الحفيظ، اجعليه يستقرّ في قلبك، ثم قولي استودعتك الله ويكون إيمانك بأنه هو يحميهم ويرعاهم ويخرجهم من المآزق ويدفع عنهم الشر, كل هذا تؤمني أنه لو استودعتهم إياه دفع عنهم الشر، ووالله حتى إن لم تستودعيهم  يحفظهم، وهذا من تمام رحمة الله بالخلق وهي أعلى من رحمة الوالدين بأولادهم، فإيمانك بصفاته تجعلك تطمئن له سبحانه وتعالى.
المخاوف عمومًا لا تكوني فيها هلوعًا.

نأتي إلى الطمع هذا الشخص الذي ليس معه إيمان كلما جاءته مسار يطمع فيها، يريد أكثر منها، ما يرضى بما قسم الله، وهذا الطمع يكدر عليه النعمة الحالية.
هذا موقف حقيقي: امرأة في الحرم فقدت 500 ريال ووقع في قلبها حزن ثم ذهبت إلى  البيت وجدت أحد وهبها بدون لا حول لها ولا قوة ألف ريال وهي عطية الله، انظري كيف ربنا أعطاك والحمد لله ومباشرة جبرك فقالت: لو كانت توجد الـ500 كان أصبحت 1500!!  هذه صورة طمعان، يعني ربنا ردّ إليك الـ500 وفوقها أتاك 500! لكن الطمع يكدّر على الإنسان عطايا الله.
 فادفع عن نفسك الطغيان يعني الاستغناء
وادفع عن نفسك الهلع على النعم
ß  سيباركها الله.
ادفع عن نفسك الطمع, لابد أن تعرف أن الله هو الذي يبارك العطايا، وهو الذي يحفظها لك، وهو الذي أعطاك إياها وحده لا شريك له سبحانه وتعالى.

انتهى اللقاء الأول ولله الحمد.




[1] رواه مسلم في صحيحه.
[2] [الضحى : 4]
[3] [الضحى:6]
[4] [الضحى:7، 8]
[5] [الإخلاص: 1، 2]
[6] [الرعد:17]
[7] [النساء:149]
[8] رواه البيهقي، وحسنه الألباني.
[9] رواه الترمذي وصححه الألباني
[10] [لقمان: 14]
[11] [لقمان : 12]
[12] [هود:11]
[13] [الواقعة:63، 64]
[14] رواه مسلم في صحيحه
[15] [الضحى : 11]
[16] [الروم:6]
[17] [إبراهيم:7]
[18] [العلق : 7]
[19] [المعارج:21، 22]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.