شرح سيّد الاستغفار
بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي
يسّر لنا هذا اللقاء، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا
مرحومًا، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقًا معصومًا..
"لا ريب أنّ
ذكر الله ودعاءه هو خير ما أُمضيت فيه الأوقات، وصُرفت فيه الأنفاس، وأفضل ما
تقرّب به العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وهو مفتاح لكلّ خير يناله العبد في الدنيا
والآخرة، فمتى أعطى الله العبد هذا المفتاح؛ فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضلّه؛ بقي
باب الخير مرتجًا دونه، فيبقى مضطرب القلب، مشوش الفؤاد، مشتت الفكر، كثير القلق،
ضعيف الهمة والإرادة، أمّا إذا كان محافظًا على ذكر الله ودعائه وكثرة اللجأ إليه؛
فإن قلبه يكون مطمئنًا بذكره لربه {الَّذِينَ آَمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ}[1]، وينال من الفوائد والفضائل والثمار الكريمة اليانعة
في الدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلا الله.
ولهذا فإن
الأذكار الشرعية والأدعية النبوية لها منزلة عالية في الدِّين، ومكانة خاصة في
نفوس المسلمين"[2]
ومنها أذكار الصباح المساء.
وأذكار الصباح تقال
بعد الفجر، وأذكار المساء تقال بعد العصر، لكن لا بأس لو أن الإنسان لم ينتبه إلى هذا
الوقت أو انشغل، لكنّ الأصل هذا الوقت، والظاهر والله أعلم أن الأجور مرتبة على
ذكرها في وقتها، يعني كأنها ذكر مرتّب في زمن معين، فالأجر مرتَّب على الزمن، لكنّ
أهل العلم يقولون الأمر واسع فلا بأس.
بمعنى لو أنّ شخصًا
لم يقلها قبل المغرب، بل قالها بعد المغرب؛ فلا بأس، ولكن لا يكون متعمِّدًا لذلك.
ومن أعظم أذكار الصباح والمساء: سيد الاستغفار.
والذي سمّاه بهذا: الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: ((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ..))[3] وذكر الحديث.
وكلمة (سيّد) تدلّ أنّ الاستغفار له صيغ متعددة، فتستطيع أن تستغفر
بكلمات مختلفة، تقول: أستغفر الله، تقول: أستغفر الله وأتوب إليه...، هذه كلها صيغ
للاستغفار، لكن أعلاها هي التي سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- سيِّد الاستغفار.
ويهمّنا معرفة مَن سمّاه بذلك لأنّ ذلك يلفتنا إلى مسألة أخرى:
وهي أنّ بعض الناس يسمُّون بعضَ الأذكار والأدعية بأسماء من عندهم، تجد
ورقة مكتوب فيها: (دعاء الأبناء)، أي فيها من الأدعية التي تنفع الأبناء، فمن الذي
سمّاها؟! الناس! لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه سمّى دعاء بدعاء الأبناء،
ولا دعاء الاختبارات! ما يقوله قبل الاختبار، وما يقوله بعد الاختبار، وما يقوله
أثناء الاختبار..!
من أين لنا هذه الترتيبات كلّها؟! وماذا تعتبر؟
تعتبر بدعة، ونحن لا نريد أن نبدِّع الناس، لكن عندنا قانون نسير عليه،
فما خالفه ليس بسُنّة، أي بدعة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
الْمَهْدِيِّينَ))[4] هذه هي التي ((عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)) أما غيرها فلا
بدّ مِن نبْذِها.
وهنا ملاحظة مهمّة ينبغي التنبّه لها:
ليس كلّ شيء لا أعرفه فهو بدعة؛ لأن الجهل أحيانًا هو الذي يجعلني أعتقد
أن هذا الشيء ليس بسُنّة، وقد يكون الإنسان جاهلاً ولم يتعوّد على هذا الأمر في
آبائه، فيأتيه الخبر بالسنة الثابتة فيقول: هذا لم يكن عليه آباؤنا وأمهاتنا، هذا
بدعة!!
إذًا لا يقال على شيء أنه بدعة إلا بعد أن يقول أهل العلم ذلك، ولا أجلس
في بيتي أُبدِّع الناس!.
المقصود: لا نسمّي الأدعية من عندنا، ولو سمّيناها من عندنا فقد ابتدعنا؛
لأننا نعرف أن هذا الدعاء الذي للاختبارات ودعاء الأبناء أتى الآن، لكن بعد مائة
سنة ماذا سيحصل؟! سيعملون حصن الطالب، والطالب سيوزعه! وهكذا تأتي البدع، جماعة يتفقون
على مسألة، فإذا قلنا لهم: هذا لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقولون: نحن
نعرف أنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمّ أولاده ينشؤون في بيت يستعمل
البدعة، الكبير يعلم أنها بدعة، لكن الأبناء يعتقدون أن هذا هو الدِّين، والعكس
بالعكس، لمّا يكون شيئًا من الدِّين ولا أُفهِم من يتربى معي أنه من الدِّين؛ ينشأ
على أنه أمر ليس من الدِّين.
·
مسألة
حبس الأبناء عند عصمة المساء، لما تأتي الظلمة، أهذه سُنة أو أنها من عملنا ؟
سُنّة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كُفُّوا
صِبْيَانَكُمْ))[5]
لكن ما الإشكال؟
أننا لما نكفّ الأبناء لا نقول لهم نحن نكفّكم امتثالاً لسُنّة النبي
-صلى الله عليه وسلم-، فإذا كبروا قالوا: عندنا عادات لا ندري ما هي!
يتصورون أنّ المسألة هي مجرّد عادة.
إذًا هذا سيِّد الاستغفار؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سمّاه سيِّد
الاستغفار، وبما أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سمّى بعض الأدعية، فما لم يسمَّ
من الأدعية؛ ليس له اسم ولا نسميه؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قادر على
تسميته، ما دام النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك تسميته إذًا لماذا أسمّيه؟!
هذا من عبوديتي لله الذي أشهد أنه لا اله إلا هو، وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله، فمَن شهد أن محمدًا عبده ورسوله كان أتقى ما يكون للبدعة، يعني يتّقيها
بقدر قدرته.
مناسبة الكلام عن البدعة في شرح سيِّد الاستغفار:
أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي سمّى سيِّد الاستغفار بسيِّد
الاستغفار، ومعنى ذلك أني لا أُسمِّي أيَّ دعاء أو أُخصِّص أيَّ دعاء باسم وكذلك
بالأجر المترتِّب عليه، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- رتّب أجرًا على سيّد
الاستغفار كما قال: ((وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ
مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،
وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؛
فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)).
ومعنى ذلك: ليس لأي أحد أن يقترح الأجر المرتّب على دعاء أو ذكر ما
مما لم يرد؛ فكما أن أسماء الأدعية توقيفية؛ كذلك الأجور توقيفية.
فليس لأحد أن يقول لآخر: لو دعيت هذا الدعاء؛ يكون لك عند الله كذا أو
كذا وكذا..
فهذا نقول له: هات السند الذي يدلّ على صحة هذا الكلام!
إذا قال: لمَ لا نُرغِّب الناس؟! بدل أن يتكلَّموا في الغيبة والنميمة
يذكروا الله! حتى لو قلنا لهم أجورًا ليست صحيحة.
نقول: هذا ليس صحيحًا؛ لأنّ السُنّة ستندثر، وإذا ظهرت البدعة؛ اختفت
السنة.
فإن قال: ما جئتُ بكلام باطل، بل إني أقول كلامًا طيبًا، فلماذا تقول
لي أن الأجر المرتَّب ليس صحيحًا؟!!
نقول:
أولاً: أن صاحب هذا الفعل يتكلم عن الله، يقول: ربنا سيعطيه، وهو
كذاب!! لم يأته خبر لا في الكتاب ولا في السنة أن ربنا سيعطيه هذا العطاء، كيف
يتجرَّأ ويكذب على الله؟! المسألة ليست سهلة.
يقول: من أجل أن أحمّسه!!
نقول: لا يوجد شخص يغرق نفسه وينقذ الناس، هذا ليس بمنطق، ولا تنظر
للكلام أنه بسيط وسهل، افهم أنك بهذا التصرف تكذب على الله!
ولو قال: لو سبَّحت ألفًا وثلاثمائة وستًا وخمسين مرة؛ يُبنى لك كذا
وكذا في الجنة!!
نقول: هذا كذب، ليس على الناس فقط، بل على الله؛ لأنّ الأجور إنما نعرفها
من نصّ الكتاب أو مِن السُنّة.
وأنت لا تأخذ كلام أحد إلا بدليل، إما بدليل صريح واضح، وإما بدليل
يتضمن المعنى.
وثمة دليل على أن الذي يكذب على الله ويقول عليه بلا علم؛ صار في درجة
قريبة من الشرك، وربما ساواه، وبعض أهل العلم قالوا درجته أعلى من الشرك:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ
تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[6] قال
أهل العلم في هذه الآية: أن الله رتّب الآثام من الأدنى إلى الأعلى، يعني الأقلّ
هي الفواحش، إلى أن نصل إلى أعلى شيء وهو القول على الله بلا علم.
ثانيًا: أن الأجور ليست ملكنا حتى نقول له: اعمل كذا وكذا، وربنا
سيعطيك كذا!! من أين هذا؟!
ثالثًا: أنّ الدِّين كامل، ولسنا بحاجة أن نأتي بشيء لم يأتِ به النبي
-صلى الله عليه وسلم-.
فكأن الشخص يقول: النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يعرف هذا الطريق،
وأنا أعرفه أكثر من النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو يعرفه لكنه كتمه ولم يبلّغه!
فنقول: هذا لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول: هذا كله خير! نقول: إذا كان خيرًا، فالخير ليس كما أريده أنا،
الخير هو الذي يأتي به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقد ورد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ -يعني
صار نحيفًا ومريضًا- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ
أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟)) قَالَ نَعَمْ،
كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ
لِي فِي الدُّنْيَا! -يعني الذي ستعاقبني به في الآخرة خذه مني في الدنيا! فالنبي
-صلى الله عليه وسلم- عاتبه على هذا الدعاء- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا تُطِيقُهُ
-أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ- أَفَلَا قُلْتَ اللَّهُمَّ: {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ}[7]؟!)) قَالَ: فَدَعَا
اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ.[8]
يعني أنّ الإنسان لا يستطيع أن يعرف أين الخير بعقله، الخير هو الذي
جاءت به الشريعة، وليس الخير هو ما نقترحه! وإلا صارت الشريعة هي آراء الناس!
هذا كلّه تعليق على الكلمة الأولى والجملة الأخيرة من الحديث وهي قول
النبي -صلى الله عليه وسلم- ((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ
أَنْ تَقُولَ..))، والأجر المرتب عليه ((وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ
يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة...)).
فتسمية الأدعية أمر توقيفي لا مجال للعقل فيه، أي لا أسمّي الأدعية
إلا كما ورد.
هل عندكم أدعية لها اسم في ذهنكم وهي صحيحة؟
دعاء الاستخارة، دعاء الكرب...، كل هذا يحتاج أنكم تذهبون إلى البيت
وتفتحون الأحاديث التي فيها الأدعية، وترون هل هذا الاسم سمّاه نصًّا أو نحن سمَّيناه
من باب الفعل.
توجد أدعية سمّيناها من باب الفعل يعني مثل دعاء الاستخارة، أول
الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ
كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: ((إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ
مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ...))[9].
لم يسمِّه مثل سيِّد الاستغفار، لكن لا بأس، نحن نريد أن نذكر هذه
الحالة حتى يظهر أن هذه التسمية لا بأس بها، أي لا بأس أن أسميه دعاء الاستخارة،
لماذا ؟
لأني أتيتُ بالاسم من الفعل الذي أريده، والمهم أني لا أقول عن النبي -صلى
الله عليه وسلم- ما لم يقله.
الآن نأتي إلى ألفاظ الحديث:
((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ
رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ
وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ
عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلَّا أَنْتَ)).
سنقسم الحديث إلى ثلاثة أقسام:
الجزء الأول: ((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ
رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ
وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ)).
الجزء الثاني: ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ
عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي)).
الجزء الثالث: ((فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)).
ما معنى لفظة ((اللَّهُمَّ)) ؟
معناها: يا الله، وقُلبت الياء (يا) ميمًا في آخر اللفظة؛ حتى يُبتدأ مباشرة
باسم الله: (اللهم).
لماذا قلبوا الياء إلى ميم في آخر الكلمة ولم يأتوا بأيّ حرف آخر؟
لأن الميم تدلّ على الجمع، فأنت إلهي وإله الناس كلهم.
إذًا (اللهم) في أيّ دعاء معناها: يا الله.
((أَنْتَ رَبِّي)) نلاحظ في الأدعية قول: ((يا رب)) دائمًا، فلماذا؟
"وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ: "أَكْرَهُ
لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ: يَا سَيِّدِي يَا سَيِّدِي يَا حَنَّانُ
يَا حَنَّانُ وَلَكِنْ يَدْعُو بِمَا دَعَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ ؛ رَبَّنَا
رَبَّنَا"[10].
فنحن نقول: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي))،
وفي الفاتحة نقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ}[11] ولمّا تريد أن
تحمد تقول: أحمد الله رب العالمين، ولمّا تريد أن تطلب تقول: يا رب، ولمّا تريد أن
تستغفر تقول ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي..)).
فهو ربّنا وهو مالكنا وهو رازقنا وله الأسماء الحسنى، ولنا أن ندعوه
بأسماء كثيرة، فلماذا ندعوه بما يدل على الربوبية بالذات؟
ماذا يعني ربّ؟
ربي الذي ربّاني وربّى جميع العالمين بنعمه.
بأن حوّلنا من حال النقص إلى حال التمام في كلّ شيء, فالله عزّ وجلّ يُربّي
عباده ليكونوا صالحين.
ماذا نعني عندما نقول للشيء أنه صالح؟
مثل المواد الغذائية وغيرها، أي هذا صالح للأكل.
والذي نقول عنه أن الله ربّاه ليكون صالحًا.
* يكون صالحًا بماذا؟
هو صالح بالعبادة, العبادة مادة صلاحه، أي يصلح بالعبادة.
أليس الإيمان يزيد وينقص؟
بلى، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
كلما زدت طاعةً؛ زدت إيمانًا, أصبحت المادة التي تستقي منها زيادة الإيمان
هي الطاعة, فصارت الطاعات هي مادة الصلاح.
* ما معنى أن يكون العبد صالحًا؟
أي: يصلح أن يكون مجاورًا لله عزّ وجلّ في جنّته[12]،
ليس كل أحد يصلح أن يكون في جوار الرحمن, لكن العبد يقوم بالطاعات من أجل أن يصلح
قلبه، فيصلح قلبه قبل أن يصلح بدنه ((إِنَّ اللَّهَ لَا
يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))[13].
فالقلب هو محطّ نظر الربّ، فيصلح القلب، ومن ثم يكون صالحًا لمجاورة
الربّ.
مَن الذي يربّي القلب ويصلحه؟
الله عزّ وجلّ، حيث يخرج من كلّ عبد بما يجريه عليه من أقدار، يخرج
منه الفاسد من قلبه ويدخل له الصالح.
هذا هدف مهم! وهو معرفة كيفية التوسّل باسم الربّ؛ لأنّ هذا الاسم -دونًا
عن بقيّة الأسماء- تجتمع فيه كلّ مفاهيم الأسماء الأخرى.
أنت تعرف أنّ الله رحمن, تعرف أنه رحيم, تعرف أنه لطيف، تعرف أنه مالك
الملك, تعرف أنه رزّاق...، إذًا ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي)) أي: الذي ربّيتني
بنعمائك، ونعماؤك بين محبوب تُشكر عليه وبين مكروه أعلم أنك ما أردت به إلا خيرًا.
هذه نعم الله، الله عزّ وجلّ يريد تعليم عبده أنه عنده قدرة على الصبر
لكنه لا يصبر، يعلّمه ويدرّبه إلى أن تأتيه المصيبة الكبرى وهو قد تمرّن وتعلّم
أنه لابد أن يصبر.
لكن هل كل الناس يقبلون تربية الله؟ الجواب: لا.
تأتي تربية الله للعبد، ويفهمه أن هذا ما حصل إلا لهذا، ويأتي الرزق
يطرق الباب, فينسب العبد النعمة إلى فلان الذي أتى بها!
فالله عزّ وجلّ يكرر نذره على العبد ويكرر تربيته له، ومع ذلك العبد
كأنه ما سمع ولا رأى.
لذلك قال الله عز وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا}
ماذا فعل الله بهم؟ {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}.
ماذا يعني زاغوا باسم الربّ؟
لم يستجيبوا للتربية, ربنا يربّيهم مرارًا وهم لا يستجيبون، أصرّوا
على أن يزيغوا, فلمّا أصرّوا على أن يزيغوا؛ أعطاهم الله عزّ وجلّ على ما يزيدهم
زَيغًا.
ولكن {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}
هو العبد لم يرضَ أن يتربّى؛ ولذلك نجد أن الله عزّ وجلّ يمدّ في أعمار أهل الكفر؛
علّهم يعتبرون, يمدّ في أعمار أهل الفسق؛ علّهم ينتفعون, لكن سبحان الله! مَن كان
في قلبه زيغ؛ مع العمر قد يزداد زيغًا.
فالله عزّ وجلّ إمّا يعامل العباد بفضله، وهو الشكور، وإمّا يعاملهم
بعدله، وهو الحليم سبحانه وتعالى.
·
"الرزّاق".
لمّا أتاني ما لم يأتِ غيري؛ قلت: أنا مؤمن باسم "الرزّاق",
أعطاني ما لم يعط غيري.
لو أتى لغيري ولم يأتني؟!
هنا يتضح هل أنا مؤمن باسم "الرزّاق" أو لا؟
لمّا يأتي لغيرك ما لم يأتك؛ هنا تأتي تربية الله؛ من أجل أنت تعرف
نفسك.
نرفع شعار أنّ "الله رزّاق" دائمًا, الله يربّيك من أجل أنك
تكتشف ما في قلبك, وتربية الله تصلحك فلمّا تأتي المواقف الحقيقية؛ يربينا فيها
قبل أن نموت، ونحن بصحتنا وعافيتنا حتى نكتشف أنفسنا.
·
يقول
شخص طوال عمره: لو كنتُ في موقف فلان؛ لم أكن حاسدًا لأحد، ولا غرتُ من أحد...
المتلبِّس في الموقف الذي عاش في وسطه ليس مثل الخالي منه، مثل المثل العامي:
الذي يده في الماء ليس مثل الذي يده في النار!.
إذًا معنى اسم الربّ: ربّنا يربّي العبد بأقداره، يجري عليه أقدار كي
يكون في نهاية الأمر: كل معلومة يعرفها عن ربه؛ يتأكد يقينًا أنها صحيحة.
لمّا نخرج من البيت ماذا نقول؟
((بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ
وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ))[14] لكن
هل نحن في قلوبنا متبرِّئون مِن حولنا وقوتنا إلى حول الله وقوته؟!
مَن عنده سيارة عند الباب وسائق، وهو نازل الدرج يقول: يارب يسر لي
الذهاب، وإن شاء الله أصل... أو أنه متأكد أن السيارة عند الباب، وانتهى الموضوع؟!
نختلف على حسب قوة تبرؤنا من حولنا وقوتنا، مَن هذا الذي يرى سيارته عند
الباب ثمّ مع هذا يقول يارب يسر لي الطريق وأن نصل...؟
الذي ربنا رباه, وعرف أن الشيء يكون تحت يده، ومع ذلك قد لا يكون سببًا
لوصوله ولا لكذا وكذا...
·
لمّا
يأتيك طفل صغير وتقول له: أمامك هذا الشيء، أمامك سيارتك التي تركبها وتذهب بها،
ومع كذا لا تثق أنك ستصل، يرد عليك: سأصل! ولم لا أصل؟! سأركب السيارة وأصل.
نقول هذا لم يتربَّ بعد.
·
إذا
غضب زوج على امرأته، وهي باكية شاكية! نقول لها: ألا تؤمنين أن قلوب العباد بين
أصبعين من أصابع الرحمن؟! تقول: نعم أنا أؤمن, نقول: مادام تؤمنين فما فائدة شكواك
لأمه وأبيه والجيران؟! اطرقي بابَ مَن يملك قلبه, تقول: أباه له سلطته عليه, فأول
مرة تتصل عليه يقول لها: أنا سآتي وأريه عمله! المرة الثانية كذلك, المرة الثالثة
يقول: يا ابنتي، حلّي مشاكلك مع زوجك بنفسك!
إذًا نحن ما قبلنا المعنى إلا لمّا تربّينا, لمّا انقطعت علائقنا
بالناس، لكن الموفّق مَن اعتبر بغيره, الموفّق مَن يأتيه اسم الله أو صفة الربّ
سبحانه وتعالى فيعتبر بالناس الذين هم حوله، ويتأمّل أقدارَ الله التي تجري عليه
وعلى الناس مِن حوله، ولا ينتظر أنه يدخل في موقف ينعصر فيه حتى يؤمن بالاسم أو
الصفة!
((أَنْتَ رَبِّي))
يعني: أنا أعترف بما أراه عليَّ مِن نعم ظاهرة وباطنة، لم يُنعِمْ عليَّ بها غيره,
والتي لابد فيها من أن أعلم أنّ الحمد كله له، اعترفت بالربوبية.
((لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) أعلم
أنه لا يستحق الألوهية إلا أنت وحدك، فأنت وحدك
الذي ربّيتني بكمال صفاتك، أنت وحدك الذي تستحق أن أخاف منك وأن أرجوك، أنت وحدك
الذي تستحق أن أبكي لو كنتَ لستَ راضيًا علي، وأن أفرح لو أحسستُ برضاك، أنت وحدك
الذي مدْحُك زَيْن وذمُّك شَيْن.
معنى لا إله إلا الله:
تأليه الله. التأليه معناه: أن القلب يُحِبّ ويعظِّم، المؤلَّه عند الإنسان
مَن يُحبّه ويعظّمه.
آخر آية الكرسي {وَهُوَ الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ} لماذا هذان الاسمان تحديدًا؟
الآية مِن أوّلها
إلى آخرها معناها: أن الله عزّ وجلّ يأتي بأسمائه وصفاته التي تدلّ على استحقاقه وحده
للألوهية، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ...} كل الصفات هذه أتت من أجل
أن نعلم أن الله وحده هو المستحق للعبادة. فخُتمت بـ {وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
ما معنى {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}؟
وهو {الْعَظِيمُ} ذو العظمة الكاملة، الذي له صفات الجلال،
قائم بنفسه سبحانه وتعالى وقائم على كل أحد، هو الغنيّ، كل أحد يحتاجه وهو سبحانه
وتعالى لا يحتاج إلى أحد.
·
الطفلة
التي تحب معلمة في المدرسة؛ كيف تصفها؟ بأنها أحسن واحدة، وترفعها..
هل يوجد من يحب شيئًا
دنيًّا؟!
لا، كل الناس
يحبون الشيء العالي, وإذا لم يكن عاليًا على الحقيقة؛ يضيفون عليه الصفات العلية؛ لأنّ
الإنسان يتعلّق بمن هو عالٍ.
فهذا التعلّق ما
يأتي إلا لعليّ, والتعظيم ما يأتي إلا لعظيم، وهاتان الكلمتان هما الألوهية:
1.
أن يمتلئ
قلبك تعلّقًا بالله
2.
ويمتلئ
تعظيمًا لله
وهو سبحانه وحده
دون سواه العليّ العظيم، يعنى إن كان العباد عندهم من صفة الكرم؛ فهو سبحانه
وتعالى أكرم من خلقه, بل ليس كمثله شيء، وإن كان العباد عندهم من الحلم؛ فهو أحلم
من خلقه، بل ليس كمثله شيء.
ومرِّر على نفسك
كل الصفات التي يمكن للإنسان أن يحب الناس من أجلها.
إذًا الذي
يؤَلِّه ماذا عليه؟ أن يحبّ (يتعلّق ويعظّم).
فلا يوجد في
قلبه أحد يرجوه ليعطيه مُراداته إلا الله، وكلّ خوفه مجتمِع في خوفه من الله. لذلك
الذي يذهب يصلي في وقت الصلاة؛ ماذا يكون في قلبه؟ أمران:
1.
متعلّقٌ
بصلته بربه, معظّمٌ له أن يخالف أمره.
2.
متعلّق
أن يصلي الصلاة في وقتها -لأن الصلاة في وقتها أحبّ الأعمال إلى الله- ومعظّم لله
أن يخالف أمره.
إذًا ما هي
العبادة؟ أن يتعلّق بربه ويعظّمه.
((اللَّهُمَّ
أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) الذي
ربَّيتَني ورأيتُ آثارَ نعمتك عليّ، ورأيتُ آثار صفاتك، رأيت الناس ينامون، وأنت
وحدك الذي أدعوك فتستجيب وترزقني من يد فلان ويأتيني الرزق رغمًا عن فلان, وفلان
يكيد لي وتكون مكيدته في صالحي وهو الذي يقع فيها, وتدفع عني كذا.. إلى آخره، مِن
كل ما أراه من التربية, أنت وحدك يا رب الذي تستحق أن لا يكون في قلبي إلا أنت معظَّمًا
متعلَّقًا به، أنت وحدك.
وفي أواخر سورة
الحشر ذكر الله عزّ وجلّ من أسمائه وصفاته كلّ ما يدلّ على أنّ المطلوب من العبد: أن
يتعلّق بربِّه وأن يعظِّم ربه.
((خَلَقْتَنِي
وَأَنَا عَبْدُك)) يعني أنا أعترف يا ربّ أنّه لا خالق لي
سواك، وأنا لست بعبدٍ لأحدٍ سواك.
لا خالق سواك:
في مقابل ((أَنْتَ رَبِّي)).
لستُ بعبد لأحد
سواك: في مقابل ((لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)).
((لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) أكون له عبدًا؛ من أجل ذلك المفترض
أن الناس يحمدون ربهم على أنه لم يجعل لهم ربًّا وإلهًا سواه.
لو أنّ رقبتنا لأحد
غير الله؛ ماذا كان سيحصل لحالنا؟! كيف يحكم الناس على الناس؟! فلو أن الناس موكلين
بنا؛ لهلكنا! سواء في تدبير شؤوننا أو في محاكمتنا أو في مخاصمتنا أو في محاسبتنا؛
من أجل ذلك قال الله عزّ وجلّ في آخر سورة الإسراء: {وَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي
الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[15]
يعني هو سبحانه وتعالى يستحقّ الحمد أنه ما جعل رقابنا في يد أحد، فأنت لا تجعل
رقبتك اختيارًا في يد أحد!
الله تعالى لا
يريدك أن تكون عبدًا إلا له, والعبد يريد لنفسه الهلاك! ولذلك قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد}[16] الإنسان يختار الكبد ويتقلّب فيه إلى أن يكون ذليلاً
لغير الله؛ لذلك يقول في السورة نفْسها: {فَلَا
اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[17]
يعني لو اقتحم العقبة ومرّ بها ولم يتعلّق بالناس ولم يعظّمهم؛ لاقتحمها ووصل إلى
المراد.
((وَأَنَا
عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْت)) ما هو هذا العهد؟
قولان:
1. العهد الذي
أخذ اللهُ عزّ وجلّ على بني آدم وهم أمثال الذرّ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
2. العهد الذي
نردّده في سورة الفاتحة بقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين}[18]
أي أن العبد يعاهد ربه على أمرين:
1- على ألاّ يعبد
أحدًا غيره.
2- ولا يستعين بأحد
غيره.
يعني أنا على
عهدك الذي عاهدتك إياه بأن لا أعبد أحدًا غيرك، ولا أستعين بأحد غيرك.
والعبادة: أن
يتعلّق بربه ويعظّمه.
كيف سينفذ
الأوامر لمّا يتعلّق بربّه؟
ليس كشخص مدفوع،
أو شخص يرجو شخصًا من أجل أن يصلي! أو شخص يقول لآخر: احمد ربك أنني صليت! بل يكون
متعلِّقًا برضاه، خائفًا من سخطه، فيفتّش عن أماكن الرضا ويقصدها، ويخاف من أماكن السخط
فيهرب منها.
·
ماذا
فعل يوسف -عليه السلام-؟ هل قال: أنا شجاع؛ سأواجه المرأة؟!
استبَقَ الباب،
يعني: هرب.
إذًا المعظِّم
لربِّه يهرب من مواطن الفتنة، ولا يتعرض لها ويقول: "قليلاً فقط وسأخرج بنفسي"!
هذا لا يعرف نفسه!
الذي يعرف نفسه
يعرف أن نفسه تأخذه بالتدريج.
((وَوَعْدِكَ)) ما هو وعد الله؟
وعد الله لنا بالأجر.
كيف أكون على
وعد الله الذي وعدني؟
يعني أكون مؤمنة
مصدِّقة بوعد الله.
ما معنى مؤمنة
مصدِّقة بوعد الله؟
أنا أعرف أن الجنة
موجودة، لكن دعونا نتأمل قليلاً بعمق في هذه المسألة حتى نرى كيف أن الإنسان كل
مرة يريد أن يكون على الوعد..
الله عزّ وجلّ
يخبر عن أهل الجنة أن لهم أنهارًا، ماذا يفعلون بها؟
{يُفَجِّرُونَهَا
تَفْجِيرًا}[19]
يعني يملكونها, ويملكون متى شاؤوا أن يفجرونها، هذا من الوعود.
لماذا اخترنا
هذا الوعد بالذات؟ ما هي نقطة بلاء العبد واختباره في الدنيا؟
المُلْك، هو
نقطة البلاء والاختبار، يعني أن الناس يتنازعون حول مُلْك الأشياء, ليس شرطًا مُلْكًا
مادّيًّا، بل حتى مُلْكًا عاطفيًّا، حتى الحبّ.
لماذا أحببت هذا؟
ولماذا لم تحبّ هذا؟ ولماذا أعطيت هذا ولم تعطني..؟!
يعني الإخوان في
البيت، والزوجات لزوجهم، بل أحارب -أحيانًا- على شيء لا دخل لي فيه!!
لماذا؟ لأنه في
النفس من البلاءات: حبّ التملّك.
الذي يحارب هذا
البلاءَ في الدنيا؛ -تأمّل دقة الجزاء- يُرزَق يوم القيامة في جنات عدن أن يُملَّك
عظيمَ الملك، بل أن يفجِّر مِن أمره! {يُفَجِّرُونَهَا
تَفْجِيرًا}.
يعني الذي ينجح
في الدنيا في اختبار المُلك ويعلم أن المُلك حقيقةً مُلك الله, فما يطرق باب أحد
على أنه يملك, إنما يعلم أن المالك على الحقيقة هو الله, الذي ينجح في الاختبار في
الدنيا؛ يُعطى في الآخرة أنه يُملَّك شيئًا موضع السوط منه خير من الدنيا وما
عليها! ((مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ
خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا))[20]
فتصوّر الفارق بين المُلْكَيْن!
لمّا يأتي العبد
يقول: ((وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ))
يعني في كل مرة أعالج نفسي بما وعدتَني به، من أجل أن أترك الذي نهيتَني عنه.
·
الذي
يشرب الخمر في الدنيا؛ لن يشربها في الآخرة، فالذي يريد أن يمتثل هذا الأمر يُذَكِّر
نفسه أنّ الذي سيأخذه في الدنيا؛ لن يأخذه في الآخرة.
إذًا لا تنازعْ في
الدنيا في مُلْك أحد, ولا تطلب المُلْك إلا ممن يملك على الحقيقة, وفي الآخرة تُملَّك
ما لا تحلم به!
((أنا
على وعدك)) بحيث
أني أردّد دائمًا على نفسي الوعد، حتى أجفِّف مِن قلبي مواردَ حبّ الدنيا.
((مَا
اسْتَطَعْتُ)) تأتي فيها مشكلة!
·
شخص
يبحث عن ماء هو بجانبه، بعد ذلك يقول: ما استطعت ولم أجد ماء، دعونا نتيمم!!
هذه فيها كثير
من الكذب، كثير من الناس يقول لك: ما استطعت، وهو لم يبذل جهوده.
ما
مقياس ((مَا اسْتَطَعْتُ)) ؟
لو أردتُ أن أخرج
والزوج يقول: لا، وأنا أريد الذهاب بالقوة؛ كيف يكون (ما استطعت) في هذه الحالة؟!!
كم ساعة في اليوم يأتي الزنّ؟!
يعني
نبذل جهودنا ونعتصر مِن كل زاوية، ونتقرب إلى الله ونتوسل إليه أن يرضى هذا...،
هذه القوة هي (ما استطعت) بمثلها عاملْ أوامرَ الله، عاملْ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} بمثل ما تزنّ
من أجل أن تأخذ أغراضَك؛ ذكِّر نفسَك بوعد الله ووعيده؛ لأنك تقول: ((وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ)) وليس ما يستطيعه شخصٌ تستطيعينه، لا علاقة لنا بأحد إلا
أنفسنا فقط ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ
مَا لَا يَعْنِيهِ))[21] وهذا لا يعنيه، إلا مَن يكون تحت يدي من أولادي، أو أنا
معلمة وهؤلاء طالباتي.
((اللَّهُمَّ
أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى
عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ)) هذا
الجزء الأول كله ثناء على الله.
الجزء
الثاني: ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت)) ما معنى: ((أَعُوذُ)) ؟
يعني: التجئ وأعتصم بك يا رب، وأنا أعلم أن لا ملجأ لي ولا مُعتصَم إلا
بك.
((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت)) ماذا يعني ذلك؟
((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت)) يعني
أنا صنعتُ ذنبًا، وهذا الذنب له شرّ وأثر على قلبي وعلى بدني وعلى حياتي، فالذنوب
لها شؤم، تجرّ بعضها بعضًا، وتُذهِب عني النعم، وأنا أعوذ بك من شرّ هذا الذنب.
فالعبد خائفٌ مِن أثر الذنب، لاجئٌ إلى الله عزّ وجلّ.
فالذنب له شرّ وله أثر، كما يقول أهل العلم: له مغبَّة، يعني له عواقب
في الدنيا وفي الإيمان، فالإنسان يكسب حسنات ويصلي ويصوم ويملأ قلبه إيمانًا...، ويأتي
في لحظة يأخذ إيمانه من قلبه ويرميه!؛ يذنب الذنبَ فيُخلّي قلبَه مِن الإيمان!
لكل ذنب شر يقع مِن بَعده، ولكن يقع على ماذا؟
على ديننا، وعلى دنيانا.
المسألة الأولى:
على ديننا: أهم
شيء: نقص إيماننا؛ ما هو مقياسك الذي تعرف به أن الإيمان نقص؟
الصلاة أهم مقياس تعرف به نقص إيمانك، يعني تصلي الظهر وأنت جامع قلبك
في الركعة الأولى إلى الرابعة، فتأتي بين الظهر والعصر وتقع في ذنب! ما الذي يحصل
لما تصلي العصر؟
تجد قلبك غير موجود! لا تجد قلبك أثناء الصلاة، ما السبب؟ السبب أن
الذنب له مغبّة، له أثر.
المسألة الثانية:
على دنيانا: أن
الذنب له أثر في دنيا العبد، فبدل أن تتيسّر أموره؛ تتعسّر، بدل أن يأتيه ما يحب؛
يأتيه ما يبغض، فالذنوب تُكدِّر عليه حياته، تُضيِّق عليه رزقه، تسلب منه
الاستقرار، تضيّع هناءه بما يحبّ، تأتي بالضيق والوسوسة...، وهذا مِن تربية الله
للعباد؛ لأنه لو تصورنا أن الإنسان يُصاب بمرض ولا يسخن ولا تأتي أي علامة، وينتشر
المرض في البدن وليس له آثار لانتشاره؛ ماذا سيحصل؟ أيهما أحسن: أن الإنسان تأتيه
العلامة حتى يتعالج؟، أو لا تأتيه علامة ويجد نفسه مريضًا تمامًا؟ الأفضل أن تأتيه
علامة، وهذا من فضل الله: أن الذنوب تأتي بآثار، فيستيقظ الإنسان، ويشعر أن هذا
أثر ذنبه، لكن ليس كل شخص عنده هذه اليقظة، نسأل الله أن يوقظ قلوبنا بتربيته لنا.
يأتي أحد يقول:
هناك أناس يعملون أكثر مني! نقول: الله أعلم بحالهم، ربما ابتلاك الله عزّ وجلّ
بهذا كفارة لك.
((أَبُوءُ
لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ)) من
أول الكلام اعترفنا بالنعمة قلنا: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ
رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ...)) لكن تكرار
ذكر النعمة يدلّ على انكسار العبد وذلّه، يقول: يا رب أنا مذنب، وأعترف أنك مُنْعم،
أنا مذنب، وأستحي من ذنبي لكثرة نعمك عليّ، خيرك إليّ نازل، وشرّي إليك صاعد،
يعترف العبد بهذا الأمر، والاعتراف أول الحلّ، الذلّ والانكسار بين يدي الربّ
والشكر له قيمته.
عندما يقول
العبد: يا رب! أنا أعلم أنه ما بي من نعمة إلا منك، بل ما بي من نعمة أو بأحدٍ من
خلقك؛ فمنك وحدك لا شريك لك، الاعتراف بالنعم قلب التوحيد، أن يكون العبد معترفًا
بنعم الله، ويطلب من الله أن يقرّ عليه نعمه.
((وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي)):
أبوء أي أعترف.
فأنا أعترف
بذنبي، وأعترف بنعمائك، وأعلم أن الذنوب لها مغبّة وآثار، وأطلب من الله أن يدفع
عني شرّ الذنوب.
تستغفر الله
وتتوب إليه وتتعلق به أن يدفع عنك شرّ الذنب؛ كيف يدفعه الله عنك؟
بعدة صور:
*أن يمحوها عنك،
فلا تكون في ميزان سيئاتك.
*من زيادة الفضل:
أن تتحول السيئات إلى حسنات مع قوة صدق العبد في التوبة.
* أن يجعلك من
المعصومين من الذنب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
((اللَّهُمَّ
بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ
بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ))[22]
أي اجعلني في جهة واجعل الذنب في جهة، أي أبعِدْني واعصمني.
*من أعظم الصور:
أن العبد بعد أن يكون مذنبًا فيتوب، يقبل الله توبته ويكون وادًّا له، يعامله باسمه
"الودود".
من أين أتينا
بذلك؟
تعلمون أن الله
يفرح فرحًا يليق بجلاله سبحانه وتعالى بتوبة عبده، فيصبح العبد محبوبًا بعد أن كان
مذنبًا؛ لأن الله يفرح به، والشيطان يكره من العبد التوبة والاستغفار لكي لا يكون
محبوبًا عند ربه، فيُخذِّله ويُنسيه ويُؤيسه من رحمة ربه!
إمّا يُخذّله
ويجعله يسوِّف.
أو ينسيه الذنب
أصلاً.
أو يقول له: "بعد
أن استمتعت بشهوتك وشبعت منها؛ الآن تتوب؟!!"
تُب ولو قال ما
قال؛ لأنه لا ملجأ منه سبحانه وتعالى إلاّ إليه، ولو حصل مني ذلك ماذا أفعل؟
ليس لديّ حل إلا
العودة إلى الله مرة أخرى والصدق في التوبة والاستغفار من ذنبي والاستغفار عن
توبتي التي لم تكن صادقة, لكن في النهاية لابد من كيد العدو، لابد أن نكيد العدو,
وذلك بأن تلهج ألسنتنا بذكر الربّ واستغفاره، وأن نكثر من التوبة؛ لأن التوبة
وظيفة العمر, فدائمًا نقول: التوبة عن الذنب، لكن توجد توبة أخرى، وهي: التوبة عن
التقصير في أداء حقّ الربّ, ألم نسمع إبراهيم -عليه السلام- لمّا بنى البيت كما
أخبر الله عز وجل في سورة البقرة: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ
مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}[23]
وبعد ذلك: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ}[24] كيف يقولون {وَتُبْ عَلَيْنَا} وهم لم يذنبوا بل كانوا في طاعة؟! تب
علينا من التقصير.
الأنبياء قدروا
الله حقّ قدره، حتى لمّا أطاعوه قالوا: {وَتُبْ
عَلَيْنَا}، ونحن لم نقدره حق قدره.
((فَاغْفِرْ
لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت)) هنا
الكلام المهم وهو التوحيد.
ما هو التوحيد؟
هو إفراد الله
بالعبادة، هذا من محفوظات المدارس.
لكن أين التوحيد هنا؟
((لَا
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت)) أتى
التوحيد على الجزئية وليس على العموم.
الكلمة العامة
هي التوحيد، أن أوحِّد في قلبي المقصود، ليس عندي مقصود إلا واحد، لذلك ابن القيم
يقول:
فلواحد كن واحدًا في واحد أعني
طريق الحق والإيمان
أي لا تجعل في
قلبك إلا واحدًا، تطلب رضى واحد، وترجو واحدًا، يهمك أن تذكره ليلاً ونهارًا، واحدًا
تستعين به، واحدًا يأتيك منه النعم، واحدًا تشكره، تلجأ إليه وقت الضيق، ما تسأل
أحدًا غيره، هذا هو التوحيد، أن يبقى واحدٌ لك تعيش حياتك حول رضاه.
في آخر مقطع أتى
التوحيد: ((فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلَّا أَنْت)) أي: لا يوجد أحد أعتقد أنه يغفر الزلات أو يمحوها أو يرفع مكاني
عندك، إلا أنت، لسنا أهل صكوك غفران، ولا الذين نتمسَّح بأقدام أو بتربة أحد، ولا
نرى أحدًا معظمًا أو بينه وبين الله نسب، نحن لا نضع بيننا وبين الله أحدًا أبدًا،
ولا حتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما نعتقد يقينًا ما قال الله في حقِّه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون}[25]،
نؤمن يقينًا بذلك، ولا نعتقد أن الله أرسل رسوله بالتوحيد إلا من أجل أن لا يتعلق
الناس إلا بالله.
فكيف يرسل الله
رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أجل أن لا يكون الناسُ عبيدًا إلا لله، ثم في نهاية
الأمر يأتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدين يُجعل فيه بيننا وبين الله!! كلامُ مَن
هذا؟! عقلُ مَن هذا؟!
ألم يرسل الله
رسوله بالتوحيد؟! فكيف يصير الرسول -صلى الله عليه وسلم- سببًا للشرك؟!!
حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن كما أخبر
النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ
مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ))[26]
فالقضية تدور.
فلا أحد يزهّدكم
في التوحيد، لا أحد يقول لكم: التوحيد هذا مادة جامدة، وأن الناس ليسوا بحاجة
إليها!
التوحيد هو صلب
الاعتقاد، الله أرسل رسوله وأمرنا بالشرائع حتى تبقى حياتُنا كلُّها لواحد سبحانه
وتعالى، وهذا هو الكلام المنطقي.
الله عز وجل
يرسل رسوله من أجل أن يترك كفار قريش ما هم عليه، كفار قريش ماذا كانوا يفعلون؟
كانوا يعبدون
الله ويعبدون معه غيره، نقول: (أشركوا) فلابد أن يكون عندهم أحد شريك مع الله –
تعالى الله -، فكان الشريك: الأصنام، إذًا عبدوا الله وعبدوا معه غيره.
لو قيل لك: هذا
يصلي ويصوم ويذهب إلى المسجد ويطوف ويحج...!
نقول: وكفار
قريش كانوا يطوفون حول الكعبة، ويحجون ويصومون ويصلون، ويُكرمون الضيف، ومع ذلك
اتخذوا مع الله أحدًا، هذا كله ذهب هباءً منثورًا، فاليوم نفس الأمر، لا يغرّك أنه
يصوم ويصلي وهو يتمسّح بقبر ويحمل تربة... هذا كله هو عين الشرك.
لو قيل لك: فلان
وليّ لله، لو ذهبتَ عند هذا الولي يعطيك من بركاته ما يصلح بها دنياك!
نقول: هذا عين
الشرك، الله عزّ وجلّ أرسل رسوله حتى لا يصير بيننا وبين الله أي أحد.
ما المصلحة أننا
لا نجعل بيننا وبين الله أحدًا؟
هذا أمر الله،
لكن أنت اسأل الذي يريد أن يجعل بينك وبين الله واسطة: ما مصلحته من وضع الواسطة؟
شخص يقول: "لا
تجعل بينك وبين الله واسطة"، ويقول: "أنت في بيتك قل: يا رب!، لا تسأل
أحدًا"، هل هذا مثل الذي يقول لك: "تعال عندي أعطيكَ وأعمل لك.." مَن
الذي يُشَكّ في نيته؟!
هل هو الذي
يجعلك لله وحده أو الذي يريد أن يعبِّدك له؟!!!
من أجل ذلك نقول
إن التوحيد ظاهر في كل الشرائع على الإطلاق، نحن لا نطوف إلا حول الكعبة، ما نذبح
إلا لله، لا نحج إلا لله، لكن ننظر إلى القوم وإلى العالم الإسلامي، توجد قبور يزورها
الناس بواقع ثلاثة مليون شخص!! هذا حاصل فلا نعمي بصائرنا عنه.
إذًا لما تجد أن
الأمة تقول: نحن مخذولون، نحن نحتاج إلى سلاح، نحن نحتاج ونحتاج...
نقول: نحن نحتاج
إلى التوحيد؛ لأن الصحابة لمّا أخلصوا ووافقوا السنة؛ نصرهم الله، ولمّا خالفوا
السنة في غزوة أحد؛ ذاقوا الألم، وكذلك لمّا لم يخلصوا واغتروا بأنفسهم في حُنين.
إذًا هما شرطان
لابد منهما:
1.
الإخلاص.
2.
والمتابعة.
فبهما تُنصر
الأمة، وتُرزق سلاحًا، وإذا تُرك الإخلاص والمتابعة؛ يأتي السلاح ويقتل المسلمين
بعضهم بعضًا!
فهذا هو الذي
نذوقه اليوم، ولابد أن يشتعل داخل نفوسكم فعْل مَن يروِّج للشرك ترويجًا، ويأتي
ويقول لك: لا بأس من أخذ تربة قبر النبي صلى الله عليه وسلم!!
يوجد كلام من
هذا منذ زمن وعاد الآن، كلام عجيب! يقول: تربة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- خير
من العرش!! هذا الكلام موجود ويتردد.
معروف من الذي
يروّج هذا الكلام، لكنه يروج على مَن؟
يروج على أناس أولاً
صار بينهم وبين التوحيد حاجز، لا يفهمونه ولا يشعرون بأهميته، وبعد ذلك قليلاً
قليلاً إلى أن ينتبذ من قلوبهم أهميته، بعد ذلك يروج هذا الكلام على الناس.
من أجل ذلك؛
كونوا على حذر، بل كونوا من الحامدين الشاكرين أن الله لم يجعل له شريكًا في
المُلك، لم يكن له وليٌّ من الذلّ، كبِّره تكبيرًا، احمد الله على أنه لم يجعل له
شريكًا، احمد الله أنه لم يجعلك ذليلاً لأحد غيره، ما جعلك تسجد لتربة أو تسجد عند
شيخ أو فلان أو علان، ما جعلك ساجدًا إلا له سبحانه وتعالى، ومن ذلك؛ لم يجعلك
طالبًا للمغفرة
من أحدٍ غيره، وأن تذهب وتحكي له قصة حياتك وأنا أذنبت وأنا فعلت، وهو يلومك وينظر
إليك بعين اللوم، يقول لك: كيف لا تستحي؟!
تسجد لله وتقول:
"يا رب!" وأنت مستور، يغفر لك وأنت مستور! بل وينشر عنك كل خير، ويخفي
عن الناس كل عيب.
فنِعْمى به
ربًّا، ما يُطلب عنه بديل، ولا يُسأل غيره، ولا يُلتجأ إلى غيره، ولا يُتذلل إلى
غيره سبحانه وتعالى، فدع عنك كل من يُعلِّقك بغيره، والتزم أن تكون ساجدًا لله،
طالبًا منه، ما تسأل ولا تُذلّ لأحد غيره، وإن سألت وطلبت غيره؛ فقلبك معلق به؛ لأنه
هو سبحانه وتعالى الذي يعطيك.
وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] الرعد: 28.
[2] عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر. فقه الأدعية
والأذكار. ط1._ كنوز إشبيليا: الرياض. 1424هـ. ج1 ص8،7.
[3] "صحيح البخاري" (كِتَاب الدَّعَوَاتِ/ بَاب
أَفْضَلِ الِاسْتِغْفَارِ/ 6306).
[4] "سنن ابن ماجه" (كِتَاب الْمُقَدِّمَةِ/
بَاب اتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ/ 42) وصححه
الألباني.
[5] "مسند الحميدي" صححه الألباني.
[6] الأعراف: 33.
[7] البقرة: 201.
[8] "صحيح مسلم" (كِتَاب الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ
وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ/ بَاب كَرَاهَةِ الدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ
فِي الدُّنْيَا/ 2688).
[9] "صحيح البخاري" (كِتَاب الْجُمُعَةِ /
بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى.../ 1162).
[10] "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (10/ 258).
[11] الفاتحة: 2.
[12] ذكر هذا المعنى العلامة السعدي في تفسيره للآية
(25) من سورة البقرة.
[13] "صحيح مسلم" (كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ
وَالْآدَابِ/ بَاب تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ وَخَذْلِهِ وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ
وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ/ 2564).
[14] "سنن أبو داود" (كِتَاب الْأَدَبِ/
بَاب مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ/ 5095) وصححه الألباني.
[15] الإسراء: 111.
[16] البلد: 4.
[17] البلد: 11.
[18] الفاتحة: 5.
[19] الإنسان: 6.
[20] "صحيح البخاري" (كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ/ بَاب فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي
سَبِيلِ اللَّه/ 2892).
[21] "سنن الترمذي" (كِتَاب الزُّهْدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ بَاب فِيمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُضْحِكُ
بِهَا النَّاسَ/ 2317) وصححه الألباني.
[22] "صحيح البخاري" (كِتَاب الْأَذَانِ/ بَاب
مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ/ 744).
[23] البقرة: 127.
[24] البقرة: 128.
[25] الزمر: 30.
[26] "سنن أبو داود" (كِتَاب الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ/
بَاب ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا/ 4252). صححه الألباني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.